بازگشت

في نبذة من فضائح طائفة من أهل زمانه و كيفية مماتهم


في ارشاد المفيد و غيره مسندا، خطب أميرالمؤمنين عليه السلام فقال في خطبته: سلوني قبل أن تفقدوني، فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة، الا أنبأتكم بناعقها و سائقها الي يوم القيامة.

فقام اليه رجل، فقال: أخبرني كم في رأسي و لحيتي من طاقة شعر؟ فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما سألت عنه، و ان علي كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك، و ان علي كل طاقة من لحيتك شيطانا يستفزك [1] ، و ان في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و آية ذلك مصداق ما خبرتك به، و لولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به [2] .

و في المنتخب: و كان له ولد صغير في ذلك الوقت، فلما نشأ و كبر و كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان، نمي الصبي و تجبر و تولي قتل الحسين عليه السلام و قيل: ان ذلك الصبي كان اسمه خولي بن يزيد الأصبحي، و هو الذي طعن الحسين عليه السلام برمحه، فخرج السنان من ظهره [3] .

و في الأمالي مثلها، الا أن فيها الذي سأل سعد بن أبي وقاص، و في آخرها: ان


عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه [4] .

أقول: كون السؤال مرتين، و السائل شخصين أيضا محتمل.

و في الارشاد و المنتخب رواية فيها الطعن علي خالد بن عرفطة، و هو الذي يقود جيش ابن زياد، و علي حامل رايته حبيب بن جماز لعنهما الله، و علي براء بن عازب، حيث أنه يكون حاضرا و لا ينصر الحسين عليه السلام، و لكن براء هذا يكثر الحسرة و الندم بعد مدة عمره و التفصيل فيهما فليطلب [5] .

في روضة الكافي مسندا، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: ثلاثة هم شرار الخلق ابتلي بهم خيار الخلق: أبوسفيان أحدهم قاتل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عاداه، و معاوية ابنه قاتل عليا عليه السلام و عاداه، و يزيد لعنة الله عليه قاتل الحسين بن علي عليهماالسلام و عاداه حتي قتله [6] .

و فيها عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: ان الأشعث بن قيس شرك في دم أميرالمؤمنين عليه السلام، و ابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام، و محمد ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام [7] .

و في مجمع البحرين للشيخ فخر الدين طريح النجفي، قال: و مروان بن الحكم اخذ يوم الجمل أسيرا، فاستشفع الحسن و الحسين عليهماالسلام الي أميرالمؤمنين عليه السلام، فكلماه فيه فخلي سبيله، فقالا له: يبايعك يا أميرالمؤمنين، فقال: أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في مبايعته انها كف يهودية، لو بايعني بيده لغدر بسبته، أما ان له امرة كلعقة الكلب أنفه، و هو أبوالأكبش الأربعة، و ستلقي الامة منه و من ولده موتا أحمر [8] .

و في ارشاد الديلمي مرفوعا الي أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: لما أراد أميرالمؤمنين عليه السلام أن يسير الي الخوارج بالنهروان،


و استفز أهل الكوفة، و أمرهم أن يعسكروا بالمدائن، تخلف عنه شبث بن ربعي، و الأشعث بن قيس الكندي، و جرير بن عبدالله البجلي، و عمرو بن حريث، فقالوا: يا أميرالمومنين تأذن لنا أياما نقضي حوائجنا و نصنع ما نريد ثم نلحق بك؟

فقال لهم: فعلتموها شوه لكم من مشايخ، والله ما لكم حاجة تتخلفون عليها، و لكنكم تتخذون سفرة، و تخرجون الي النزهة، و تنظرون في منظر تتنحون عن الجادة، و تبسط سفرتكم بين أيديكم، فتأكلون من طعامكم، و يمر ضب فتأمرون غلمانكم، فيصادونه لكم و يأتوكم به، فتخلعوني و تبايعون الضب، و تجعلون امامكم دوني.

و اعلموا أني سمعت أخي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: اذا كان يوم القيامة نادي مناد: ليخلو كل قوم بمن كانوا يأتمون به في الحياة الدنيا، فمن أقبح والله وجوها منكم، و أنتم تخلعون أخا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابن عمه و صهره، و تنقضون ميثاقه الذي أخذه الله و رسوله عليكم، و تحشرون يوم القيامة و امامكم ضب، و هو قول الله تعالي (يوم ندعوا كل اناس بامامهم).

فقالوا: والله يا أميرالمؤمنين ما نريد الا أن نقضي حوائجنا و نلحق بك، فولي عنهم و هو يقول: عليكم الذمار و الدمار، والله ما يكون الا ما قلت لكم و ما قلت الا حقا.

و مضي أميرالمؤمنين عليه السلام حتي اذا صار بالمدائن، خرج القوم الي الخورنق، و هيئوا طعاما في سفرة، و بسطوها في الموضع، و جلسوا يأكلون و يشربون الخمر، فمر بهم ضب، فأمروا غلمانهم فصادوه و أتوهم به، فخلعوا أميرالمؤمنين عليه السلام و بايعوه، و بسط لهم الضب يده، فقالوا: أنت والله امامنا ما بيعتنا لك و لعلي بن أبي طالب الا واحدة، و انك لأحب الينا، فكان كما قال أميرالمؤمنين و كان القوم كما قال الله عزوجل: (بئس للظالمين بدلا).

ثم لحقوا به: فقال لهم لما وردوا عليه: فعلتم يا أعداء الله و أعداء رسوله و اعداء أميرالمؤمنين ما أخبرتكم به، فقالوا: لا يا أميرالمؤمنين ما فعلنا، فقال: والله ليبعثنكم الله تعالي مع امامكم، قالوا: قد أفلحنا يا أميرالمؤمنين اذا بعثنا الله معك، فقال: كيف تكونون معي و قد خلعتموني و بايعتم الضب، والله لكأني أنظر


اليكم يوم القيامة و الضب يسوقكم الي النار، فحلفوا بالله انا ما فعلنا و لا خلعناك و لا بايعنا الضب.

فلما رأوه يكذبهم و لا يقبل منهم، أقروا له و قالوا: اغفر لنا ذنوبنا، قال: لا والله لا غفرت لكم ذنوبكم، و قد اخترتم مسخا مسخه الله و جعله آية للعالمين، و كذبتم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و حدثني بحديثكم عن جبرئيل عن الله تعالي، فبعدا لكم و سحقا.

