بازگشت

الاعتراض علي الاستشفاع بالموتي


وقد حاول بعض المعاندين الجدل في تلك الحقائق مستدلا من القرآن بآيات لا تدلّ علي ما يقولون. كقوله تعالي: (إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَي وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ). [1] وقوله تعالي: (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِع مَنْ فِي الْقُبُورِ) [2] .

ولكن الآيات هذه إنّما تعني اُولئك المعاندين الذين (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالاَْنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) [3] وإن كانوا في الأحياء يمشون وعلي الأرض يسرحون ويمرحون.

فليس عدم سماعهم لكونهم أموات، بل لأنّ قلوبهم ميّتة حتّي في حال حياتهم كما قال الشاعر:



وقد أسمعت لو ناديت حيّاً

ولكن لا حياة لمن تُنادي



فعبّر عنهم بالموتي لأنّهم «صمّ» كالموتي، والميّت جسده بال لا سمع له فهو أصمّ، لأنّه ولّي مدبراً عن الحقّ.

ولكن إذا أراد الله أن يُسمعهم لكي تتمّ الحجّة عليهم وعلي غيرهم بهم، كما في حديث القليب، لخاطبهم الرسول (صلي الله عليه وآله) وأسمعهم.

أمّا أولياء الله والعاملين في سبيله: فهم كالشهداء أحياء عند ربّهم يُرزقون، ليسوا أمواتاً كما يحسبهم الجُهّال ممّن لا يعي كلام الله ولا يؤمن بآياته.

وامّا المؤمن الواعي لأدلّة الكتاب الكريم والسنّة الشريفة، كما أثبتنا وشرحنا، فإنّه يزور الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين، ويسلّم عليهم ويتوسّل بهم ويستشفع بهم إلي الله في قضاء الحوائج، لأنّ لهم مقامات رفيعةً عند الله، وجاهاً عريضاً عنده.

وذلك من فضل الله عليهم وحبائه لهم بهذه الكرامة والمقام ثواباً من عند الله، كما مَنّ عليهم فأبقي أجسادهم طريّة لا تبلي رغم الأعوام والدهور.

وقد ذكر أصحاب التاريخ أنّ المسلمين حفروا قنوات للماء في منطقة اُحد بالمدينة، بعد الوقعة بخمسين عاماً، فانكشف التراب عن أجساد الشهداء مخضّبة بدمائهم وهي سالمة، لم تبل حتّي الأكفان، فهرع أهل المدينة، وتعرف الصحابة علي الأشخاص بأسمائهم سماتهم، بقيت تتحدّي الزمن والتراب بإذن الله.

وقصّة الكشف عن جسد الحرّ الرياحي من شهداء عاشوراء، عندما أراد السلطان تعيين حال هذا المرقد والراقد فأمر بنبش القبر فرأوا جسد الحرّ الشهيد بلباسه ملطّخاً بدمائه غريقاً بالجراح كأنّه استشهد الساعة ورأسه منشقّ من ضرب السيف وقد عصّبه الحسين (عليه السلام)بعصابته المباركة.

فاستبشر السلطان السعيد بالتشرّف بزيارة تلك العصابة فأمر السلطان بنزعها فلما فكّوها من فرق الحرّ الشهيد جعل الدم يفور من الجرح فأمر السلطان بشدّه بعصائب اُخر فكلّما شدّوا اشتدّ الدم وكلّما عالجوا في قطعه لم يقدروا فاذعنوا بانّه لا يطلب إلاّ تلك العصابة ولا يكون قطع الدم إلاّ ببركتها.

فاخذ السلطان من تلك العصابة قطعة ثم لفّوا باقيها وشدّوا بها رأسه كما كان فسكن الدم فزاد اعتقاد السلطان وحسنت كاملا عقيدة الحاضرين فارجعوه الي مضجعه وعمّروا مشهده [4] .

وقصّة الكشف عن جسد المحدّث الأقدم الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي الصدوق القمّي (ت381هـ) والمدفون في مدينة الري، شهيرة كذلك، حيث شاهدوه سويّاً لم يبل حتّي كفنه.

وقد ذكر المؤرّخ المعاصر عاتق بن غيث البلادي ـ مؤرّخ مكّة وجغرافيُّها ـ أنّه لمّا حفرت منطقة الشهداء في مكّة (منطقة فخّ القديمة) عثر علي قبر فيه جسد طريّ، ويدُ المدفون علي صدره، فلمّا اُزيحت يده عن صدره انبعث الدم، وكلّما اُعيدت اليد انقطع الدم، فتركوا الجسد في موضعه وعفّي عليه، وهو الموضع المعروف في التاريخ باسم «شهداء فخّ» الذي كانت فيه وقعة بين جماعة من أهل البيت وبين الاُمويين عام (131) للهجرة [5] .

فإذا كان هذا حال سائر الشهداء والعلماء والصالحين، فما حال النبي الأكرم، والأئمّة العظام المعصومين من آله (عليهم السلام) الذين جمعوا بين العلم والصلاح والشهادة والجاه والمقام عند الله لما قدّموه لله من تضحيات جسيمة، وما تحمّلوه في سبيله من الأذي والأتعاب؟

فقد أبدلهم الله بذلك أن جعلهم الأسباب بينه وبين عباده، وجعلهم أبواباً لرحمته، وأماناً لاُمّته أحياءً وأمواتاً، وجعل قبورهم ومشاهدهم أماكن قدس وحرماً آمناً معمورة بالتقوي والهدي.


پاورقي

[1] سورة النمل (27): الآية (80).

[2] سورة فاطر (35): الآية (22).

[3] سورة الأعراف (7): الآية (179).

[4] لاحظ کتاب القول السديد بشأن الحر الشهيد للسيّد محمّد هادي الحسيني الخراساني الحائري (ص153 ـ 154).

[5] لاحظ هامش شفاء السقام للسبکي (ص338)، وقد عقد الإمام السبکي الباب التاسع من الکتاب في حياة الأنبياء (عليهم السلام) والشهداء وحال سائر الموتي (ص315 ـ 365) فراجعه.