بازگشت

شدة مخازي مخالفيهم


و مما يقضي منه العجب العجاب، و يرتفع الي الله الضجيج و العدوي من الطلاب: ما رواه الفاضل رحمه الله، نقلا من فرحة الغري: روي هشام الكلبي، عن أبيه، قال: أدركت بني أود، و هم يعلمون أبناءهم و حرمهم سب علي بن أبي طالب عليه السلام، و فيهم رجل من رهط عبدالله بن ادريس بن هاني، فدخل علي الحجاج بن يوسف يوما، فكلمه بكلام، فأغلظ له الحجاج في الجواب، فقال له: لا تقل هذا أيها الأمير، فلا لقريش و لا لثقيف منقبة يعتدون بها الا و نحن نعتد بمثلها، قال له: و ما منا قبلكم [1] ؟ قال: ما ينقص عثمان و لا يذكر بسوء في نادينا قط، قال: هذه منقبة.

قال: و مارئي بنا خارجي قط، قال: و منقبة، قال: و ما شهد منا مع أبي تراب مشاهده الا رجل واحد، فأسقطه ذلك عندنا و أخمله، فما له عندنا قدر و لا قيمة، قال: و منقبة، قال: و ما أراد منا رجل قط قد تزوج امرأة الا سئل عنها هل تحب أباتراب أو تذكره بخير؟ فان قيل: انها تفعل ذلك اجتنبها فلم يتزوجها، قال و منقبة.

قال: و ما ولد فينا ذكر فسمي عليا و لا حسنا و لا حسينا، و لا ولدت فينا جارية فسميت فاطمة، قال: و منقبة، قال: و نذرت امرأة منا حين أقبل


الحسين عليه السلام الي العراق ان قتله الله أن تنحر عشرة جزر، فلما قتل وفت بنذرها، قال: و منقبة.

قال و دعي رجل منا الي البراءة من علي و لعنه، فقال: نعم و أزيدكم حسنا و حسينا، قال: و منقبة، قال: و ما بالكوفة ملاحة الا ملاحة بني أود، فضحك الحجاج، قال هشام الكلبي: قال أبي: فسلبهم الله ملاحتهم الي آخر الحكاية [2] .

أقول: فيا لله من قوم سوء فاسقين، و بالاسلام منتسبين و منتحلين، و بأهل السنة متسمين و منتمين، ما جاز تراقيهم الايمان، و ليس في كن ضمائرهم الا العدوان، امامهم الشيطان، و أمامهم النيران، اتخذوا دينهم لهوا و لعبا، و رضوا بالحياة الدنيا، و اطمأنوا بها زيغا و عوجا، حيث دفعوا وصي نبيهم عن مقامه عتيا، و آثروا عليه جبارا شقيا، فهتكوا حريمه بغيا و عدوانا، و فارقوا سبيله كفرا و طغيانا، و قتلوا عترته في كل منهل و منقل، و شردوا ذريته في كل قرية و كربل [3] ، و سبوه علي كل مسجد و منبر، و أتوا في ناديهم بكل منكر، و استبدلوا به الملحدين ذغلا، فبئس للظالمين بدلا.

و مالي لا أشكو، أمن العدل أن يسب علي عليه السلام؟ و يؤذي في بنيه، و يطعن ألف شهر عليه و علي ذراريه، و يخالف عليه في عترته، و يطاع مثل الحجاج السفاك في نخوته، و يجعل مثل اللعين واليا علي المسلمين، و حاكما في دماء العلويين، مع هناته و سماته، من حين ولادته الي أوان مماته.

و بالله أحلف لولا أنهم أعداء علي عليه السلام، حيث جعلوه رابع الأربعة، كما أن اليهود أعداء الله حيث جعلوه ثالث ثلاثة، لما بقي لا طاعة طغاة بني امية مجال، و لا لخباثة مثل الحجاج لذي لهجة مقال.

و لنذكر من أمره نبذة، و من بدئه و ختمه شمة، حتي تستنبط مآله من حاله، و تستكشف مآبه من وباله.

نقل في مجمع البحرين، عن المسعودي في مروج الذهب: أنه ولد شيوها [4] .


لا دبر له فنقب عن دبره، و قد أبي أن يقبل ثدي امه أو غيرها، فأعياهم أمره، فيقال: ان الشيطان تصور لهم بصورة الحارث بن كلدة، فقال: ما خبركم؟ فقالوا: ولد ليوسف من القارعة و قد أبي أن يقبل ثدي امه، فقال: اذبحوا جديا أسود و أولغوه دمه، فاذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك، و اذا كان في اليوم الثالث فاذبحوا له تيسا أسود و أولغوه دمه، ثم اذبحوا له أسود سائحا فأولغوه دمه و اطلوا به وجهه، فانه يقبل الثدي في اليوم الرابع، قال: ففعلوا به، فكان لا يصبر عن سفك الدماء، و الحجاج يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء انتهي.

و قد قيل: ان اللعين كان مخنثا، و يؤيده ما روي في ارشاد القلوب في خبر طويل يعظ به أميرالمؤمنين عليه السلام أصحابه و يشكو سوء سلوكهم معه فقال: أما والله ليظهرن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال، يأكل خضرتكم، و يذهب شحمتكم ايه أبا و ذحة ايه أبا وذحة يعني بذلك الحجاج بن يوسف انتهي.

