بازگشت

في رجعة الحسين في زمن المهدي و انتقامه من قتلته و استئصال ذرية ظلمته


في كتاب الرجعة لبعض أصحابنا الامامية، عن ابن علي بن فضال، عن أبي المعزي حميد بن المثني، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعين، قال أبوجعفر عليه السلام لنا: و لسوف يرجع لجاركم الحسين بن علي عليهماالسلام، فيملك حتي تقع حاجباه علي عينيه من الكبر [1] .

و بسند آخر عن المعلي بن خنيس، و زيد الشحام، عن أبي عبدالله عليه السلام قالا: سمعناه يقول: أول من يكر في الرجعة الحسين بن علي عليهماالسلام فيمكث في الأرض أربعين ألف سنة، حتي يسقط حاجباه علي عينيه [2] .

أحمد بن محمد بن عيسي، و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد ابن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين و أباالخطاب يحدثان جميعا قبل أن يحدث أبوالخطاب ما أحدث، أنهما سمعا أباعبدالله عليه السلام يقول: أول من ينشق عنه و يرجع الي الدنيا الحسين عليه السلام، و أن الرجعة ليست بعامة، و هي خاصة لا يرجع الا من محض


الايمان محضا أو محض الشرك محضا [3] .

و باسناد آخر، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: ان الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهماالسلام [4] ، فأما يوم القيامة فانما بعث الي الجنة، و بعث الي النار [5] .

محمد بن عيسي بن عبيد، عن القاسم بن يحيي، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي ابراهيم عليه السلام، قال: قال: لترجعن نفوس ذهبت، و ليقتصن يوم يقوم، و من عذب يقتص بعذابه، و من اغيظ يقتص بغيظه، و من قتل يقتص بقتله، و يرد لهم أعداؤهم حتي يأخذوا بثأرهم، ثم يعمرون بعدهم ثلاثون شهرا، ثم يموتون في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم، و شفوا أنفسهم، و يصير عدوهم الي أشد النار عذابا، ثم يوقفون بين يدي الجبار عزوجل، فيؤخذ لهم بحقوقهم [6] .

محمد بن عيسي بن عبيد، عن الحسين بن سفيان البزاز عن عمرو بن شمر عن جابر بن يزيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ان لعلي عليه السلام في الأرض كرة مع الحسين ابنه يقبل برايته حتي ينتقم له من بني امية و معاوية و آل معاوية و من شهد حربه، ثم يبعث الله اليهم بانصاره يومئذ من أهل الكوفة ثلاثين ألفا، و من سائر الناس سبعين ألفا، فيلقاهما بصفين مثل المرة الاولي، يقتلهم و لا يبقي منهم مخبر، ثم يبعثهم الله عزوجل، فيدخلهم أشد عذابه مع فرعون و آل فرعون.

ثم كرة اخري مع رسول صلي الله عليه و آله و سلم حتي يكون خليفة في الأرض، و تكون الأئمة عليهم السلام عماله، و حتي يبعث الله علانية، فتكون عبادته علانية في الأرض، كما عبد الله سرا في الأرض.


ثم قال: اي والله و أضعاف ذلك، ثم عقد بيده أضعافا يعطي الله نبيه ملك جميع أهل الدنيا منذ خلق الله الدنيا الي يوم بعثها، و حتي ينجز له موعده كتابه، كما قال: (و يظهره علي الدين كله و لو كره المشركون) [7] .

روي عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن فضيل، عن سعد الجلاب، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام لأصحابه قبل أن يقتل: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال لي: يا بني انك ستساق الي العراق، و هي أرض قد التقي فيها النبيون و أوصياء النبيين في أرض تدعي عمورا، و انك لتستشهد بها، و يستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، و تلا: (يا نار كوني بردا و سلاما) [8] يكون الحرب عليك و عليهم بردا و سلاما.

