بازگشت

الشفاعة


من المزايا التي خصّ الله بها المؤمنين: أنّ المؤمن إذا حافظ علي إيمانه حتّي وفاته ولم يرتكب الذنوب التي تسلب منه التوفيق أو تؤدّي به إلي سوء العاقبة، فإنّه لا يتعرّض للعذاب الأبدي، وتغفر ذنوبه الصغيرة بسبب اجتنابه الكبائر، وتغفر ذنوبه الكبائر ـ أيضاً ـ لو صدرت منه التوبة المقبولة، فإن لم يوفّق لمثل هذه التوبة، فإنّ تحمّله لمصائب الدنيا وشدائد آلام البرزخ وأهواله وأهوال يوم النشور سوف تأتي علي البقيّة الباقية من ذنوبه وآثامه، وتكون عذاباً لها حتّي لا يبقي من آثارها شيء يذكر، وإن علق به شيء فإنّ الشفاعة سوف تتداركه، وتقوم بإنقاذه من عذاب الجحيم.

فالشفاعة من مظاهر الرحمة الإلهية، خصّها لأولياء الله وحباها بالأخصّ لحبيبه المصطفي محمّد رسول الله (صلي الله عليه وآله) ولأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) فتكون هي آخر ملجأ وأمل للمؤمنين المذنبين أهل الكبائر من اُمّة هذا الرسول العظيم، هي الشفاعة، مع أنّها لا تشمل من غفل عن ذكر الله وأمن مكر الله وتعدّي حدود الله، وكان عاقبة أمره السوأي أن كذّب بآيات الله ومات مصرّاً علي خطيئته، فإنّ للشفاعة موانع كثيرة:

منها: عدم الشرك، وأن لا تؤدّي الذنوب والمعاصي إلي حدّ الإلحاد والإنكار.

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): شفاعتي نائلة إن شاء الله من مات ولا يشرك بالله شيئاً [1] .

ومنها: عدم الاستخفاف بالصلاة أو تركها:

قال الصادق (عليه السلام): «إنّ شفاعتنا لن تنال مستخفَّاً بالصلاة» [2] .

ومنها: عدم نصب العداء لآل محمّد صلوات الله عليهم:

قال الصادق (عليه السلام): إنّ المؤمن يشفع لحميمه إلاّ أن يكون ناصبياً، ولو أنّ ناصبياً شفّع له كلّ نبيٍّ مرسل مقرّب ما شفّعوا.

ومنها: عدم التكذيب بالشفاعة:

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من كذّب بشفاعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) لم تنله [3] .

وباعتبار اشتراط الشفاعة باُمور مثل هذه، وعدم كونها مطلقة، فإنّ إنكارها علي أساس أنّها تؤدّي إلي الجرأة علي المعصية وتمادي العصاة في الغيّ وارتكابهم المعاصي والذنوب، بأمل أن يشفع لهم الرسول (صلي الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام)، إنّه تصوّرٌ خاطيء عن الشفاعة.

لأنّ الشفاعة إنّما وضعت لبعث روح الأمل في قلوب المؤمنين، وإبعاد اليأس عنهم، والمؤمن لا يكون جريئاً علي الله ولا معتدياً، وإن كان قد تصدر منه المعصية لعدم العصمة ولوجود النفس الأمّارة بالسوء، ولكنّه لابدّ أن يندم، فلأجل أن يبقي الأمل فيه بُشّر بالشفاعة، أمّا المتمادي في الغيّ والجريء فلا يوفّق للندم، ولا يحظي بروح الأمل ولا يرجو شيئاً من الشفاعة أن تناله فهو محرومٌ بعيد عنها، فكيف تكون مشجّعة له علي الذنب، أو التمادي في الغيّ؟!

كلاّ، وألف كلاّ؟!

إنّها شبهة شيطانية، في مقابل الشفاعة وأثرها العظيم في حياة المؤمنين وحيويّتهم.

ثمّ إنّ المشفوع له لابُدّ أن يكون واصلا إلي حدّ قابلية الرضا الإلهيّ، فيكون الشفاعة بإذن الله وإرادته كما قال: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) [4] .

وقال تعالي: (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَي) [5] .

ثمّ إنّ الشفاعة التي هي مكرمة عظيمة، لم يُحدّد لها مجالٌ معيَّن من الذنوب، فلابدّ أن يكون المؤمن في حَذَر دائم وتامّ، أبداً لا يعلم أيّ شيء قد لا تشمله الشفاعة، فيخاف منه، ويُحاول التورّع من أصغر الذنوب فضلا عن صغيرها أو كبيرها؟

وحتّي قوله (صلي الله عليه وآله): «شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي» لا يؤدّي إلي التغرير، لأنّ الكبائر والصغائر غير متميّزة بصورة واضحة، فيبقي المؤمن في خَطَر محتملٌ إذ لم يُميّز الاستثناءات في هذا الحديث، وإنّما هذا الخطاب العامّ لأجل إبْقاء روح الأمل في نفوس المؤمنين لئلاّ تموت باليأس كما ذكرنا.

ثمّ إنّ وقت الشفاعة غير محدّد أن يشمل الفرد الخاصّ، فقد تلحقه في نهاية الساعات الطويله في الموقف والحساب والصراط، وقد تلحقه من أجل بعض الذنوب ما لا يتصوّر من الأهوال الرهيبة كما أشرنا سابقاً.

ويكفي هذا ردْعاً للمؤمن من اقتحام الحدود وتجاوز الحُرَم، وارتكاب أدني الذنوب وأحقرها.


پاورقي

[1] مسند أحمد (2/426).

[2] المحاسن، للبرقي (ح225).

[3] عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للصدوق (ح66 و292).

[4] سورة البقرة (2): الآية (255).

[5] سورة الأنبياء (21): الآية (28).