ثم قال: لئن كان مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم منافقون، فان معي منافقين و أنتم هم، أما والله أنت يا شبث بن ربعي، و أنت يا عمرو بن حريث، و محمد ابنك، و أنت يا أشعث بن قيس، لتقتلن ابني الحسين، هكذا حدثني حبيبي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فالويل لمن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خصمه، و فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

فلما قتل الحسين عليه السلام، كان شبث بن ربعي، و عمرو بن حريث، و محمد بن أشعث، فيمن سار اليه من الكوفة، و قاتلوه بكربلاء حتي قتلوه [9] .

في المنتخب و تنبيه الخاطر للشيخ ورام بن أبي فراس، و اللفظ للمنتخب: روي أن معاوية بن أبي سفيان لما مرض مرض الموت، رقا المنبر و خطب الناس، و كان آخر خطبة خطبها في جامع بني امية: و انه قال: أيها الناس اني مزروع قد استحصدوني و وليتكم يزيد، و لم يتولكم أحد من بعدي الا من هو شر مني، كما كان من قبلي من هو خير مني، يا ليتني كنت رجلا من قريش و لم أتول من امور الناس شيئا.

و في نسخة اخري هكذا: أيها الناس من زرع قد استحصد، و اني قد وليتكم يزيد، و لن يليكم أحد بعدي الا هو شر مني، كما كان من قبلي من هو خير مني انتهي.

ثم قال: ما أغني عني ماليه، هلك عني سلطانيه، فوالله لو علمت عمري هكذا قصيرا ما فعلت، ثم بكي، و قال: وابعد سفراه، واقلة زاداه.

ثم نزل عن المنبر، و دخل داره، و ثقل حاله، و ازدادت علته، فعادوه اخوانه


و قالوا: يا معاوية أوص الينا بما تريد، فقال: يا اخواني احذركم مصرعي هذا، فانه لابد لكم منه، ثم قال: اجلسوني و سندوني ففعلوا، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، و نهيتني فعصيت.

ثم قال: الآن تذكر ربك يا معاوية بعد الهرم و الانحطاط، فلم لا كان هذا و غصن الشباب نضر ريان، فقيل له: يا معاوية كأنك تحب الحياة؟ فقال: لا و لكن القدوم علي الله شديد.

قال: و دخل عليه قوم آخرون، فقالوا له: كيف أصبحت يا معاوية؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلا، و للاخوان مفارقا، و لسوء عملي ملاقيا، ثم انصرف الناس عنه، قالت زوجته: فسمعته يقول عند موته (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين) [10] ثم سكت، فوجد قد مات.

و أما مروان بن الحكم، فلما مرض مرضه الذي مات فيه، مر علي غسال يغسل ثيابا بجانب نهر في دمشق، فنظر اليه و هو يلوي ثوبا بيده، ثم يضرب به في المغسلة، فقال مروان: ليتني كنت غسالا آكل من كسب يدي يوما بيوم، و لم أكن واليا علي المسلمين.

قال: فبلغ كلامه الي أبي حازم الغسال، فقال: الحمدلله الذي جعل الملوك اذا حضرهم الموت يتمنون ما نحن فيه من الغسل، فدخلوا عليه اخوانه يعودونه في مرضه، فقالوا له: كيف نجدك يا أمير؟ قال: تجدوني كما قال الله تعالي: (و لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة و تركتم ما خولناكم وراء ظهوركم) [11] .

ثم بكي، فسئل، فقال: ما أبكي جزعا علي الدنيا، و لكن عهد الينا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه يكون بلغة أحدكم من الدنيا كزاد راكب، ثم قال: وابعد سفراه، واقلة زاداه، ثم اغمي عليه فمات لا رحمه الله.

و أما عمرو بن العاص، فلما دنت منه الوفاة، و قد نظر الي خزائنه و صناديق
ماله، قال: من يأخذها بما فيها و ليتني كنت أعيش أبدا؟ فبكت امرأته، فقال لها: ان كنت باكية فابكي علي نفسك، ثم اغمي عليه، فمات لا رحمه الله [12] .

قال علي بن ابراهيم في تفسيره في سورة الحاقة: قوله تعالي: (و أما من اوتي كتابه بشماله) الآيات، نزلت في معاوية، فيقول: (يا ليتني لم اوت كتابيه - و لم أدر ما حسابيه - يا ليتها كانت القاضية) يعني: الموت (ما أغني عني ماليه) يعني: ماله الذي جمعه (هلك عني سلطانيه) أي: حجته، فيقال: (خذوه فغلوه - ثم الجحيم صلوه) أي: أسكنوه (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) قال: معني السلسلة السبعون ذراعا في الباطن هم الجبابرة السبعون [13] .

و فيه، عن الصادق عليه السلام: لو أن حلقة واحدة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وضعت علي الدنيا، لذابت الدنيا من حرها [14] .

و في تفسير الصافي للفاضل الكاشي نقلا من الكافي عنه عليه السلام: و كان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله عزوجل (في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا) قال و كان فرعون هذه الامة.

و في البصائر عن الباقر عليه السلام، قال: كنت خلف أبي و هو علي بغلته، فنفرت بغلته، فاذا شيخ في عنقه سلسلة و رجل يتبعه، فقال: يا علي بن الحسين اسقني، فقال الرجل: لا تسقه لا سقاه الله، قال: و كان الشيخ معاوية.

و عنه عليه السلام أنه نزل وادي ضجنان، فقال: لا غفر الله لك، ثم قال لأصحابه: أتدرون لم قلت ما قلت؟ فقالوا: لم قلت جعلنا الله فداك؟ قال: مر بي معاوية بن أبي سفيان يجر في سلسلة قد أدلي لسانه يسألني أن أستغفر له، و انه ليقال: ان هذا واد من أودية جهنم [15] .

أقول: و الظاهر من تفسير القمي حيث قال «هم الجبابرة السبعون»، و ما في


الكافي من أن معاوية صاحب السلسلة، كون يزيد و خلفاء بني امية و طغاتهم كلها في تلك السلسلة، لكونه صاحبهم و رئيسهم في الدنيا، و لا يخفي فيما في استسقائه من الاشارة الي وبال كسبه في استخلافه يزيد، و كونه معه أيضا فيها.

