بازگشت

هوية الحسين


الزيارة:[ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ ].

[ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ ].

[ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسآءِ الْعالَمينَ ].

الشرح: هذه الجمل الثلاث تحتوي علي جزء من الهوية الشخصية للإمام الحسين (عليه السلام)فجدّه رسول الله، وأبوه علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، واُمّه فاطمة الزهراء (عليها السلام).

لكن ـ مع تحقّق تعريف الهوية الشخصية للإمام (عليه السلام) بهذا، فإنّ ذكر هؤلاء في هذا المقطع من زيارة عاشوراء، له مدلول آخر، أهمّ من مجرّد الانتساب العضويّ، ألا، وهو الانتساب المعنويّ إلي هؤلاء.

فالانتساب إلي جدّه من خلال الرسالة، وإلي أبيه من خلال إمرة المؤمنين والوصاية، وإلي اُمّه من خلال السيادة، وإليكم التفصيل:

[ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ ].

إنّ انتساب أحد إلي شخص بالنُبُوَّة، له أثر خارجي لتحديد شخصه وبعض شخصيته، وخاصّة إذا كان المنسوب إليه هو «رسول الله» أكرم من عُرِفَ علي وجه الأرض!

وإذا كان الجدّ مثل رسول الله وكان الحفيد مثل الحسين في حجره يغذّيه بيده ويزقّه العلم زقّاً.

فإنّ الانتساب شرف ما فوقه شرف.

وإذا أعلن الحزب الاُمويّ عن الحسين (عليه السلام) أنّه خارجيّ خرج علي الدين وعلي خليفة المسلمين، ممّا يُوحي إلي الانفصال التامّ بين الحسين (عليه السلام) والدين والرسالة والرسول.

فإنّ الإعلان عن ارتباط الحسين (عليه السلام) بالرسول (صلي الله عليه وآله) وبشكل البُنُوّة والاُبوّة، أمرٌ يفنّد تلك المزاعم والأكاذيب، ويظهر زيفها.

ولذا وجّه أعداء الحسين (عليه السلام)، وأعداء حركته الجهادية، نقدهم إلي ذلك القول، محتجّين بأنّ الحسين ليس إلاّ ابن بنت الرسول، ولم يكن للنبي ولدٌ ولا حفيد، وإنّما الحسين سبطه، فكيف تسمّونه ولده؟

والجواب: أنّ البُنوّة ليست خاصّة بالولادة المباشرة بل يطلق علي النسل حتّي البعيد، وأمّا التفريق بين ولد الابن، وبين ولد البنت، فهو من دعاوي الجاهلية العمياء حيث يقول شاعرهم:



بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهنَّ أبناء الرجال الأباعد



لكن الشرع المقدّس الإسلامي تجاوز تلك الأعراف الجاهلية، وصرّح في قوله تعالي: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَي وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَي وَعِيسَي) [1] .

إنّ الأنبياء المذكورين في الآية هم ـ كلّهم ـ من ذرّية النبي إبراهيم (عليه السلام)ولكن كيف عُدّ النبي عيسي (عليه السلام) منهم؟ بينما هو لا أبَ له يربطه بإبراهيم، نعم اُمّه من أحفاد إبراهيم وبينهما عدّة وسائط، فيكون عيسي من أبناء إبراهيم بهذه الرابطة.

بينما الحسين (عليه السلام) أقرب إلي النبي (صلي الله عليه وآله) من عيسي إلي إبراهيم، واُمّ الحسين فاطمة (عليها السلام)أقرب إلي النبي من مريم إلي إبراهيم، فلو كان عيسي إبنا لإبراهيم بصريح الآية، فليكن الحسين (عليه السلام) إبناً للنبي (صلي الله عليه وآله) بالأولي.

ثمّ إنّ النبي (صلي الله عليه وآله) نفسه صرّح بأنّ الحسين (عليه السلام) ابنه في قوله: «الحسن والحسين إبناي...» [2] .

وقوله (صلي الله عليه وآله): «إنّ إبنيَّ هذين ريحانتاي من الدنيا» [3] .

وقد اتّفق الكتاب والسنّة معاً علي إطلاق هذه الحقيقة أنّ الحسين ابن رسول الله، في آية المباهلة: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ...) [4] .

وقد أجمع المسلمون كلّهم، واتّفقت كلمتهم، مفسّرين ومحدّثين [5] علي أنّ المراد بأبناءنا هما الحسن والحسين (عليهما السلام).

ومع ورود هذه النصوص فإنّ كون الحسين (عليه السلام) ابناً للرسول (صلي الله عليه وآله) أمر محقّق.

