بازگشت

في نبذة من أحوال المختار و ما قتل الله علي يديه من الأشرار


روي الفاضل المتبحر في البحار، باسناده عن عبدالله بن سنان، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: ان الله عزوجل اذا أراد أن ينتصر لأوليائه، انتصر لهم بشرار خلقه، و اذا أراد أن ينتصر لنفسه، انتصر بأوليائه، و لقد انتصر ليحيي بن زكريا ببخت نصر [1] .


و فيه و في التهذيب و غيرهما مسندا، عن سماعة، قال: سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: اذا كان يوم القيامة مر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بشفير النار، و أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام، فيصيح صائح من النار: يا رسول الله أغثني، يا رسول الله ثلاثا، قال: فلا يجيبه، قال: فينادي يا أميرالمؤمنين يا أميرالمؤمنين ثلاثا أغثني، فلا يجيبه.

قال: فينادي يا حسين يا حسين يا حسين أغثني، أنا قاتل أعدائك، قال: فيقول له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: قد احتج عليك، قال: فينقض عليه كأنه عقاب كاسر، قال: فيخرجه من النار [2] ، قال: فقلت لأبي عبدالله عليه السلام: و من هذا جعلت فداك؟ قال: المختار، قلت له: و لم عذب بالنار و قد فعل ما فعل؟ قال: انه كان في قلبه منهما شي ء والذي بعث محمدا بالحق لو أن جبرئيل و ميكائيل، كان في قلبهما شي ء، لأكبهما الله في النار علي وجوههما [3] .

أقول: روي هذا الخبر في المنتخب بمثل ما ذكر، الا أن بدل قوله «انه كان في قلبه منهما شي ء» الي آخره، هكذا: ان المختار كان يحب السلطنة، و كان يحب الدنيا و زينتها و زخرفها، و ان حب الدنيا رأس كل خطيئة؛ لأن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: والذي بعثني بالحق نبيا، لو أن جبرئيل أو ميكائيل كان في قلبهما ذرة من حب الدنيا، لأكبهما الله علي وجههما في نار جهنم [4] .

فهذا الخبر: اما نقل بالمعني، أو صريح رواية، و يؤيده ما روي فيه أيضا في الحديث القدسي: لو صلي عبدي صلاة أهل السماوات و أهل الأرضين، و صام صيام أهل السماوات و أهل الأرضين، و حج حج [5] أهل السماوات و الأرضين، و طوي عن أكل الطعام مثل الملائكة المقربين، ثم أري في قلبه من حب الدنيا ذرة،


أو من سمعتها، أو من رئاستها، أو من محمدتها، أو من حليتها، أو من زينتها أدني من ذرة، فانه لا يجاورني في دار كرامتي، و لأنزعن من قلبه محبتي، و لأظلمن قلبه، حتي ينسي ذكري، حتي لا اذيقه رحمتي يوم القيامة [6] .

أقول: فبهذا الخبر و نحوه يحصل وجه الجمع مطلقا بين الأخبار الواردة علي مدحه، و الواردة علي ذمه، و ان كان بعض الأخبار مختصا بتوجيه آخر.

مثل ما رواه في البحار من كتاب المحتضر عن الشيخ حسن بن سليمان: أنه بعث المختار بن أبي عبيد الي علي بن الحسين عليهماالسلام بمائة ألف درهم، فكره أن يقبلها منه، و خاف أن يردها، فتركها في بيت، فلما قتل المختار كتب الي عبد الملك يخبره بها، فكتب اليه: خذها طيبة هنيئة فكان علي عليه السلام يلعن المختار و يقول: كذب علي الله و علينا؛ لأن المختار يزعم أنه يوحي اليه [7] .

فانه يمكن توجيهه بأن كراهته عليه السلام و تركه المال في بيت، للخوف من عبد الملك لا عن المختار؛ لعدم تسلطه علي أهل المدينة، و لعنه عليه السلام اياه لعله علي سبيل الفرض، أي: انه ملعون لو كان دعواه الوحي علي الحقيقة، و وجه الاستناد أنه نقل أن له غلاما اسمه جبرئيل، و كان يقول مرارا: أخبرني جبرئيل بكذا؛ لأن مبني فعاله و آدابه علي التكلم بالابهام و الخدعة و الفراسة، لحسن السلطنة و احكام السياسة.

و في البحار في رواية طويلة، نقلنا منها موضع الحاجة موجزا، قال أميرالمؤمنين عليه السلام: كما أن بعض بني اسرائيل أطاعوا فاكرموا، و بعضهم عصوا فعذبوا، فكذلك تكونون أنتم، فقالوا: فمن العصاة؟ الي قوله عليه السلام: سيقتلون ولدي هذين الحسن و الحسين، ثم قال عليه السلام: و سيصيب الذين ظلموا رجزا في الدنيا بسيوف بعض من يسلطه الله تعالي للانتقام بما كانوا يكسبون، كما أصاب بني اسرائيل الرجز، قيل: و من هو؟ قال: غلام من ثقيف يقال له: المختار بن أبي عبيد.

و قال علي بن الحسين عليهماالسلام: فكان ذلك بعد قوله هذا بزمان [8] ، و ان هذا


الخبر اتصل بالحجاج بن يوسف من قول علي بن الحسين عليهماالسلام، قال: أما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما قال هذا، و أما علي بن أبي طالب عليه السلام فأنا أشك هل حكاه عن رسول الله، و أما علي بن الحسين فصبي مغرور، يقول الأباطيل، و يغتر بها متبعوه، اطلبوا لي المختار.

فطلب فاخذ، فقال: قدموه الي النطع فاضربوا عنقه، فاتي بالنطع، فبسط و أبرك عليه المختار، ثم جعل الغلمان يجيئون و يذهبون لا يأتون بالسيف، قال الحجاج: مالكم؟ قالوا: لسنا نجد مفتاح الخزانة و قد ضاع منا و السيف في الخزانة، فقال المختار: لن تقتلني، و لن يكذب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لئن قتلتني ليحييني الله حتي أقتل منكم ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانين ألفا.

فقال الحجاج لبعض حجابه: أعط السياف سيفك يقتله، فأخذ السياف و جاء ليقتله به، و الحجاج يحثه و يستعجله، فبينا هو في تدبيره اذ عثر و السيف بيده، فأصاب السيف بطنه فشقه فمات، فجاء بسياف آخر و أعطاه السيف، فلما رفع يده ليضرب عنقه لدغته عقرب و سقط فمات، فنظروا و اذا العقرب فقتلوها.

