بازگشت

اجر الصابرين في الدنيا


أمّا في الدنيا: فقد ذكر الله أجرهم في قوله تعالي: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْء مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْص مِنْ الاَْمْوَالِ وَالاَْنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ - الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) [1] .

فهذه نعم ثلاث ذكرها الباري تعالي للصابرين علي مصائب الدنيا، وهي: النعمة الاُولي: الصلاة عليهم:

فإنّ الله تعالي يصلّي علي الصابرين من أجل الله لما يصيبهم في الدنيا من مصائب عامّة أو خاصّة، ويُحافظون بذلك علي استقرار الحياة واستمرارها بحالة طبيعيّة جيّدة، فالمرأة الصابرة علي أذي زوجها تُحافظ علي كيان بيت الزوجية والاُسرة واستقرار الحياة فيه، وعدم تشتُّت أهله ممّا يؤدّي إلي العناء الأكبر لها وللزوج وللأولاد، وما يعقب انهدام بيت الزوجية من الفساد المادّي والمعنوي لأفراد العائلة والمجتمع جميعاً، فهي تضحّي براحتها في هذا السبيل، فتستحقّ الصلاة الإلهية وألف سلام، وتساوي بذلك مقام الرسول الذي «يصلّي الله عليه»!

وهذا بلوغ إلي مقام المعيّة الروحيّة والتساوي والكون مع محمّد وآل محمّد فما أعظمه من مقام وأرفعه وأهنأه.

وكذلك سائر الصابرين، الذي يُقاومون بصبرهم، فيُحافظون علي سلامة المجتمع الإسلامي ويتظاهرون بحفظ كيانه أمام الأعداء.

النعمة الثانية: الرحمة من الله:

وتعني أنّ الله تعالي يهب للصابرين أجراً فيرحمهم ويلطف عليهم بنعم لم تكن لديهم وهم بحاجة إليها فيغفر لهم الذنوب والتي يستحقّون عليها العقاب، ويُعافيهم عن الأمراض الجسمية والباطنية والروحيّة التي قد تواجههم، ويحقّق لهم الآمال التي يصعب تحقيقها.

وقد عبّر الإمام الخميني قدّس الله روحه الزكيّة عن هذا باللطف الخفيّ، فعندما توفّي ولده السيّد مصطفي لم يظهر الإمام أدني مظهر للحزن، وكان يكتفي بقول: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون» وبُعيد وفاته، وفي مجالس الفواتح التي اُقيمت علي روحه انبثقتْ موجة الحركة الإسلامية في أوساط الاُمّة فأعلن السيّد الخميني في خطاب له: «إنّ موت مصطفي كان من الألطاف الخفيّة» لأنّه وجد بذلك تحقيق أمله البعيد الذي كان يرنُو إليه وهو إيقاظ الشعب المسلم وتحديد روح الثورة فيه حتّي تَمَّ الانتصار العظيم وتحقّقت معجزة العصر، بحمد الله الكريم.

النعمة الثالثة: الهداية الإلهية:

لقد جعل الله الصابرين (هم المهتدون) فقد حكم عليهم بهذا الذي هو اُمنية جميع المؤمنين ودعاؤهم المستمرّ في كلّ صلاة وتوجّه إلي الله: (اهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ) [2] ، فقد شملت العناية الإلهية مَنْ تحلّي بالصبر علي المصائب، واقتصر الطريق الذي كان عليه أن يطويه، علي ما فيه من عقبات وأزمات وآلام، وعلي مجهولية المصير ونهايته، وقد فاز في الاختبار الصعب بصبره، وحاز علي شهادة «الهداية» العظمي، فقد حاز من الإيمان برأسه، لما جاء في الحديث قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «عليكم بالصبر فإنّ الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه» [3] .

وحتّي أنّ الصابرين يلقون في الآخرة أجراً وخيراً حتّي يتمنّون أن تكون أجسادهم قد قرّضت في الدنيا بالمقاريض وصبروا علي ذلك، لكي ينالوا جزاءً أوفر ممّا نالوه.

إنّ المؤمن إذا صدق إيمانه يكون كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «فإذا حضرت بليّةٌ فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، فاعلموا أنّ الهالك من هلك دينُهُ والحريب من حرب دينه، ألا وإنّه لا فقر بعد الجنّة، ألا وانّه لا غني بعد النار، لا يفكّ أسيرها ولا يبرء ضريرها» [4] .

وكذلك تهون عنده كلّ المصائب إلاّ مصيبة الدين: قال زيد بن صوحان: ياأمير المؤمنين، أيّ المصائب أشدّ؟ قال (عليه السلام): المصيبة بالدين.

وهكذا يفدّي الصابرون كلّ ما عندهم في سبيل الدين، فيوفّيهم الله اُجور الصابرين من الصلوات عليهم والرحمة بهم، وتكريمهم بالهداية، وهذه من أظهر مظاهر المعيّة الروحية التي يتمنّاها المؤمن، وهي من أدلّ الأدلّة وأقوي الأسباب علي ثبات القدم وصدقها.


پاورقي

[1] سورة البقرة (2): الآيات (155 ـ 157).

[2] سورة الحمد (1): الآية (5).

[3] نهج البلاغة، الحکم القصار (82).

[4] بحار الأنوار (68/212).