بازگشت

الحرية و الاخوة و المساواة


يعد المجتمع الدولي هذه المبادئ الثلاثة التي تناولتها المادة (1) من إنجازات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تجد جذورها في الثورة الفرنسية ـ 1789 ـ التي رفعت هذه الشعارات الثلاثة، وكأن المبادئ الإنسانية في مجال حقوق الإنسان كانت قد بدأت مع الإعلان المذكور الذي أقر عام 1948.

لقد بلغ هذا الإجحاف حدا إلي درجة أن المستشرق المعروف الأستاذ روزنتال يزعم بأن "المسلمين في العصر الوسيط ما كانوا يملكون مفهوما للحرية الإنسانية وما شابهها للمفهوم الإغريقي" [1] .

إن هذا القول مرفوض ليس بالرد من خلال السبق الزمني للإسلام في ميدان حقوق الإنسان مما لا سبيل إلي إنكاره فقط، وإنما يرد بالتميز الذي تناول خلاله الإسلام لمفاهيم كهذه.

فالدين الإسلامي ارتفع بهذه الحقوق من مرتبة التنظير إلي صبها في خانة الواجبات والضرورات التي عني بها الدول والإنسان نفسه بحيث لا يحق له التنازل عن حقوقه لمكان وجوبها.

"فهذا الذي عرفته فكرية الحضارة الغربية، حديثا في باب حقوق الإنسان، قد عرفته الحضارة الإسلامية، بل ومارسته ـ قديما ـ لا كمجرد حقوق للإنسان، وإنما كفرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية، لا يجوز لصاحبها ـ الإنسان ـ أن يتنازل عنها أو يفرط فيها، أو يهمل لها حتي بمحض اختياره إن هو أراد" [2] .

من هذا المنطلق تجد الإمام الحسين (عليه السلام) يؤكد علي هذه المبادئ لا من خلال القول فقط، وإنما يدعو إليها، ويؤكد عليها، ويستشهد في سبيلها.

أما الحرية فقد تقدم الحديث عنها، وكيف كان الإمام الحسين (عليه السلام) يؤكد عليها، وينظر إليها. أما المساواة فتجدها في تعامل الحسين (عليه السلام) مع الناس علي قدم المساواة بغض النظر عن الدين، أو المذهب، أو المهنة، أو غير ذلك. فقد أعتق غلاما له جني جناية توجب الضرب، وأعتق جارية حيته بطاقة ريحان.

لقد كان يضع خده الشريف علي خد جون مولي أبي ذر الغفاري حين استشهد بين يديه في واقعة كربلاء الدامية داعيا له "اللهم بيض وجهه، وطيب ريحه، واحشره مع الأبرار، وعرِّف بينه وبين محمد وآل محمد" [3] ، ويضع خده الآخر علي خد ولده علي الأكبر الذي قدمه كأول مقاتل بين يديه من أهل بيته الشريف، واستشهد بين يديه كذلك.

وأما الأخوة فتجدها في عدم ترفعه علي الآخرين، وذم التكبر علي الناس والغرور. لقد تناول الإمام الحسين (عليه السلام) مبدأ الأخوة بالتفصيل في قوله التالي: "الأخوان أربعة: فأخ لك وله، وأخ لك، وأخ عليك، وأخ لا لك ولا له.

فسأل عن معني ذلك فقال: الأخ الذي هو لك وله فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الإخاء ولا يطلب بإخاءه موت الإخاء، فهذا لك وله، لأنه إذا تم الإخاء طابت حياتهما جميعا، وإذا دخل الإخاء في حال التناقض بطل جميعا. والأخ الذي هو لك: فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلي حال الرغبة، فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الإخاء، فهذا موفر عليك بكليته. والأخ الذي هو عليك: فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر، ويغشي السرائر، ويكذب عليك بين العشائر، وينظر في وجهك نظر الحاسد، فعليه لعنة الواحد. والأخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملأه الله حمقا فأبعده سحقا، فتراه يؤثر نفسه عليك، ويطلب شحا ما لديك" [4] .


پاورقي

[1] نخبة من الکتاب، رؤي إسلامية معاصرة، مجلة العربي، الکويت، ط1، 2001، من مقالة للدکتور رضوان السيد بعنوان: حقوق الإنسان والفکر الإسلامي المعاصر، ص154.

[2] د. محمد عمارة، الإسلام والأمن الاجتماعي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1418هـ، ص 83- 84.

[3] عبد الله بن نور الله البحراني، العوالم، منشورات مدرسة الإمام المهدي، قم، 1407هـ، ج17، ص265.

[4] محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، المکتبة الإسلامية، طهران، ج78، ص 119.