فقال المختار: يا حجاج انك لا تقدر علي قتلي، ويحك يا حجاج أما تذكر ما قال نزار بن معد بن عدنان للشابور ذي الأكتاف، حين كان يقتل العرب و يصطلمهم، فأمر نزار ولده، فوضع في زبيل في طريقه، فلما رآه قال: من أنت؟ قال: أنا رجل من العرب اريد أن أسألك لم تقتل هؤلاء العرب و لا ذنوب لهم اليك، و قد قتلت الذين كانوا مذنبين في عملك و المفسدين؟

قال: لأني وجدت في الكتاب أنه يخرج منهم رجل يقال له: محمد يدعي النبوة، فيزيل دولة ملوك الأعاجم و يفنيها، فأقتلهم حتي لا يكون منهم ذلك الرجل.

فقال نزار: لئن كان ما وجدته في كتب الكذابين، فما أولاك أن تقتل البرآء غير المذنبين، و ان كان ذلك من قول الصادقين، فان الله سيحفظ ذلك الأصل الذي يخرج منه هذا الرجل، و لن تقدر علي ابطاله، و يجري قضاؤه، و ينفذ أمره، و لو لم يبق من جميع العرب الا واحد، فقال شابور: صدقت: هذا نزار يعني بالفارسية المهزول، كفوا عن العرب، فكفوا عنهم.


و لكن يا حجاج ان الله قد قضي أن أقتل منكم ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانين ألف رجل، فان شئت فتعاط قتلي، و ان شئت فلا تعاط، فان الله اما أن يمنعك عني، و اما أن يحييني بعد قتلك، فان قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حق لا مرية فيه.

فقال للسياف: اضرب عنقه، فقال المختار: ان هذا لن يقدر علي ذلك و كنت أحب أن تكون أنت المتولي لما تأمره، فكان يسلط عليك أفعي كما سلط علي هذا الأول عقربا، فلما هم السياف أن يضرب عنقه اذا برجل من خواص عبدالملك بن مروان قد دخل، فصاح بالسياف كف عنه، و معه كتاب من عبدالملك بن مروان.

فاذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا حجاج بن يوسف، فانه قد سقط الينا طير عليه رقعة أنك أخذت المختار بن أبي عبيد تريد قتله، تزعم أنه حكي عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيه أنه سيقتل من أنصار بني امية ثلاثمائة و ثلاثة و ثمانين ألف رجل، فاذا أتاك كتابي هذا فخل عنه، و لا تعرض له الا بسبيل خير، فانه زوج ظئر ابني الوليد بن عبدالملك بن مروان، و قد كلمني فيه الوليد، و ان الذي حكي ان كان باطلا، فلا معني لقتل رجل مسلم بخبر باطل، و ان كان حقا فانك لا تقدر علي تكذيب قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فخلي عنه الحجاج.

فجعل المختار يقول: سأفعل كذا، و أخرج وقت كذا، و أقتل من الناس كذا، و هؤلاء صاغرون يعني بني امية، فبلغ ذلك الحجاج، فأخذ و أبرك [9] و أمر بضرب عنقه، فقال المختار: انك لا تقدر علي ذلك، فلا تتعاط ردا علي الله.

و كان في ذلك، اذ سقط عليه طائر آخر عليه كتاب من عبدالملك بن مروان: بسم الله الرحمن الرحيم، يا حجاج لا تتعرض للمختار، فانه زوج مرضعة ابني الوليد، و لئن كان ما يقول حقا، فستمنع من قتله، كما منع دانيال من قتل بخت نصر الذي كان قضي الله أن يقتل بني اسرائيل.

فتركه الحجاج، و توعده ان عاد لمثل مقالته، فعاد لمثل مقالته، و اتصل بالحجاج الخبر فطلبه، فاختفي مدة، ثم ظفر به، فلما هم بضرب عنقه، اذ قد ورد عليه كتاب عبدالملك، فاحتبسه الحجاج، و كتب الي عبدالملك كيف تأخذ اليك


عدوا مجاهرا، يزعم أنه يقتل من أنصار بني امية كذا و كذا ألفا.

فبعث اليه: انك رجل جاهل، لئن كان الخبر فيه باطلا، فما أحقنا برعاية حقه لحق من خدمنا، و ان كان الخبر فيه حقا، فانه ستربيه ليسلط علينا، كما ربي فرعون موسي عليه السلام حتي سلط عليه، فبعث به الحجاج، و كان من المختار ما كان، و قتل من قتل.

و قال علي بن الحسين عليهماالسلام لأصحابه و قد قالوا له: يابن رسول الله ان أميرالمؤمنين عليه السلام ذكر من أمر مختار و لم يقل متي يكون قتله لمن يقتل، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: أولا اخبركم متي يكون؟ قالوا: بلي، قال: يوم كذا الي ثلاث سنين من قولي هذا، و سيؤتي برأس عبيدالله بن زياد و شمر بن ذي الجوشن في يوم كذا و كذا، و سنأكل و هما بين أيدينا و ننظر اليهما.

قال: فلما كان اليوم الذي أخبرهم أنه يكون فيه القتل من المختار لأصحاب بني امية، كان علي بن الحسين عليهماالسلام مع أصحابه علي مائدة: اذ قال لهم: معاشر اخواننا طيبوا أنفسكم، فانكم تأكلون و ظلمة بني امية يحصدون، قالوا: أين؟ قال: في موضع كذا يقتلهم المختار، و سيؤتي برأسين يوم كذا و كذا.

فلما كان في ذلك اليوم اتي بالرأسين لما أراد أن يقعد للأكل و فرغ من صلاته، فلما رآهما سجد، و قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتي أراني، فجعل يأكل و ينظر اليهما، فلما كان في وقت الحلوا لم يأت بالحلوا؛ لأنهم كانوا قد اشتغلوا عن عمله بخبر الرأسين، فقال ندماؤه: و لم يعمل اليوم الحلوا، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: لا نريد حلوا أحلي من نظرنا الي هذين الرأسين، ثم عاد الي قول أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: و ما للكافرين و الفاسقين عند الله أعظم و أوفي [10] .

عن حبيب الخثعمي، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: كان المختار يكذب علي علي بن الحسين عليهماالسلام [11] .

