بازگشت

صور التوسل بالاولياء


1 ـ التوسّل بالأولياء إلي الله، كأن يقول: «اللهمّ أنّي أتوسّل بنبيّك محمّد إليك: أن تقضي لي حاجتي» وهو التوسّل.

2 ـ السؤال بجاه الأولياء ومنزلتهم عند الله، كأن يقول: اللهمّ انّي أتوجّه إليك بمحمّد، أو أسألك بجاه محمّد عندك أن تقضي لي حاجتي، وهو التوجّه، أو التجوُّه.

وقد عرفت أنّ الصورتين معاً واردتان في الحديث الشريف فلا مانع منهما، من دون فرق بحالة حياة النبي والولي، أو بعد موتهما، كما كان في نصّ الحديث.

فالتفرقة بين حالة الحياة والموت، تفرقة باطلة.

مع أنّ التوسّل والتوجّه بالنبي والولي، بعد فقدانهما وعدم رؤيتهما أكثر ضرورة وأهميّة، وذلك:

1 ـ الإنسان لا يفني بالموت:

فإنّ الآيات القرآنية تدلّ بوضوح علي أنّ الموت ليست هي النهاية للإنسان، بل مرحلة انتقالية بين الدنيا وبين الاُخري التي هي «الحياة الحقيقيّة» فبالموت يدخل الإنسان إلي عالم آخر أسمي من عالم المادّة والطبيعة، وهو عالم البرزخ.

فقوله تعالي: (ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون) [1] .

وقوله تعالي: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [2] .

فعرضهم علي النار غدوّاً وعشيّاً، إنّما هو قبل يوم القيامة، وهو عالم البرزخ، إذْ لا غدوّ ولا عشيّ في يوم القيامة.

2 ـ حقيقة الإنسان هي روحه:

فالآيات القرآنية تدلّ علي أنّ واقع الإنسان ليس إلاّ روحه، وإنّما جسده ظرف للروح ولباس له فقط، فقوله تعالي: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَي رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [3] .

فالتوفّي هنا ليس مجرّد الموت، بل التلقّي والأخذ والقبض والاسترجاع والاستيفاء، وهذه كلّها إنّما تعني المقبوض من الإنسان وهي روحه، دون بدنه الذي يودع في القبر وهو رداء والكساء وظرف خال من الروح المستوفاة بواسطة ملك الموت.

3 ـ إمكان الاتّصال بالأرواح:

وهو أمر مبرهن عليه علميّاً وتدلّ عليه الآيات القرآنية، والأدلّة الشرعية الاُخري، منها:

قوله تعالي في قصّة قوم النبي صالح (عليه السلام): (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فَتَوَلَّي عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [4] .

فإنّ نسق الآيات وعطفها بحرف الفاء، يدلّ علي أنّ قومه طلبوا العذاب وهم أحياء، ثمّ أتاهم العذاب وأبادهم فماتوا، ثمّ جاءهم صالح يخاطبهم بعد الموت.

ولا يمكن خطاب أجسامهم البالية الجائفة، وإنّما المخاطب هو أرواحهم الموجودة بلا ريب.

والسلام علي النبي (صلي الله عليه وآله) في الصلاة وغيرها: فجميع المذاهب الإسلامية تفرض في ختام الصلاة علي المصلّي أن يسلّم علي النبي (صلي الله عليه وآله) بالصيغ المختلفة، والفقه الجعفري الإمامي والزيدي والشافعي توجب الصلاة والسلام عليه في الصلاة وتعتبره جزءاً واجباً، وحتّي من أفتي بكونه عملا مستحبّاً، فهم مجمعون علي شرعيته، وأنّ النبي (صلي الله عليه وآله) علّمهم ذلك في الصلاة.

ولا شكّ أنّ خطاب النبي (صلي الله عليه وآله) بالسلام والصلاة عليه لابدّ أن يكون خطاباً حقيقيّاً وواقعيّاً، ولابدّ أن يبلغه، كما نصّت عليه أحاديث كثيرة يقول: «مَنْ صلّي عليَّ عند قبري سمعتُه، ومن صلّي عليَّ نائياً أُبلِغتُه» [5] .

فهذا يدلّ علي وجود الارتباط الوثيق بين المسلمين وبين النبي (صلي الله عليه وآله)دائماً إلي يوم القيامة.

3 ـ وقد مرّ بنا حديث قليب بدر، وأنّ النبي (صلي الله عليه وآله) خاطب المشركين الذين اُلقيت جثثهم فيه، بقوله: «لقد كنتم جيران سوء لرسول الله أخرجتموه عن منزله، وطردتموه، ثمّ اجتمعتم عليه فحاربتموه، فقد وجدت ما وعدني ربّي حقّاً.

فقال رجل: يارسول الله، ما خطابك لهام قد صُديَتْ؟

فقال (صلي الله عليه وآله): والله، ما أنت بأسمع منهم، وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع من حديد إلاّ أنْ أعرض بوجهي ـ هكذا ـ عنهم» [6] .

وفي الحديث مضافاً إلي ثبوت الحياة الروحية حتّي للمشركين، أنّ مواجهة الرسول (صلي الله عليه وآله) لهم توجب انقطاع العذاب عنهم ببركة وجه الرسول (صلي الله عليه وآله)وتوجّهه إليهم، ممّا يدلّ علي عمق تأثير نظر الرسول بنور عينه في رفع العذاب وهي كرامة إلهيّة لرسوله (صلي الله عليه وآله).

وهذه الحقائق الثابتة تقتضي أنّ الإنسان بعد الموت تبقي روحه حيَّة مدركة يلحق المحسن النعمة والرحمة، ويلحق المسيء العذاب والنقمة، وأنّ الميّت يسمع ويفهم ويدرك ويخاطب، إلاّ أنّ منهم من له كرامة عند الله فيردّ الجواب وله جاه عند الله فيدعو فالله يستجيب دعاءه، كما أنّ الله لرفعة شأن الميّت وصلاحه يستجيب الدعاء لمن دعا عند الميّت، كما ورد أنّ الدعاء عند قبر الوالدين مستجاب.


پاورقي

[1] سورة آل عمران (3): الآية (119).

[2] سورة غافر (40): الآية (46).

[3] سورة السجدة (32): الآية (11).

[4] سورة الأعراف (7): الآيات (77 ـ 79).

[5] رواه السبکي في شفاء السقام (ص132) الباب الثاني ما ورد من الأخبار والأحاديث دالاًّ علي فضل الزيارة وإن لم يکن بلفظ الزيارة (ص117 ـ 135).

ثمّ ذکر الإمام السُبکي في الخاتمة نصوص ألفاظ الصلوات علي النبي (صلي الله عليه وآله) المرويّة مرفوعةً عنه (ص405 ـ 415).

[6] صحيح البخاري، سيرة ابن هشام.