بازگشت

من يؤخذ بثار الحسين


إنّ الحسين (عليه السلام) قتل يوم عاشوراء عام (61) للهجرة، وقد انتقم الله من ظالميه وقتلته علي يد المختار الثقفي (رحمه الله)، فمن سيؤخذ بدم الحسين (عليه السلام) عند ظهور المهدي (عليه السلام)؟

عُرِض هذا السؤال علي أهل البيت (عليهم السلام) في عصرهم، ولا يزال يعرضه الذين يتظاهرون بحقوق الإنسان، ويعتبرون مثل ذلك الدعاء والنداء إذكاءاً لروح العداء والانتقام، ممّا أخمدها الإسلام بقوله تعالي: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي) [1] .

فكان جواب الإمام الرضا (عليه السلام): «صدق الله في جميع أقواله، لكن ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) يرضون بأفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومَنْ رَضِيَ شيئاً كان كمن أتاه، ولو أنّ رجلا قتل بالمشرق فرضيَ بقتله رجلٌ في المغرب لكان الراضي عند الله عزّوجلّ شريك القاتل، وإنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم» [2] .

وقال الإمام علي (عليه السلام): «الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلي كلّ داخل في باطل إثمان: إثم العمل به، وإثم الرضا به».

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أيّها الناس، إنّما يجمع الناس الرضا والسخط، وإنّما عقر ناقة ثمود رجلٌ واحد فعمّهم الله بالعذاب، لما عمّوه بالرضا، فقال سبحانه: (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ - فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ...) [3] .

لكن مجرّد الرضا بالمعصية والذنب، لا يوجب الإثم والعقاب، وإنّما الرضا المقارن لما هو معصيّة وخبث يؤدّي إلي التعدّي وخُلُق سيّيء ينتج الجريمة، والإعانة علي الإثم ولو بالسكوت عن المجرم، وهو ممّا يشجّعه ويقوّيه، ولذا كان الساكت عن الحقّ شيطاناً أخرس.

والحساب علي الإرادة والعزم القلبي علي المعصيّة، غير ثابت إذا لم ينجرّ إلي ما يحقّق العصيان، وإن كان يكشف عن سوء السريرة وخبث الضمير والوجدان، لكنّ القضايا المصيريّة في حياة الإنسان بحاجة إلي تصميم الإنسان وإقدامه وقيامه بعمل مّا، فإذا أعرض ونئا بجانبه، ولم يُنجد مظلوماً وبإمكانه إنجاده، ولم يُسعف جريحاً وبإمكانه إسعافه، حتّي أودي به الظلم والجرح فمات، فهو مسؤول، ولقد حكم الإسلام علي من رأي بعينه مظلوماً يُقتل، ولم ينصره ولم يمنع القاتل ـ وهو قادر علي منعه ـ فحكم عليه بأن تفقأ عينه.

إنّ الإسلام جعل للإنسان مسؤوليه التحسّس في الحياة فقال: «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته».

فإذا بلغ الإنسان مبلغ الرضا بالفعل، والسكوت علي الجريمة والتواطؤ ـ ولو بغير العمل ـ فإنّه لا ريب شريك في الجريمة مسؤول عنها، ويستحقّ العقوبة عليها، ولو لم يقمْ بشيء فعلا فكيف لو كان مكثراً لسواد الأعداء، وواقفاً في صفّهم ومشجّعاً لهم بالحضور والسكوت والتشجيع! ولو لأجل عصبية القبلية والبلدية والطائفية وأمثالها.

أمّا الطاعات: فإنّ من فضل الله تعالي علي العباد، أنْ يُثيبهم عليها بالفعل والعمل، وحتّي بمجرّد النيّة والعزم والهمّة.

قال الصادق (عليه السلام): «إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول: «ياربّ ارزقني حتّي أفعل كذا وكذا» من البرّ و وجوه الخير، فإذا علم الله ذلك منه بصدق نيّة كتب الله له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إنّ الله واسع كريم» [4] .

وعن الرضا (عليه السلام): ما معناه: أنّ الله يأمر أن تعرض علي المؤمن صحيفة حسناته التي لم يعملها، فإذا ما رآها قال: «ياربّ، اُقسم بجلالك أنّ هذه الحسنات لم أعملها» فيقول له الحقّ تعالي: «صدقت، فأنت لم تعملها، لكنّك إذ هممت بها أثبتناها لك» فيُعطي ثواب تلك الحسنات» [5] .

ولمّا أظفر الله تعالي أمير المؤمنين (عليه السلام) بأهل الجمل، قال بعض أصحابه: «وددتُ لو أنّ أخي فلاناً كان شاهدنا، ليري ما نصرك الله به علي أعدائك.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَهَوي أخيك معنا»؟ قال: نعم.

قال (عليه السلام): «فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعُفُ بهم الزمان، ويقوي بهم الإيمان».


پاورقي

[1] سورة فاطر (35): الآية (18)، وسورة النجم (53): الآية (38).

[2] علل الشرائع (1/229).

[3] سورة الشعراء (26): الآيتان (157 و 158)، نهج البلاغة ـ الصالح ـ (ص319).

[4] وسائل الشيعة.

[5] تفسير القمّي.