بازگشت

نقطة هامة


هناك أمر تجدر ملاحظته فيما يرتبط بالرؤية الإسلامية، والرؤية الدولية الوضعية متمثلة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا الأمر يتمثل في نظرة كل منهما للتعليم.

فالإعلان العالمي يعتبر حق التعلم حقا من حقوق الإنسان التي يفترض مراعاتها علي الأقل في المراحل الابتدائية، في حين يعد الإسلام العلم فريضة وواجبا علي كل مسلم ومسلمة، والمعروف أن الواجب لا يحق التنازل عنه، وقد أثر عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قوله: "طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة" [1] .

يقول الإمام الحسين (عليه السلام) في العلم "العلم لقح المعرفة، وطول التجارب زيادة في العقل والشرف والتقوي،..." [2] .

كما كان (عليه السلام) يحث علي العلم، والمعرفة، ويشجع عليهما، بحيث لم يكن يقصر ذلك علي عمر معين. فقد روي "أن أعرابيا من البادية قصد الإمام الحسين (عليه السلام) فسلم عليه فرد (عليه السلام) وقال:

يا أعرابي فيم قصدتنا؟

قال: قصدتك في دية مسلمة إلي أهلها.

قال (عليه السلام): أقصدت أحدا قبلي؟

قال: عتبة ابن أبي سفيان فأعطاني خمسين دينارا، فرددتها عليه وقلت: لأقصدن من هو خير منك وأكرم، وقال عتبة: ومن هو خير مني وأكرم لا أم لك؟

فقلت إما الحسين بن علي، وإما عبد الله بن جعفر، وقد أتيتك بدءا لتقيم بها عمود ظهري، وتردني إلي أهلي.

فقال الحسين: والذي فلق الحبة، وبرء النسمة، وتجلي بالعظمة ما في ملك ابن بنت نبيك إلا مائتا دينار فأعطه إياها يا غلام، وإني أسألك عن ثلاث خصال إن أنت أجبتني عنها أتممتها خمسمائة دينار.

فقال الأعرابي: أكل ذلك احتياجا إلي علمي، أنتم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة؟

فقال الحسين: لا ولكن سمعت جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: أعطوا المعروف بقدر المعرفة.

فقال الأعرابي: فسل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فقال الحسين: ما أنجي من الهلكة؟

فقال: التوكل علي الله.

فقال: ما أروح للمهم؟

قال: الثقة بالله.

فقال: أي شيء خير للعبد في حياته؟

قال: عقل يزينه حلم، فقال: فإن خانه ذلك؟ قال: مال يزينه سخاء وسعة، فقال: فإن أخطأه ذلك؟ قال: الموت، والفناء خير له من الحياة، والبقاء.

قال فناوله الإمام الحسين (عليه السلام) خاتمه وقال: بعه بمائة دينار، وناوله سيفه وقال: بعه بمائتي دينار، واذهب فقد أتممت لك خمسمائة دينار..." [3] .

أما السلام، والعفو، والتسامح التي يولدها العلم فقد ورد عن الأمام الحسين (عليه السلام) فيها قوله: "من أحجم عن الرأي، وعييت به الحيل، كان الرفق مفتاحه" [4] .

وقوله (عليه السلام): "لو شتمني رجل في هذه الأذن وأومي إلي اليمني، واعتذر لي في الأخري، لقبلت ذلك منه، وذلك أن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) حدثني أنه سمع جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: لا يرد الحوض من لم يقبل العذر من محق أو مبطل" [5] .

هذا ويتفرع موضوع المادة (27) من الإعلان عن المادة (26) منه حيث تنص المادة السابعة والعشرون علي أنه:

"1ـ لكل شخص الحق في أن يشترك بحرية في الحياة الثقافية للجماعة، والتمتع بالفنون، وأن يشارك في التقدم العلمي وفوائده.

2ـ لكل شخص الحق في حماية المصالح الأدبية والمادية الناتجة عن أي إنتاج علمي، أو أدبي، أو فني يكون هو منشؤه".

لقد سبقت الإشارة إلي مثل هذه الحقوق في ثنايا العناوين المتقدمة كالحريات بأنواعها، وطلب العلم، مع فارق بين الفقرة الأولي من المادة (27) يتمثل في كون هذه المادة اعتبرت التعلم، والمساهمة الفردية في التقدم العلمي حقا للإنسان قد يمارسه، وقد يتنازل عنه بخلاف الدين الإسلامي الذي أوجب طلب العلم علي المسلمين بما لا سبيل معه إلي التنازل، وبما يعرض المسلمين للعقاب الإلهي فيما لو لم ينبر أحد من المسلمين إلي القيام بأعباء واجب طلب العلم، وهذا ما يسمي بالواجب الكفائي حسب الاصطلاح الفقهي.

وأما الحقوق المادية، والأدبية فإن الدين الذي يقطع اليد في ربع دينار سرقته مع توفر شروط ذلك، فإنها أولي أن تحمي مصالح الآخرين المختلفة.

أما المتبقي من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهي المواد من (28- 30) فقد تضمنت أمورا قد تم البحث فيها من قبيل الحريات، والرفاهية وغير ذلك اللهم إلا مجموعة القيود والضوابط التي تحد من حرية الفرد، وهذه الحريات تنتهي حين تصطدم بحريات الآخرين، والنظام العام، حيث نصت الفقرتان (2)، (3) من المادة التاسعة والعشرين من الإعلان علي:

"2ـ في ممارسة حقوقه، وحرياته، لن يتعرض كل شخص إلا للقيود التي يحددها القانون فقط بقصد التأكد من الاعتراف والاعتراف الواجبين لحقوق وحريات الآخرين، وتلبية المتطلبات العادلة لقواعد الأخلاق والنظام العام، والرفاهية العامة في مجتمع ديمقراطي.

3ـ هذه الحقوق والحريات يجب ألا تمارس في أية حالة بصورة تناقض أغراض ومبادئ الأمم المتحدة".

وهذه الضوابط، والقواعد تناولها الدين الإسلامي الذي أكد علي الأخلاق ووجوب عدم التعدي والتجاوز علي الآخرين عند ممارسة الإنسان لحرياته، وحقوقه.


پاورقي

[1] باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، مکتبة الداوري، قم، ج2، ص 232.

[2] بحار الأنوار، مرجع سابق، ج78، ص 128.

[3] نور الله الحسيني، إحقاق الحق، مکتبة النجفي، قم، ج11، ص 440.

[4] بحار الأنوار، مرجع سابق، ج78، ص 128.

[5] إحقاق الحق، مرجع سابق، ج11، ص 431.