عن يونس بن يعقوب، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كتب المختار بن أبي عبيد


الي علي بن الحسين عليهماالسلام، و بعث اليه بهدايا من العراق فلما وقفوا علي باب علي عليه السلام دخل الآذان يستأذن لهم، فخرج اليهم رسوله، فقال: أميطوا عن بابي، فانني لا أقبل هدايا الكذابين، و لا أقرأ كتبهم، فمحوا العنوان و كتبوا للمهدي محمد ابن علي، فقال أبوجعفر عليه السلام: والله لقد كتب اليه بكتاب ما أعطاه فيه شيئا، انما كتب اليه يابن خير من طشي و مشي [12] ، فقال أبوبصير: فقلت لأبي جعفر عليه السلام: أما المشي فأنا أعرفه، فأي شي ء الطشي؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: الحياة.

قال الفاضل: لم أجد الطشي فيما عندنا من كتب اللغة [13] .

أقول: ظاهر هذه الأخبار تدل علي ذمه، و ان كان لا يخلو بعضها بل تمامها عن توجيه.

و أما ما يدل علي مدحه، فمنه ما رواه الفاضل المتبحر، باسناده، عن حمدويه، عن يعقوب، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثني، عن سدير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لا تسبوا المختار، فانه قد قتل قتلتنا، و طلب بثأرنا، و زوج أراملنا، و قسم فينا المال علي العسرة [14] .

محمد بن الحسن، و عثمان بن حامد، عن محمد بن يزداد، عن محمد بن الحسين، عن موسي بن يسار، عن عبدالله بن الزبير، عن عبدالله بن شريك، قال: دخلنا علي أبي جعفر عليه السلام يوم النحر، و هو متكي ء، و قد أرسل الي الحلاق، فقعدت بين يديه اذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة، فتناول يده ليقبلها فمنعه، ثم قال: من أنت؟ قال: أنا أبومحمد الحكم بن المختار بن أبي عبيد الثقفي، و كان متباعدا من أبي جعفر عليه السلام، فمد يده اليه حتي كاد يقعده في حجره بعد منعه يده.

ثم قال: أصلحك الله ان الناس قد أكثروا في أبي، و قالوا: و القول والله قولك، قال: و أي شي ء يقولون؟ قال: يقولون كذاب، و لا تأمرني بشي ء الا قبلته، فقال:


سبحان الله أخبرني أبي والله ان مهر امي كان مما بعث به المختار، أو لم يبن دورنا؟ و قتل قاتلينا؟ و طلب بدمائنا، فرحمه الله.

و أخبرني والله أبي أنه كان ليستمر [15] عند فاطمة بنت علي يمهدها الفراش، و يثني لها الوسائد، و منها أصاب الحديث، رحم الله أباك، ما ترك حقنا عند أحد الا طلبه، قتل قتلتنا، و طلب بدمائنا [16] .

جبرئيل، عن العبدي، عن ابن أسباط، عن عبد الرحمن بن حماد، عن علي ابن حزور، عن الأصبغ، قال: رأيت المختار علي فخذ أميرالمؤمنين عليه السلام و هو يمسح رأسه، و يقول: يا كيس يا كيس [17] .

ابراهيم بن محمد، عن أحمد بن ادريس، عن محمد بن أحمد، عن الحسن ابن علي، عن العباس بن عامر، عن ابن أبي عميرة، عن جارود بن المنذر، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: ما امتشطت فينا هاشمية و لا اختضبت، حتي بعث الينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين عليه السلام [18] .

و نقل عن رسالة جعفر بن محمد بن نما، عن عبدالله بن محمد بن أبي سعيد، عن أبي العيناء، عن يحيي بن راشد، قال: قالت فاطمة بنت علي: ما تحنأت امرأة منا، و لا أجالت في عينها مرودا، و لا امتشطت حتي بعث المختار رأس عبيدالله ابن زياد [19] .

اقول: و قد يجي ء هذان الخبران في آداب يوم عاشوراء.

محمد بن مسعود، عن علي بن أبي علي، عن خالد بن يزيد، عن الحسين ابن يزيد، عن عمر بن علي بن الحسين أن علي بن الحسين عليهماالسلام، لما اتي برأس عبيدالله بن زياد و رأس عمر بن سعد خر ساجدا، و قال: الحمدلله الذي أدرك لي


ثأري من أعدائي، و جزي المختار خيرا [20] .

و بهذا الاسناد عن الحسين بن زيد، عن عمر بن علي، أن المختار أرسل الي علي بن الحسين عليهماالسلام بعشرين ألف دينار، فقبلها و بني بها دار عقيل بن أبي طالب، و دارهم التي هدمت، قال: ثم انه بعث اليه بأربعين ألف دينار بعد ما أظهر الكلام الذي أظهره، فردها و لم يقبلها.

و المختار هو الذي دعا الناس الي محمد بن علي بن أبي طالب عليه السلام ابن الحنفية، و سموا الكيسانية، و هم المختارية، و كان لقبه كيسان، و لقب بكيسان لصاحب شرطه المكني أباعمرة، و كان اسمه كيسان.

و قيل: انه سمي كيسان بكيسان [21] مولي علي بن أبي طالب عليه السلام، و هو الذي حمله علي الطلب بدم الحسين، و دله علي قتلته، و كان صاحب سره، و الغالب علي أمره، و كان لا يبلغه عن رجل من أعداء الحسين عليه السلام أنه في دار أو في موضع، الا قصده و هدم الدار بأسرها، و قتل كل من فيها من ذي روح، و كل دار بالكوفة خراب فهي مما هدمها، و أهل الكوفة يضربون بها المثل، فاذا افتقر انسان قالوا: دخل أبوعمرة بيته، قال فيه الشاعر:



ابليس بما فيه خير من أبي عمرة

يغويك و يطغيك و لا يعطيك كسرة [22] .



أقول: سبب دعوته الناس الي محمد بن الحنفية، لعله انما هو بظاهر الأمر حراسة لعلي بن الحسين عليهماالسلام عن الاشتهار، و وقاية عن مزاحمة الفجار المتسلطين علي الأخيار بالأشرار، كالحجاج و غيره، و أن محمد بن الحنفية لما كان يعاشرهم و يخالطهم ظاهرا، كان تضرره مأمونا، بخلافه عليه السلام فانه كان معتزلا عنهم غاية الاعتزال، مع ظهور خوارق العادات عنه عليه السلام، و اختلاف الشيعة اليه من الأطراف، و الظاهر أن هذا كان برضا ابن الحنفية، كما يؤيده بعض الروايات، فكان ابن الحنفية قد نصب نفسه جنة له عليه السلام.


