بازگشت

قانون التخلي والتحلي


وبما أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بهم يتمثّل الإسلام ويتجسّد، وهم الناطقون الصادقون عنه كتاباً وسنّة وعقيدة وشريعة وأخلاقاً، فالولاء لهم هو الولاء الصادق للإسلام، والبراءة من أعدائهم، هو التخلّي الصادق عن أعداء الإسلام.

وبتطبيق قانون (التخلّي والتحلّي) نعرف أنّ الولاء للأئمّة لا يتمّ إلاّ بعد التخلّي عن أعدائهم وظالميهم ومخالفيهم ومنكري مقاماتهم، فلا يمكن الجمع بين الولاء للحسين (عليه السلام)وحبّ من قتله وظلمه وآذاه، كما لا معني لحبّ الرسول (صلي الله عليه وآله)وموالاة قتلة أهل بيته (عليهم السلام)، كما لا يجمع بين موالاة الله، وموالاة أعداء النبي (صلي الله عليه وآله)ولذلك قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني» [1] وفي بعض لنصوص «من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله».

كما أنّ من والي أهل البيت (عليهم السلام)، لا يصحّ منه ذلك، إذا كان يسير بسيرة أعدائهم، فيرتكب المعاصي، ويتخلّق بأخلاق الفسقة، فإنّ ولاء أهل البيت (عليهم السلام)لا يتمّ إلاّ بالتخلّي عن أعدائهم فكراً وعقيدة، وسيرة وأخلاقاً، فالموالي لأهل البيت (عليهم السلام) مبتعد عن الانحراف والضلالة، والولاء هو أفضل رادع له عن العدوان والظلم، وأقبح الظلم هو ظلم النفس بالتجاوز علي حدود الله وأحكامه.

قال الرضا (عليه السلام): من بكي أو أبكي أو تباكي علي الحسين (عليه السلام) وجبت له الجنّة [2] .

فهذا الثواب العظيم (الجنّة) يترتّب علي البكاء والإبكاء والتباكي، لأنّ هذه إنّما تنبع عن أعماق قلب مرتبط بالأئمّة (عليهم السلام) برباط وثيق وبعقيدة خالصة تؤدّي بصاحبها أن يسير علي نهجهم ويقلّدهم في دينه، فيكون مطيعاً لأوامرهم مبتعداً عن أعدائهم وسيرة مخالفيهم.

أمّا من ادّعي الحبّ للحسين (عليه السلام) ويبكي عليه ويدّعي الموالاة للأئمّة (عليهم السلام)دون أن يلتزم بسيرتهم ولا يحقّق الأهداف التي من أجلها، أو يخالف الشريعة في أحكامها، فهو لم يتخلّ عن أعدائهم، فلم يكمل إيمانه، لأنّه خالف الحسين (عليه السلام)وابتعد عنه.

قال الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالي: (وَبَاءُوا بِغَضَب مِنْ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [3] قال (عليه السلام): والله ما ضربوهم وما قتلوهم، ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها [4] .

إنّ الإذاعة هي مخالفة التقيّة الواجبة شرعاً، لأنّها تؤمي إلي كشف أسرار الأئمّة (عليهم السلام)وبالتالي تعريضهم للقتل والأذي، فهذه نتيجة ضعف الإيمان وعدم التخلّي عن الأعداء، فلا يفيد، بالرغم من الولاء والحبّ، لكنّهما ناقصان، الإيمان لا يكمل بهما ما لم يكن معه التخلّي الكامل من الأعداء.

فلا يجتمع في قلب واحد حبّ الحسين (عليه السلام) والتعاطف مع قضيّته إلي حدّ البكاء عليه وإقامة العزاء له، مع الالتزام بحبّ أعدائه بالدوام علي سيرة أعدائه وقتلته من الظلم والعدوان والفسق والفجور، وغير ذلك من مخالفات الشريعة الإسلامية بل المفهوم من النصوص: أنّ حبّ الحسين (عليه السلام) والأئمّة (عليهم السلام) وولائهم لابدّ أن يكون بدرجة من الإخلاص والصدق بحيث يؤدّي بصاحبه إلي الجنّة وغيرها من الدرجات العالية مع الذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً.

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «من مات علي حبّ آل محمّد مات شهيداً.

ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات مغفوراً له.

ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات تائباً.

ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان.

ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت ثمّ منكر ونكيرٌ.

ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد يُزَفّ إلي الجنّة كما تُزَفّ العروس إلي بيت زوجها.

ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد فتح الله في قبره بابين إلي الجنّة.

ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة.

ألا ومن مات علي حبّ آل محمّد مات علي السنّة والجماعة.

ألا من مات علي بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: «آيسٌ من رحمة الله، ألا ومن مات علي بغض آل محمّد مات كافراً، ألا ومن مات علي بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة» [5] .

