بازگشت

النبي و زيارة القبور


وكان النبي (صلي الله عليه وآله) يزور القبور، وعمله حجّة علي المسلمين، ولقد زار قبر اُمّة السيّدة آمنة بنت وهب.

قال مسلم: زار النبي قبر اُمّة فبكي وأبكي مَنْ حوله، وقال: «استأذنت ربّي في أنْ أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور فإنّها تذكّركم الموت» [1] .

وقالت عائشة: إنّ النبي (صلي الله عليه وآله) قال: «فأمرني ربّي أن آتي البقيع فأستغفر لهم، قلت: كيف أقول يارسول الله؟

قال (صلي الله عليه وآله): قولي: «السلام علي أهل الدار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» [2] .

وعن عائشة: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) كلّما كان في ليلتي، يخرج في آخر الليل إلي البقيع ويُخاطب أصحاب القبور: «السلام عليكم أتاكم ما توعدون، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون اللهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد».

وعنها قالت: إنّ جبرائيل قال لرسول الله (صلي الله عليه وآله): إنّ ربّك يأمرك أن تستغفر لأهل البقيع، فقال (صلي الله عليه وآله): وكيف أقول لهم؟ قال: قل: «السلام علي أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المتقدّمين منّا و المتأخّرين».

وقال (صلي الله عليه وآله): «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

إنّ مجموع هذه الأحاديث وأمثالها، تدلّ علي أنّ زيارة القبور إنّما هي سُنّة نبوية، وليست بدعةً، كما يدّعيه الجاهلون بالشريعة الإسلامية، بل الزيارة اقتداءٌ بالرسول (صلي الله عليه وآله) و عمل بسنّته الكريمة.

و هذا بالنسبة إلي زيارة القبور مطلقاً، فكيف لو كانت القبور لشخصيات دينية هم يستحقّون التكريم و التقدير و الاحترام، باعتبارهم حاملي أشعّة الإسلام وأعمدة للفكر الإسلامي، ورافعي راية الشريعة، وقد أدّوا مهمّاتهم علي أكمل وجه، وهم علي مراتب:

1 ـ فمرتبة الأنبياء والأوصياء، الذين حملوا الرسالة السماوية والولاية الإلهية، وضحّوا من أجلها بالنفس والنفيس، وتحمّلوا أنواع المتاعب والمصاعب، في سبيل الله ونجاة المستضعفين.

2 ـ ومرتبة الأولياء والعلماء والمفكّرين، الذين كانوا حاملي مشاعل النور، ورافعي راية الحقّ، فعاشوا من أجل الحفاظ علي الدين، وسعوا لهداية الناس، بينما واجهوا الضغوط و الحرمان من أهل الجور والعدوان، فصبروا وآثروا وخلّفوا من وراءهم تراثاً خالداً بخلود الحقّ.

3 ـ ومرتبة الثوّار المجاهدين الذين قاوموا الظلم والظالمين وطالبوا بحقوق الناس وحفظ كراماتهم، وسجّلوا بدمائهم انتصار الحقّ والعدل وخلّدوا اُسس الدين في التاريخ والأرض.

إنّ زيارة قبور هؤلاء جميعاً، وذرف الدموع علي ما تحمّلوا واسعادهم بالأدعية لهم وتلاوة القرآن، يحتوي علي عنصر الشكر لذواتهم الطاهرة، والتخليد لذكرياتهم العطرة، والتشجيع للأجيال علي السير وراءهم وعلي خطاهم حتّي يحتلّ مقام الخلود في التاريخ، ومقام الخلد في الجنان.


پاورقي

[1] صحيح مسلم (3/65).

[2] صحيح مسلم (3/76).