بازگشت

الصبر في الشدائد وعند البلايا


قال أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن الدنيا:«دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة...» [1] .

والإنسان لا يعيش بدون ما يؤمّن حاجاته الجسمية والنفسية، فهو بحاجة منذ بداية خلقه وحتّي آخر لحظة من حياته الدنيوية يحتاج إلي المأكل والمشرب وسائر الملذّات والضروريات، والحاجة في نفسها ألم وعذاب، مضافاً إلي أنّه لا يؤمّن هذه الحاجات ولا يحصل عليها بكلّ يُسر وسهولة، بل لابُدّ من أن يجد في طريقها أنواعاً من الآلام، كلّ حسب ظروفه وإمكاناته.

وحتّي اللذائذ إنّما تسبقها الآلام، فالأكل لا يلذّ به آكله إلاّ عندما يجوع ويشتهي، والجوع ألمٌ وعذاب في نفسه، وإذا امتلأ الإنسان واُصيب بالتُخَمة فإنّ ألذّ الأطعمة تصبح مؤلمة له وغير لذيذة.

وكذلك سائر اللذائذ والشهوات والرغبات، فلابدّ أن تسبقها أو تقارنها أو تلحقها ما يؤلم ويؤذي ويتعب، فإذن ليس في الدنيا ما يخلو من الهمّ والغمّ والألم، وليس فيها ما هو لذّة مطلقة تامّة.

لكن اللذّة الحقيقيّة التي لا يُخالطها الألم هي اللذّة الروحية التي تحصل بمعرفة الله والقرب منه، وقد حدّد الله طريقاً للوصول إليه هو الصبر علي البلاء الذي وضعه الله تعالي ليكون اختباراً لقابلية الإنسان واستحقاقه لمقام القرب.

فقال تعالي: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) [2] .

فالبلايا التي وضعت في الطبيعة هي اختيارات إلهيّة، ليتميّز الصابر الذي يتحمّلها في سبيل النجاح والفوز باللذّة الروحية الإلهية.

إنّه ليس اختباراً مدرسيّاً، إنّما هو تحليل جوهريّ، يشبه ما يعمله الفيزيائي في المختبرات العلمية، فلابدّ للإنسان من أنْ يُقاوم حتّي تفرز طبيعته ما تضمّه، تحت حرارة البلاء وضغط المصيبة، وحتّي لا يبقي في كيانه شيء سوي الله تعالي، كما قال تعالي: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) [3] .

بل لقد جعل البلاء درجات، يعلو الصابر عليها بحسبها، وإنّما يدخل في هذا السباق الخاصّة فقط، كما قال الشاعر:

«إنّما الدُنيا اُعدّت لبلاء النبلاء»

وإذا أحبّ الله عبداً ابتلاه، ومن هنا نجد الأنبياء والأوصياء والأولياء أشدّ بلاء وأكثر عناء، ليكونوا أعظم أجراً، حيث لا يبلغون ما يهفون إليه من المقامات إلاّ بالصبر علي عظيم ما أصابهم.

كما قال الإمام الحسين (عليه السلام): «نصبر علي بلائه ويوفّينا اُجور الصابرين».

قال علماء الأخلاق: إنّ كلّ فضيلة فلها جزاء، ولصاحبها مكانة خاصّة لا يبلغها إلاّ بالصبر عليها، لكن الصبر ـ من الفضائل ـ له جزاء غير محدود لقوله تعالي: (إِنَّمَا يُوَفَّي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب) [4] .

فالذي يتحمّل المصاعب في سبيل الله، ويضبط أعصابه لأجل الله، ولا يجزع من أجل الله، فهو من الصابرين الذين لا حساب لأجرهم في الآخرة.


پاورقي

[1] نهج البلاغة.

[2] سورة العنکبوت (29): الآية (2).

[3] سورة البقرة (2): الآية (156).

[4] سورة الزمر (39): الآية (10).