بازگشت

النبي يحيي


روي أنّ ملكاً فاجراً فاسداً كان في عهد النبيّ يحيي وكانت له امرأة بغيّة تراجعه مراراً لقضاء حاجته إلي أن كبرت واستبدلت نفسها ببنتها، وفي يوم أعدّت فيه الاُمّ ابنتها للقاء الملك قالت لها: إنّي اُريد إذا قدمت علي الملك وواقعك وسألك عن حاجتك فقولي له حاجتي قتل يحيي بن زكريا. فلمّا واقعها سألها. فقالت: قتل يحيي بن زكريا، فبعث إليه حتّي جييء به ودعا بوعاء وسيع من الذهب وذبحه فيه ثمّ أخذ برأسه إلي البنت الباغية الزانية.

فما يجدر ذكره أنّ يحيي (عليه السلام) قُطِع رأسه في الوعاء مع بقاء جسمه سالماً دون أن يصاب بأيّ أذي.

وأمّا الحسين (عليه السلام) ضربَ رأسه بإثنتي عشرة ضربة بالسيف وليس هذا فقط بل وبدنه مرضّض مقطّع جريح القلب والبدن.

و يحيي (عليه السلام) بقطع رأسه خمدت نار العداوة في قلوب أعدائه وانتقل رأسه من بيت إلي بيت آخر في نقلة واحدة.

لكن الحسين (عليه السلام) لم يكتف أعداؤه بالرأس بل رضّوا جسده بحوافر الخيول و أخذوا يضربون ثناياهُ و وجهه وشفتيه في مجالس عديدة أمام أنظار الناس وأداروا رأسه في بلاد عديدة متجولين به علي الاُمم.

وكان يحيي متجرّداً من الأهل والعيال والأطفال بعكس الحسين الذي صاحبه جميع الأهل وأتقي الأصحاب، ورحل عن النساء والأطفال وهنّ عطاشي في صحراء كربلاء تحت سيطرة الأعداء وكلّ واحدة منهنّ تصرخ: إلي من تكلنا؟ [1] .

ويتّضح هذا بالمقارنة بين ما أصاب كلا من القائمين بأمر الجهاد والنضال والتبليغ علي طول تاريخ الأديان، مع ما أصاب الحسين (عليه السلام) من نوعه.

وأمّا الوجه الثاني، وهو مضيّ الزمان علي قضيّته، فما هي الفائدة من تكرار ذكر ذلك؟

إنّ الحسين (عليه السلام) أصبح في حضارة المسلمين أعظم ثائر ضدّ البغي في الدولة الإسلامية، التي يحكمها حاكم باغ علي أحكام الدين عقيدة وشريعة وسلوكاً والتزاماً، فالحسين (عليه السلام)باعتباره سبط رسول الله (صلي الله عليه وآله) والسيّد الشريف العالم بالدين من أصفي ينابيعه عند المسلمين، والإمام المعصوم الواجب الطاعة عند الشيعة، تتّسم مواقفه بالشرعية التامّة، وقد قام بالجهاد في سبيل الله ضدّ الطغاة الحاكمين باسم الإسلام، وأظهر من الثبات والمقاومة في سبيل مبدئه ما عظّمه المسلمون بكلّ طوائفهم، فتكون إقامة الذكري لقضيّته دعماً لمن يقف مثل موقفه ويدعو إلي مثل دعوته، وكلّما تذكّرنا الحسين (عليه السلام)و مواقفه وآثاره، تذكّرنا الله وأحكامه وشريعته ودينه الحقّ، وتذكّرنا العدل.

ونسيان هذه القضيّة علي عظمتها وفظاعة حوادثها وأهميّة أهدافها، يؤدّي إلي خمود نور الحقّ والتباس وجهه، وفقدان الموازين الصائبة لتمييزه وبالتالي ضياعه بين الشعارات الكاذبة والملتوية التي يرفعها الدجّالون ويبثّها المزوّرون ويروّج لها أهل الباطل.

إنّ من الحوادث والشخصيّات ما ليس للزمن عليها تأثير، فلا تتأثّر بمضيّ الأحقاب والأعوام والقرون، لأنّها استقرّت في وجدان التأريخ وضمير الإنسان الوارث للأرض، ولا يمكن للزمن ـ علي قسوته ـ أن يهضمها أو يستهلكها أو أن يضيّعها في متاهاته، لأنّها فوق الزمان والمكان، كأصل الوجود والكون، لارتباطها بمبدأ الوجود، وانبعاثها من موجد الزمان، وخاصّة بين ذوي البصائر وأرباب المعرفة والموسومين بالعرفان من الإلهيين.

إنّ شخصيّة الحسين (عليه السلام) وثورته ضدّ الطغيان الاُموي والطاغية يزيد، قد سجّلت في قائمة الشخصيات العالمية، والحوادث التاريخية الكبري، من حيث المباديء والأهداف ومن حيث الصور والأحداث، ومن حيث النتائج والآثار، وأهمّها أنّها حافظت علي خاتمة الرسالات السماوية، بعد تعرّضها لأخطر هزّة داخلية، ولم يمض علي وفاة مؤسّسها ورسولها محمّد (صلي الله عليه وآله) سوي (50) خمسين عاماً، وكادت أن تقضي عليه فتذهب كلّ تلك الجهود والوعود والعهود والدماء أدراج الرياح، لولا حركة الإمام الحسين (عليه السلام) الفدائية التي وقفت ضدّ الردّة السوداء الاُموية، وأبقت علي كيان الإسلام وشريعته، وقطعت الأيدي الآثمة، وأكرهت الفئة الباغية علي التظاهر بالدين.

وتمكّن آل الحسين (عليه السلام) وذرّيته من توطيد الأركان من جديد والحفاظ علي العناصر الأساسية للدين، وإبطال ما روّجه وأظهره السلاطين والاُمراء ووعّاظهم المزوّرون، علي مدي الأيّام.


پاورقي

[1] الخصائص الحسينية، الشيخ جعفر التستري.