بازگشت

الصبر عن الملذات والمعاصي


فإنّه أشدّ أنواع الصبر وأصعبها لأنّ طبيعة الإنسان ـ وهي نفسه الأمّارة بالسوء ـ تميل إلي الراحة واللعب واللهو، وما تشتهيه من المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمنكح، فكبح جماحها وردّ شهوتها ومنعها عمّا تُريد، يحتاج إلي مقاومة داخليّة عنيفة، ولا يمكن الانتصار فيها إلاّ بشقّ الأنفس، ولكن، لو تمكّن الإنسان من دحرها والسيطرة عليها ولو للحظة واحدة، فإنّه تلحظه العناية الإلهية وتؤيّده وتنصره، فتنهزم النفس وتهرب مسافات شاسعة، وعندها يحظي بلذّة الانتصار ونشوة الظفر، فيسهل عليه الغضّ لبصره عن النظر إلي ما يحرم عليه، وسمعه عن الإصغاء إلي ما يحرم عليه، ولسانه عن النطق بما لا يحلّ له، لأنّ الله الحقّ قد أصبح عينه التي ينظر بها وسمعه الذي يسمع به ولسانه الذي ينطق به، كما جاء في الحديث الشريف.

ثمّ إنّ الذنوب ـ مهما كانت حقيرة صغيرة ـ فإنّها حُجُب عن الحقّ، ومبعّدة عن الله، وموجبة لغضب الربّ، فكيف إذا كانت من الكبائر المستوجبة للنار؟ ولكن الإنسان وتبعاً لنفسه الأمّارة بالسوء، قد يستهين بالذنب الكبير فيسهل أمره عليه، مثلا: الكذب، وهو من الكبائر، حتّي ورد عن الكاظم (عليه السلام)أنّ الكذّاب يؤتي به يوم القيامة إلي المحشر، فيؤتي بقضيب من حديد، فيحمي في النار إلي حدّ الإحمرار، ثمّ يولجونه في صدره ويخرجونه من ظهره، ويقولون «هذا جزاء الكذّاب» فهذا الذنب العظيم، وجزاؤه الرهيب، قد وصل أمره عند الإنسان أن صار أمراً هيّناً، اعتادوه، ويجرون عليه ليل نهار، وكذلك الذنوب العظام المنتشرة بين المجتمع، إنّما وصلت إلي درجة الاستهتار، والاستهانة بغضب الجبّار، فهذه هي الحجب والموانع والحواجز علي طريق الوصلة والوصول إلي الرسول وآل الرسول، وبالتالي: تمنع من شمول العناية الإلهية.

لكن إذا تمكّن المؤمن الصابر من الاستيلاء علي نفسه، وإيقافها عند حدّها وتطويعها وتطويقها بخلاف ما تميل وترغب، وتوجيه رغبتها إلي ما يطلب الله من الخير والبرّ، فهناك الفلاح والفوز بالمعين للوصول إلي الحقّ والحصول علي العناية الربّانية، والدخول في المعيّة الروحية التي يكون فيها برفقة محمّد وآل محمّد (عليهم السلام).

ولكنّ المعاناة في هذا صعبة طويلة، وقد نقل عن السيّد بحر العلوم أنّه شوهد في بعض الأيّام مبتسماً مستبشراً، فلمّا سئل؟ قال: إنّي تمكّنت ـ بعد مقاومة سنوات عشر ـ من التغلّب والسيطرة علي صفة ذميمة في نفسي، وطردها عنّي.