بازگشت

في الحكمة في مجاهدته مع الأعداء و الظلمة


و عدم ارتضائه بالمسالمة و المصالحة، و في حمله ثقله و نسائه الي كربلاء، و وجه الجمع بين فعله عليه السلام و فعل أخيه الحسن المجتبي عليه السلام.

قال الفاضل: قال السيد المرتضي في كتاب تنزيه الأنبياء: فان قيل ما العذر في خروجه عليه السلام من مكة بأهله و عياله الي الكوفة؟ و المستولي عليها أعداؤه، و المتأمر فيها من قبل يزيد يتسلط الأمر و النهي، و قد رأي صنع أهل الكوفة بأبيه


و أخيه عليهماالسلام، و أنهم غادرون خوانون، و كيف خالف ظنه ظن جميع نصحائه في الخروج؟ و ابن عباس يشير بالعدول عن الخروج، و يقطع علي العطب فيه، و ابن عمر لما ودعه عليه السلام يقول له: أستودعك الله من قتيل، الي غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب.

ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل، و قد أنفذه رائدا له، كيف لم يرجع؟ و يعلم الغرور من القوم، و تفطن بالحيلة و المكيدة، ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها مواد لها كثيرة؟

ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان أن يبايع يزيد، كيف لم يستجب؟ حقنا لدمه، و دماء من معه من أهله و شيعته و مواليه، و لم ألقي بيده الي التهلكة؟ و بدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الأمر الي معاوية، فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة؟ [1] .

أقول: ثم نقل جواب السيد، و لما كان جوابه مشتملا علي الغث و السمين، ضربنا عن ذكره، ثم انه يمكن الجواب الاجمالي عقلا، مع قطع النظر عن أنهم عليهم السلام مأمورون من قبل الله بأمثال هذا، علي ما علم من خبر الوصية النازلة و غيره، و انهم الأئمة المعصومون، فوجب لنا التسليم، و لا يجوز لنا الاعتراض والاستكشاف عن مكنون قدر الله تعالي فيهم.

و أن النهي عن الالقاء الي التهلكة، ليس الا فيما علم من جهة الظهور و العيان و المشاهدة، لامن جهة الوحي والالهامات الالهية، بأنه لما كان معاوية أدهي و أمر و أفسد و أشر، و كان ذا حيل شديدة، و شيطنة خبيثة، و جنود عديدة، و عساكر عنيدة، و قد حارب مثل علي عليه السلام مدة مديدة، و جهز عليه في بعض غزواته علي ما نقل ثلاثمائة ألف مقاتل، و قد أغار علي القري و البلاد، و قتل من أعوانه عليه السلام الزهاد و العباد، و يأمر تارة أن يغار علي الأنبار، و مرة علي الحجاج و العمار، و في كل ذلك يقتل الصلحاء الأبرار، و يسلط الأشرار علي الأخيار، فقيل له في ذلك، فاعتذر بأن من كان من أعدائنا يرغب فيفر، و من كان من محبينا يرغب فيقر.


فلما مضي أميرالمؤمنين عليه السلام استولي علي عامة المسلمين، و اشتد خبثه، و امتلأ رعبه في قلوب الناس أجمعين، و مع ذلك كان ظاهره مأمونا، و ان كان باطنه ميشوما.

و لما علم الحسن عليه السلام منه الخبث و المكر، و شاهد من أصحابه عليه السلام النفاق و الغدر، سلم ظاهرا، و اصطلح مضطرا، كفا عن فتن الأشرار، وضنا علي دماء الأخيار، حيث شرط علي معاوية أن لا يتسمي بامرة المؤمنين، و لا يهدر دماء المسلمين.

و لما كان هذا خفيا علي ضعفاء العقول، و علي كثير ممن هجروا في زوايا الخمول، فضلا علي من لم يظهر بعد عن مغيب الافول، عير بهذا صلوات الله و سلامه عليه، حتي سلم عليه بعض العيابين بالسلام عليك يا مذل المؤمنين، فأجاب عليه السلام بما أجاب، و أصاب في كلامه و أطاب.

