بازگشت

اصحاب الحسين


الزيارة:[ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَي الاَْرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنآئِكَ عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ].

الشرح: الذين قدّموا أرواحهم مع الحسين (عليه السلام) في عاشوراء، مع كونهم شهداء تشملهم آية (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [1] .

فهم مع ذلك يمتازون بوجودهم إلي جنب الحسين (عليه السلام) في آخر معركة جهادية، حيث لم تكن القوي متكافئة إطلاقاً لا في العدد ولا في العُدّة، وحيث كانت الشهادة محتومةً لقسوة الغزاة من جهة، ولصلابة هؤلاء علي مبادئهم وحقّهم من جهة اُخري، فلم يكن خيار إلاّ الموت في سبيل الله الذي هو ـ في منطوق القرآن ـ حياة سرمدية.

فالوجود في مثل هذه المعركة فضيلة اُخري يمتاز بها شهداء كربلاء، وإذا كان الحسين (عليه السلام) سيّدهم فتلك كرامة خصّ الله بها هذه القافلة من شهداء الحقّ والحقيقة.

وفي قول الزائر:[ حلّتْ بفنائك ]إيحاء إلي أنّ الجذبة الحسينية هي التي ساقت هذه الأرواح ـ في عالم البرزخ ـ إلي جوار الحسين (عليه السلام).

إنّ وجود هؤلاء الطيبين مع الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وهم يحملون أرواحاً طيّبة تستأهل جوار الحسين (عليه السلام)، وما أبرزوه من صبر وإيمان وفداء وتضحية، وما أباحوا به للحسين (عليه السلام) من كمائن ضمائرهم وجوانح قلوبهم، لهي من دلائل استحقاقهم للذكر الخالد، والتمجيد المستمرّ من قبل المؤمنين الذين يتوجّهون إلي الحسين (عليه السلام) بالتعظيم، فيذكرهم كلّما ذكر الإمام (عليه السلام) في زياراته.

لقد كان لهؤلاء موقف تبلور فيه صفاء ضمائرهم وعمّق إيمانهم وذلك في ليلة عاشوراء، عندما أعلن الحسين (عليه السلام) عن المصير الذي سيواجهه غَداً، من القتل في سبيل الله، وأذن لأصحابه بالانصراف عنه، وأنّه قد أقبل عليهم الليل فليتّخذوه جملا يخلّصهم من هذه الأزمة، فهبّوا جميعاً، يتسابقون في إعلان ولائهم، والاصرار علي بقائهم إلي جنبه، وفي كلماتهم ما يدلّ علي ما ذكرنا من عمق الإيمان وخلوص الضمائر واستقرار الوجدان.

فقد قام مسلم بن عوسجة قائلا: فقبّح الله العيش بعدك أنحن نتخلّي عنك، وبماذا نعتذر إلي الله في أداء حقّك؟ أما والله، لا اُفارقك حتّي أطعن في صدورهم برمحي، وأضرب بسيفي، ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة حتّي أموت معك.

وقال سعيد بن عبدالله الحنفي: والله لا نخلّيك حتّي يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله لو علمتُ أنّي اُقتل ثمّ اُحيي ثمّ اُحرق حيّاً ثمّ اُذري، يفعل بي ذلك سبعين مرّةً لما فارقتك.

وقال زهير بن القين: والله، لوددتُ أنّي قتلت، ثمّ نشرت، ثمّ قتلت كذلك ألف مرّة، وأنّ الله عزّوجلّ يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن هؤلاء الفتية من أهل بيتك...

ولقد توّج الحسين (عليه السلام) هؤلاء الأوفياء بكلمة تعدّ شارة لامعة في جبين التاريخ، فقال:

أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفي، ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبَرَّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزّاكم الله عنّي خيراً [2] .

إنّ خلود الذكري الحسينية إنّما كان لأجل احتوائها علي نماذج أفضل، في كلّ جوانبها، ابتداءً بشخص الحسين (عليه السلام) واستمراراً بالموضع والبلد، حيث كربلاء التي كان يلهج باسمها التاريخ من أقدم عصوره وحتّي كلمات النبي (صلي الله عليه وآله)، وحتّي واقع القضيّة، حيث اُريقت تلك الدماء الطاهرة علي الأرض، وفي الزمان حيث ينتظر الجميع عاشوراء لتنصبّ فيه تلك المهج وتصعد إلي درجاتها الرفيعة مع الحسين (عليه السلام).

إنّ هؤلاء هم من مظاهر الخلود للذكري الحسينية الخالدة. كما أنّ الكمالات التي امتازوا بها، والصفات القيّمة التي تمثّلت فيهم، هي من أهمّ ما يجب علي المؤمن أن يعرفها، ويتعرّف علي قيمها، ومن بعدُ يتشبّع بها في وجوده وكيانه، حتّي يمشي علي الأرض، فيملأها بهذه الكمالات.


پاورقي

[1] سورة آل عمران (3): الآية (169).

[2] الإرشاد للمفيد (ص231).