بازگشت

حب الله و حب اهل البيت


الحبّ هو انشداد القلب إلي المحبوب وتعلّقه به، والمحبّة لا توجد إلاّ في موضع تكون فيه المعرفة متحقّقة، والمطلوب معروفاً ومدركاً بالتصديق، وهو أبرز وأعلي موارد الحبّ، أو بالتصوّر فقط وهو أضعف موارده وأبهتها أثراً.

والحبّ يملأ فراغاً روحياً في الإنسان، ويفرض عليه تحقيق غرض، والأغراض قد تكون جسمانية بحتة، وقد تكون خليطة، وقد تكون معنوية، فمحبّ الطعام الخاصّ، إنّما يتطلّب جسمه مقداراً من ذلك الطعام، ومحبّ اللباس كذلك هو بحاجة إلي الستر أو الفخر، ومحبّ المال والعيال، كلٌّ يطلب شيئاً يحسّ بالحاجة إليه.

وأمّا محبّ العلم، ومحبّ الكمال، ومحبّ الجمال، فإنّه يحسّ بحاجة داخلية تدفعه إلي ذلك، أو هو عنده ردّ فعل علي أثر حرمانه، أو خذلانه، فيتّبع ما يسدّ خلّته، ويملأ الفراغ الذي يعيشه.

وهناك حبُّ لا يحتاج إلي غرض، لأنّ المحبوب هو «الله» تعالي الأكمل والأجمل والأطيب والأجل والأكرم.

فمن عرف الله حقّ معرفته أحبّه بلا ريب، بل بعشق وشوق ورغبة، وهذا هو الحبّ الحقيقي الذي لا يمكن أن يستغني عنه المحبّ، لأنّ مبعثه لم يكن أمراً ينتهي، بل هو موجود قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق، فلا يحدّه شيء، وكذلك الحبّ الإلهي ثابت ودائمٌ لأنّ متعلّقه كذلك.

وكلّما كان المحبّ أعرف بالله، كان أكثر حبّاً له وشوقاً إليه، وفي هذا المجال يُضحّي بكلّ شيء عنده، من دون أدني تردّد أو تلكُّؤِ، فضلا عن التظاهر أو التفاخر.

وهذا المعني من الحبّ يصعب تصوّره، لعدم تيسُّره للكثيرين، لكنّ من أفضل أمثلته الرائعة هم: أصحاب الحسين (عليه السلام).

حيث كانوا قد انقطعوا عن الدنيا وأغراضها، وانخلعوا عن حبّ الذات والنفس واللباس، وتشوّقوا إلي لقاء المحبوب، حتّي تسابقوا في حلبات الموت، أيُّهم يصلُ أسبق، كما شرحنا.

ومن أجل ذلك وصفهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «... مناخ ركّاب، ومصارع عشّاق، شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم، ولا يلحقهم من كان بعدهم» [1] .

وحبّ الله، يستلزم حبّ الرسول (صلي الله عليه وآله) وحبّ الرسول يستلزم حبّ أهل بيته (عليهم السلام).

قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «أحِبُّوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبّوني لحبّ الله عزّوجلّ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي» [2] .

ومحبّة أهل البيت أصبحتْ المحكّ الذي يتميّز به المحبّ الخالص من غيره، لصعوبته ودقّة مسالكه في الظروف الصعبة التي مرّوا بها.

ولذلك قال الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالي: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَي رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [3] .

«ما الذي أتوا؟ أتوا ـ والله ـ الطاعة؟ مع المحبّة والولاية، وهم مع ذلك خائفون، ليس خوفهم خوف شكّ، ولكنّهم خافوا أن يكونوا مقصّرين في محبّتنا وطاعتنا» [4] .

وقد أوجب الرسول (صلي الله عليه وآله) محبّة أهل البيت وجعلها شرط الإيمان، في قوله: «لا يؤمن عبدٌ حتّي أكون أحبَّ إليه من نفسه، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله، ويكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته» [5] .


پاورقي

[1] نفس المهموم (ص110)، بحار الأنوار (ج41 ص295).

[2] صحيح الترمذي (13/201).

[3] سورة المؤمن (23)، الآية (60).

[4] بحار الأنوار (ج69 ص258).

[5] بحار الأنوار (81/276).