روي الفاضل في المجلد الثامن من البحار، مخرجا من كتاب دلائل الامامة باسناده، عن سعيد بن المسيب قال: لما قتل الحسين بن علي عليه السلام، و ورد نعيه الي المدينة، و ورد الأخبار بجز رأسه، و حمله الي يزيد بن معاوية، و قتل ثمانية عشر من أهل بيته، و ثلاث و خمسين رجلا من شيعته، و قتل علي ابنه بين يديه و هو طفل بنشابة، و سبي ذراريه، اقيمت المآتم عند أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم في منزل ام سلمة، و في دور المهاجرين و الأنصار.

قال: فخرج عبدالله بن عمر بن الخطاب صارخا من داره، لاطما وجهه، شاقا جيبه، يقول: يا معشر بني هاشم و قريش و المهاجرين و الأنصار، يستحل هذا من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في أهله و ذريته و أنتم أحياء ترزقون؟ لا قرار دون يزيد.

فخرج من المدينة تحت ليله، لا يرد مدينة الا خرج [16] فيها، و استفز أهلها علي يزيد، و أخباره يكتب بها الي يزيد، فلم يمر بملأ من الناس الا لعنه و سمع كلامه، و قالوا: هذا عبدالله بن عمر خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو ينكر فعل يزيد بأهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يستفز الناس علي يزيد، و ان من لم يجبه لا دين له و لا اسلام، و اضطرب الشام بمن فيه.

و ورد دمشق و أتي باب اللعين يزيد في خلق من الناس يتلونه، فدخل آذن يزيد اليه، فأخبره بوروده، و يده علي ام رأسه، و الناس يهرعون اليه قدامه و وراءه، فقال يزيد: فورة من فورات أبي محمد، و عن قليل يفيق منها، فأذن له وحده.

فدخل صارخا يقول: لا أدخل يا أميرالمؤمنين، و قد فعلت بأهل بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم ما لو تمكنت الترك و الروم ما استحلوا ما استحللت، و لا فعلوا ما فعلت، قم عن هذا البساط حتي يختار المسلمون من هو أحق به منك.

فرحب به يزيد، و تطاول له و ضمه اليه، و قال له: يا أبامحمد اسكن من


فورتك، و اعقل و انظر بعينك و اسمع باذنك، ما تقول في أبيك عمر بن الخطاب؟ أكان هاديا مهديا خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ناصره و مصاهره باختك حفصة، والذي قال لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اللات و العزي يعبدان علانية و يعبد الله سرا؟

فقال عبدالله: هو كما وصفت، فأي شي ء تقول فيه؟ قال: أبوك قلد أبي أمر الشام أم أبي قلد أباك خلافة رسول الله؟ فقال: أبي قلد أباك الشام، قال: يا أبامحمد أفترضي به و بعهده الي أبي أو ما ترضاه؟ قال: بلي أرضي، قال: أفترضي بأبيك؟ قال: نعم.

قال: فضرب يزيد بيده علي يد عبدالله بن عمر، و قال له: قم يا أبامحمد حتي تقرأه، فقام معه حتي ورد خزانة من خزائنه، فدخلها و دعا بصندوق، ففتحه و استخرج منه تابوتا مقفلا مختوما، فاستخرج منه طومارا لطيفا في خرقة حرير سوداء، فأخذ الطومار بيده و نشره، ثم قال: يا أبامحمد هذا خط أبيك؟ قال: اي والله، فأخذه من يده فقبله، فقال له اقرأ، فقرأه ابن عمر، فاذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، ان الذي أكرهنا بالسيف علي الاقرار به فأقررنا، و الصدور و غرة، و الأنفس واجفة، و النيات و البصائر شائكة مما كانت عليه من جحدنا ما دعانا اليه، و أطعناه فيه رفعا لسيوفه عنا، و تكاثره بالحي علينا من اليمن، و تعاضد من سمع به ممن ترك دينه و ما كان عليه آباؤه في قريش.

فبهبل اقسم و الأصنام و الأوثان و اللات و العزي ما جحدها عمر مذ عبدها، و لا عبد للكعبة ربا، و لا صدق لمحمد قولا، و لا ألقي السلام الا للحيلة عليه و ايقاع البطش به، فانه قد أتانا بسحر عظيم، و زاد في سحره علي سحر بني اسرائيل مع موسي و هارون و داود و سليمان و ابن امه عيسي، و لقد أتانا بكل ما أتوا به من السحر و زاد عليهم، مالو أنهم شهدوه لأقروا له بأنه سيد السحرة.

فخذ يابن أبي سفيان سنة قومك، و اتباع ملتك، و الوفاء بما كان عليه سلفك من جحد هذه البنية التي يقولون ان لها ربا أمرهم باتيانها، و السعي حولها، و جعلها لهم قبلة، فأقروا بالصلاة و الحج الذي جعلوه ركنا، و زعموا أنه لله اختلقوا.

فكان ممن أعان محمدا منهم هذا الفارسي الطمطاني روزبه، و قالوا: انه


أوحي اليه (ان أول بيت وضع للناس للذي ببكه مباركا و هدي للعالمين) [17] و قولهم (قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام و حيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) [18] و جعلوا صلاتهم للحجارة، فما الذي أنكره علينا لولا سحره من عبادتنا للأصنام و الأوثان و اللات و العزي، و هي من الحجارة و الخشب و النحاس و الفضة و الذهب.

لا و اللات و العزي ما وجدنا سببا للخروج عما عندنا و ان سحروا و موهوا، فانظر بعين مبصرة، و اسمع باذن واعية، و تأمل بقلبك و عقلك ما هم فيه، و اشكر اللات و العزي، و استخلاف السيد الرشيد عتيق بن عبد العزي علي امة محمد، و تحكمه في أموالهم و دمائهم و شريعتهم و أنفسهم و حلالهم و حرامهم، و جبايات الحقوق التي زعموا أنهم يجبونها لربهم، ليقيموا بها أنصارهم و أعوانهم، فعاش شديدا رشيدا، يخضع جهرا، و يشتد سرا، و لا يجد حيلة غير معاشرة القوم.

و لقد و ثبت و ثبة علي شهاب بني هاشم الثاقب، و قرنها الزهراء، و علمها الناصر، و عدتها و عددها المسمي بحيدرة، المصاهر لمحمد علي المرأة التي جعلوها سيدة نساء العالمين يسمونها فاطمة، حتي أتيت دار علي و فاطمة، و ابنيهما الحسن و الحسين، و ابنتيهما زينب و ام كلثوم، و الأمة المدعوة بفضة، و معي خالد بن وليد، و قنفذ مولي أبي بكر، و صحب من خواصنا، فقرعت الباب عليهم قرعا شديدا، فأجابتني الأمة، فقلت لها: قولي لعلي: دع الأباطيل، و لا تلج نفسك الي طمع الخلافة، فليس الأمر لك، الأمر لمن اختاره المسلمون و اجتمعوا عليه.

