بازگشت

الدوافع الذاتية للباراغماتين


اوضحت العلوم النفسية ، ان ّ الإنسان يبحث عمّا ينقصه لكل ما يحصل في داخله من حالات التوازن النفسي لحصول الاستقرار و الفعل الطبيعي ، ولكن هناك من النواقص ما يثير الاستغراب عند اصحابها في كيفية خلق التوازن النفسي عندهم سيّما ممّن لم يمتلك مقومات الإيمان و التربية الروحية في تجاوز هذه النواقص من قبيل عاهة الشكل اوالنسب ، إضافة إلي حالات اُخري كالفقر وحب ّ الجاه وحب المال وحب اللذة ، والطمع في الدنيا، فيحاول اصحاب هذه الحالات سدّ هذا النقص من خلال نشاط خاص او عمل مخالف . يستطيعون من خلاله الظهور إلي المجتمع بشكل بارز، سوءا كان عملاً إيجابياً او سيئاً علي السواء، و نادراً مايلجا هؤلاء إلي العمل الإيجابي و الاغلب يتّجه في التعويض من خلال احتقار الآخرين او إنزال الكوارث بهم .

فبالنسبة لاصحاب يزيد، فإن شمر بن ذي الجوشن (ابرص ، كريه المنظر، قبيح الصورة ، وكان يصطنع المذهب الخارجي ـ ذلك انه في ظل ّ مثل هذا المذهب يمكن الانتقام من المجتمع بشكل افضل ـ يحارب به عليّاً و ابناءه ، ولكن لا يتّخذه حجّة ليحارب به معاوية وابناءه ).

و اما عن مسلم بن عقبة ، فكان : (اعور امغر، ثائر الراس ، كانّما يقلع رجليه من وحل ٍ إذا مشي ).

اما عبيدالله بن زياد، فكان متّهماً بنسبه بين قريش ، لان ّ اباه زياداً كان مجهول النسب ؛ فكان يُسمّي زياد بن ابيه ! ثم الحقه معاوية بابي سفيان ،وامّا اُمّه فكانت جارية مجوسيّة تدعي (مرجانة )، وتعرّف عليها اثناء ولايته لفارس ، فكانت قريش تعيب عبيدالله بنسبه من اُمّه و من ابيه ، كماانه كان الكن اللسان لا يستطيع نطق حروب اللغة العربية ، فكان إذا عاب الحروري من الخوارج قال «هروري » فيضحك سامعوه ، واراد مرّة ان يقول : اشهروا سيوفكم فقال : افتحو سيوفكم فهجاه يزيد بن مفزِّع قائلاً:

ويوم فتحت سيفك بمن بعيدٍاضعت وكل ّ امرك للضياع

كما قال مسلم بن عقيل (ع) عن ابن زياد: «و يقتل النفس التي حرّم الله قتلها، علي الغضب ، و العداوة ، و سوء الظن ، و هو يلهو، و يلعب ، كانه لم يصنع شيئاً».

لاحظ في قول مسلم ، كيف استطاع البراغماتيون ، النفعيون ،المصلحيّون ، ان يتربّعوا علي مقاليد سلطة الاُمّة الإسلامية و يقلبوا مفاهيم الإسلام من الرحمة و الشفقة و السلم و الامان و الحكمة و الموعظة و التحابب و التآخي إلي مفاهيم بربرية عبثية لم تمت ّ إلي الإسلام باي ّ صلة .

و يذكر المؤرخون ان يزيد بن معاوية كان مستاءً من زياد و ابنه ، لان ّ زياداً كان رافضاً لاخذ البيعة من اهل البصرة ليزيد عندما كان والياً عليها،و هو سبب آخر لسعي عبيدالله لخدمة و طاعة اوامر يزيد.

اما عمر بن سعد، فكانت تُحرّكه غريزة حب ّ المال و اللذّة و حب ّالجاه و الطمع في الدنيا.

و هناك صنف آخر من البراغماتيين لم تكن دوافعهم الذاتية ميكانيكية لتعويض النقص ، ولا كانت بدافع حب ّ الجاه و السلطة و المال ،وإنّما كانت بدافع الخوف و حب ّ البقاء سيّما وان مجتمع ما بعد معاوية تركت فيه سياسته حالات رهيبة من الضعف والخواء والانحلال و انعدام الثقة والامن ؛ حتّي وصل الامر باحد اتباع مدرسة علي (ع) في البصرة ان يبعث برسول الحسين (ع) إلي عبيدالله بن زياد ـ وكان وقتها والياً علي البصرة ـ لاحبّاً بعبيدالله بن زياد ولا إيماناً بخط ّ عبيدالله بن زياد، بل حفاظاًعلي نفسه ، وابتعاداً بنفسه عن اقل مواطن الخطر، خشية ان يطّلع عبيدالله بن زياد في يوم ما علي ان ابن رسول الله كتب إليه يستصرخه وهولم يكشف هذه الورقة للسلطة الحاكمة وقتئذٍ، فتتّخذ هذه نقطة ضعف عليه ، ولكي يوفر له كل ّ عوامل السلامة ، وكل ضمانات البقاء الذليل اخذرسول الإمام و الرسالة وقدّمهما بين يدي عبيدالله بن زياد، فامر بالرسول فقتل .