لكن جملة[... يابن رسول الله ]ليست بصدد ذلك الأمر المحقّق الواضح، بقدر ما هي بصدد تصويره في بداية زيارة عاشوراء وهو البُنوة الرسالية، فالحسين (عليه السلام)استمرار لوجود الرسول (صلي الله عليه وآله)، وجهاده ونضاله في سبيل نشر دعوة الإسلام، وتعظيمه، وإحياؤه إنّما هو تحقيق ودعم للرسالة المحمّدية و إحياء لها، ولذلك: أكّدت الفقرة علي هذه البُنوة، كما سبق، ليكون دفاعاً عن الحسين (عليه السلام) وتفنيداً لمزاعم أعدائه بأنّه خرج علي الدين بحركته وجهاده وقتاله واستشهاده، بينما هو مرتبط بالرسالة عضوياً ومعنوياً ممّا لا يشبهه أحد سوي أخيه الحسن المجتبي (عليه السلام)واُخته زينب (عليها السلام) اللذين ساهما بدورهما في إحياء «عاشوراء».

ويقول:[ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ ].

«إمِرْةُ المؤمنين» لقبٌ عدّ من من خصائص الإمام علي (عليه السلام) خصّه به الرسولُ، وأكّده له في مواطن كثيرة [6] .

ودلالته اللغوية واضحة، وبُنوة الحسين (عليه السلام) للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً معروفة، فما الوجه في التأكيد عليها؟

إنّ الانتساب ـ كما سبق ـ عضوياً إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) تدلّ علي شرف عظيم إذ أنّ عليّاً (عليه السلام) وهو في مقام الإمرة الإلهية للمؤمنين، لابُدّ أنْ يقوم بإنجاب أنجال هم في مستوي ذلك المقام الكريم، وأكرم بشبليه الحسن والحسين (عليهما السلام) أن يكونا وارثي مجده وسؤدده.

وذكرهذا اللقب بالذات، يوميءأنّ الحسين(عليه السلام) الذي يُنسب إلي صاحبه هو الأولي والأحقّ بهذا المنصب ممّن تغلّب عليه وسطا علي إمكانياته بالقهر والتزوير، ففي ذلك دعمٌ لمواقف الحسين(عليه السلام) تجاه اُولئك اللصوص المتغلّبين، وإعلان لأنّ الحقّ لابدّ أن ينتقل إلي من يستأهله بالنصوص لا إلي من يستأكله من اللصوص.

وأمّا الإمرة، فقد جاءت في حديث شريف بتصويرآخر، فيه من الاستدلال بالدلالة التصوّرية من الألفاظ، وذلك في ماروي عن الإمام الباقر (عليه السلام)قال: معني أميرالمؤمنين، لأنّه يميرهم العلم، أما سمعت كتاب الله عزّوجلّ (ونمير أهلنا) [7] .

فهنا يعلن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) إنّما استحقّ هذا المنصب لأنّه يؤمّن للاُمّة احتياجاتها العلمية، ويقوم بتعليم المؤمنين وإرشادهم ويمونهم بما يحتاجون من علوم الدين، فهو يميرهم، وأميرهم، لأنّه عيبة علم رسول الله، وباب مدينة العلم، بتصريح الرسول (صلي الله عليه وآله): «أنا مدينة العلم وعلي بابها».

وكان علي (عليه السلام)ينادي «سلوني قبل أن تفقدوني» وهكذا أثبت الواقع في عهد الإمام علي (عليه السلام) أنّ الكل كان يحتاج إليه علميّاً، والخلفاء كانوا يراجعونه في مشكلاتهم القضائية وحتّي الاجتماعية، حتّي اشتهرت كلمة «لولا علي لهلك عمر» من كلام عمر نفسه، وقد أقرّ لهذه الحاجة ألدّ أعداء الإمام مثل عائشة ومعاوية.


پاورقي

[1] سورة الأنعام (6)، الآيات (84 ـ 85).

[2] مستدرک الحاکم 3/166 وصحّحه علي شرط الشيخين.

[3] صحيح البخاري 5/102 رقم 241، والصواعق المحرقة لإبن حجر (ص191) باب11 الفصل 3.

[4] سورة آل عمران (3): الآية (61).

[5] انظر: مصابيح السنّة للبغوي 4/183 رقم 4795. وتفسير الرازي 8/81، تفسير الزمخشري 1/368، تفسير القرطبي 4/104. ومستدرک الحاکم 3/150. والدرّ المنثور للسيوطي 2/232. وسنن الترمذي 5/225 رقم 2999.

[6] لاحظ کتاب اليقين، لإبن طاوس، الخاصّ بالأحاديث التي نصّت علي هذا اللقب من لسان النبي (صلي الله عليه وآله)، وقد استدرک عليه في کتاب «التحصين» له أيضاً.

[7] سورة يوسف: (الآية 65).