ضرورة توحيد الولاء
وبناءً علي ما تقدم فإن ّ مسألة توحيد الولاء - إذن - من اهم ّ خصائص الولاء، وقد سبق وان اشرنا إلي ان اكثر مصاديق الشرك في القرآن الكريم هي شرك في الولاء و ليست شركاً في الخالق .
قال تعالي : (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون و رجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً...).
حيث يضرب الله سبحانه لنا مثلاً في «التوحيد» و «الشرك »،برجلين :
احدهما: يتنازعه شركاء متشاكسون ، لكل ّ واحد منهم ولاية عليه و سلطان ، فهؤلاء الشركاء مختلفون فيما بينهم ، وهو موزّع بينهم .
والآخر: قد اسلم امره إلي رجل واحد فقط «و رجلاً سلماً لرجل » يطيعه في كل ّ شي ء وينقاد له في كل ّ أمر ويتقبّل ولايته و حاكميته في كل ّ شأن .
و هكذا الامر بالنسبة للتوحيد و الشرك .
فالموحّدون من الناس كالرجل الثاني الذي اسلم امره لرجل واحد،فهو في راحة من امره .
و المشركون من الناس كالرجل الاوّل الذي يتنازعه شركاء متشاكسون .
وواضح من هذا المثال ان ّ المقصود بالشرك والتوحيد هو: الشرك في الولاء والتوحيد في الولاء.
وقال تعالي عن لسان يوسف (ع):
(يا صاحبي السجن ءأرباب متفرّقون خير ام الله الواحد القهّار).
إن ّ صاحبي يوسف (ع) في السجن لم يكونا ينكران الله الواحد القهّار،و إنّما كانا يشركان ارباباً متفرقين مع الله في الولاية و الحاكمية علي حياتهم فانكر يوسف (ع) عدم تسليم اُمورهما كلّها لله الواحد القهّار.
ويقول امير المؤمنين (ع) في اسباب البعثة :
«بعث الله محمّداً (ص) ليُخرج عباده من عبادة عباده إلي عبادته ، و من عهود عباده إلي عهوده ، ومن طاعة عباده إلي طاعته ، و من ولاية عباده إلي ولايته ».
اللهتعالي وحده هو مصدر الولاية و الحاكمية والسلطان :
فالولاية - إذن - محور ثابت لا يتعدّد ولا يتجزّأ ولا يتغيّر.. و هي لله سبحانه و تعالي ، ولكن ّ الله سبحانه وتعالي يمنح هذه الولاية إلي مَن يشاء من عباده ، و إلي مَن يرتضي من الناس .
فلن تكون ثمة ولاية - إذن - في قبال ولاية الله.
ولن تكون هناك اي ّ ولاية - ابداً - بغير إذن الله، و لا حاكمية من دون امره .
حيث إن ّ الولاية المشروعة في حياة الاُمّة ، لمّا كانت امتداداً لولاية الله، فإنّها لابدّ وان تكون بإذن الله وامره .
وما لم يأذن الله لاحد من الناس بان يلي امر عباده لن يكون له الحق ّفي ان يتولّي شيئاً من اُمور الاُمة .
وبمراجعة القرآن الكريم نجد هذه الحقيقة واضحة فيما يحكي الله تعالي لنا من تنصيب عباد له اولياء وائمة وخلفاء علي الناس ، وانّه لم تتم ّلهم إمامة و لا ولاية علي الاُمّة لولا ان ّ الله تعالي قد خصّهم بذلك واناط إليهم هذا الامر.
ففي قصّة إبراهيم (ع)، يقول تعالي :
(قال إنّي جاعلك للناس إماماً قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )
والإمامة - هنا - بمعني الولاية .. فقد جعله الله تعالي إماماً بعد ان كان نبيّاً.
و في قصّة داود (ع)، يقول تعالي :
(يا داود إنا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ..)
والخلافة هنا بقرينة قوله تعالي : (فاحكم بين الناس بالحق ) تعني الولاية والحاكمية .
ويقول تعالي عن ذرية إبراهيم (ع) لمّا نجّاه الله تعالي من القوم الظالمين :
(ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلاّ جعلنا صالحين وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا و اوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين )
ولا نريد - هنا - ان نسهب في هذا القول ، فله مجاله الخاص في البحث ، و إنّما نريد - فقط - ان نشير إشارة سريعة إلي ان ّ مصدر الحاكمية و السلطان في حياة الإنسان هو الله تعالي وليس الاُمّة - كما تذهب الاتجاهات الديمقراطية إلي ذلك - وليس لاحد من دون إذن الله تعالي ان يتولّي امراً من اُمور المسلمين ، كما ان الله تعالي لم يفوّض الاُمّة بهذه الصلاحية في اختيار مَن تراه هي اهلاً للولاية و الاُمة الإمامة .
فالاصل في الامر هو ان ّ الله سبحانه وتعالي هو مصدر السلطة والحاكمية في حياة الناس ، و ليس هناك في النصوص الشرعية ما يشير إلي ان ّ الله عزّ وجل ّ قد فوّض الاُمة بهذا الامر.
فولاية الله تعالي - في حياة الناس لا يقتصر امرها - إذن - علي نفوذ الاحكام الشرعية المحدّدة من قبل الله تعالي في حق ّ عباده ، و إنّما تعني الممارسة الفعلية للحاكمية و الامر والنهي في حياة الإنسان من خلال اُولئك الذين اتّخذهم الله اولياء له ، و جعلهم ائمة للبشر وخلفاء علي الناس .