و يؤيده ما رواه الفاضل في البحار، نقلا من رسالة الشيخ العالم جعفر بن نما، و هو حديث طويل ملخصه: أن المختار بعد استمداده من الشيعة اجتمعوا، و قالوا: نرسل رسلا من الثقات الي الحنفيه للاستئمار، فلما جاؤوا اليه، قال لهم: قوموا بنا الي امامي و امامكم علي بن الحسين عليهماالسلام، فلما دخل و دخلوا اليه، أخبره خبرهم الذي جاؤوا لأجله، قال: يا عم لو أن عبدا زنجيا تعصب لنا أهل البيت، لوجب علي الناس مؤازرته، و قد وليتك هذا الأمر فاصنع ما شئت، فخرجوا و قد سمعوا كلامه، و هم يقولون: أذن لنا زين العابدين عليه السلام و محمد بن الحنفية الحديث [23] .

و في الرسالة لابن نما ذكر أبوالسائب، عن أحمد بن بشير، عن مجالد، عن عامر، أنه قال: الشيعة يتهموني ببغض علي عليه السلام، و لقد رأيت في النوم بعد مقتل الحسين عليه السلام كأن رجالا نزلوا من السماء عليهم ثياب خضر، معهم حراب يتبعون قتلة الحسين عليه السلام، فما لبث أن خرج المختار فقتلهم [24] .

و فيها أيضا: عن أبي حمزة الثمالي، قال: كنت أزور علي بن الحسين عليهماالسلام في كل سنة مرة في وقت الحج، فأتيته سنة و اذا علي فخذه صبي، فقام الصبي، فوقع علي عتبة الباب، فانشج، فوثب اليه مهرولا، فجعل ينشف دمه، و يقول: اني اعيذك أن تكون المصلوب في الكناسة، قلت: بأبي أنت و امي و أي كناسة؟ قال: كناسة الكوفة، قلت: و يكون ذلك؟ قال: اي والذي بعث محمدا بالحق، لئن عشت بعدي لترين هذا الغلام في ناحية من نواحي الكوفة، و هو مقتول مدفون منبوش مسحوب مصلوب في الكناسة، ثم ينزل فيحرق و يذري في البر.

فقلت: جعلت فداك و ما اسم هذا الغلام؟ فقال: ابني زيد، ثم دمعت عيناه، و قال: لاحدثنك بحديث ابني هذا، بينا أنا ليلة ساجد و راكع، ذهب بي النوم، فرأيت كأني في الجنة، و كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين، قد زوجوني حوراء من حور العين، فواقعتها، و اغتسلت عند سدرة المنتهي، و وليت هتف بي هاتف ليهنئك زيد.


فاستيقظت و تطهرت للصلاة، و صليت صلاة الفجر، فدق الباب رجل، فخرجت اليه فاذا معه جارية ملفوف كمها علي يده، مخمرة بخمار، قلت: حاجتك؟ قال: اريد علي بن الحسين، قلت: أنا هو، قال: أنا رسول المختار بن أبي عبيد الثقفي يقرؤك السلام، و يقول: وقعت هذه الجارية في ناحيتنا، فاشتريتها بستمائة دينار، و هذه ستمائة دينار، فاستعن بها علي دهرك، و دفع الي كتابا كتبت جوابه، و قلت: ما اسمك؟ قالت: حوراء.

فهيئوها لي و بت بها عروسا، فعلقت بهذا الغلام فأسميته زيدا، و ستري ما قلت لك، قال أبوحمزة الثمالي: فو الله لقد رأيت كل ما ذكره عليه السلام [25] .

و في المنتخب: قال أبوحمزة الثمالي: فوالله لقد رأيت زيدا مقتولا، ثم سحب، ثم دفن، ثم نشر، ثم صلب، و لم يزل مصلوبا زمانا طويلا، حتي عشعشت الفاختات في جوفه، ثم احرق و دق و ذري في الهواء رحمة الله عليه [26] .

أقول: و لا بأس بايراد خبر يشتمل علي كيفية حال زيد و مآله، و ان كان غير مناسب في المقام: لأنه قد انجر اليه الكلام، و هو ما روي في المنتخب، عن بعض الأخباريين، قال: سألت خالد بن فضلة، عن فضل زيد بن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، فقال: أي رجل كان؟ فقلت: و ما علمت من فضله؟ قال: كان يبكي من خشية الله تعالي، حتي تختلط دموعه بدمه طول ليله، حتي اعتقد كثير من الناس فيه الامامة، و كان سبب اعتقادهم ذلك منه لخروجه بالسيف، يدعو بالرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فظنوه يريد بذلك نفسه، و لم يكن يريدها، لمعرفته باستحقاق من قبله.

و كان سبب خروجه الطلب بدم جده الحسين عليه السلام، أنه دخل يوما علي هشام بن عبدالملك، و قد كان جمع له هشام بني امية، و أمرهم أن يتضايقوا في المجلس، حتي لا يتمكن زيد من الوصول الي قربه، فوقف زيد مقابله، و قال له: يا هشام ليس أحد من عباد الله فوق أن يوصي بتقوي الله في عباده، و أنا اوصيك


بتقوي الله فاتقه، فقال له هشام: يا زيد أنت المؤهل نفسك للخلافة؟ و أنت الراجي لها؟ و ما أنت و ذاك؟ لا ام لك، و انما أنت ابن أمة.

فقال له زيد: اني لا أعلم أحدا أعظم عند الله من نبي بعثه، فلو كان ذلك يقصر عن منتهي غاية، لم يبعث الله اسماعيل نبيا، و هو ابن أمة، فالنبوة أعظم أم الخلافة؟ و بعد فما يقصر في رجل جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو ابن علي بن أبي طالب أن يكون ابن أمة.

قال: فنهض من عند هشام مغضبا، و دعا قهرمانه، و قال: والله لآتين هذا بعسكر يضيق به الفضاء، و خرج زيد و هو يقول: لم يكره قوم قط حر السيوف الا ذلوا.

ثم انه توجه الي الكوفة، فاجتمع عليه أهلها، و بايعوه علي الحرب معه، فنقضوا بيعته، و سلموه لعدوه، فقتل رحمة الله عليه، و صلب في موضع يقال له: الكناسة، و بقي مصلوبا بينهم أربع سنوات، لا ينكر أحد منهم بيد و لا لسان، و قد عشعشت الفاختات في جوفه، و قد خانوا به أهل الكوفة، و نقضوا بيعته، كما خانوا بآبائه و أجداده من قبل.

قال: فلما بلغ قتله الي الصادق عليه السلام حزن عليه حزن عظيما، و جعل يئن عليه من وجده، و فرق من ماله صدقة عنه و عمن اصيب معه من أصحابه، لكل بيت منهم ألف دينار، و كان مقتله في صفر سنة عشرين و مائة من الهجرة [27] .