و لا يخفي أن مثل هذا الصلح علي ما هو عليه لا يبلغ في زمانه الي الأفاضل و الأكابر، فضلا عن العجائز و الأصاغر، ثم فضلا الي زماننا هذا الذي لا يصل الينا شي ء الا بالدفاتر، بل ربما لا يصل الا أنه لما كان معاوية أولي بالأمر من الحسن عليه السلام سلم عليه السلام الأمر اليه و استسلم، كما أن سبقة الأول و الثاني علي أميرالمؤمنين عليه السلام هكذا وصل الي العامة.

فلو صالح الحسين عليه السلام مثل أخيه عليه السلام، و لم يهاجر مع بناته و بنيه، و لم يصبر علي مقاساة الحتوف، و لم يستسلم لاحتمال شكل السيوف، و لم تقع هذه الداهية الفاظعة، القارعة للآذان الواعية، و لم تعم رزيته الآفاق و سكان الأرضين و السماوات، و لم تبلغ فجيعته المخدرات، و من في خبايا البيوتات، لم يظهر خبث آل يزيد و آل معاوية، و لم تبرز ثمرة فروع الشجرة الخبيثة، لما يتفطن ذووا الأفهام، و لما يتنكب عن ظلمهم ذووا الأحلام، و لكان يغلب الشبهة علي العامة، و تعم الحيرة الخاصة.

سيما في مدة ملك تلك الفراعنة التي كانت قريبا من تسعين سنة، و قد أسسوا بناء سب أبي تراب، و عزموا أن يجتاحوا نسله و شيعته من وجه التراب، حتي حار اولوا الألباب من وقوع مثل هذا الشي ء العجاب، و لصار الأنام كلهم عبدة


للأصنام و عكفة علي بدع أسسه التيمي و العدوي في سالف الأعوام، و شيد أركانها آل عثمان، و جصص حيطانها آل أبي سفيان، أصلاهم الله الي أسفل درك من النيران، و قرنهم في الاصفاد مع الشيطان.

و هذا هو المراد بما قيل: لو لم يكن معاوية لآل الأمر الي مقره، و ما مال أهل الزيغ عن مستقره، و لو لم يكن يزيد لقلت الشيعة المحقة، و اضمحلت الملة القويمة، و اندرست السنن المصطفوية، و الطريقة المرتضوية، و المذهب الاثنا عشرية.

ثم ان هذا دليل علي وجوب الاذعان لحسن تدبير النظام، من الملك العلام، و قبح ما يمجه العوام الناطقين بالظنون و الأوهام، و المناقشين علي أئمة الأنام، علي أرواحهم الزاكية التحية و الاكرام.

والبسط في الجواب ما قاله الغر المحدث في البحار، و هذا كلامه: قد مضي في كتاب الامامة و كتاب الفتن، أخبار كثيرة دالة علي أن كلا منهم عليهم السلام كان مأمورا بامور خاصة، مكتوبة في الصحف السماوية، النازلة علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فهم كانوا يعملون بها، و لا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم علي أحكامنا، و بعد الاطلاع علي أحوال الأنبياء عليهم السلام، و ان كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادي علي الوف من الكفرة، و يسبون آلهتهم، و يدعونهم الي دينهم، و لا يبالون بما ينالهم من المكاره و الضرب و الحبس و القتل، والالقاء في النار و غير ذلك، لا ينبغي الاعتراض علي أئمة الدين في أمثال ذلك.

مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين و النصوص المتواترة، لا مجال للاعتراض عليهم، بل يجب التسليم لهم في كل ما يصدر عنهم.

علي أنك لو تأملت حق التأمل، علمت أنه عليه السلام فدي نفسه المقدسة دين جده، و لم تتزلزل أركان دولة بني امية الا بعد قتله [2] عليه السلام، و لم يظهر للناس كفرهم و ضلالتهم الا بعد فوزه بسعادته، و لو كان عليه السلام يسالمهم و يوادعهم كان يقوي سلطانهم، و يشتبه علي الناس أمرهم، فيعود بعد حين أعلام الدين طامسة، و آثار


الهداية مندرسة.

مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة، أنه عليه السلام هرب من المدينة خوفا من القتل الي مكة، و كذا خرج من مكة بعد ما غلب علي ظنه أنهم يريدون غيلته و قتله، حتي لم يتيسر له - فداه نفسي و أبي و امي و ولدي - أن يتم حجه، و خرج منها خائفا يترقب، و قد كانوا لعنهم الله ضيقوا عليه جميع الأقطار، و لم يتركوا له موضعا للقرار.

و لقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة: أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم، و ولاه أمر الموسم، و أمره علي الحاج كلهم، و كان قد أوصاه بقبض الحسين عليه السلام سرا، و ان لم يتمكن منه يقتله غيلة، ثم انه دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني امية و أمرهم بقتل الحسين عليه السلام علي أي حال اتفق، فلما علم الحسين عليه السلام بذلك حل من احرام الحج و جعلها عمرة مفردة.

و قد روي بأسانيد أنه لما منعه عليه السلام محمد بن الحنفية عن الخروج الي الكوفة، قال: والله يا أخي لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتي يقتلوني.

بل الظاهر أنه لو كان يسالمهم و يبايعهم لا يتركونه، لشدة عداوتهم، و كثرة وقاحتهم، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة، و يدفعونه بكل وسيلة، و انما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك.

ألا تري الي مروان كيف كان يشير الي والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه؟ فلما علم عليه السلام بعدم نفع المبايعة و المسالمة في حفظ دمه و عرضه و سبي أهله و نهب ماله هم بالمحاربة معهم و المجادلة عليهم للفوز بالشهادة و الفيض بالسعادة، فيندفع بذلك ايراد الجهلة، و كان عبيدالله بن زياد يقول: اعرضوا عليه فلينزل علي أمرنا، ثم نري فيه رأينا، ألا تري كيف آمنوا مسلما رضي الله عنه ثم قتلوه؟

فأما معاوية، فانه مع شدة عداوته و بغضه لأهل البيت عليهم السلام، و كان ذا دهاء، و نكراء و حزم، و كان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه، و ذهاب ملكه، و خروج الناس عليه، فكان يداريهم ظاهرا علي أي حال، و لذا صالحه الحسن عليه السلام، و لم يتعرض للحسين عليه السلام، و لذلك كان يوصي ولده بعدم التعرض


للحسين عليه السلام، لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته.

اللهم العن كل من ظلم أهل بيت نبيك، و قتلهم، و أعان عليهم، و رضي بما جري عليهم من الظلم و الجور، لعنا وبيلا، و عذبهم عذابا أليما، و اجعلنا من خيار شيعة آل محمد و أنصارهم، و الطالبين لثارهم مع قائمهم صلوات الله عليهم أجمعين [3] .

روي الشيخ الصدوق باسناده، عن ابراهيم الكرخي، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام - أو قال له رجل -: أصلحك الله ألم يكن علي عليه السلام قويا في دين الله؟ قال: بلي، قال: و كيف ظهر عليه القوم؟ و كيف لم يدفعهم؟ و ما منعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله عزوجل منعته، قال: و أي آية هي؟ قال: قوله عزوجل: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) [4] و انه كان لله عزوجل ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين و منافقين، و لم يكن علي عليه السلام ليقتل الآباء حتي يخرج الودائع، فلما خرجت الودائع ظهر علي من ظهر فقاتله، و كذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتي يظهر ودائع الله عزوجل، فاذا ظهر صلوات الله عليه علي من ظهر فيقتلهم [5] .


پاورقي

[1] بحارالأنوار 98-96: 45 عنه.

[2] في البحار: شهادته.

[3] بحارالأنوار 100-98: 45.

[4] الفتح: 25.

[5] کمال الدين ص 642.