بازگشت

الصبر علي العبادة


العبادة من العبودية والتعبُّد، وهي تُخالف روح التفلّت والتحرّر والكبرياء المرسوخة في النفس الإنسانية بالطبيعة المادّية، ولتبديل ذلك إلي روح العبودية والتعبّد يحتاج إلي الصبر وتحمّل جروح تلك الحرب النفسيّة، لترويضها وتمرينها، ورفض الميل إلي الكسل واللهو والهزل، وسحب النفس إلي العمل والجدّ والتصميم، بحاجة إلي مقاومة عنيفة حتّي تنهزم النفس الأمّارة بالسوء، ويستبدل المؤمن بدلها عنصر روح المسالمة لله والانقياد لله، وبما أنّ عنصر الطبيعة كامنة في النفس فهي دائماً تبرُز في أشكال وجوانب وحالات، وفي جميع ذلك هي بحاجة إلي المقاومة والمضادّة بسلاح الصبر والتحمّل، فهي الأداة إلي تكميل حالة الخشوع التي يسهل معها الانتصار، وتتحقّق بها الوصول إلي الحقّ والحصول علي المعيّة الروحية برفقة محمّد وآل محمّد (عليهم السلام) الذين هم القمم الشمّاء في العبادة والعبودية لله تعالي.

إنّ ترويض النفس وتعويدها علي العبادة بأداء الوظائف الشرعية المقرّرة، إنّما هو بالتمرين والتكرير والمواظبة الدقيقة علي الأوراد المحدّدة كمّاً وكيفاً، وحتّي ظرفاً زمانياً ومكانياً، حتّي تصبح ملكات مستقرّة في النفس، وعلي أهبّة الاستعداد التامّ لمقاومة أيّة شهوة أو رغبة غير مرضيّة لله تعالي.

إنّ الصبر علي العبادة، يجعل منها ـ علي رغم العناء وعدم الملائمة الأوّلية، وحتّي علي رغم مرارتها أحياناً ـ يجعل منها أمراً حلواً يتلذّذ بها المؤمن المحبّ لله الموالي لأوليائه.

وهذه درجة سامية لا يصل إليها المؤمن إلاّ بالصبر، كما جاء في تعليمات آل محمّد (عليهم السلام).

ففي الحديث: أنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) قال لابنه الباقر (عليه السلام): إنّ الإمام الحسين (عليه السلام)احتضنني ـ يوم عاشوراء ـ وقال لي: «يابُنيَّ اصبر علي الحقّ، وإن كان مرّاً.

ولمّا توفّيت مريم العذراء (عليها السلام) جاء ابنها عيسي المسيح (عليه السلام) إلي قبرها وقال: «يااُمّي، هل تريدين العودة إلي الدنيا؟ قالت: نعم، اُريد أن أعود. فسألها: لماذا؟

قالت (عليها السلام): اُريد أن أعود إلي الدنيا، لأنّي اُريد أن أصوم في الأيّام الحارّة جدّاً، وأن أتوضّأ في الليالي الباردة جدّاً».

إنّ لهذه العبادات لذّة عظيمة عند مريم حتّي لو لم تكن واجبات مفروضة، لكنّها اُمور يتقرّب بها إلي الله تعالي خاصّة.

وعن رسول الله (صلي الله عليه وآله): «إذا كان يوم القيامة، نادي مناد من عند الله، يُسمع آخرهم كما يُسمع أوّلهم، يقول: «أين أهل الصبر؟» قال: فيقوم عنق من الناس، فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقولون لهم: ما كان صبركم هذا الذي صبرتم؟

فيقولون: صبّرنا أنفسنا علي طاعة الله، وصبّرناها عن معصية الله، قال: فينادي مناد من عند الله: صدق عبادي، خلّوا سبيلهم ليدخلوا الجنّة بغير حساب».