اما عمر بن الحجّاج وهو ممّن حارب مع علي (ع) في صفين ، كما انه لحدٍ قريب من ثورة الحسين (ع) جاء ومعه اربعة آلاف من عشيرته لكي يتفقّدوا احوال هاني بن عروة ، و وقفوا بباب القصر يطالبون بحياة هاني ابن عروة ، وفي القصة المعروفة : ان عبيدالله بن زياد ارسل إلي شريح القاضي باعتباره قاضياً و شهادته معتبرة فادخله إلي الغرفة التي سجن فيها هاني ، و نظر إليه حيّاً بعد ان شاع مقتل خبره ، و ابلغ عمر بن الحجاج و قومه بانه راي هانياً حيّاً. فاطمان ّ عمر بن الحجاج وانسحب .

إلاّ ان هذا الرجل ـ عمر بن الحجّاج ـ و بعد ان اشتد الامر علي الحسين (ع) لم يمتلك إرادته وانتهت شخصيته ؛ لانه شعر ان في نصرة الحسين ثمناً غالياً، فطلّق عقيدته واشتري بدلاً عنها ما تبقي من سنين عمره ، و يا ليت هذا الرجل ان يناي بعيداً عن المساهمة في الحرب ضدالحسين (ع) بل هو نفسه «كلّفه عمر بن سعد باسوا عمل يمكن ان يكلّف به إنسان ؛ كلّفه بالحيلولة من الماء دون سيّد الشهداء، فقد بقي واقفاً يمنع ابن رسول الله والبقية الباقية من ثقل النبوّة عن شرب الماء» واستجاب لذلك ايضاً شبث بن ربعي وهو الرجل الذي عاش مع جهاد اميرالمؤمنين ،و يقول السيد محمّد باقر الصدر (ره): إن هذا الرجل كان يعي مدلول حرب صفين ، و كان يدرك ان الإمام عليّاً في حرب صفين يمثل رسول الله (ص) في غزوة بدر، ولكن الدنيا و الانهيار النفسي ، ولكن النفس القصير خنقه في النهاية ؛ فذاب و تميّع و اشتدّ تميّعه بالتدريج إلي ان وصل إلي حدّ: ان عبيدالله بن زياد يبعث إليه ليقاتل الحسين ابن رسول الله، فماذا يكون العذر؟ و ماذا يكون الجواب ؟ لا يملك ان يعتذر بعذرٍ من الاعذار إلاّ ان يقول : «انا مريض » كلمة باردة جداً علي مستوي بروده النفسي ـ ويستطرد السيد الصدر بذكر تفاصيل مواقف شبث بن ربعي ـ ان ّ عبيدالله ابن زياد يبعث إليه الرسول مرّة اُخري ليقول له : المسالة حدّية ، لا مرض في هذه الحالة ، اما ان تكون معناً، و إمّا ان تكون عدوّنا، وبمجرد ان يتلقي هذه الرسالة ـ ويعرف ان المسالة حدّية ـ يقوم شبث بن ربعي و يلبس ماكان يلبسه ، ثم يخرج متّجهاً إلي عبيدالله بن زياد وهو يقول : لبيك ! هذه الاستجابات من هذا الطرف ، وذاك البرود، وتلك السلبية من ذلك الطرف هم اكبر دليل علي هذا المرض «ثقافة الإسلام ».

امّا عمر بن سعد، وكما تقدّم انه من هواة حب المال والجاه والدنيا،نقف قليلاً مع نص ّ الحوار الدائر بينه وبين الإمام الحسين (ع) لكي تتّضح دوافعه الذاتية بصورة جليّة :

قال الحسين (ع): «ويلك ياابن سعد! اما تتّقي الله الذي إليه معادك ؟ اتقاتلني و انا ابن عمّك ؟ ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنّه اقرب لك إلي الله، فقال ابن سعد:اخاف ان تُهدم داري ، فقال الحسين : انا ابنيها لك ، فقال : اخاف ان تؤخذضيعتي ، فقال الحسين (ع): انا اخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز، فقال : لي عيال و اخاف عليهم ، و هنا اتّضح للحسين انه رجل ميّت القلب ، ميّت الضمير. فإنسان يقيس مصير مجتمعه بهذا اللون من القياس ليس إنساناً سوي التكوين النفسي ، فقال له الحسين : مالك ؟ ذبحك الله علي فراشك عاجلاً،و لا غفر لك يوم حشرك ، فوالله إنّي ارجو الا تاكل ّ من بر العراق إلاّ يسيراً.

فقال مستهزئاً: في الشعير كفاية ».