فابشروا فوالله لئن قتلونا، فانا نرد علي نبينا صلي الله عليه و آله و سلم، ثم أمكث ما شاء الله، فأكون أول من تنشق الأرض عنه، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أميرالمؤمنين عليه السلام و قيام قائمنا و حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم لينزلن علي وفد من السماء من عند الله، لم ينزلوا الي الأرض قط، و لينزلن علي جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و جنود من الملائكة، و لينزلن محمد و علي و أخي و جميع من من الله عليه، في حمولات من حمولات الرب و جمال من نور، لم يركبها مخلوق، ثم ليهزن محمد صلي الله عليه و آله و سلم لواءه و يدفعه الي قائمنا مع سيفه.

ثم انا نمكث بعد ذلك ما شاء الله، ثم ان الله يخرج من المسجد الكوفة عينا من دهن، و عينا من لبن، و عينا من ماء، ثم ان أميرالمؤمنين عليه السلام يدفع الي سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فيبعثني الي الشرق و الغرب، فلا آتي علي عدو الا أهرقت دمه، و لا أدع صنما الا أحرقته، حتي أقع الي الهند فأفتحها.

و ان دانيال و يوشع يخرجان الي أميرالمؤمنين عليه السلام يقولان: صدق الله و رسوله، و يبعث معهما الي البصرة سبعين ألف رجل، فيقتلون مقاتلهم، و يبعث بعثا


الي الروم فيفتح الله لهم، ثم لأقتلن كل دابة حرم الله لحمها، حتي لا يكون علي وجه الأرض الا طيب، و أعرض علي اليهود و النصاري و سائر الملل، و لأخيرنهم بين الاسلام و السيف، فمن أسلم مننت عليه، و من كره الاسلام أهرق الله دمه.

و لا يبقي رجل من شيعتنا الا أنزل الله عليه ملكا يمسح عن وجهه التراب، و يعرفه أزواجه و منازله في الجنة، و لا يبقي علي وجه الأرض أعمي و لا مقعد و لا مبتلي، الا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت.

و لينزلن البركة من السماء الي الأرض، حتي أن الشجرة لتقصف بما يزيد الله فيها من الثمرة، و ليأكلن ثمرة الشتاء في الصيف، و ثمرة الصيف في الشتاء، و ذلك قوله تعالي: (و لو أن أهل القري آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض و لكن كذبوا) [9] .

ثم ان الله ليهب شيعتنا كرامة لا يخفي عليهم شي ء من الأرض و ما كان فيها، حتي أن الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته، فيخبرهم بعلم ما يعملون [10] .

الفضل بن شاذان، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة و نزداد تسعا، قلت: متي يكون ذلك؟ قال: بعد القائم، قلت: و كم يقوم القائم في عالمه؟ قال: تسع عشر سنة، قال:يخرج المنتصر الي الدنيا و هو الحسين عليهماالسلام، فيطلب بدمائه و دماء أصحابه، فيقتل و يسبي حتي يخرج السفاح، و هو أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام [11] .

و قال علي بن ابراهيم قوله: (و وصينا الانسان بوالديه احسانا) [12] قال: الاحسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قوله «بوالديه» الحسن و الحسين عليه السلام، فقال: (حملته امه كرها و وضعته كرها) و ذلك أن الله أخبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و بشره بالحسين عليه السلام قبل حمله، و أن الامامة تكون في ولده الي يوم القيامة.


ثم أخبره بما يصيبه من القتل في نفسه و ولده، ثم عوضه بأن جعل الامامة في عقبه، ثم أعلمه أنه يقتل، ثم يرده الي الدنيا و ينصره حتي يقتل أعداءه، و يملكه الأرض، و هو قوله تعالي (و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض) [13] الآية، و قوله (و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) [14] فبشر الله نبيه أن أهل بيتك يملكون الأرض، و يرجعون اليها و يقتلون أعداءهم، فأخبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليهاالسلام بخبر الحسين عليه السلام و قتله فحملته كرها.