و رب اللات و العزي لو كان الأمر و الرأي لأبي بكر لفشل عن الوصول الي ما وصل اليه من خلافة ابن أبي كبشة [19] ، لكني أبديت لها صفحتي، و أظهرت لها بصري، و قلت للحيين نزار و قحطان بعد أن قلت لهم: ليس الخلافة الا في قريش، فأطيعوهم ما أطاعوا الله.


و انما قلت ذلك لما سبق من ابن أبي طالب من وثوبه و استيثاره بالدماء التي سفكها في غزوات محمد، و قضاء ديونه و هي ثمانون ألف درهم، و انجاز عداته، و جمع القرآن، فقضاها علي تليده و طارفه [20] ، و قول المهاجرين و الأنصار لما قلت: ان الامامة في قريش: قالوا: هو الأصلع البطين أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب الذي أخذ رسول الله البيعة له علي أهل ملته، و سلمنا له بامرة المؤمنين في أربعة مواطن، فان كنتم نسيتموها معشر قريش فما نسيناها، أو ليست البيعة و الامامة و الخلافة و الوصية حقا مفروضا، و أمرا صحيحا، لا تبرعا و لا ادعاء، فكذبناهم، و أقمت أربعين رجلا شهدوا علي محمد أن الامامة بالاختيار.

فعند ذلك قال الأنصار: نحن أحق من قريش؛ لأنا آوينا و نصرنا و هاجر الناس الينا، فاذا كان دفع من كان الأمر له، فليس هذا الأمر لكم دوننا، و قال قوم: منا أمير و منكم أمير، قلنا لهم: قد شهدوا أربعون رجلا أن الأئمة من قريش، فقبل قوم، و أنكر آخرون، و تنازعوا، فقلت و الجمع يسمعون: ألا تختارون أكبرنا سنا و أكثرنا لينا، قالوا: فمن تقولون؟ قلت: أبوبكر الذي قدمه رسول الله في الصلاة، و جلس معه في العريش يوم بدر يشاوره و يأخذ برأيه، و كان صاحبه في الغار، و زوج ابنته عائشة التي سماها ام المؤمنين.

فأقبل بنوهاشم يتميزون غيظا، و عاضدهم الزبير و سيفه مشهور، و قال: لا يبايع الا علي، و لا أملك رقبة قائمة سيفي هذا، فقلت: يا زبير صرختك سكن من بني هاشم، امك صفية بنت عبدالمطلب، فقال: ذلك والله الشرف الباذخ العالي و الفخر الفاخر، يابن خنتمة، و يابن صهاك، اسكت لا ام لك، فقال قولا، فوثب أربعون رجلا ممن حضر سقيفة بني ساعدة علي الزبير، فوالله ما قدرنا علي أخذ سيفه من يده حتي وسدناه الأرض، و لم نر له علينا ناصرا.

فوثبت الي أبي بكر فصافحته و عاقدته البيعة، و تلاني عثمان بن عفاان و سائر من حضر غير الزبير، و قلناله: بايع أو نقتلك، ثم كففت عنه الناس، فقلت له: أمهلوه، فما غضب الا نخوة لبني هاشم، فأخذت أبابكر بيده، فأقمته و هو يرتعد،


قد اختلط عقله، فأزعجته الي منبر محمد ازعاجا، فقال لي: يا أباحفص أخاف و ثبة علي، فقلت: ان علينا عنك مشغول، و أعانني علي ذلك أبوعبيدة بن الجراح، كان يمده بيده الي المنبر، و أنا أزعجه من ورائه، كالتيس الي شفار الجازر [21] مبهوتا.

فقام عليه مدهوشا، فقلت له: اخطب، فاغلق عليه، و ثبت فدهش، و تلجلج فغمض، فعضضت علي كفي غيظا، فقلت: قل ما سنح لك، فلم يأت خيرا و لا معروفا، فأردت أن أحطه عن المنبر و أقوم مقامه، فكرهت تكذيب الناس لي بما قلت فيه، و قد سألني الجمهور منهم كيف قلت من فضله ما قلت؟ ما الذي سمعته من رسول الله في أبي بكر؟

فقلت لهم: قد سمعت من فضله علي لسان رسول الله ما لو وددت أني أكون شعرة في صدره و لي حكاية، فقلت: قل و الا فانزل، فتبينها والله في وجهي، و علم أنه لو نزل لرقيت، و قلت مالا يهتدي الي قوله، فقال بصوت ضعيف عليل: وليتكم و لست بخيركم و علي فيكم، و اعلموا أن لي شيطانا يعتريني - وما أراد به سواي - فاذا زللت فقوموني، لا أقع في شعوركم و أبشاركم، و أستغفر الله لي و لكم و نزل، فأخذت بيده - و أعين الناس ترمقه - و غمزت يده غمزا، ثم أجلسته و قدمت الناس الي بيعته، و صحبته لأرهبه.

و كل من ينكر بيعته، و يقول: ما فعل علي بن أبي طالب؟ فأقول: خلعها من عنقه، و جعلها طاعة المسلمين قلة خلاف عليهم في اختيارهم، فصار جليس بيته، فبايعوا و هم كارهون.

فلما فشت بيعته، علمنا أن عليا يحمل فاطمة و الحسن و الحسين الي دور المهاجرين و الأنصار يذكرهم بيعته علينا في أربعة مواطن، و يستفزهم فيعدونه النصرة ليلا و يقعدون عنه نهارا.

فأتيت داره مستثيرا لاخراجه منها، فقامت الأمة فضة و قد قلت لها: قولي


لعلي يخرج الي بيعة أبي بكر، فقد اجتمع عليه المسلمون، فقالت: ان أميرالمؤمنين عليا مشغول، فقلت: خلي عنك هذا و قولي له يخرج و الا دخلنا عليه و أخرجناه كرها.

فخرجت فاطمة، فوقفت من وراء الباب، فقالت: أيها الضالون المكذبون ماذا تقولون؟ و أي شي ء تريدون؟ فقلت: يا فاطمة، فقالت فاطمة: ما تشاء يا عمر؟ فقلت: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب و جلس من وراء الحجاب؟

فقالت لي: طغيانك يا شقي أخرجني و ألزمك الحجة، و كل ضال غوي، فقلت: دعي عنك الأباطيل و أساطير النساء، و قولي لعلي: يخرج، فقالت: لا حب و لا كرامة أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر؟ و كان حزب الشيطان ضعيفا.