و نقل في مجمع البحرين للشيخ فخرالدين طريح: أن من قصته أنه كان يوما يصلي علي سجادة، فجاءت خنفساء تدب اليه، فقال: نحوا هذه عني فانها وذحة الشيطان، و كان في عشرين سنة مدة ولايته سفاكا لدماء الطالبيين، و فتاكا للسادة العلويين، ساعيا سيد الساجدين الي عبدالملك بن مروان، هتاكتا للنساء الهاشميات و بنات الفاطميات.

ذكر في كتب السير اتفاقا منهم علي أنه بلغ من قتله صبرا سوي من قتله في الحرب مائة ألف و عشرين ألفا، فلما مات قيل: كان في محبسه ثمانون ألفا، خمسة آلاف من الرجال الزهاد و خير كل واد و بلاد، و ثلاثون ألفا من النساء المحرمات و قانتات السادات يريد أن يقتلهم عن آخرهم، فلم يتيسر له [5] .

و نقل في نوادر الصالحين و المجمع: أنه وجد في سجنه مائة ألف و أربعة آلاف رجل و عشرون ألف امرأة، منها أربعة آلاف نسوة عرات، و كان محبس الرجال و النسوة واحدا، و كان حائطا محوطا لا سقف له، فاذا عمد المسجونون الي الجدران يستظلون بها من حر الشمس رمتهم الحرس بالحجارة و الأثلب، و كان


يطعمهم خبز الشعير مخلوطا بالملح و الرماد، و يسقيهم الزعاق.

و كان لا يلبث الرجل في سجنه الا يسيرا حتي يسود و يصير كأنه زنجي، حتي أن غلاما حبس فيه فجاءت اليه امه بعد أيام تتعرف خبره، فلما تقدم اليها أنكرته، و قالت: ليس هذا ابني، هذا بعض الزنوج، فقال: لا والله يا اماه أنت فلانة و اني فلان، فلما عرفته شهقت شهقة كانت فيها نفسها.

و نقل أنه جاء يوما مسجدا، فضج أهل السجن ضجة شديدة، فاستخبر، فقيل: أهل السجن يضجون من حر الرمضاء، فقال: قولوا لهم اخسؤا فيها و لا تكلمون، و له مع المسجونين حكايات.

و نقل أيضا أنه نصب الحجاج المنجنيق لرمي الكعبة جاءت صاعقة، فأحرقت المنجنيق، فتقاعد أصحابه عن الرمي، فقال الحجاج: لا عليكم فان هذه كنار قربان دلت علي أن فعلكم متقبل [6] .

و روي في روضة الواعظين، و كشكول شيخنا البهائي، و غيرهما ما ملخصه: أن آخر من قتله كان سعيد بن جبير رضي الله عنه، و كان يأتم بعلي بن الحسين عليهماالسلام، فكان علي عليه السلام يثني عليه، و ما كان سبب قتل الحجاج له الا علي هذا الأمر و كان مستقيما، و ذكر أنه لما دخل عليه، قال: أنت شقي بن كسير؟ قال: امي كانت أعرف باسمي سمتني سعيد بن جبير.

قال: ما تقول في أبي بكر و عمر هما في الجنة أو في النار؟ قال: لو دخلت الجنة و رأيت أهلها لعلمت من فيها، و ان دخلت النار و نظرت الي أهلها لعلمت من فيها، قال: ما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل، قال: أيهم أحب اليك؟ قال: أرضاهم لخالقي، قال: فأيهم أرضي للخالق؟ قال: علم ذلك عندالله يعلم سرهم و نجواهم، قال: أبيت أن تصدقني؟ قال: بل لم احب أن اكذبك [7] .

قال: والله سأصليك سقر، قال: لو أعلم أنك قادر علي ذا لما اخترت عليك معبودا، فطال بينهما الحجاج و اللجاج، قال: أقطعك اربا اربا، قال: تفسد علي


دنياي، و أفسد عليك آخرتك، فقال: الويل لك، قال: الويل لمن زحزح عن الجنة و ادخل النار، فأمر بضرب عنقه، فقال: أشهد أن لا اله الا الله، و أشهد أن محمدا رسول الله، خذها حتي ألقاك يوم الحساب، فقال: اطرحوه فاذبحوه، فاضطجع مستقبلا، فقال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض، فأمر الحجاج أن يلقي علي وجهه فقرأ: (منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخري) فذبح الشيخ السعيد و الركن السديد علي قفاه رحمه الله، فروي اليافعي أن الحجاج عاش بعده أربعين يوما انتهي.

و قيل: عاش بعده خمسة عشر يوما، و قيل: ثلاثة أيام، وصار مخلطا مخبطا مدهوشا مغمي عليه، يرقد أحيانا، و يفزع مضطربا، و يقول: مالي و لسعيد، و يقول: يقبضني سعيد و يقول: يا عدو الله لم قتلتني؟ و قيل: مرض فأصاب بطنه الاكلة فجي ء بالطبيب، فشد لحما علي حبل و أمر بابتلاعه، فلما أن لفظ اللحم تعلق عليه الديدان الكثيرة، فعلم أنه لا نجاة له.