ثم قال أبوعبدالله عليه السلام: فهل رأيتم أحدا يبشر بولد ذكر، فيحمله كرها، أي أنها اغتمت و كرهت لما أخبرها بقتله، و وضعته كرها لما علمت من ذلك [15] .

أقول: هذه الرواية نقلت من رسالة الرجعة، مع حضور تفسير علي بن ابراهيم القمي؛ لأنها اختصرت فيها، و فيه أنه كان بين الحسن و الحسين عليهماالسلام طهر واحد [16] . و كذا الرواية التالية كانت في روضة الكافي، لكنا روينا أحاديث الرجعة كلها من الرسالة للاعتماد عليها.

و كون المراد بالاحسان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: اما بأن المراد انا وصينا الانسان بملازمة الحسنين عليهماالسلام و حسن الصنيع اليهما بوساطة الاحسان، و بابلاغه شرفهما و بيانه فضلهما، أو يكون احسانا بدلا من الانسان، و فيه مع البعد نوع استخدام في الانسان المراد بلفظه غير ما اريد بضميره في بوالديه.

محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زيد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبدالله بن عبدالرحمن الأصم، عن عبدالله بن القاسم البطل، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله: (و قضينا الي بني اسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) [17] قال: مرة قتل علي بن أبي طالب عليه السلام، و مرة


طعن الحسن عليه السلام (و لتعلن علوا كبيرا) قال: قتل الحسين عليه السلام (فاذا جاء وعد اولاهما) فاذا جاء نصر دم الحسين عليه السلام [18] (بعثنا عليكم عبادا لنا اولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار) قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه السلام، فلا يدعون و ترا لآل محمد الا قتلوه «و كان وعدا مفعولا» خروج القائم عليه السلام.

(ثم رددنا لكم الكرة عليهم) خروج الحسين عليه السلام يخرج في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهبة، لكل بيضة و جهان، المؤدون الي الناس أن هذا الحسين عليه السلام قد خرج، حتي لا يشك المؤمنون فيه، و أنه ليس بدجال و لا شيطان، و الحجة القائم بين أظهرهم، فاذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين عليه السلام جاء الحجة الموت، فيكون الذي يغسله و يكفنه و يحنطه و يلحده في حفرته الحسين بن علي عليهماالسلام، و لا يلي الوصي الا الوصي مثله [19] .

و عنه عليه السلام يقبل الحسين عليه السلام في أصحابه الذين قتلوا معه و معه سبعون نبيا كما بعثوا مع موسي بن عمران عليه السلام فيدفع اليه القائم عليه السلام الخاتم فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله و كفنه و حنوطه و يلحده في حفرته [20] .

روي عن جعفر بن قولويه: في كتاب المزار، عن محمد بن جعفر الرزاز،


عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، و أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن مروان بن مسلم، عن يزيد بن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: أخبرني عن اسماعيل الذي ذكره الله في كتابه، حيث يقول: (و اذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد و كان رسولا نبيا) [21] أكان اسماعيل بن ابراهيم عليه السلام؟ فان الناس يزعمون أنه اسماعيل بن ابراهيم، و ان اسماعيل مات قبل ابراهيم، و ابراهيم كان حجة لله قائما صاحب شريعة، فقال عليه السلام: و الي من أرسل اسماعيل اذن؟ قلت: فمن كان جعلت فداك؟

قال: ذاك اسماعيل بن حزقيل النبي بعثه الله الي قومه، فكذبوه و قتلوه و سلخوا وجهه، فغضب الله له، فوجه اليه سطاطائيل ملك العذاب، فقال له: يا اسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب و جهني رب العزة اليك لاعذب قومك بأنواع العذاب ان شئت، فقال له اسماعيل: لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل.

فأوحي الله اليه فما حاجتك يا اسماعيل؟ فقال اسماعيل: يا رب انك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية و لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم بالنبوة، و لأوصيائه بالولاية، و أخبرت خلقك بما تفعل امته بالحسين بن علي عليهماالسلام من بعد نبيها، و انك وعدت الحسين أن تكره الي الدنيا حتي ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي اليك يا رب أن تكرني الي الدنيا حتي أنتقم ممن فعل ذلك الي ما فعل، كما تكر الحسين، فوعد الله اسماعيل بن حزقيل ذلك يكر مع الحسين بن علي عليهماالسلام [22] .