فقلت: ان لم يخرج جئت بالحطب الجزل و أضرمتها نارا علي أهل هذا البيت و أحرق من فيه، أو يقاد علي الي البيعة، و أخذت سوط قنفذ فضربت و قلت لخالد بن الوليد: أنت و رجالنا هلموا في جمع الحطب، فقلت: اني مضرمها.

فقالت: يا عدو الله و عدو رسوله و عدو أميرالمؤمنين، فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه فرمته، فتصعب علي، فضربت كفيها بالسوط فألمها، فسمعت لها زفيرا و بكاء، فكدت أن ألين و أنقلب عن الباب، فذكرت أحقاد علي و ولوعه في دماء صناديد العرب، و كيد محمد و سحره، فركلت [22] الباب، و قد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه.

و سمعتها و قد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلي المدينة أسفلها، و قالت: يا أبتاه، يا رسول الله، هكذا كان يفعل بحبيبتك، آه يا فضة اليك فخذيني، فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل، و سمعتها تمخض [23] و هي مستندة الي الجدار، فدفعت الباب و دخلت، فأقبلت الي بوجه أغشي بصري، فصفقت صفقة علي خديها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها و تناثرت الي الأرض، و خرج علي، فلما أحسست به أسرعت الي خارج الدار، و قلت لخالد و قنفد و من معها: نجوت


من أمر عظيم.

و في رواية اخري: قد جنيت جناية عظيمة لا آمن علي نفسي، و هذا علي قد برز من البيت و مالي و لكم جميعا به طاقة، فخرج علي و قد ضربت يديها الي ناصيتها لتكشف عنها، و تستغيث بالله ما نزل بها، فأسبل علي عليها ملاءتها و قال لها: يا بنت رسول الله ان الله بعث أباك رحمة للعالمين، و أيم الله لئن كشفت عن ناصيتك سائلة الي ربك ليهلك هذا الخلق لأجابك حتي لا يبقي علي الأرض منهم بشر.

الا أنك و أباك أعظم عند الله من نوح عليه السلام الذي غرق من أجله بالطوفان جميع من علي وجه الأرض و تحت السماء الا من كان في السفينة، و أهلك قوم هود بتكذيبهم، و أهلك عادا بريح صرصر، و أنت و أبوك أعظم قدرا من هود، و عذب ثمود و هي اثنا عشر ألفا بعقر الناقة و الفصيل، و كوني يا سيدة النساء رحمة علي هذا الخلق المنكوس، و لا تكوني عذابا و اشتد بها المخاض و دخلت البيت، فأسقطت سقطا سماه علي محسنا.

و جمعت جمعا كثيرا لا مكاثرة لعلي، و لكن ليشد بهم قلبي، و جئت و هو محاصر، فاستخرجته من داره مكرها مغصوبا، و سقته الي البيعة سوقا، و اني لأعلم علما يقينا لا شك فيه، لو اجتهدت أنا و جميع من علي الأرض جميعا علي قهره ما قهرناه، و لكن لهنات [24] كانت في نفسه أعلمها و لا أقولها.

فلما انتهيت الي سقيفة بني ساعدة، قام أبوبكر و من بحضرته يستهزؤون بعلي، فقال علي: يا عمر أتحب أن اعجل لك ما أخرته من سوء عنك؟ فقلت: لا يا أميرالمؤمنين، فسمعني والله خالد بن الوليد فأسر الي أبي بكر، فقال له أبوبكر: مالي و لعمر؟ ثلاثا و الناس يسمعون.

و لما دخل السقيفة جثا [25] أبوبكر اليه، فقلت له: قد بايعت يا أباالحسن؟ و انصرف، فأشهد ما بايعه و لا مد يده اليه، و كرهت أن اطالبه بالبيعة فيعجل لي ما


أخره عني، و ود أبوبكر أنه لم ير عليا في ذلك المكان جزعا و خوفا منه، و رجع علي من السقيفة و سألنا عنه، فقالوا: مضي الي قبر محمد، فجلس اليه، فقمت أنا و أبوبكر اليه، و جئنا نسعي و أبوبكر يقول: ويلك يا عمر ما صنعت بفاطمة؟ هذا والله الخسران المبين.

فقلت: ان أعظم ما عليك أنه ما بايعنا، و لا أثق أن تتثاقل المسلمين عنه، فقال: فما تصنع؟ فقلت: تظهر أنه قد بايعك عند قبر محمد، فأتيناه و قد جعل القبر قبلة مسندا كفه علي تربته، و حوله سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و حذيفة بن اليمان، فجلسنا بازائه، و أوعزت الي أبي بكر أن يضع يده علي مثل ما وضع علي يده، و يقربها من يده، ففعل ذلك، و أخذت بيد أبي بكر لأمسحها علي يده و أقول قد بايع، فقبض علي يده، فقمت و أبوبكر موليا، و أنا أقول: جزي الله عليا خيرا، فانه لم يمنعك البيعة لما حضرت قبر رسول الله.

فوثب من دون الجماعة أبوذر جندب بن جنادة الغفاري، و هو يقول: والله ما بايع علي عتيقا، و لم يزل كلما لقينا قوم و أقبلنا علي قوم نخبرهم ببيعته و أبوذر يكذبنا، والله ما بايعنا في خلافة أبي بكر و لا في خلافتي، و لا يبايع لمن بعدي، و لا بايع من أصحابه اثنا عشر رجلا لا لأبي بكر و لا لي، فمن فعل يا معاوية فعلي و استثار أحقاده السالفة غيري؟

و أما أنت و أبوك أبوسفيان و أخوك عتبة، فأعرف ما كان منكم في تكذيب محمد و كيده، و ادارة الدوائر بمكة، و طلبته في جبل حري لقتله، و تألف الأحزاب و جمعهم عليه، و ركوب أبيك الجمل و قد قاد الأحزاب، و قول محمد: لعن الله الراكب و القائد و السائق، و كان أبوك الراكب، و أخوك عتبة القائد، و أنت السائق و لم أنس امك هندا و قد بذلت لوحشي ما بذلت حتي تكمن نفسه لحمزة الذي دعوه أسد الله في أرضه، و طعنه بالحربة، ففلق فؤاده و شق عنه، و أخذ كبده، فحمله الي امك، فزعم محمد بسحره أنه لما أدخلته فاها لتأكله صار جلمودا [26] ، فلفظته من فيها، فسماها محمد و أصحابه آكلة الأكباد، و قولها في شعرها لاعتداء محمد


