بازگشت

يوم الفرقان 1


ثم إن ّ البعد المأساوي لهذه المعركة يعطي هذه المعركة زخماً عاطفياً قوياً جدّاً في اعماق النفوس . ولذلك قلنا: إن ّ هذه المعركة شطرت الناس في الولاء و البراءة شطرين متميّزين من سنة إحدي وستين هجريّة إلي اليوم الحاضر و إلي ما شاء الله من العصور.

وهذه الخاصيّة يسمّيها القرآن الكريم بالفرقان ، وهو الامر الذي يشطر الناس شطرين متميّزين في الولاء والبراءة .

و لقد كان يوم بدر هو «يوم الفرقان الاول ». في تأريخ الإسلام ، يقول تعالي : (يوم الفرقان ، يوم التقي الجمعان ).

وذلك لان ّ هذا اليوم الذي إلتقي فيه المسلمون بالمشركين في مواجهة عسكرية ، قد شطر الناس شطرين متمايزين في الولاء والبراءة . فهو أوّل مواجهة قتاليّة بين التوحيد و الشرك في تأريخ الإسلام . وعلي نتائج هذه الحرب الميدانيّة يتوقف مصير البشريّة جميعاً، و إتجاه الحضارة الانسانيّة . صحيح ان ّ الذين وقفوا مع رسول الله(ص) في بدر هم ثلثمائة او يزيدون ، وان الذين وقفوا إلي جانب قريش لقتال رسول الله ألف او يزيدون قليلاً؛ إلاّ ان ّ هذه المواجهة كانت اعمق و اوسع ممايترإي لنا لاول مرّة من خلال التاريخ في وادي بدر في السنة الثانية من الهجرة .

لقد كان يقف من وراء المشركين من قريش في بدر جبهة عريضة من الشرك في الجزيرة وخارجها، و تصاعد الاحداث بعد هذا اليوم اثبتت هذه الحقيقة . و لقد كان رسول الله (ص) وقف بهذه العصبة الصغيرة امام جبهة الشرك العريضة . فيوم بدر - إذن - فرّق البشريّة إلي شطرين متمايزين في الولاء: شطر قوامه ثلثمائة مقاتل وخمسة مقاتلين ، و شطر آخر قوامه جبهة الشرك العريضة ، وبكل إمكاناتها الواسعة فهو «يوم الفرقان الاوّل » حقاً في تأريخ الإسلام .

إن ّ النظرة الساذجة الاُولي لساحة بدر في السنة الثانية من الهجرة لاتلتقي إلاّ بهذين الجمعين المتقاتلين ، ولكن النظرة العميقة الممعنة تلتقي في هذه الساحة بحضارتين وعقيدتين ، تتصارعان علي الوجود، وليس علي حنفة ٍ من تجارة قريش ، و تلتقي بجهات عريضة و واسعة ، وليس من الف من المقاتلين او يزيدون علي ذلك .

ولم يكن يوم بدر هو يوم الفرقان الذي يشطر الناس في الولاء و البراءة إلي شطرين في السنة الثانية من الهجرة فقط ، و إنّما يظل يوم بدرهو يوم الفرقان في تأريخ الإسلام .