و عنه، عن أحمد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبدالله بن حماد البصري، عن عبدالله بن عبدالرحمن الأصم، قال: حدثنا أبوعبيدة البزاز، عن حريز، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: جعلت فداك ما أقل بقاؤكم أهل البيت، و أقرب آجالكم بعضها من بعض، مع حاجة هذا الخلق اليكم؟

فقال: ان لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج اليه أن يعمل به في مدته، فاذا


انقضي ما فيها مما أمر به، عرف أن أجله قد حضر، و أتاه النبي صلي الله عليه و آله و سلم ينعي اليه نفسه و أخبره بما له عند الله.

و ان الحسين عليه السلام قرأ الصحيفة التي أعطاها، و فسر له ما يأتي و ما يبقي، و بقي منها أشياء لم تنقض، فخرج الي القتال، و كانت من تلك الامور التي بقيت أن الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لها، فمكثت تستعد للقتال و تتأهب لذلك حتي قتل، فنزلت و قد انقطعت مدته و قتل عليه السلام.

فقالت الملائكة: يا رب أذنت لنا في الانحدار، و أذنت لنا في نصرته، فانحدرنا و قد قبضته، فأوحي الله تبارك و تعالي: أن الزموا قبره حتي ترونه قد خرج فانصره، و ابكوا عليه و علي ما فاتكم من نصرته، فانكم خصصتم بنصرته و البكاء عليه، فبكت الملائكة تعزيا و جزعا علي ما فاتهم من نصرته، فاذا خرج عليه السلام يكونون أنصاره [23] .

البصري، قال: حدثني أبوالفضل عن ابن صدقة، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: كأني والله بالملائكة قد زاحموا المؤمنين علي قبر الحسين عليه السلام، قال: قلت: فيتراؤن لهم، قال: هيهات هيهات ليتراؤن والله للمؤمنين حتي أنهم ليمسحون وجوههم بأيديهم، قال: و ينزل الله علي زوار الحسين عليه السلام غدوة و عشية من طعام الجنة و خدامهم و الملائكة، لا يسأل الله عبد حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة الا أعطاها اياه.

قال: قلت: هذه والله الكرامة، قال: يا مفضل أزيدك؟ قلت: نعم سيدي، قال: كأني بسرير من نور قد وضع و قد ضرب عليه قبة من ياقوتة حمراء، مكللة بالجوهر، و كأني بالحسين عليه السلام جالسا علي ذلك السرير، و حوله تسعون ألف قبة خضراء، و كأني بالمؤمنين يزورونه و يسلمون عليه، فيقول الله عزوجل لهم: أوليائي فطالما اوذيتم و ذلتم و اضطهدتم، فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة الا قضيتها لكم، فيكون أكلهم و شربهم من الجنة [24] .


و فيه و في البحار في تاريخ صاحب الأمر عليه السلام باختلاف كثير، لكنا أخذنا من كل منهما ما هو أبسط و أوفي، روي عن الحسن [25] بن حمدان، عن محمد بن اسماعيل، و علي بن عبدالله الحسني، عن أبي شعيب محمد بن نصر، عن عمر بن الفرات، عن محمد بن الفضل، عن المفضل بن عمر، قال: سألت سيدي الصادق عليه السلام هل للمأمول المنتظر المهدي عليه السلام من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال: حاش لله من وقت موقت أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا، قلت: يا سيدي و لم ذاك؟

قال: لأنه هي الساعة التي قال الله تعالي: (يسألونك عن الساعة قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السماوات و الأرض) [26] الآية: و هي الساعة التي قال الله تعالي: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) [27] و قال: (و عنده علم الساعة) [28] و لم يقل انها عند أحد دونه، و قال (هل ينظرون الا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها) [29] و قال: (و اقتربت الساعة و انشق القمر) [30] و قال: (و ما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) [31] (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها و الذين آمنوا مشفقون منها و يعلمون أنها الحق ألا أن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد) [32] .