و مقاتليه:



نحن بنات طارق

نمشي علي النمارق



كالدر في المخالق

و المسك في المفارق



ان يقبلوا نعانق

أو يدبروا نفارق



فراق غير وامق

و نسوتها في الثياب الصفر المرسية، مبديات وجوههن و معاصمهن و رؤوسهن، يحرضن علي قتال محمد، انكم لم تسلموا طوعا، و انما أسلمتم كرها يوم فتح مكة، فجعلكم طلقاء، و جعل أخي زيدا و عقيلا أخا علي بن أبي طالب و العباس عمهم مثلهم، و كان من أبيك في نفسه، مقال: والله يابن أبي كبشة لأملأنها عليك خيلا و رجلا، و أحول بينك و بين هذه الأعداء، فقال محمد: يؤذن للناس أنه علم ما في نفسه، أو يكفي الله شرك يا أباسفيان، و هو يري الناس أن لا يعلوها أحد غيري، و علي و من يليه من أهل بيته، فبطل سحره و خاب سعيه، و علاها أبوبكر و علوتها بعده، و أرجو أن تكونوا معاشر بني امية عيدان أطنابها.



فمن ذلك قد وليتك و قلدتك و عرفتك فيها، و خالفت قوله فيكم، و ما ابالي من تأليف شعره و نثره أنه قال: يوحي الي منزل من ربي في قوله: (و الشجرة الملعونة في القرآن) [27] فزعم أنها أنتم يا بني امية، فبين عداوته حيث ملك، كما لم يزل هاشم و بنوه أعداء بني عبد شمس.

و أنا مع تذكيري اياك يا معاوية و شرحي لك ما قد شرحته، ناصح لك، و مشفق عليك، من ضيق عطنك، و حرج صدرك، و قلة حلمك، أن تعجل فيما وصيتك به و مكنتك منه من شريعة محمد و امته أن تبدي لهم مطالبته بطعن، أو شماتته بموت، أو ردا عليه فيما أتي به، أو استصغارا لما أتي به، فتكون من الهالكين، فتخفض ما رفعت و تهدم ما بنيت.

و احذر كل الحذر حيث دخلت علي محمد مسجده و منبره، فصدق محمدا في كل ما أتي به، و أورده ظاهرا، و أظهر التحرز و الواقعة في رعيتك، و أوسعهم


حلما، و أعمهم بروايح العطايا، و عليك باقامة الحدود فيهم، و لا ترهم أنك تدع لله حقا، و لا تنقض فرضا، و لا تغير لمحمد سنة، فتفسد علينا الامة، بل خذهم من مأمنهم، و اقتلهم بأيديهم، و أبدهم بسيوفهم، و تطاولهم و لا تناجزهم، و لن لهم و لا تبخس عليهم، و أفسح لهم في مجلسك، و شرفهم في مقعدك.

و توصل الي قتلهم برئيسهم، و أظهر البشر و البشاشة، بل أكظم غيظك، واعف عنهم يحبوك و يطيعوك، فما آمن علينا و عليك ثورة علي و شبليه الحسن و الحسين، فان أمكنك في عدة من الامة، فبادر بصغار الامور، و اقصد بعظمها، و احفظن وصيتي اليك و عهدي، و اخفه و لا تبده، و امتثل أمري و نهيي، و انهض بطاعتي، و اياك و الخلاف علي، و اسلك طريق أسلافك، و اطلب بثارك و اقتص آثارهم، فقد أخرجت اليك بسري و جهري:



لهذا لقد وليتك الشام راجيا

و أنت جدير أن تؤول الي صخر



قال: فلما قرأ هذا العهد، قام الي يزيد فقبل رأسه، و قال: الحمدلله يا أميرالمؤمنين علي قتلك الشاري ابن الشاري، والله ما أخرج أبي الي بما أخرج الي أبيك، والله لا أراني أحد من رهط محمد بحيث يحب و يرضي، فأحسن جائزته و بره، و رده مكرما.

فخرج من عنده ضاحكا، فقال له الناس: ما قال لك؟ قال: قولا صادقا لوددت أني كنت مشاركه فيه، و سار راجعا الي المدينة، و كان جوابه لمن يلقاه هذا الجواب.

و يروي أنه أخرج يزيد لعنه الله الي عبدالله بن عمر كتابا فيه عهد عثمان بن عفان، فيه أغلظ من هذا، و أدهي و أعظم من العهد الذي كتبه عمر لمعاوية.

فلما قرأ عبدالله العهد الآخر، قام فقبل رأس يزيد لعنهما الله، و قال: الحمدلله علي قتلك الشاري ابن الشاري. و اعلم أن والدي عمر أخرج الي من سره بمثل هذا الذي أخرجه الي أبيك معاوية، و لا أري أحدا من رهط محمد و أهله و شيعته بعد يومي هذا الا غير منطو لهم علي خير أبدا. فقال يزيد: أفيه شرح الخفا يابن عمر؟


و الحمدلله وحده و صلي الله علي محمد و آله [28] .

و في المنتخب: تفكروا يا معاشر الاخوان كيف أن عائشة لما حاربت عليا عليه السلام، أطاعها عشرات الوف علي حربه، و ساعدوها علي الحرب؟ و لم يساعد و احد منهم سيدة نساء العالمين لما طالبت بحقها، و سموا عائشة ام المؤمنين، و لم يسموا أخاها محمد بن أبي بكر خال المؤمنين، حيث كان ملازما لعلي عليه السلام، و سموا اخته ام المؤمنين، و سموا معاوية خال المؤمنين، مع أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قال: لعن الله معاوية الطليق ابن الطليق، و قال: اذا رأيتم معاوية علي منبري فاقتلوه.

و كان معاوية من المؤلفة قلوبهم، و قد قاتل عليا عليه السلام، و علي عليه السلام عندهم أنه رابع الخلفاء، و هو امام حق، و كل من حارب اماما حقا فهو باغ و طاغ، و سموا معاوية كاتب الوحي، و لم يكتب كلمة واحدة منه، و انما نقل أنه كان من كتاب الرسائل، والذين يكتبون الوحي أربع عشرة نفسا، أخصهم و أقربهم علي عليه السلام.

