بازگشت

المنعة بين الاعلان و الامام


المنعة اصطلاح قانوني يطلق عادة للإشارة إلي الحصانة التي يمنحها القانون للمنزل، وللمكالمات، والمراسلات، وغير ذلك من الأمور التي يجريها الإنسان. فالأصل في ذلك أن الإنسان حر في ممارسة هذا النوع من الحريات، "حرية السكن وحرمته، وحرية المراسلات. كما تدخل فيها الحريات العائلية" [1] ، بعيدا عن رقابة الآخرين ـ الدولة، أو الجهات، أو الأفراد ـ ما لم تكن هناك ضرورة أمنية، أو قانونية لممارسة رقابة استثنائية علي تلك الممارسات، كإن تمس بالأمن العام، أو أمن الأفراد.

"إن السكن كعنصر أساسي في حماية الحياة العائلية، والفردية يمكن اختياره، واستعماله بحرية من جهة، واعتباره حصينا inviolalble من جهة أخري، وفيه يري الفقهاء مظهرين للحرية الفردية، ولها قيمة دستورية، طالما أن الحق في حصانة المسكن مقرر في معظم دساتير الدول. وأن كثيرا من الدول باستثناء الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة تقرر جزاءات جنائية علي انتهاك حرمة السكن... وحرمة السكن لم تحمها القوانين، والدساتير فحسب، بل إن الاتفاقات الدولية، وإعلانات حقوق الإنسان قد أشارت لهذه الحماية" [2] ، كما هي الحال بالنسبة للمادة الثانية عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي نصت علي التالي: "يجب ألا يتعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة، أو أسرته، أو منزله، أو رسائله، ولا لأية هجمات علي شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون ضد مثل هذا التدخل، أو الهجمات".

هذه الحقوق الشخصية دعا إليها الدين الإسلامي، وأكد علي حمايتها من الانتهاك من خلال وضع عقوبات جزائية علي من ينتهك مثل هذه الحقوق، والحريات الشخصية كما ودعا إليها الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء، مؤكدا علي حرمتها لا بالاستناد إلي الشرع فحسب، وإنما بالاستدلال عليها بالأعراف، والتقاليد لمختلف الناس، ومذاهبهم بما يدل علي أن هذا النوع من الحقوق إنما هو مما يتناسب مع الفطرة الإنسانية، بغض النظر عن إقرار الشرائع، والقوانين لها، وعدم إقرارها.

لقد رفع الإمام الحسين (عليه السلام) صوته في كربلاء معلنا حرمة هذا النوع من الحقوق الشخصية حين خاطب جيش عمر ابن سعد داعيا إياهم بالعودة إلي نداء الفطرة وإلي الأعراف، والعادات، والتقاليد العربية إن كانوا حقا ينتسبون إلي القومية العربية التي تحرم أعرافها انتهاك هذا النوع من الحريات، والحقوق، بل وتعتبر ذلك من أشنع الأمور التي تلصق بمن يمارس الانتهاك عارا يعقبه حتي في ذريته.

فقد صاح الإمام الحسين (عليه السلام) بهم: "ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه، وارجعوا إلي أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر ما تقول يا ابن فاطمة؟

قال أقول: أنا الذي أقاتلكم، وتقاتلوني، والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم، وطغاتكم عن التعرض لحرمي" [3] .

ثم أن غيرة الإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن لتسمح له بمشاهدة هذا المنظر الذي يندي له جبين الإنسانية لذا قال لهم: "رحلي لكم عن ساعة مباح، فامنعوه جهالكم، وطغاتكم، وكونوا في الدنيا أحرارا إن لم يكن لكم دين" [4] .


پاورقي

[1] د.کمال غالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية مديرية الکتب والمطبوعات، جامعة حلب، 1984، ص 317.

[2] المحامي عبد الهادي عباس، حقوق الإنسان، دار الفاضل، دمشق، 1995، ج3، ص 61.

[3] إبن طاووس، اللهوف، مکتبة الحيدرية، النجف، 1385هـ، ص 119.

[4] نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي، مثير الأحزان، مؤسسة الإمام المهدي، قم، 1406هـ، ص 72.