بازگشت

حتمية الشهادة


من ابرز سمات ثورة الإمام الحسين (ع) الدعوة إلي الشهادة ،و الاستماتة في سبيل الله، ولم يزل الحسين (ع) منذ ان غادر مكة إلي العراق ، إلي يوم عاشوراء، يؤكّد لمَن يلقاه ، ولمَن يصحبه ان ّ سبيله وسبيل مَن يصحبه الموت .

ومهما شك ّ الإنسان في شان من شؤون هذه الثورة الفريدة في التاريخ فلن يشك ّ ان ّ الحسين كان ينعي نفسه إلي الناس في خروجه إلي العراق ، وكان يعلن إلي الناس ان ّ سبيل مَن يخرج معه الشهادة لا محالة ،و ان ّ مَن يخرج معه لن تتخطّاه الشهادة .

روي اصحاب السيّر ان ّ الحسين (ع) لما اراد الخروج إلي العراق قام خطيباً فقال :

«خُط ّ الموت علي ولد آدم مخط ّ القلادة علي جيد الفتاة ، و ما اولهني إلي اسلافي اشتياق يعقوب إلي يوسف ، و خيرٌ لي مصرع انا لا قيه ».

و الإمام (ع) في هذه الخطبة ينعي نفسه إلي الناس ، و يفتح خطابه للناس بالتعريف علي الموت .

ثم يدعو الناس إلي الخروج معه ، و يطلب منهم مهجهم وان يوطّنوا انفسهم في الخروج معه للقاء الله.

«.. من كان باذلاً فينا مهجته ، موطّناً علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله».

روي السيد ابن طاووس في (اللهوف ) بالإسناد عن ابي عبدالله الصادق (ع)، قال : سار محمد بن الحنفيّة إلي الحسين (ع) في الليلة التي اراد الخروج في صبيحتها عن مكة ، فقال : يا اخي ، إن اهل الكوفة مَن عرفت غدرهم بابيك و اخيك ، وقد خفت ان يكون حالك كحال مَن مضي ، فإن رايت ان تقيم ، فإنّك اعزّ مَن في الحرم و امنعه .

فقال (ع): «يا اخي ، قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فاكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت ».

فقال له ابن الحنفيّة : فإن خفت ذلك فسر إلي اليمن او بعض نواحي البرّ، فإنّك امنع الناس به ولا يقدر عليك احد، قال : انظر فيما قلت ، ولمّا كان السحر ارتحل الحسين (ع) فبلغ ذلك ابن الحنفية ، فاتاه فاخذ زمام ناقته التي ركبها، فقال له : يا اخي ، الم تعدني النظر فيما سالتك ؟

قال : بلي .

قال : فما حداك علي الخروج عاجلاً؟

قال (ع): «اتاني رسول الل ه(ص) بعد ما فارقتك في المنام فقال : يا حسين (ع) اُخرج فإن ّ الله قد شاء ان يراك قتيلاً».

فقال ابن الحنفيّة : إنّا لله و إنّا إليه راجعون ، فما معني حملك هؤلاء النساء معك ، و انت تخرج علي مثل هذه الحال ؟

فقال له : «قد قال لي : إن ّ الله قد شاء ان يراهن ّ سبايا»، وسلّم عليه ومضي .

ونصح الحسين (ع) نفر ممّن كان الحسين (ع) لا يشك ّ في صدقهم في النصيحة ، و فهمهم للحالة السياسية في العراق ان لا يذهب إلي العراق ، و ان مآله في العراق و مآل اصحابه و اهل بيته القتل .

و كان الحسين (ع) يجزيهم خيراً علي صدق النصيحة ، ثم لا ينثني عن عزمه ، و نحن لا نشك ّ في صدق هؤلاء النفر، وإن ّ الحسين (ع) كان لايتّهمهم في نصيحتهم ، وإن ّ الامر في العراق كان كما يتوقعه هؤلاء.

ونعتقد ان ّ ما كان يتوقّعه هؤلاء من تخاذل الناس في العراق عن نصرته ، لم يكن يخفي علي الحسين (ع)، ولكن الحسين (ع) كان يري ما لايرونه و يعرف ما لا يعرفونه .

لقد كان الحسين (ع) يري ان لا سبيل له للقضاء علي فتنة بني اُمية التي طالت هذا الدين وهذه الاُمة إلاّ بقتله وقتل مَن معه من اهل بيته و اصحابه ،و كان يعرف هذه الحقيقة بوضوح ، ولم يكن يشك ّ في ذلك . وهذا ما كان يخفي علي اُولئك النفر الذين كانوا ينصحون الحسين (ع) الاّ يغترّ بكتب اهل العراق و دعوتهم له ـ ولم يكن بوسع الحسين (ع) ان يفصح لهم عمّايراه ويعرفه .

و آخر مرّة اعلن الحسين (ع) لاهل بيته واصحابه ان مآلهم الشهادة ،ليلة العاشر من محرّم ، جمع الحسين (ع) اصحابه و خطب فيهم ، و احلّهم من بيعته و قال لهم : «ذروني و هؤلاء القوم فإنّهم لا يطلبون غيري ، و لو اصابوني و قدروا علي قتلي لما طلبوكم ».

فلمّا توثّق من عزمهم علي الشهادة معه قال لهم :

«إنّكم تقتلون عذراً، كذلك ، لا يفلت منكم رجل قالوا: الحمدالله الذي شرّفنا بالقتل معك ».

اجل ، إن ّ مَن يقرا سيرة الحسين (ع) من المدينة إلي كربلاء من دون مسبقات ذهنيّة لا يشك ّ في ان ّ الحسين (ع) لم يكن يطمع في مسيرته هذه بالحكم و السلطان ، ولم يكن يتوقع في هذه المسيرة غير القتل والسبي له و لمَن معه من انصاره ولاهل بيته وحرمه ونسائه .

ولم يكن العبادلة الاربعة : (عبدالله بن مسعود، عبدالله بن عباس ،و عبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير) الذين نصحوا الحسين بالإعراض عن العراق اعرف من الحسين و اخبر منه بحال العراق وحال الناس في العراق في هذه الفترة .

وهذه السمة كما ذكرت هي ابرز معالم و سمات عاشوراء، و إلغاء هذه السمة هو تجريد عاشوراء من قيمتها التاريخية الكبيرة .