بازگشت

احكام الهوية والانتماء


يعد الإنسان كائنا مدنيا بالطبع، أي أن الله أودع في فطرته الميل نحو العيش في مجموعة، وينفر من العزلة، وليس هناك من بني البشر من يميل إلي العزلة غير أولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية تملي عليهم الانعزال عن بني جلدتهم من بني البشر الآخرين.

فالإنسان لا يحس بالأمن والاطمئنان ما لم يعيش في كنف جماعة معينة، لذا كان الانتماء إلي جماعة معينة من حقوق الإنسان التي كفلتها الشرائع، والسنن، والقوانين تلبية لنداء الفطرة الإنسانية الذي يلح في طلب الانتماء، والهوية. ثم إن تعقد أمور الحياة البشرية، وزرع الحدود الجغرافية بين البلدان دعا إلي أن تسن القوانين، والنظم الخاصة بهذا الحق فكانت قوانين الجنسية، التي أشارت إليها المادة الخامسة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان موضوع البحث. فلقد نصت المادة المذكورة علي التالي:

"1ـ لكل شخص الحق في جنسية.

2ـ يجب ألا يحرم أي شخص من جنسيته بشكل تعسفي، أو ينكر حقه في تغيير جنسيته".

لقد كلف هذا الحق الإمام الحسين (عليه السلام) غاليا في دعوته إليه في حركته الإصلاحية التي قدم فيها نفسه، فضلا عن أهل بيته، وأصحابه. لقد تمثل الثمن الذي قدمه الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل إثبات هذا الحق مسير أخته، وأهله سبايا من بلد إلي آخر، ودخولهم مجالس الطغاة في كل من الكوفة والشام، إلا أن الإمام (عليه السلام) آثر التضحية ما دام الهدف كبيرا.

لقد أدرك الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه، وبعد أن يستشهد في حركته سوف يعمل الطغاة علي سلب انتمائه، وأصحابه، كيما يشوهوا الهدف الذي من أجله خرج.

وفعلا حدث ذلك حين بدأت السلطات الطاغية آنذاك تبث بين الناس أن هؤلاء ـ الحسين، وأهل بيته، وأصحابه ـ إنما هم أناس خوارج، خرجوا عن الإسلام، وخرجوا علي الأمير فمكن الله الأمير منهم، وهذا يعد في الاصطلاح القانوني، والسياسي الحديثين بمثابة سحب الجنسية التي هي حق من حقوق الإنسان الأساسية التي لا يجب سحبها عن الإنسان بحال، أو تجريدها منه.

لذلك آثر الإمام الحسين (عليه السلام) اصطحاب أهله معه علي الرغم من المعارضات التي واجهها من قبل الآخرين، والتي طالبته بعدم اصطحابهم معه، ولكنه أصر علي ذلك فأصاب بذلك هدفين اثنين هما:

1ـ إعلان أهمية هذا الحق ـ حق الانتماء، والهوية ـ أمام المسلمين والذي لا يفترض بالإنسان التخلي عنه، إذ أن حقوق الإنسان كان الإسلام قد ارتقي بها إلي درجة الفرائض، والتكاليف الإلهية التي لا يحق للإنسان التخلي، والتنازل عنها، مهما كانت الظروف، ولو كان ذلك التخلي بمحض إرادة الإنسان، واختياره.

2ـ كشف الإمام (عليه السلام) عن طريق أخته السيدة زينب (عليها السلام)، وأهل بيته الآخرين زيف السلطة الأموية التي كانت تتستر بالإسلام في حين كانت ـ من خلال ممارساتها، وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان ـ بعيدة كل البعد عما تتستر به، بحيث كانت تتعامل مع الشعب علي أنه رق لها، وأنه لا رأي إلا الرأي الحاكم، ولا هامش للحرية في سياستها، فمن لم يكن من أبناء الشعب مع السلطة، ومؤيد لها فهو عدو لها بالضرورة، لذا يستباح دمه، ويصفي جسديا، أو فكريا. وهذا ما تنبه له الإمام الحسين، ففوت الفرصة علي النظام الحاكم في بلوغ ذلك الهدف، من خلال اصطحاب عائلته معه إلي كربلاء، حيث أوكل لأخته السيدة زينب (عليها السلام) مهمة إكمال ما بدأه من حركة إصلاحية، وإجهاض المؤامرة الحكومية لتجريد الثورة، وأصحابها من مبادئها الأساسية، الإنسانية التي من أجلها نهض الإمام الحسين (عليه السلام)، وقتل.