قلت: يا مولاي فما معني يمارون؟ قال: يقولون: متي ولد؟ و من رأي؟ و أين هو؟ و أين يكون؟ و متي يظهر؟ كل ذلك استعجالا لأمر الله، و شكا في قضائه و دخولا في قدرته، اولئك الذين خسروا الدنيا و الآخرة، و ان للكافرين لشر مآب، قلت: أفلا يوقت له وقت؟ فقال: يا مفضل لا اوقت له وقتا، و لا يوقت له


وقت، ان من وقت لمهدينا وقتا، فقد شارك الله في علمه و ادعي أنه أظهره الله علي سره، و ما لله من سر الا و قد وقع الي هذا الخلق المعكوس الضال عن الله، الراغب عن أولياء الله، و ما لله من خير الا و هم أخص به لسره و هو عندهم، و انما ألقي الله اليهم ليكون حجه عليهم.

قال المفضل: يا مولاي فكيف ندري ظهور المهدي عليه السلام و اليه التسليم؟

قال عليه السلام يا مفضل يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره، و يظهر أمره، و ينادي باسمه و كنيته و نسبه، و يكثر ذلك علي أفواه المحقين و المبطلين و الموافقين و المخالفين، لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به، علي أنا قد قصصنا ذلك، و دللنا عليه، و نسبناه و سميناه و كنيناه و قلنا سمي جده رسول الله و كناه، لئلا يقول الناس ما عرفنا له اسما و لا كنية و لا نسبا، فوالله ليتحقق الايضاح به و باسمه و نسبه و كنيته علي ألسنتهم حتي ليسميه بعضهم بعضا، كل ذلك للزوم الحجة به، ثم يظهره الله كما وعد به جده صلي الله عليه و آله و سلم في قوله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون) [33] .

قال المفضل: يا مولاي فما تأويل قوله تعالي: (ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون)؟ قال عليه السلام: هو قوله تعالي: (و قاتلوهم حتي لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله) [34] فو الله يا مفضل ليرفع عن الملل و الأديان الاختلاف و يكون الدين كله واحدا، كما قال جل ذكره (ان الدين عند الله الاسلام) [35] .

و قال الله تعالي: (و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين) [36] .

قال المفضل: قلت: يا سيدي و مولاي والدين الذي في آبائه ابراهيم و نوح و موسي و عيسي و محمد هو الاسلام؟ قال: نعم يا مفضل هو الاسلام لا غير. قلت: يا مولاي أتجده في كتاب الله تعالي؟ قال: نعم من أوله الي آخره، و منه هذه الآية


و هو قوله تعالي: (ان الدين عند الله الاسلام) و منه قوله تعالي: (ملة أبيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين) [37] و منه قوله تعالي في قصة ابراهيم و اسماعيل: (واجعلنا مسلميمن لك و من ذريتنا امة مسلمة لك) [38] و قوله تعالي في قصة فرعون: (حتي اذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لا اله الا الذي آمنت به بنواسرائيل و أنا من المسلمين) [39] و في قصة سليمان و بلقيس حيث يقول: (قبل أن يأتوني مسلمين) [40] و قولها (أسلمت مع سليمان لله رب العالمين) [41] و قول عيسي عليه السلام (من أنصاري الي الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله و اشهد بأنا مسلمون) [42] و قوله عزوجل: (و له أسلم من في السماوات و الأرض طوعا و كرها) [43] .

و قوله تعالي في قصة لوط: (فما وجدنا غير بيت من المسلمين) [44] و لوط قبل ابراهيم، و قوله: (قولوا آمنا بالله و ما انزل الينا و ما انزل الي ابراهيم و اسماعيل و اسحاق و يعقوب و الأسباط و ما اوتي موسي و عيسي و ما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم و نحن له مسلمون) [45] و قوله تعالي: (أم كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك و اله آبائك ابراهيم و اسماعيل و اسحاق الها واحدا و نحن له مسلمون) [46] .

