بازگشت

البواعث القيمية للنهضة


من قوله (ع) لاخيه محمد بن الحنفية ، يلخّص فيه دوافع خروجه قائلاً:

«إنّي لم اخرج اشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي ، اُريد ان آمر بالمعروف وانهي عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق ّ فالله اولي بالحق ّ، ومن ردّ علي َّ هذا اصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ّ،و هو خير الحاكمين ».

وهنا من الضرورة ان نذكر تعليقة علي قوله (ع): «فمن قبلني بقبول الحق ّ»، لاحظ ، فهو لم يدع ُ لقبول شرفه و نسبه و حسبه و منزلته بين المسلمين ، بل دعا ان يكون قبوله بقبول الحق ّ، وهو ما يوفّر علي الناس الخير والسعادة والبركة ، فقبول الحق هو القبول بمستلزماته و التنعم بها.

بهذا الخطاب القيمي لن يترك فيه ثغرة فكرية قيميّة تترإي عندالآخرين اُسلوباً باراغماتياً ولو نسبياً، فهو تعالي وتسامي عن التفاخرالقبلي ، وحتّي بما حق ّ له من امجاد المواقف لجدّه (ص) وابيه (ع)؛ ولكن اراد ان يضع صورة الحق ّ موقع الفيصل و المعيار لنهضته . في حين ان التفاخر القبلي هو راس مال كل ّ زعيم سياسي و ديني كان في عصره (ع) و ما بعده ايضاً، ولم يستثن حتّي من عصرنا هذا، فهناك من اقام الدنيا ولم يقعدها، و في مناسبة و بدونها متفاخراً بآبائه ودون ان يحذو حذوهم .

وللوقوف علي طبيعة الإصلاح الذي خرج من اجله الإمام الحسين (ع)، انّه يشمل كافة المرافق الحياتية للشعب المسلم ، فقد مارس الاُمويون اُسلوب التجويع وصرف اموال الشعب في الملذّات وشراء الضمائر وفي قمع الحركات التحررية ، وتمزيق وحدة المسلمين ، وبث ّ العداوة والبغضاء بينهم ، والمطاردة والملاحقة لذوي العقيدة السياسية التي لا تنسجم وذوق الحكم الاُموي ، وقتل الكثير منهم وقطع الارزاق ومصادرة الاموال ، فضلاً عن تحريف الدين و تشجيع الحالة القبلية علي حساب الكيان الاجتماعي للاُمّة المسلمة ، والسعي علي قتل النزعة التحزّبية بواسطة التخدير الديني الكاذب .

فكانت تلك بواعث حقيقية لنهضة الإمام الحسين (ع)، كما اصبحت تلك من الدوافع التي اسست لحركات التحرر و النهوض لما بعد الثورة الحسينية ، و لا يمكن للمصلح و الثائر الصادق ان يعيش الحالة التحللّية وهو في طور المعارضة والمواجهة مع من تسلّط علي الاُمّة بهذه الاساليب ، وكان ّ المعارض ينتهج نفس اساليب السلطة المتحلّلة في السيطرة علي السلطة و الإبقاء عليها، وبذا تتّسع رقعة المعارضة للمعارضة و التي تنتهي بلاشك إلي الحالة الباراغماتية ، و بصورة مكشوفة بعد ان عاشت تحت غطاء القدسيّة وإضفاء الشرعية .

فالمعارضة القيميّة لن يحصل في داخلها معارضة او حالة من حالات النكوص و التراجع مادام القائد صادقاً و مخلصاً، و لم يكن بين اصحاب الحسين (ع) مَن خرج علي الحسين (ع) او تخلّف عن الطف . بل حصل العكس : حينما انتقل الحرّ بن يزيد الرياحي مع ثلاثين من جنوده من الحالة الباراغماتية إلي الحالة القيميّة ، وقاتل بين يدي الحسين (ع) حتي قُتل .