و في مجمع البحرين: في شرح حديث الكوفة «ما أراد بك جبار سوء الا ابتلاه الله بشاغل أو رماه بقاتل» قيل: من الجبابرة الذين أرادوا بها السوء الحجاج تولدت في بطنه الحيات، و احترق دبره حتي هلك [8] .

و في تنبيه الخاطر و غيره، قيل: انه يقول عند موته: اللهم اغفر لي، فان الملأ مجتمعون علي أنك لا تغفر لي [9] .

و هذا الكلام ذكر عند عمر بن عبدالعزيز، فقال: سمعتم هذا منه؟ فقالوا: نعم، فقال: عصي و أقول: فض الله فاه بل عصي و بغي، و كأنه نسي قوله تعالي: (الآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين) [10] .

فلينظر البيب هل يجوز أن يغفر لمثل هذا اللبيد؟ فوالله ما ربك بظلام للعبيد، أم هل يجوز أن يسب أميرالمؤمنين عليه السلام في مديد من السنين و يخاصم لمثل أولئك المبعدين الخائنين في أسفل السافلين؟ أم كيف يجوز في العقول أن


يجعل مثل هؤلاء الملحدين سفيرا بين الله تعالي و عباده؟ و أمينا في أحكامه علي أهل أرضه و بلاده بدلا عن عترة الرسول و ذراري البتول؟

و ليت شعري ما يقول الظالمون حين تتظلم الزهراء عن اراقة دماء آل العباء في محضر القيامة، و محشر الخاصة و العامة، بل يقولون: تارة يا ويلنا انا كنا ظالمين، و تارة يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله و ان كنت لمن الساخرين، أو يقول كل حين يري العذاب: لو أن لي كرة فأكون من المحسنين، أو ينادون: يا مالك ليقض علينا ربك، ثم يجابون بعد أربعين عاما: انكم ماكثون، فيقولون: ربنا أخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون، فبعد أربعين عاما يجابون أيضا: اخسئوا فيها و لا تكلمون، فيقولون لخزنة جهنم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، فيقال لهم: ألم يأتكم رسل؟ قالوا: بلي، قالوا: فادعوا و ما دعاء الكافرين الا في ضلال، و ان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقا.

و في تنبيه الخاطر و غيره: روي أنه لما نزع معاوية بن يزيد نفسه من الخلافة، قام خطيبا، فقال: أيها الناس ما أنا بالراغب في التأمر عليكم، و لا بالآمن لكراهتكم، بل بلينا بكم و بليتم بنا، الا أن جدي نازع الأمر من كان أولي بالأمر منه في قدمه و سابقته علي بن أبي طالب، فركب جدي منه ما تعلمون، و ركبتم معه ما لا تجهلون، حتي صار رهين عمله، و ضجيع حفرته، تجاوز الله عنه، ثم صار الأمر الي أبي، و لقد كان خليقا أن لا يركب سنته، اذ كان غير خليق بالخلافة، فركب ردعه و استحسن خطأه، فقلت مدته، و انقطعت آثاره، و خمدت ناره، و لقد أنسانا الحزن به الحزن عليه، فانا لله و انا اليه راجعون.

ثم قال: و صرت أنا الثالث من القوم الزاهد فيما لدي أكثر من الراغب، و ما كنت لأتحمل آثامكم، شأنكم و أمركم خذوه، و من شئتم ولايته فولوه، قال: فقام اليه مروان بن الحكم، فقال: يا أبا يعلي سنة عمرية، فقال له: يا مروان تخدعني عن ديني؟ ايتني برجال كرجال عمر أجعلها بينهم شوري.

ثم قال: والله ان كانت الخلافة مغنما، فقد أصبنا منها حظا، و لئن كانت شرا، فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها، ثم نزل، فقالت له امه: ليتك كنت حيضه،


فقال: أنا وددت ذلك، و لم أعلم أن لله نارا يعذب بها من عصاه و أخذ غير حقه [11] .

و فيه نقلا من كتاب الاختصاص: هلك يزيد و هو ابن ثلاث و ستين سنة، و ولي الأمر أربع سنين، و هلك معاوية بن يزيد، و هو ابن احدي و عشرين سنة، و ولي الأمر أربعين ليلة [12] .


پاورقي

[1] في الفرحة: و ما مناقبکم؟

[2] فرحة الغري ص 23-22، والبحار 120-119: 46 عن الفرحة.

[3] الکربل: الخوض في الماء و المشي علي الطين.

[4] في المجمع: مشوها.

[5] مجمع البحرين 287-286: 2.

[6] مجمع البحرين 287:2.

[7] بحارالأنوار 137-136: 46 عن الروضة و الاختصاص.

[8] مجمع البحرين 240-239: 3.

[9] تنبيه الخاطر 283:1.

[10] يونس: 91.

[11] بحارالأنوار 119-118: 46 عنه.

[12] بحارالأنوار 119: 46 عنه.