قلت: يا سيدي كم الملل؟ قال: أربعة، و هي الشرائع.

قال المفضل: قلت: يا سيدي المجوس لم سموا المجوس؟ قال عليه السلام: لأنهم


تمجسوا في السريانية، و ادعوا علي آدم و علي شيث بن آدم و هو هبة الله أنهما أطلقا لهما نكاح الامهات و الأخوات و البنات و الخالات و العمات، و المحرمات من النساء، و أنهما أمراهم أن يصلوا الي الشمس حيث رفعت في السماء، و لم يجعلا لصلاتهم وقتا، و انما هو افتراء و كذب علي الله عزوجل و علي آدم و شيث.

قال المفضل: قلت: يا سيدي و مولاي لم سمي قوم موسي اليهود؟ قال عليه السلام: لقول الله عزوجل: (انا هدنا اليك) [47] أي: اهتدينا اليك.

قال: قلت: فالنصاري؟ قال عليه السلام: لقول عيسي: (من أنصاري الي الله قال الحواريون نحن أنصار الله) [48] فسموا النصاري لنصرة دين الله.

قال المفضل: فقلت: يا مولاي فلم سمي الصابئون الصابئين؟ فقال عليه السلام: يا مفضل انهم صبئوا الي تعطيل الأنبياء و الرسل و الملل و الشرائع، و قالوا: كل ما جاؤوا به باطل، فجحدوا توحيد الله و نبوة الأنبياء و رسالة المرسلين، و وصية الأوصياء، فهم بلا شريعة و لا كتاب و لا رسول، و هم معطلة العالم.

قال المفضل: قلت: سبحان الله، فما أجل هذا العلم من علم؟ قال عليه السلام: نعم يا مفضل فألقه الي شيعتنا لئلا يشكوا في الدين.

قال المفضل: قلت: يا سيدي ففي أي بقعة يظهر المهدي عليه السلام؟ قال عليه السلام: لا تراه عين في وقت ظهوره الا رأته كل عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه.

قال المفضل: قلت: يا سيدي و لا يري في وقت ولادته؟ قال: بلي والله انه يري من ساعة ولادته الي ساعة وفاة أبيه ابن سنتين و تسعة أشهر، أول ولادته وقت الفجر من ليلة الجمعة لثمان خلون من شعبان [49] سنة سبع و خمسين و مائتين الي يوم الجمعة لثمان ليال خلون من ربيع الأول سنة ستين و مائتين، و هو يوم وفاة أبيه بالمدينة التي تبني بشاطي ء دجلة يبنيها المتكبر الجبار المسمي باسم جعفر


الضال الملقب بالمتوكل، و هي مدينة تدعي بسر من رأي، و هي ساء من رأي، يري شخصه المؤمن المحق سنة ستين و مائتين، و لا يراه المشكك المرتاب، و ينفذ فيها أمره و نهيه، و يغيب عنها، فيظهر لم طلبه في القفر، و يصاب باسمه في المدينة [50] في حرم جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فيلقاه هناك من يسعده الله بالنظر اليه، ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست و ستين و مائتين، فلا يراه عين أحد حتي يراه كل أحد و كل عين.

قال المفضل: قلت: يا سيدي فمن يخاطبه؟ و لم يخاطب؟

قال عليه السلام: يخاطبه الملائكة و المؤمنون من الجن، و يخرج أمره و نهيه الي ثقاته و ولاته و وكلائه، و يقعد ببابه محمد بن نصر [51] النميري في يوم غيبته بصابر، ثم يظهر بمكة.

والله يا مفضل لكأني أنظر اليه قد دخل مكة و عليه بردة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و علي رأسه عمامة صفراء، و في رجليه نعلا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المخصوفة، و في يده هراوته، يسوق بين يديه أعنزا [52] عجافا، حتي يصل بها نحو البيت، و ليس ثم أحد يعرفه، و يظهر و هو شاب مونق [53] .