أقول: و تفصيل أحوال المختار، و كيفية حروبه، و قتله الفسقة الفجرة القتلة مذكورة في الرسالة المزبورة، فليطلب هناك، و انا لنذكر نبذة منها تشفيا للخواطر، و نضرة للنواظر، و المنقول عن مجالس الطوسي، الا ما نشير اليه في البين مما في الرسالة و المنتخب و غيرهما.

فنقول: روي الشيخ في مجالسه عن محمد بن عمران المرزباني، عن محمد ابن ابراهيم، عن الحارث بن أبي اسامة، قال: حدثني المدائني، عن رجاله: أن المختار بن أبي عبيد الثقفي ظهر بالكوفة ليلة الأربعاء، لأربع عشرة ليلة بقيت من


ربيع الآخر سنة ست و ستين، فبايعه الناس علي كتاب الله و سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و الطلب بدم الحسين بن علي عليهماالسلام، و دماء أهل بيته رحمة الله عليهم، و الدفع عن الضعفاء، فقال الشاعر في ذلك:



و لما دعا المختار جئنا لنصره

علي الخيل تردي من كميت و أشقرا



دعا يا لثارات الحسين فأقبلت

تعادي بفرسان الصباح لتثأرا



و نهض المختار الي عبدالله بن مطيع، و كان علي الكوفة من قبل ابن الزبير، فأخرجه و أصحابه منها منهزمين، و أقام بالكوفة الي المحرم سنة سبع و ستين، ثم عمد الي انفاذ الجيوش الي ابن زياد، و كان بأرض الجزيرة، فصير علي شرطه أباعبدالله الجدلي، و أباعمارة كيسان مولي عربية، و أمر ابراهيم بن الأشتر بالتأهب للمسير الي ابن زياد، و أمره علي الأجناد.

فخرج ابراهيم يوم السبت لسبع خلون من المحرم سنة سبع و ستين في ألفين من مذحج و أسد، و ألفين من تميم و همدان، و ألف و خمسمائة من قبائل المدينة، و ألف و خمسمائة من كندة و ربيعة، و ألفين من الحمراء، و قال بعضهم: كان ابن الأشتر في أربعة آلاف من القبائل، و ثمانية آلاف من الحمراء.

و شيع المختار ابراهيم بن الأشتر ماشيا، فقال له ابراهيم: اركب رحمك الله، فقال: اني لأحتسب الأجر في خطاي معك، و احب أن تغبر قدماي في نصر آل محمد عليهم السلام، ثم ودعه و انصرف، فسار ابن الأشتر حتي أتي المدائن، ثم سار يريد ابن زياد، فشخص المختار عن الكوفة لما أتاه أن ابن الأشتر قد ارتحل من المدائن، و أقبل حتي نزل المدائن.

فلما انزل ابن الأشتر نهر الخازر [28] بالموصل، أقبل ابن زياد في الجموع، فنزل علي أربعة فراسخ من عسكر ابن الأشتر - و في الرسالة: انه رحل في ثلاثة و ثمانين ألفا، و كان مع ابن الأشتر أقل من عشرين ألفا انتهي - ثم التقوا، فحض ابن الأشتر أصحابه، و قال: يا أهل الحق و أنصار الدين، هذا ابن زياد قاتل حسين بن علي عليه السلام، و أهل بيته، قد أتاكم الله به و بحزبه حزب الشيطان، فقاتلوهم بنية و صبر،


لعل الله يقتله بأيديكم، و يشفي صدوركم، و تزاحفوا، و نادي أهل العراق: يا لثارات الحسين.

فجال أصحاب ابن الأشتر جولة، فناداهم: يا شرطة الله الصبر الصبر، فتراجعوا، فقال لهم عبدالله بن بشار بن أبي عقب الدئلي: حدثني خليلي [29] انا نلقي أهل الشام علي نهر يقال له: الخازر، فيكشفونا حتي نقول: هي هي، ثم نكر عليهم فنقتل أميرهم، فابشروا و اصبروا، فانكم لهم قاهرون. و في الرسالة: صلوا بالايماء و التكبير صلاة الظهر، و اشتغلوا بالقتال، الي أن تجلي صدر الدجي بالأنجم الزهر انتهي.

ثم حمل ابن الأشتر يمينا، فخالط القلب و كسرهم أهل العراق، فركبوا يقتلونهم، فانجلت الغمة و قد قتل عبيدالله بن زياد، و الحصين بن نمير، و شرحبيل ابن ذي الكلاع، و ابن حوشب، و غالب الباهلي، و عبدالله بن أياس السلمي، و أبوالأشرس الذي كان علي خراسان و أعيان أصحابه.

فقال ابن الأشتر لأصحابه: اني رأيت بعدما انكشف الناس طائفة منهم قد صبرت تقاتل، فأقدمت عليهم، و أقبل رجل آخر في كبكبه كأنه بغل أقمر و هو يغري الناس، لا يدنو منه أحد الا صرعه، فدنا مني فضربت يده فأبنتها، و سقط علي شاطي ء عين [30] ، فسرقت يداه، و عربت رجلاه، فقتلته، و وجدت منه ريح المسك، و أظنه ابن زياد فاطلبوه.

فجاء رجل فنزع خفيه و تأمله، فاذا هو ابن زياد علي ما وصف ابن الأشتر، فاجتزوا رأسه، و استوقدوا عامة الليل بجسده، فنظر اليه مهران مولي زياد، و كان يحبه حبا شديدا، فحلف أن لا يأكل شحما أبدا، فأصبح الناس فحووا ما في العسكر، و هرب غلام لعبيد الله الي الشام، فقال له عبدالملك بن مروان: متي عهدك بابن زياد؟ فقال: جال الناس فتقدم فقاتل، و قال: ايتني بجرة فيها ماء،


فأتيته فاحتملها، فشر منها و صب الماء بين درعه و جسده، و صب علي ناصية فرسه فصهل، ثم اقتحمه، فهذا آخر عهدي به.

و في الرسالة قال أبوعمرو البزاز: كنت مع ابراهيم بن الأشتر لما لقي عبيدالله بن زياد بالخازر، فعددنا القتلي بالقصب لكثرتهم، قيل: كانوا سبعين ألفا و صلبه -أي ابن زياد - ابراهيم متنكسا، فكأني أنظر الي خصييه كأنهما جعلان، و عن الشعبي: انه لم يقتل قط من أهل الشام بعد صفين مثل هذه الواقعة بالخازر، و قال الشعبي: كانت يوم عاشوراء سنة سبع و ستين انتهي [31] .

