بازگشت

الحسين الفاتح



الحسين الفاتح

عاش الامام الحسين (عليه السلام) في زمان انقلبت فيه الموازين و تغيرت المقاييس و اصبح المعروف منكرا و المنكر معروفا و الحق باطلا و الباطل حقا و الجور عدلا و انتشر الفساد و ساد التحلل و التميع و الهزيمة الاخلاقية و فقدت الامة ارادتها و ماتت ضمائرها و كأن الانسان المسلم لا يفكر الا بهمومه الخاصة و مصالحه الشخصية و اصبح منشدا الي الدنيا و الي الدارهم و الدنانير و كادت الجاهلية و الارستقراطية تسودان مجتمع الحسين (عليه السلام) و تعود النزعة القبلية و العادات الجاهلية التي قضي عليها رسول الله محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) ليصبح مجتمعا بعيداً عن روح الرسالة الاسلامية ولم يبق من الحق الا نفر محدود قالوا كلمة الحق امام سلطان جائر فاستشهدوا و قتلوا في سبيل الله، يقول الامام الحسين (عليه السلام) «الناس عبيد الدنيا و الدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما دارت معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون» ثم يصف الحسين مجتمعه الذي كان يعيش فيه و يقول: «اما بعد فقد نزل بنا من الامر ما قد ترون و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها ولم يسبق فيها الاصبابة كصبابة الاناء و خسيس عيش كالمرعي الوبيل الا ترون الي الحق لا يعمل به والي الباطل لا يتناهي عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه فاني لا أري الموت الاسعادة و الحياة مع الظالمين الا برما».

ان الامة في زمن الامام (عليه السلام) بالذات ابتليت بمرض ضعف الارادة و فقدان الضمير فكانت تعرف الحق و اهله و تعرف الباطل و اهله ولكنها ضعيفة الارادة خائفة لا تقدر ان تترجم احاسيسها و وعيها الي عمل و مواقف و حينما سئل الحسين (عليه السلام)و الشاعر المعروف الفرزدق عن اهل العراق فأجاب: «قلوبهم معك و سيوفهم عليك» فاستشهد الحسين (عليه السلام) لاجل ايقاظ ضمير الامة و هز مشاعرها و احاسيسها و تحرك وجدآنهاو عاد الحسين (عليه السلام) ارادة الامة الصلبة التي كانت تقف امام جيوش كسري و قيصر و التي قامت بفتوحات اسلامية عظيمة و انتصرت في معاركها ضد الكفر و الالحاد فنهض الامام الحسين لكي يصلح الاوضاع الفاسدة و ليعيد دين جده رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) و ليصون القرآن عن التحريف و السنة من البدعة و يهز ضمائر المسلمين الميتة و ليبعث روحا جديدة في الامة لكي يرجعوا الي رشدهم و صوابهم و يروي شجرة الاسلام اليابسة بدمه الزكي لتصبح غضة طرية تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها.

الحسين لم يخرج لطلب الجاه و الرئاسة و السلطان ولم يكن بصدد اقامة حكومة اسلامية يتولاها بل خرج لطلب الاصلاح و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، يقول (عليه السلام): «اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالماً ولا مفسدا بل لطلب الاصلاح في امة جدي محمد اريد ان امر بالمعروف وانهي عن المنكر و اسير بسيرة جدي و أبي». و استشهد الامام و اولاده و اصحابه في يوم عاشوراء سنة 61 هجرية في ملحمة مأساوية ولم ينسها التاريخ بل سجلها با حرف من نور مضيئة و سطر اروع ملاحم البطولة و التضحية و الفداء والبذل و العطاء علي امتداد التاريخ الإلهي العام لتكون هذه الملحمة درساً و عبرة لجميع الاحرار و الشرفاء و لجميع الثوار و المجاهدين، و ها السؤال يطرح نفسه: هل انتصر الحسين في المعركة ام خسرها؟ نقول لقد انتصر الحسين في هذا الصرع لان مقياس النصر و الفتح و الغلبة هو تحقيق اهداف الثائر المجاهد و قد تحققت اهدافه (عليه السلام) و قد سئل الامام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) عن هذه المسألة فأجاب قائلا اسمع المؤذن لتعرف الجواب.

الحسين قتل لاجل اقامة الصلاة و ايتاء الزكاة و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و احياء السنة و اماتة البدعة ولكي يسمع صوت الاذآن في كل صبح و مساء ولكي يصل الينا اسلاما نظيفا نقيا خالياً عن الشوائب و الاوهام و الخرافات.

يقول الشاعر المسيحي انطوان:



سيكون الدم الزكي لواء

لشعوب تحاول استقلالا



ليت شعري لم البكاء

و ذاك اليوم عيد تشرف الاجيالا



مأتم القاتلين لا مأتم القتلي

يسيرون للخلود عجالا



فانتصر الدم علي السيف و اصبح الحسين مخلدا في دنيا البطولات و عالم الشجاعة و التقوي و الفضيلة و اصبح نجمه يتألق في سماء الاحرار و الشرفاء و سالكي طريق الخير و السعادة.

اصبح الامام هو الفاتح و المنتصر و عدوه هو المنهزم و الخاسر لان الحسين ضحي بنفسه و دمه و دم اولاده و اصحابه في سبيل الله و ما كان لله ينمو يقول الشاعر:



ان ما كان لله ينمو

شاء اهل الضلال ام لم يشاءوا



سلام عليك يا سيد الشهداء وابا الاحرار و يا من علمتنا درس الحرية و الجهاد و الشموخ و الآباء و قد استلهمنا من مدرستك هذه الدروس فوفقنا بكل عزة و بكل شجاعة و بسالة امام الجيش العراقي المحتل حتي سقط شهداؤنا في ارض الحرية و الكرامة ارض الكويت الحبيبة.

و نعاهدك يا ابا عبدالله ان ندافع عن المظلومين و عن الاسلام و القرآن و عن وطننا و ان نقف بحزم و قوة امام العابثين بأمن البلاد.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار وفك قيد اسرانا و احفظ بلدنا من شر الاشرار و اجعله بلد امن و امان و سلام آمين يا رب العالمين.


جريدة الوطن