بازگشت

توطئة


ينكر البعض من مناوئي الدين الإسلامي، ومن يسير في خطاهم علي الإسلام كونه يدعو إلي إقامة دولة، ولذا يحصره بالتالي في إطار التعاليم الدينية التي لا تعدو تنظيم علاقة الإنسان بربه، وبما أن حقوق الإنسان تتطلب قوة ملزمة تفرض تطبيقها، ومراقبتها فيكون الدين الإسلامي ـ بناء علي وجهة نظر المتقدمين ـ خال من حقوق الإنسان من منطلق كون المسالة سالبة بانتفاء الموضوع، أو أن التعاليم المتعلقة بحقوق الإنسان في الدين الإسلامي لا تعدو كونها أمورا استشارية، أو استئناسية ـ حسب الاصطلاح القانوني الوضعي ـ وبالتالي فهي تفتقد لعنصر الإلزام الذي يضفي علي كل مبدأ صفة القانونية.

عليه لابد من الإجابة علي السؤال التالي قبل الحديث عن مبدأ حقوق الإنسان في الإسلام وجودا وعدما، والسؤال يتلخص بالتالي:

هل الإسلام دين فقط، أم أنه دين ودولة؟

لم يكن الإسلام كغيره من الأديان الأخري ـ مع احترامنا الشديد لها ليؤطر تعاليمه بحدود علاقة الإنسان بربه، إنما وسع من تلك الدائرة لتمتد إلي ميدان علاقة الإنسان بغيره. وبما أن تشابك العلاقات الإنسانية، وتعقدها بحاجة إلي تنظيم لئلا تتحكم المصلحة الشخصية بها مما يقود إلي التضارب، فقد أقام الإسلام الدولة الإسلامية، ودعا معتنقيه إليها وذلك لضمان حماية مصالح المسلمين، وتنظيمها.

فالدين الإسلامي منظومة متكاملة من التعاليم التي لم تكن لتكتفي بجانب مما ذكرنا علي حساب الجانب الآخر، إنما " يؤمن بأن الحياة يجب تنظيمها ـ ليس بالإيمان فحسب ولكن أيضا ـ بالعلم والعمل، والذي تتسع رؤيته للعالم بحيث يستوعب، بل يدعو إلي قيام المسجد والمصنع جنبا إلي جنب،... يري أن الشعوب لا يكفي إطعامها وتعليمها فقط، وإنما يجب أيضا تيسير حياتها، والمساعدة علي سموها الروحي " [1] .

ثم إن التاريخ يروي لنا بما لا مجال إلي إنكاره كيف أقام الرسول الكريم أعظم دولة عرفها التاريخ البشري، وهذا دليل عملي علي كون الإسلام دين ودولة، وما فصل الدين عن السياسة سوي مقولة نشأت في التاريخ الإسلامي بدوافع مصلحية بحتة لا غرض لنا بالخوض فيها في دراستنا هذه.

عليه لم يقتصر الإسلام علي الدعوة النظرية إلي مبادئ حقوق الإنسان حسب، إنما طبقها عمليا في ظل حكومتي الرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله)، والإمام علي (عليه السلام)، بما أدهش العالم قديما، وحديثا.


پاورقي

[1] علي عزت بيکوفيتش، الإعلان الإسلامي، دار الشروق، القاهرة، ترجمة محمد يوسف عدس، ط1، 1999، ص66.