قال: و بعث ابن الأشتر برأس ابن زياد الي المختار و أعيان من كان معه، فقدم بالرؤوس و المختار يتغدي، فالقيت بين يديه، فقال: الحمدلله رب العالمين، وضع رأس الحسين بن علي عليهماالسلام بين يدي ابن زياد و هو يتغدي، و أتيت برأس ابن زياد و أنا أتغدي، قال: و انسابت حية بيضاء تخلل الرؤوس حتي دخلت في أنف ابن زياد، و خرجت من اذنه، و دخلت في اذنه و خرجت من أنفه. و في الرسالة قال عامر: رأيت الحية تدخل في منافذ رأسه و هو مصلوب مرارا انتهي.

فلما فرغ المختار من الغداء قام فوطأ وجه ابن زياد بنعله، ثم رمي بها الي مولي له، و قال: اغسلها فاني وضعتها علي وجه نجس كافر.

و خرج المختار الي الكوفة، و بعث برأس ابن زياد، و رأس حصين بن نمير، و رأس شرحبيل بن ذي الكلاع، مع عبدالرحمن بن أبي عمير الثقفي، و عبدالله بن شداد الجشمي، و الثائب [32] بن مالك الأشعري الي محمد بن الحنفية بمكة، و علي ابن الحسين عليهماالسلام يومئذ بمكة.

و كتب اليه معهم: أما بعد، فاني بعثت أنصارك و شيعتك الي عدوك يطلبونه بدم أخيك المظلوم الشهيد، فخرجوا محتسبين محنقين آسفين، فلقوهم دون نصيبين، فقتلهم رب العباد، و الحمد لله رب العالمين، الذي طلب لكم الثأر، و أدرك لكم رؤساء أعدائكم، فقتلهم في كل فج، و غرقهم في كل بحر، فشفي بذلك صدور


قوم مؤمنين، و أذهب غيظ قلوبهم، و قدموا بالكتاب و الرؤوس عليه [33] .

و في الرسالة: فلما رآها خر ساجدا، و دعا للمختار، و قال: جزاه الله خيرا، فقد أدرك لنا ثأرنا، و وجب حقه علي كل من ولده عبدالمطلب بن هاشم، اللهم فاحفظ لابراهيم بن الأشتر، و انصره علي الأعداء، و وفقه لما تحب و ترضي، و اغفر له في الآخرة و الاولي [34] انتهي.

قال: فبعث رأس ابن زياد الي علي بن الحسين عليهماالسلام، فادخل عليه و هو يتغدي، فقال علي بن الحسين عليهماالسلام: ادخلت علي ابن زياد و هو يتغدي و رأس أبي بين يديه، فقلت: اللهم لا تمتني حتي تريني رأس ابن زياد و أنا أتغدي، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي، ثم أمر فرمي به.

فحمل الي ابن الزبير، فوضعه ابن الزبير علي قصبة، فحركتها الريح فسقط، فخرجت حية من تحت الستار، فأخذت بأنفه، فأعادوا القصبة، فحركتها الريح فسقط، فخرجت الحية، فأزمت بأنفه، ففعل ذلك ثلاث مرات، فأمر ابن الزبير فالقي في بعض شعاب مكة.

قال: و كان المختار رحمة الله قد سئل في أمان عمر بن سعد أبي وقاص، فآمنه علي أن لا يخرج من الكوفة، فان خرج منها فدمه هدر [35] .

و في الرسالة: باسناده اخذ لعمر أمان: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمان المختار بن أبي عبيد الثقفي لعمر بن سعد، انك آمن بأمان الله علي نفسك و أهلك و مالك و ولدك، لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما، ما سمعت و أطعت و لزمت منزلك، الا أن تحدث حدثا، فمن لقي عمر بن سعد من شرطة الله و شيعة آل محمد عليهم السلام، فلا يعرض له الا بسبيل خير والسلام، ثم أشهد فيه جماعة. قال الباقر عليه السلام: انما قصد المختار أن يحدث حدثا هو أن يدخل بيت الخلاء و يحدث [36] .


و في المنتخب و غيره: حكي عن الهيثم بن الأسود، قال: كنت جالسا عند المختار بالكوفة، فابتدأ يقول لجلسائه: والله لأقتلن رجلا عريض القدمين، غائر العينين، مرفوع الحاجبين، عدوا للحسن و الحسين، فلما سمع الهيثم كلامه، نهض الي عمر بن سعد، و عرفه بمقالته، فقال: والله ما أحسبه غيرك [37] . انتهي.

قال الشيخ: فخرج عمر حتي أتي الحمام، فقيل له: أتري هذا يخفي علي المختار؟ فرجع ليلا فدخل داره [38] .

و في الرسالة: قال له ابن دومة: المختار أضيق استا من أن يقتلك، و ان هربت هدم دارك، و انتهب عيالك و مالك، و خرب ضياعك، و أنت أعز العرب، فاغتر بكلامه فرجع [39] .

و في المنتخب و الرسالة و البحار قال المختار: و فينا له و غدر و أعطيناه خط أمان و مكر، و لكن والله في عنقه سلسلة لو جهد أن ينطلق ما استطاع حتي أقتله انشاء الله، قال فبينا عمر بن سعد سائر في الطريق بالليل، فنام علي ظهر الناقة، فرجعت الناقة به الي الكوفة وقت الصبح، فلم يشعر الا و هو علي باب داره، فنوخ ناقته و دخل داره، و استسلم للقتل [40] .

قال الشيخ: قال الراوي: فلما كان من الغد غدوت، فدخلت علي المختار، و جاء الهيثم [41] بن الأسود فقعد، فجاء حفص بن عمر بن سعد، فقال للمختار: يقول لك أبوحفص: أين لنا بالذي كان بيننا و بينك؟ قال: اجلس، فدعا المختار أباعمرة، فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد، فساره و دعا برجلين، فقال: اذهبا معه، فو الله ما أحسبه بلغ دار عمر بن سعد حتي جاء برأسه، فقال المختار لحفص: أتعرف هذا؟ قال: انا لله و انا اليه راجعون نعم، قال: يا أباعمرة ألحقه به، فقتله [42] .