و أما معاوية، فلم يزل مشركا مدة كون النبي صلي الله عليه و آله و سلم مبعوثا، و كان يكذب بالوحي، و يستهزي ء بالشرع، و كان في بلاد اليمن يوم فتح مكة، و كان يطعن علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و كان يكتب الي أبيه صخر يعيره باسلامه، و يقول له: صبوت الي دين محمد بن عبدالله، بئس ما فعلت، و كان يراسله بالشعر قبل اسلامه، و ينهاه عن ذلك.

و كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد فتح مكة في شهر رمضان لثمان سنين من قدومه الي المدينة، و معاوية يومئذ مقيم علي شركه، هارب من النبي صلي الله عليه و آله و سلم الي بلاد اليمن؛ لأن النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان قد هدر دمه، فهرب علي وجهه، فلما لم يجد له مأوي صار الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم مضطرا و أظهر الاسلام، و كان اسلامه قبل وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم بخمسة أشهر، و طرح نفسه علي العباس عم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فتشفع فيه عند رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فعفي عنه.

ثم ان العباس تشفع لمعاويه عند الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أن يجعله من جملة كتاب


علي عليهماالسلام، و عبدالله بن الحسن بن علي بن الحسين المعروف بالأفطس، و كان مع القوم بفخ، و قتل يحيي بن زيد بالسجن بالجوع و العطش، و يحيي بن عبدالله بن الحسن الي تمام ست مائة رجل من أولاد فاطمة عليهاالسلام قتلوا في مقام واحد.

و قتل المأمون محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن الحسن بن الحسن عليه السلام، و كان قد خرج و معه أبوالسرايا علي بن هرثمة بن أعين.

و قتلوا من أصحاب زين العابدين عليه السلام مثل خالد الكابلي، و سعيد بن جبير و من أصحاب الباقر عليه السلام مثل بشر الرحال، و الكميت بن زيد، و مثل المعلي بن الخنيس من أصحاب الصادق عليه السلام.

و قتل المتوكل من أصحاب الرضا عليه السلام من يعقوب بن السكيت الأديب، و سبب قتله أنه كان معلما للمعين و المؤيد ابني المتوكل، و كان ذات يوم حاضرا عند المتوكل اذ أقبلا، فقال له: يا يعقوب أهما أحب اليك أم الحسن و الحسين؟ فقال: والله ان قنبرا غلام علي خير منهما و من أبيهما، فقال المتوكل: سلوا لسانه من قفاه، فمات رحمة الله عليه، و مثل دعبل الخزاعي.

و انتهت بالمتوكل العداوة لأهل البيت عليهم السلام الي أن أمر بهجو علي و فاطمة و أولادها عليهم السلام، فهجاهم ابن المعتز، و ابن الجهم، و ابن سكرة، و آل أبي حفصة و نحوهم، و صار من أمر المتوكل الي أن أمر بهدم البناء علي قبر الحسين عليه السلام، و احراق مقابر قريش.

ثم جري الظلم علي ذلك الي أن هدم سبكتكين مشهد الرضا عليه السلام، و أخرج منه وقر ألف جمل مالا و ثيابا، و قتل عدة من الشيعة.

قيل: و ممن دفن حيا من الطالبيين عبد العظيم الحسني بالري، و محمد بن عبدالله بن الحسن، و لم يبق في بيضة الاسلام بلدة الا قتل فيها طالبي أو شيعي حتي تري العامة يسلمون علي من يعرفونه دهريا أو يهوديا أو نصرانيا، و يقتلون من عرفوه شيعيا، و يسفكون دم من اسمه علي.

ألا تسمعون بيحيي المحدث كيف قطعوا لسانه و يديه و رجليه، و ضربوه ألف سوط ثم صلبوه، و بعلي بن يقطين كيف اتهموه، و بزرارة بن أعين كيف جبهوه، و أبي تراب المروزي كيف حبسوه، و منصور بن الزبرقان من قبره كيف نبشوه.


و لقد لعن بنوامية عليا عليه السلام ألف شهر في الجمع و الأعياد، و طافوا بأولاده في الأمصار و البلاد، و ليس فيها مسلم ينكر ذلك، حتي أن خطيبا من خطبائهم بمصر نسي اللعنة في الخطبة، فلما ذكرها قضاها في الطريق، فبني في ذلك الموضع مسجد، و سموه مسجد الذكر يتبركون به، ثم انهم لم يرضوا بذلك حتي قالوا: مات أبوطالب كافرا و سكتوا عن الأول و الثاني، فيا عجباه بقيت آثار كسري الي الآن، و آثار رسول الله دارسة، و أعلامه طامسة [29] انا لله و انا اليه راجعون، و الحمدلله علي التمام.

و جاء في آخر نسخة الأصل: صورة تاريخ خط المؤلف دام ظله بمحمد و آله، قال أيده الله تعالي: هذا ما اتفق تخريجه من أخبار تلائم شرح اللهوف، و تناسب وقايع القتلي من أهل الطفوف.

و قد كنت فيما مضي سنة مائة و نيف بعد ألف من الهجرة، جمعت منها نبذا، و ألفت علي شاكلتها طرفا، الي أن وقع في يدي نسختا البحار و منتخب المراثي فالتقطت فرائدهما، و جمعت فوائدهما، و أضفتهما الي ما ألفته سابقا، فجاء بحمد الله كتابا جامعا، لكن النسخ التي في بلدنا كانت عزيزة جدا، و سقيمة بتا، فلم آل جهدا في تصحيحه، و لم أزل مجدا في تهذيبه.

فمن وجد فيه هفوة، فليقبل معذرتي، و ليقل عثرتي، و ليصفح عن زلتي، و ليرفع كبوتي، بل عليه أن يجيد بقلم الاصلاح نصحا، و يضرب عن سوء ذكري صفحا، و يطوي عن مثالبه كشحا، و يجود بمحاسنه فضلا و اكراما، ليحشر في زمرة من اذا مروا باللغو مروا كراما، فان البقلة في بلاد الجبل شواء، و اللعقة من العسل لداء المرضي شفاء، و ليس كتابي هذا الا كعظام في جراب، أو كشن ماء في سراب، و انهما قد تنفعا لمساكين جوعي في شفا جرف خراب، و صعاليك عطشي طالبي شراب.

فوافق تاريخ التمام سنة ثمانية عشر و مائة بعد ألف من هجرة من هاجرها الي الكهف، علي هاجرها المقدس الصلاة و السلام، و علي آله الغر الكرام التحية


و الاكرام، صلاة متتابعة علي مر الكرور و الأعوام، ما ناح القمري و صاح الحمام.

