بازگشت

الاسرة


من حقوق الإنسان الأساسية التي تناولها الإعلان العالمي حقوق الأسرة، باعتبار أن تأسيسها الهدف المشروع الذي من حق كل إنسان السعي نحوه، وبلوغه، وممارسته، كيما يحصل علي الأمن، والأمان، والسكن الذي توفره له هذه المؤسسة الاجتماعية الهامة، ونظرا لأهمية هذه المؤسسة تجد الإعلان العالمي قد أورد أحكامها باعتبارها من حقوق الإنسان التي يتوجب علي الدول، والحكومات، والمجتمعات الدولية، والهيئات غير الحكومية السعي بجد من أجل تنظيم أحكام هذه المؤسسة.

لقد تناول الإعلان موضوع الأسرة في المادة السادسة عشرة منه بالنص علي أنه:

"1ـ للرجال، والنساء في سن الرشد بدون أي تحديد بسبب العنصر، أو الجنسية، أو الدين الحق في الزواج، وفي تأسيس أسرة. ولهم الحق في حقوق متساوية فيما يتعلق بالزواج، وخلال الزواج، وعند إنهائه.

2ـ يجب ألا يتم الزواج إلا بالموافقة الحرة، والتامة للزوجين المعنيين.

3ـ الأسرة هي وحدة المجموعة الطبيعية، والأساسية للمجتمع، لها الحق في الحماية من المجتمع والدولة".

من القضايا التي طالما كانت هدفا لسهام مناوئي الإسلام قضية الأسرة، والمرأة، والعلاقة الأسرية، حيث يتهم هؤلاء الدين الإسلامي بأنه الدين الذي يصادر حرية المرأة. فالمرأة من وجهة نظر هؤلاء تعيش علي هامش الحياة، وعليه فالدين الإسلامي هو ـ كما يرون ـ دين رجولي.

إن هذه النظرة التحكمية، والصورة النمطية التي رسمها هؤلاء للدين الإسلامي تحمل إن حسن الظن بها علي أنها قد كونت من خلال الرؤية للواقع المزري الذي يعيشه المسلمون ـ غالبا ـ من حيث التعامل مع المرأة، حيث الاضطهاد، والنظرة الفوقية التي ينظر الرجل من خلالها نحو المرأة. ولكن هذا خطأ منهجي كبير، فمن غير المعقول، وغير العلمي الحكم علي نظرية ما من خلال تطبيقاتها علي أرض الواقع، والانطلاق منه إلي النظرية، إنما المنهج العلمي في هذا النوع من البحث، والدراسة يفترض أن يتخذ الطريق المعاكس، أي يجب أن يكون الانطلاق من النظرية باتجاه الواقع، فيكون الحكم علي الواقع، والتطبيقات عن طريق دراسة النظرية نفسها، أي أن النظرية هي التي تحكم علي الواقع بالصحة، والبطلان لا العكس.

والحال كيف يمكن الحكم علي الإسلام بمصادرة حقوق المرأة، وتهميش دورها، والحال أن التاريخ يكشف لنا عن الأدوار الهامة التي عبأت بها المرأة المسلمة خلال الأدوار التاريخية التي مر بها الإسلام؟

فلو أن الآخرين ـ مسلمين وغيرهم ـ ممن لم يفهموا الإسلام كانوا قد قرأوا التاريخ ولو قراءة بسيطة ساذجة لما أمكنهم الحكم علي الدين الإسلامي بمثل هذه الأحكام الجزافية، التي تخالف الحقيقة كل الخلاف.

فالإمام الحسين (عليه السلام) كان من الذين عملوا علي تركيز حق المرأة في المشاركة في الأمور الهامة التي تتعلق بالدولة الإسلامية، فضلا عن دورها الريادي في الأسرة. لقد أوكل الإمام (عليه السلام) لأخته دورا من أعظم الأدوار، والذي يتوقف عليه مسار الحركة الإصلاحية التي قام بها الإمام الحسين (عليه السلام) لحفظ الإسلام من الضياع، وبالتالي كان الدور الذي أوكل للسيدة زينب (عليها السلام) يتوقف عليه حفظ الدين الإسلامي برمته.

فلو كان الإسلام، والإمام الحسين (عليه السلام) ينظر إلي المرأة تلك النظرة الدونية، لما أمكن الثقة بالمرأة، وإعطائها مثل هذا الدور الخطير. ذلك الدور الذي تركز علي حفظ مبادئ الثورة الحسينية أولا، ثم التركيز علي حفظ، وحماية الشخص الذي سيتولي القيادة الدينية بعد الإمام الحسين (عليه السلام)، وتولي منصب الإمامة، أعني به الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، الذي شاء الله أن يبتلي بالمرض في كربلاء، فسلم حينها من أن يناله الجيش الباغي بالقتل.

لقد قامت السيدة زينب (عليها السلام) بأعباء تلك المهمة علي أكمل وجه يمكن أن يقوم به إنسان، بل يعجز إنسان، أي إنسان عن أداء مثل هذا الدور القيادي الهام.

فالإسلام، والقائمون عليه لا زالوا يفخرون بذلك الإنجاز العظيم الذي حققته المرأة ـ السيدة زينب (عليها السلام) ـ في هذا الميدان، ولو أن الإسلام يوهن المرأة، ويضعف دورها، ويصادر حقوقها، لما كان يفخر، ولا زال بحفظ الرجل الإمام من يد الأعداء بعد معركة الطف، وسوق أهل البيت (عليهم السلام) كما تساق سبايا الأمم المحاربة للدين الإسلامي.

خلاصة القول كان الإمام الحسين (عليه السلام)، والإمام زين العابدين كذلك، قد سلما القيادة في تلك الفترة إلي السيدة زينب، فحين خطبت السيدة زينب (عليها السلام) خطبتها في أهل الكوفة حين أدخلوا أهل البيت سبايا للكوفة التفت إليها الإمام زين العابدين (عليه السلام) قائلا: "يا عمة... أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة" [1] .


پاورقي

[1] بحار الأنوار، مرجع سابق، ج45، ص 162، ح7.