و في المنتخب و الرسالة: فقال بعض الحضار: عمر بن سعد بالحسين،


و حفص بعلي بن الحسين، فقال المختار: صه يالكع الرجال، أتقيس رأس عمر بن سعد برأس الحسين، و رأس حفص برأس علي بن الحسين، فو الله لأقتلن سبعين ألفا، كما قتل بيحيي بن زكريا عليه السلام، و قيل: انه قال: لو قتلت ثلاثة أرباع قريش لما وفوا بأنملة من أنامل الحسين عليه السلام انتهي [43] .

أقول: روي الفاضل في ترجمته جلاء العيون، أن عمر بن سعد مرض في مسيره الي الري، فذبح علي فراشه، و لم ينل امارة الري، كما دعا عليه الحسين عليه السلام و العلم عند الله.

قال: و اشتد أمر المختار بعد قتل ابن زياد، و أخاف الوجوه، و قال: لا يسوغ لي طعام و لا شراب حتي أقتل قتلة الحسين بن علي عليهماالسلام و أهل بيته، و ما من ديني أترك أحدا منهم حيا، و قال: أعلموني من شرك في دم الحسين و أهل بيته؟ فلم يكن يأتونه برجل، فيقولون: ان هذا من قتلة الحسين عليه السلام، أو ممن أعان عليه الا قتله.

و بلغه أن شمر بن ذي الجوشن أصاب مع الحسين ابلا فأخذها، فلما قدم الكوفة نحرها و قسم لحومها، فقال المختار، احصوا لي كل دار دخل فيها شي ء من ذلك اللحم، فأحصوها، فأرسل الي من كان أخذ منها شيئا، فقتلهم و هدم دورا بالكوفة.

و اتي المختار بعبدالله بن اسيد الجهني، و مالك بن الهيثم البدائي من كندة، و حمل بن مالك المحاربي، فقال: يا أعداء الله أين الحسين بن علي؟ قالوا: اكرهنا علي الخروج اليه، قال: أفلا مننتم عليه و سقيتموه من الماء؟ و قال للبدائي: أنت صاحب برنسه لعنك الله؟ قال: لا، قال: بلي، ثم قال: اقطعوا يديه و رجليه، و دعوه يضطرب حتي يموت، فقطعوه و أمر بالآخرين، فضربت أعناقهما.

و اتي بقراد بن مالك، و عمرو بن خالد، و عبد الرحمن البجلي، و عبدالله بن قيس الخولاني، فقال لهم: يا قتلة الصالحين، ألا ترون الله بريئا منكم؟ لقد جاءكم الورس بيوم نحس، فأخرجهم الي السوق فقتلهم.


و بعث المختار معاذ بن هاني الكندي، و أباعمرة كيسان، الي دار خولي بن يزيد الأصبحي، و هو الذي حمل رأس الحسين عليه السلام الي زياد، فأتوا داره، فاستخفي في المخرج، فدخلوا عليه، فوجدوه قد ركب علي نفسه قوصرة [44] فأخذوه [45] .

و في الرسالة: خرجت امرأته اليهم و هي النوار ابنة مالك، كما ذكره الطبري في تاريخه، و كانت محبة لأهل البيت عليه السلام فسوئلت عنه، قالت: لا أدري أين هو، و أشارت بيدها الي بيت الخلاء انتهي [46] .

قال: ثم خرجوا يريدون المختار، فتلقاهم في ركب، فردوه الي داره، و قتله عندها و أحرقه.

و طلب المختار شمر بن ذي الجوشن، فهرب الي البادية، فسعي به الي أبي عمرة، فخرج اليه نفر من أصحابه، فقاتلهم قتالا شديدا، فأثخنته الجراحات [47] ، فأخذه أبوعمرة أسيرا، و بعث به الي المختار، فضرب عنقه، و أغلي له دهنا في قدر، فقذفه فيها فتفسخ، و وطي ء مولي لآل حارثة بن مضرب وجهه و رأسه.

و لم يزل المختار يتتبع قتلة الحسين عليه السلام و أهله، حتي قتل منهم خلقا كثيرا، و هرب الباقون، فهدم دورهم، و قتلت العبيد مواليهم الذين قاتلوا الحسين عليه السلام، و أتوا المختار فأعتقهم [48] .

و في الرسالة نقلا عن تاريخ الطبري، قال: بعث المختار عبدالله بن كامل الي حكيم بن الطفيل السنبسي الطائي، و كان قد أخذ سلب العباس، و رماه بسهم، فأخذوه قبل وصوله الي المختار، و نصبوه هدفا، و رموه بالسهام، و بعث الي قاتل علي بن الحسين عليه السلام، و هو مرة بن منقذ العبدي و كان شيخا، فأحاطوا بداره، فخرج و بيده الرمح، و هو علي فرس جواد، فطعن عبيدالله بن ناجية الشامي،


فصرعه و لم تضره الطعنة، و ضربه ابن كامل بالسيف، فاتقاها بيده اليسري، فأشرع فيها السيف، و تمطرت به الفرس، فأفلت، و لحق بمصعب و شلت يده بعد ذلك.

و أحضر زيد بن رقاد، فرماه بالنبل و الحجارة و أحرقه، و هرب سنان بن أنس الي البصرة، فهدم داره، ثم خرج من البصرة نحو القادسية، و كان عليه عيون، فأخبروا المختار، فأخذه بين العذيب و القادسية، فقطع أنامله ثم يديه و رجليه، و أغلي زيتا في قدر و رماه فيها.

و هرب عبدالله بن عقبة الغنوي الي الجزيرة، فهدم داره، و فيه و في حرملة بن كاهل قال الشاعر:



و عندي غني قطرة من دمائنا

و في أسد اخري تعد و تذكر [49] .



روي الشيخ الطوسي في المجالس، و ابن نما بأدني اختلاف، عن المنهال بن عمرو، قال: دخلت علي زين العابدين عليه السلام اودعه، و أنا اريد الانصراف من مكة، فقال: يا منهال ما فعل حرملة؟ و كان معي بشر بن غالب الأسدي، فقلت: تركته حيا بالكوفة، قال: فرفع يديه، ثم قال: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد.

قال منهال: فقدمت الكوفة و قد ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي، و كان لي صديقا، فكنت في منزلي أياما، حتي انقطع الناس عني و ركبت اليه، فلقيته خارجا من داره، فقال: يا منهال لم تأتنا في ولايتنا هذه و لم تهنئنا بها و لم تشركنا فيها؟

فأعلمته أني كنت بمكة، و أني قد جئتك الآن، و سايرته و نحن نتحدث حتي أتي الكناسة، فوقف وقوفا كأنه ينتظر شيئا، و قد كان اخبر بمكان حرملة بن كاهل، فوجه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون و قوم يشتدون، حتي قالوا: أيها الأمير البشارة قد اخذ حرملة بن كاهل، فما لبثنا أن جي ء به.