و قد وفق الكريم المنان الفقير الي الله عبدالله بن ناصر بن حميدان الخطي لا تمام هذا الكتاب، المسمي بتظلم الزهراء، من خط المصنف حفظه الله من موجبات التلف و التأسف، في اليوم الخامس عشر من ربيع الثاني، سنة الرابعة و العشرين و مائة و ألف من الهجرة النبوية، علي مهاجرها و آله ألف ألف سلام و تحية، في البلدة المحروسة قزوين.

و تم تصحيح الكتاب و تحقيقه و التعليق عليه في اليوم السادس و العشرين من شهر رمضان المبارك سنة (1416) ه ق علي يد العبد الفقير المحتاج الي عفو ربه الكريم السيد مهدي الرجائي في بلدة قم المقدسة.


الرسائل، و كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لا يحب مخالفة عمه العباس، فأجابه الي ذلك، و لو سلم أنه من كتاب الوحي، فكم يستحق من الكتابة المتداولة بين أربع عشرة نفسا، حتي استحق أن يوصف بذلك دون غيره.

كيف و قد حكي عبدالله بن عمر، قال: أتيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو في مسجده، فسمعته يقول لجلسائه: الآن يطلع عليكم رجل يموت علي غير سنتي، فما استتم كلامه صلي الله عليه و آله و سلم اذ طلع معاوية، و جلس معنا في المسجد، فقام النبي صلي الله عليه و آله و سلم يخطب، فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد و خرج و لم يسمع الخطبة، فلما رآه النبي صلي الله عليه و آله و سلم خارجا مع ابنه، قال: لعن الله القائد و المقود.

ثم ان معاوية بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بالغ في محاربة الامام علي عليه السلام، و قتل جمعا كثيرا من خيار الصحابة، و طال حربه معه ثمانية عشر شهرا، حتي هلك عالم كثير، ثم انه استمر مع قومه علي سب علي عليه السلام، ثمانين شهرا، و لم يكفه ذلك حتي سم الحسن الزكي عليه السلام [30] .

و فيه: نقل أنه كانت الدولة لبني امية ألف شهر، و كانوا لا يزالون يأمرون الخطباء بسب علي بن أبي طالب عليه السلام علي رؤوس المنابر، فأول من تأمر منهم معاوية، و مدة خلافته عشرون سنة، ثم تخلف من بعده ولده يزيد ثلاث سنين و ثمانية أشهر و أربعة عشر يوما.

ثم تخلف من بعده معاوية بن يزيد شهرا واحدا و أحد عشر يوما، و ترك الخلافة خوفا من عذاب الله، و اعترف بظلم آبائه، و عرف الناس ذلك و هو قائم علي المنبر، حتي أن امه لامته علي ذلك، فقالت له: ليتك كنت حيضة و لم تكن بشرا، تعزل نفسك عن منصب آبائك، فقال لها: يا اماه و أنا والله وددت أن أكون حيضة و لا أطأ موطئا لست له بأهل، و لا ألقي الله بظلم آل محمد.

ثم تخلف من بعده مروان بن الحكم ثمانية أشهر و عشرة أيام و مات، ثم تخلف من بعده عبدالملك بن مروان أحد و عشرين سنة و شهرا، ثم تخلف من بعده الوليد بن عبدالملك تسع سنين و ثمانية أشهر و يوما واحدا، ثم تخلف من بعده


أخوه هشام بن عبدالملك تسع عشرة سنة و تسعة أشهر و تسعة أيام، ثم تخلف مروان خمس سنين و شهرا و ثلاثة عشر يوما.

فملك بني امية ثلاث و ثمانون سنة و أربعة أشهر، يكون المجموع ألف شهر [31] ، و هم ذلك يسبون عليا عليه السلام، حتي تخلف عمر بن عبدالعزيز، و أبطل السب عن علي عليه السلام، فلما قتل الحسين عليه السلام لم يقم لبني امية قائمة حتي سلبهم الله ملكهم و اضمحل ذكرهم [32] .


پاورقي

[1] في الأصل: يستنفرک.

[2] بحارالأنوار 258: 44 ح 7 عن الارشاد 331 -330: 2.

[3] المنتخب ص 160.

[4] بحارالأنوار 257 - 256: 44 ح 5 عن الأمالي.

[5] بحارالأنوار 260: 44، و الارشاد 329: 1.

[6] روضة الکافي 234: 8 ح 311.

[7] روضة الکافي 167: 8 ح 187.

[8] مجمع البحرين 80: 2.

[9] ارشاد القلوب ص 277 -275 ط بيروت.

[10] القصص: 83.

[11] الأنعام: 94.

[12] تنبيه الخواطر ص 283 -281.

[13] تفسير القمي 384:2.

[14] نور الثقلين 409: 5 ح 44 عنه.

[15] تفسير الصافي 221: 5، و نور الثقلين 409: 5.

[16] في البحار: صرخ.

[17] آل عمران: 96.

[18] البقرة: 144.

[19] کان المشرکون يقولون للنبي صلي الله عليه و آله و سلم ابن أبي‏کبشة، شبهوه بابن أبي‏کبشة رجل من خزاعة خالف قريشا في عبادة الأوثان، أو هي کنية وهب بن عبد مناف جده صلي الله عليه و آله و سلم من قبل امه

[20] التالد و التليد: ما ولد عندک من مالک أو نتج. و الطارف من المال المستحدث. القاموس.

[21] الجازر بالجيم و الزاي، و منه الجزور للناقة المهياة للذبح، و الجزار: القصاب. و الشفار بالکسر قال في القاموس: الشفرة السکين العظيم و ما عرض من الحديد جمع شفار انتهي. و المراد اباؤه عن الارتقاء الي المنبر، و هذا أيضا لاستجلاب قلوب الملحدين العوام و حفظ المراياة، کما لا يخفي علي البصير «منه».

[22] الرکل: الضرب برجل واحدة. القاموس.

[23] مخضت تمخيضا: أخذها الطلق. القاموس.

[24] الهنات: الداهية.

[25] في البحار: صبا.

[26] جلمود کعصفور: الصخر.

[27] الاسراء: 60.

[28] بحارالأنوار 300 - 287: 30.

[29] المنتخب ص 10 -6.

[30] المنتخب للشيخ الجليل الطريحي ص 16-15.

[31] أي: بانضمام مدة خلافة عمر بن عبدالعزيز، و انما أفردها لا بطاله سب علي عليه‏السلام «منه».

[32] المنتخب ص 390-389.