بازگشت

الايثار


قال الله تعالي في وصف المؤمنين: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [1] .

الإيثار: يعني تضحية الإنسان بمصلحته لتحقيق مصلحة الغير، وهو عمل طبيعي في الاُمّ ـ مثلا ـ فهي تتنازل عن راحتها وسعادتها وحاجتها لصالح أولادها، وأوضح مصاديق الإيثار وأسماها هو التضحية في سبيل الله تبارك وتعالي من أجل تحكيم الدين وتعميمه، وسعادة سائر المسلمين في الحياة، علي حساب شهادة صاحب الإيثار، ومن هُنا كان للشهيد المقام السامي عند الله.

ومن مصاديقه الفذّة إيثار رضا الله تعالي في كلّ عمل يُريده المؤمن ويرغب فيه، علي شهوته ورغبته وإرادته هو، وهذا ما كانت عليه سيرة الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام).

قال الإمام السجّاد (عليه السلام): «إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ما اعتراه أمران إلاّ ونظر أيّهما لنفسه فيتركه، وأيّهما لربّه فيأخذه».

ومن قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «اللهمّ إنّك تعلم: أنّه ما ورد عليّ أمران أحدهما لك رضاً، والآخر لي هوي، إلاّ آثرت رضاك علي هواي» [2] .

وحتّي الإيثار في النيّة، فقد ورد عنه (عليه السلام) قوله: «إلهي، ما عبدتك طمعاً في جنّتك، ولا خوفاً من نارك، بل وجدتك أهلا للعبادة، فعبدتك».

فالأهداف المذكورة: الطمع في الجنّة، والخوف من النار، أهداف طيّبة فاضلة، لكن النيّة الاُخري وهي العبادة الخالصة حتّي من نوايا الطمع الاُخروي والخوف الاُخروي، تنبع من روح الإيثار لحبّ الله ومعرفته وقصده، علي النوايا والأهداف النفسيّة الخاصّة، وهذا من أسمي معاني «التوحيد» ونفي الشرك حتّي في القصود والنوايا، وقد توصّل إليه سيّد الموحّدين أمير المؤمنين (عليه السلام).

إنّ الإيثار هو مقياس دقيق لتحديد إيمان الشخص وعمق إخلاصه وقوّة عقيدته والتزامه، حيث يفضّل ما يُقوّي دينه علي أغراضه الشخصية ورغباته النفسيّة مهما كانت مشروعة ومباحة.

والمؤمن لا يُحابي علي حساب الدين، ولا يغضّ طرفاً عمّا يمسّ المبدأ والعقيدة، ويؤثر الحقّ مهما كانت تضحيته وخسارته جسيمة.

والمؤثر لا يخسر، لأنّ الكرامة التي يتمتّع بها، والاطمئنان النفسي الذي يلازمه، أجرٌ عظيم يحصل عليه، مضافاً إلي خلود الذكر وعظيم الأجر الإلهي، وهو ثمن غال.

وكذلك كان أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (عليه السلام)، فإنّهم خلّدوا أنفسهم في سجلّ العظماء، حتّي استحقّوا الذكر والثناء عليهم والتمجيد، في كلّ مرّة يُزار فيها الحسين وأهل بيته الأمجاد (عليهم السلام).

وقد جاء في زيارة لهم خاصّة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: «طِبْتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم، وفزتم والله فوزاً عظيماً».

حقّاً إنّ تلك الأرض التي شهدت إيثار هؤلاء الخالدين، لخالدة أيضاً حيث تمّ عليها أجمل أشكال الإيثار من هؤلاء الذين «آثروا مصارع الكرام علي طاعة اللئام» وأثبتوا ذلك قولا، ليلة عاشوراء في ما أجابوا به الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد ذكرنا كلام بعضهم.

كما جسّدوا ذلك عملا في ساحة الوغي، حيث تسابقوا إلي الشهادة، ولم يسمحوا أن يُثكل الحسين (عليه السلام) بأحد من أهل بيته، وفي أحدهم عرق ينبض، فلم يحارب أحد من أهلِ البيت (عليهم السلام) إلاّ بعد استشهاد جميع الأصحاب.


پاورقي

[1] سورة الحشر (59): الآية (9).

[2] الإمامة والتبصرة من الحيرة، للقمّي (ص150).