وهذه الرواية جمعت بين الولاية، والبراءة، فلا يمكن تصوّر إيمان كامل بولاية بلا براءة.

فقول الزائر:[ برئت إلي الله وإليكم منهم ]يعني براءة قلبية، وقولية، وعملية، وهي أن يفرغ قلب المؤمن عن كلّ ما سوي الحسين والأئمّة (عليهم السلام)، ويفرغ لسانه عن كلّ ما لا يرضون به ولا يرضي الله تعالي، وتفرغ يده وجوارحه عن كلّ ما يغضب الله وقد نهي عنه وهو ما يؤذيهم ويغضبهم.

قال الصادق (عليه السلام): «إنّ الله أوحي إلي بعض أوليائه: قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي، ولا تأكلوا كأعدائي، ولا تمشوا كأعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي».

وقال الباقر (عليه السلام) لجابر: «ياجابر، لا تذهب بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول: «اُحبّ علياً وأتولاّه، ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالا؟! فلو قال: «إنّي اُحبّ رسول الله ـ فرسول الله خيرٌ من علي ـ ثمّ لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته، ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً.

من كان مطيعاً فهو لنا وليٌّ، ومن كان عاصياً فهو لنا عدوٌّ والله لا تُنال ولايتنا إلاّ بالعمل».

وعن الحكم بن عتيبة، قال: بينا أنا مع الصادق (عليه السلام) والبيت غاصٌّ بأهله، إذ أقبل شيخ يتوكّؤ علي عنزة [6] حتّي وقف علي باب البيت فقال: السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثمّ سكت.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثمّ أقبل الشيخ بوجهه علي أبي جعفر (عليه السلام) وقال: «يابن رسول الله، أدْنني منك، جعلني الله فداك، فوالله إنّي لاُحبّكم واُحبّ من يحبّكم، ووالله ما أحبّكم وأحبّ من يحبّكم لطمع في دُنيا، والله إنّي لأبغض عدوّكم وأبرأ منه، ووالله ما أبغضه وأبرأ منه لوِتْر كان بيني وبينه، والله إنّي لاُحلّ حلالكم واُحرّم حرامكم وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟

فقال (عليه السلام): إليَّ إليَّ، حتّي أقعده إلي جنبه، ثمّ قال: «أيّها الشيخ إنّ أبي (عليه السلام)أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه، فقال له أبي (عليه السلام):

إنْ تَمُتْ ترد علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وعلي عليٍّ والحسن والحسين وعلي بن الحسين، ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقرّ عينيك وتستقبل بالرَوْح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغتْ نفسك هاهنا ـ وأهوي بيده إلي حلقه ـ.

وإن تَعِشْ تَرَ ما يقرّ الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلي.

فأقبل الشيخ ينتحب وينشج: هاهاها، حتّي لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون بما يرون من حال الشيخ.

وأقبل أبو جعفر (عليه السلام): يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه، وينفضها، ثمّ رفع الشيخ رأسه فقال للإمام (عليه السلام): يابن رسول الله، ناولني يدك جعلني الله فداك، فناوله يده فقبّلها ووضعها علي عينه وخدّه، ثمّ حَسَرَ عن بطنه وصدره فوضع يده علي بطنه وصدره، ثمّ قال: السلام عليكم.

وأقبل أبو جعفر (عليه السلام) ينظر في قفاه وهو مدبرٌ، ثمّ أقبل بوجهه علي القوم، وقال: مَنْ أحبَّ أن ينظر إلي رجل من أهل الجنّة فلينظر إلي هذا» [7] .

هكذا هو الحبُّ والولاء لعليٍّ وأولاده، فينبغي أن يكون، لا أن يكون دعويً خطابيّة، ولا أن يبقي في دائرة الكلام والقول والألفاظ حسب، وإنّما أن ينفعل مع الروح والجسد، وينصهر ويظهر مع العمل والجدّ، بالطاعة التامّة الصحيحة المقرّبة: حسب الموازين الشرعية، وباجتناب المعاصي والآثام المبعّدة عن الحقّ، وهو الله والرسول وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وقد أوجزها الرجل في الحديث في «تحليل حلالهم، وتحريم حرامهم».

وبتدارك ما فات وما صدر من الذنوب، بالتوبة النصوح، وبالإنابة.


پاورقي

[1] صحيح البخاري (5/36).

[2] ميزان الحکمة (باب2737).

[3] سورة البقرة (2)، الآية (61).

[4] تفسير نور الثقلين (2/191).

[5] الأمالي للطوسي (ص30)، والعمدة لابن البطريق (ص54)، وفرائد السمطين (ب49)، وتفسير الکشّاف (3/82)، والصواعق المحرقة (ص109).

[6] العنزة: عصاً في رأسها حديد.

[7] الکافي ـ الروضة ـ (8/76).