بازگشت

المقدمة


ليس الصراع من اجل استقطاب ولاء الناس بامر طاري او جديد في حياة البشرية وتاريخها الطويل ، وإنّما هو من اقدم انماط الصراع إذ يتقابل فيه محوران :

الاوّل : المحور الرباني وما له من امتدادات في حياة الإنسان .

الثاني : محور الطاغوت ؛ حيث يحاول ان يستقطب و لاء الناس لنفسه ، و يعمل علي انتزاعه منهم بأساليب متعددة .

ولكل ّ طاغوت محوره الخاص به ، ولكن ّ هذه المحاور جميعها تقع في قبال المحور الرباني للولاية في حياة الإنسان .

ومما يلفت النظر بقوّة في زيارة الإمام الحسين (ع) المعروفة بـ«زيارة وارث » هي حالة الارتباط بالمحور الرباني للولاية ، والانفصال عن كل ّ المحاور التي يصطنعها الطاغوت من اجل استقطاب ولإ الناس لنفسه .

والولاء من مقولة التوحيد دائماً، فلا يقبل معه الشرك مطلقاً،و توحيد الولاء من اهم ّ مقولات التوحيد.

فليس للإنسان ان يحتفظ بولاء آخر إلي جانب و لاء الله تعالي ، مهماكان نوع ذلك الولاء الآخر - غير ولاء الله - لابدّ وان يقع في مقابل و لاءالله لا محالة ، وان ّ اكثر مصاديق الشرك الذي كان يحاربه الانبياء: والذي ينقله القرآن الكريم هي من شرك الولاء، وليست من الشرك في الخالق .

فقليل من الناس مَن يشرك بالله، ويعتقد بوجود إله خالق غيره لهذا الكون ، ولكن ّ الكثير منهم مَن يشرك بالله في الولاء فيشرك «غير الله» و«لغير الله» في ولائه ، و يوزّع ولاءه وطاعته «لله» و «لغير الله» معاً، فيعطي للطاغوت حظّاً من ولائه ونصيباً من طاعته ، و في الوقت الذي يجب ان لايكون للطاغوت أي ّ شي ء منها، ويجب ان يكون الولاء و الطاعة خالصَيْن لله تعالي وحده .

ومن هنا، فإن ّ الطاغوت عندما يعمل علي تثبيت حالة محوريته في حياة الناس ، فإنّه إنّما يعلن - بذلك - الحرب علي الله سبحانه و تعالي ، لانّه يكون حينئذ قد تجاوز حدوده سبحانه ، وتعدّي علي حق ّ الله و ولايته علي جميع الموجودات بما فيها الإنسان .. محاولاً انتزاع البشرية من دائرة الولاء لله تعالي و قطع صلتها به سبحانه .

وقد كان صراع «التوحيد» و «الشرك » في حياة الانبياء (ع) في هذا الامر بالذات هو من اغلب الحالات ، فقد كان الانبياء (ع) يعملون علي توحيد الولاء، و توحيد محور الولاية في حياة الإنسان .. حيث كانوا:يدعون البشرية إلي «ولاء الله و طاعته » و يأمرونهم برفض كل ّ و لاء آخر غير الولاء له سبحانه .

ويشكّل صراع «الحق ّ» و «الباطل » في تاريخ الإنسان صوراً مختلفة لمعركة الولاء التي هي اعمق بكثير من كونها صراعاً سياسياً او عسكرياً، لانّها معركة عقائدية و حضارية في حقيقة الحال ، وحتّي إذا سمّينا هذا الصراع ب «الصراع السياسي » فهو نمط خاص من انماط الصراع السياسي ، وليس من قبيل ما الفه الناس من الحروب السياسية .

فالمعركة هنا حول مسألة واحدة ، وهي : حق ّ الحاكمية في حياة الإنسان .

و حق ّ الحاكمية حق ّ واحد لا يتجزّأ ولا يتعدد، فامّا ان يكون «لله تعالي » فلا يقبل شريكاً و لا ندّاً، وامّا ان يكون «لغير الله» فيكون من الشرك بالله سبحانه .

و تنشطر البشرية حول هذه المسألة إلي شطرين :

احدهما: يوحّد الله تعالي بالولاء والطاعة ، ولا يقبل لله سبحانه أي ّ شريك في الولاية و الحاكمية .

و الآخر: يقبل في الحياة محاور اُخري للولاية وينقاد لها؛ فقد يكون الولاء للهوي ، وقد يكون للطاغوت .

و يُشكّل الصراع بين هذين الشطرين من البشرية كبري قضايا الإنسان ، واهم ّ احداث تاريخ حياة الإنسان علي وجه الارض .

و إذا جاز للإنسان ان يقف موقف اللاّمبالاة و المتفرج من كثير من القضايا، فلا يجوز له ان يقف موقف المتفرج من قضية الولاء، فهي مسألة جدّية وحقيقية في حياة الإنسان ، تتطلب منه موقفاً محدّداً و صريحاً، و تتطلب منه ثباتاً علي الموقف مهما كلّفه ذلك من جهد وعمل ومهما احتاج إلي ضرائب و تضحيات .

فليست مسألة الولاء في حياة الإنسان مسألة مساومة و لا مجاملة ،و إنّما هي عنوان شخصية الإنسان وقيمته ؛ حيث إن ّ الإنسان الذي ليس له و لاء معيّن ومحور ثابت يرتبط به في حياته ، فإنّه لا يزيد علي ان يكون ريشة في مهب ّ الرياح السياسية والاهواء الذاتية والمتغيرات الاجتماعية .

و الولاء لله هو الولاء الوحيد الذي يحدّد للإنسان معالم شخصيته و مسار تحرّكه ، وهو الذي يعطي للإنسان قيمته الحقيقية التي تتمثل في خلافته لله تعالي علي وجه الارض ، وهو الذي يحدّد له الموقف و المنطلق و المسار و الغاية .

و المسألة التي تكون بهذه الدرجة من الاهمية في حياة الإنسان لايجوز للإنسان ان يتناولها بضعف ، و يتعامل معها بتسامح وتساهل ومرونة ؛ بل عليه ان يأخذها بقوّة ، و يكون من امرها واضحاً وصريحاًوجادّاً و قويّاً!