فلما نظر اليه المختار قال لحرملة: الحمدلله الذي مكنني منك، ثم قال: الجزار الجزار، فاتي بجزار، فقال له: اقطع يديه فقطعتا، ثم قال: اقطع رجليه فقطعتا، ثم قال: النار النار، فاتي بنار و قصب فالقي عليه، فاشتعل فيه النار،


فقلت: سبحان الله، فقال لي: يا منهال ان التسبيح لحسن، ففيم سبحت؟

فقلت: أيها الأمير دخلت في سفري هذا في منصرفي من مكة علي علي بن الحسين عليهماالسلام، فقال: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي؟ فقلت: تركته حيا بالكوفة، فرفع يديه جميعا، فقال: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حر النار.

فقال لي المختار: أسمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول هذا؟ فقلت: والله لقد سمعته يقول هذا، قال: فنزل عن دابته، و صلي ركعتين، فأطال السجود، ثم قام فركب، و قد احترق حرملة، و ركبت معه و سرنا، فحاذيت داري، فقلت: أيها الأمير ان رأيت أن تشرفني و تكرمني، و تنزل عندي، و تحرم [50] بطعامي، فقال: يا منهال تعلمني أن علي بن الحسين عليه السلام دعا بثلاث دعوات، فأجابه الله علي يدي، ثم تأمرني أن آكل؟ هذا يوم صوم، شكرا لله علي ما فعلته بتوفيقه، و حرملة هو الذي حمل رأس الحسين عليه السلام [51] .

أقول: و كيفية قتل سائر القتلة مذكورة في الرسالة، فليطلب ثمة.


پاورقي

[1] بحارالأنوار 339: 45 ح 4.

[2] و في التهذيب نظير هذه الرواية، و فيه: فيخرجه حممة، و لو شق عن قلبه لوجد حبهما في قلبه. و قال في البحار: انقض الطائر: أهوي في طيرانه، و کسر الطائر أي: ضم جناحين حين ينقض. و الحمم بضم الحاء و فتح الميم: الرماد و الفحم، و کل ما احترق من النار. و قوله عليه‏السلام «حبهما» أي: حب الشيخين الملعونين، و قيل: حب الرئاسة و المال، و الأول هو الصواب انتهي و فيه ما فيه «منه».

[3] بحارالأنوار 339: 45 ح 5 و 345: 45 ح 15 عن السرائر و التهذيب.

[4] المنتخب ص 151.

[5] في المنتخب: حجيج.

[6] المنتخب ص 151 -150.

[7] البحار 346: 45.

[8] أي: ولد المختار بعد قول أميرالمؤمنين عليه‏السلام هذا بزمان. البحار.

[9] في البحار: و انزل.

[10] بحارالأنوار 342 -339: 45 ح 6.

[11] بحارالأنوار 343: 45 ح 8.

[12] لعل المراد يابن خير من حيي علي وجه الأرض، و مشي عليها، أو مضي لسبيله، فيکون بالاضافة، يعني خير أهل الأرض، فان کان هذا مما کتبه المختار و ان کان بعيدا، فالمراد علي عليه‏السلام، و ان کان مما کتبه الحنفية، فالمراد أبوعبيد أبوالمختار للتمدح، کما هو الشايع في الألقاب «منه».

[13] بحارالأنوار 344: 45 ح 10.

[14] بحارالأنوار 343: 45 ح 7.

[15] قال في البحار: ليسمر من السمر، و هو الحديث بالليل، و في بعض النسخ «ليستمر» فهو: اما افتعال أيضا من السمر، أو بتشديد الراء، أي: کان دائما عندها، و في بعض النسخ لييتم و في بعضها ليتم، و الأول کأنه أصوب.

[16] بحارالأنوار 343: 45 ح 9.

[17] بحارالأنوار 344: 45 ح 11.

[18] بحارالأنوار 344: 45 ح 12.

[19] بحارالأنوار 386: 45.

[20] بحارالأنوار 344: 45 ح 13.

[21] و يحتمل أن يکون سبب تسميته بکيسان لقول أميرالمؤمنين عليه‏السلام حين يمسح رأسه يا کيس، و هذا أنسب لعلو شأنه عليه‏السلام و صغر سنه، و لقب الأکابر يشتهر جدا للمفاخر، سيما في حال الصغر غالبا «منه».

[22] بحارالأنوار 345 -344: 45 ح 14.

[23] بحارالأنوار 365: 45.

[24] بحارالأنوار 385 -384: 45.

[25] بحارالأنوار 352 -351:45.

[26] المنتخب ص 388.

[27] المنتخب ص 389 -388.

[28] الخازر: نهر بين الموصل و اربل. القاموس.

[29] المراد أن أميرالمؤمنين خليل عليه‏السلام قد أخبرني بأنا نشرف علي الفرار حتي نقول: هي هي أي: الفرة و الرجعة وقعت، ثم نکر و نحمل عليهم، فيکون الظفر آخر الأمر لنا، فيکون آخر خبره عليه‏السلام، و قوله «فنقتل أميرهم» و قوله «فأبشروا» کلام عبدالله بن بشار «منه».

[30] في البحار: نهر.

[31] البحار 385: 45.

[32] في البحار: السائب.

[33] بحارالأنوار 336 -333: 45 عن الامالي.

[34] بحارالأنوار 386-385: 45.

[35] البحار 336: 45 عن الأمالي.

[36] البحار 378: 45.

[37] المنتخب ص 324.

[38] البحار 336: 45.

[39] البحار 378: 45.

[40] المنتخب ص 325.

[41] في البحار: الهشيم.

[42] البحار 337 -336: 45.

[43] البحار 379: 45، و المنتخب ص 325.

[44] القوصرة بالتشديد هذا الذي يکنز فيه التمر من البواري. الصحاح.

[45] البحار 337: 45.

[46] البحار 374: 45.

[47] في البحار: الجراحة.

[48] بحارالانوار 338: 45 عن الأمالي.

[49] البحار 375: 45.

[50] قال في البحار: الحرمة ما لا يحل انتهاکه، و منه قولهم: تحرم بطعامه، و ذلک لأن العرب اذا أکل رجل منهم من طعام غيره حصلت بينهما حرمة و ذمة يکون کل منهما آمنا من أذي صاحبه.

[51] بحارالأنوار 333 -332: 45 و 376 -375.