بازگشت

اربعين الامام الحسين.. سجل الزمن



اربعين الامام الحسين.. سجل الزمن الخالد

ساعات مضت لتسجيل للتاريخ ثروة حافلة بعاصفة من السيوف والسهام والرماح خلّفت وراءها تلك المسيرة من الدموع والجراح والألم، فرحل سيد الشهداء الحسين(عليه السلام) بعد أن ارتدي الباطل قناع الإسلام وراح يشدّ وثاقه بحبال العصبية الأولي وفجعت كربلاء يوم انتهت المعركة لتبتدئ مسيرة الطف من جديد وتدك هذه الأرض التي انتقلت إلي أرض الشام بعد أن تواصلت تلك الأنفاس بصبر النفوس التي لم تخذل. فكان لواقعة كربلاء أن تبقي في ذاكرة الآخرين وهي تشهد ذلك المصاب الذي بكته السماء يوم كان النموذج الأعلي للتفاني من أجل رفعة الإسلام وحماية هوية الأمة... وراحت تلك الكلمات تحفر في الحياة نشيد الأمل وتوقف هزيمة المتخاذلين أمام ذلك المعني الذي استوعب شهادة الرسل والأنبياء فكانت الرمال حاضرة في قصائد الفاجعة تسجل معها تلك المواقف وأولئك الرجال الذين عاهدوا الله فقدّموا أرواحهم فداء للثورة الحسينية فارتبط ذلك اليوم بضمائر العالم أجمع وهزّ النفوس بعد أن ترك تلك البصمات المشرقة في صفحات التاريخ سبيلا للتحرر من العبودية والطغاة. ولهذا صار من خصائص تلك الثورة إحياء تراثها اللامع عبر العقيدة والمجلس والموكب ومع الأدب الحسيني يبقي التراث يشارك أحفاد الحسين(عليه السلام) بذكري حادثة كربلاء ليشهد أمجاد أمتنا ومفاخرها مستلهما تلك الدروس وتلك العبر من أروع المعاني التي نشأت من ثنايا المحنة تسوق تتغشي القلوب ببرهان الشهادة فخراً وعزّة... وها هي أم سلمة زوجة رسول الله (صلي الله عليه وآله) مرة أخري...

تقسم بالله علي ما جري لها يوم سمعت الجن تنوح علي الحسين (عليه السلام) يوم استشهاده...ولم ينته ذلك التاريخ الذي بقي يفسّر لنا معني الجهاد ومعني استعادة تلك الذكري ويوم الأربعين بالذات كما ورد عن أبي ذر الغفاري وابن عباس عن النبي (صلي الله عليه وآله) (أن الأرض لتبكي علي المؤمن أربعين صباحاً بالسواد والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً وما اختضبت امرأة منا ولا أدهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتي أتانا رأس عبيد الله بن زياد ومازلنا في عبرة من بعده.

لذا فأن إقامة المآتم عند قبره الشريف (عليه السلام) في كل سنة تجديداً لذلك العهد إنما هو إحياء لتلك النهضة الحسينية وتعريف بعمق المصيبة حيث أولئك النخبة من العظماء والأبطال الذين ساورا في مسيرة الزمن مشدودي الخطي نحو رايات العزّة والشموخ.. لتلك الرسالة السماوية التي لم تصنعها مشيئة المخلوق بل أنها إرادة الله في الأرض حملها الرسول (صلي الله عليه وآله) في صدر الإسلام لتبقي حيّة تنبض بالسمو والعطاء...ومع الأربعين يتجدد اللقاء مع نهضة سيد الشهداء وقد فاز مع أصحابه الميامين بالخلود الأبدي في جنات النعيم. وبقي النزيف المضيء يلتحف الذاكرة.. حيث كربلاء الرمز وجسد الحسين (عليه السلام) وأصحابه وروح التحدي..

لذا فقد ذكر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) علامات المؤمن خمس (صلاة إحدي وخمسين وزيارة الأربعين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتختم باليمين وتعفير الجبين لذا فأن تأبين أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في الأربعين إنما هو علامة من علامات المؤمن حتي أن إقامة المأتم في يوم الأربعين تشكّل أهمية تلك الزيارة المخصوصة لسيد الشهداء تعبيراً عن الولاء المطلق وتجديداً للعهد إليه (عليه السلام).

وقد قال أحد شعراء أهل البيت (عليهم السلام):



بحبك لذَّ لي عيشي وطابا

و قلبي في هواك العذب ذابا



جننت بحبك الغالي ومن لم

يجن بحبك الميمون خابا



فأنت من الألي فرض ولاهم

و من والاهم أمن العقابا



لكم خلق الوجود وفي يديكم

حساب الخلق أن في الحشر آبا



أبا الثوار قد أحييت ديناً

وللثورات قد أوجدت باباً



وأرشدت الأباة طريق عز

إذا ساروا به كانوا غلابا



و قال الشاعر محمد صالح بحر العلوم:



بدم الشهيد تخط فاجعة الإبا

حقا بدون دم أبي أن يكتبا



و سجلّ إثبات الحقوق سطوره

حمرٌ تعلمنا النضال الأصوبا



والحر إن خاف المنيّة لم ينل

حرباً بدون ضحيّة لن تكسبا



فالموت في طلب الكرامة منهل

عذب وميت من يعيش معذباً



فتأبين سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) بهذه المناسبة أي الأربعين إنما هو تعبير عن الولاء والمشايعة وإحياء للنهضة الحسينية بكل مفرداتها.