قال المفضل: يا سيدي يعود شابا أو يظهر في شيبه؟ فقال عليه السلام: سبحان الله و هل يعرف ذلك؟ يظهر كيف شاء، و بأي صورة شاء، اذا جاءه الأمر من الله تعالي.

قال المفضل: يا سيدي فمن أين يظهر؟ و كيف يظهر؟ قال عليه السلام: يا مفضل يظهر وحده، و يأتي البيت وحده، و يلج الكعبة وحده، و يجن عليه الليل وحده، فاذا نامت العيون و غسق الليل، نزل اليه جبرئيل و ميكائيل و الملائكة عليهم السلام صفوفا، فيقول له جبرئيل عليه السلام: يا سيدي قولك مقبول، و أمرك جائز فيمسح وجهه، و يقول: (الحمدلله الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث


نشاء فنعم أجر العاملين) [54] .

و يقف بين الركن و المقام، فيصرخ صرخة، فيقول: يا معاشر نقبائي و أهل خاصتي، و من ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري علي وجه الأرض ائتوني طائعين، فترد صيحته عليهم و هم في محاريبهم، و علي فرشهم، في شرق الأرض و غربها، فيسمعونها في صيحة واحدة في اذن كل رجل، فيجيئون جميعهم نحوها، و لا يمضي لهم الا كلمحة بصر، حتي يكون كلهم بين يديه بين الركن و المقام.

فيأمر الله عزوجل النور، فيصير عمودا من الأرض الي السماء، فيستضي ء به كل مؤمن علي وجه الأرض، و يدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور، و هم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليهم السلام، ثم يصبحون وقوفا بين يديه، و هم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا بعدة أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوم بدر.

قال المفضل: قلت: يا سيدي فالاثنان و سبعون رجلا الذين قتلوا مع الحسين عليه السلام يظهرون معه؟ قال عليه السلام: يظهرون و فيهم أبوعبدالله الحسين عليه السلام في اثني عشر ألف صديق من شيعة علي عليه السلام، و عليه عمامة سوداء.

قال المفضل: قلت: يا سيدي فيغير القائم عليه السلام بيعة من بايعوا له قبل ظهوره و قبل قيامه؟ فقال عليه السلام: يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعة كفر و نفاق و خديعة، لعن الله المبايع لها و المبايع له، بلي يا مفضل اذا أسند القائم ظهره الي البيت الحرام، و يمد يده المباركة، فتري بيضاء من غير سوء، و يقول: هذه يد الله، و عن الله، و بأمر الله، ثم يتلو هذه الآية: (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث علي نفسه و من أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) [55] .

فيكون أول من يقبل يده جبرئيل، ثم يبايعه، و تبايعه الملائكة، و نجباء الجن، ثم النقباء [56] . و يصبح الناس بمكة، فيقولون، من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة؟ و ما هذه الخلق الذين معه؟ و ما هذه الآية التي رأيناها في هذه الليلة و لم نر


مثلها؟ فيقول بعضهم لبعض؟ هذا الرجل هو صاحب العنزات [57] .

ثم يقول بعضهم لبعض: أنظروا هل تعرفون أحدا ممن معه؟ فيقولون: لا نعرف أحدا منهم، الا أربعة من أهل مكة، و أربعة من أهل المدينة، و هم فلان و فلان و يعدونهم بأسمائهم، و يكون هذا أول طلوع الشمس في ذلك اليوم، فاذا طلعت الشمس و أضاءت صاح صائح بالخلائق بين عين الشمس بلسان عربي مبين، يسمع من في السماوات و الأرضين: يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد، و يسميه باسم جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و بكنيته و بنسبه الي أبيه الحسن العسكري الحادي عشر الي الحسين بن علي عليهم السلام، فاتبعوه تهتدوا، و لا تخالفوا أمره فتضلوا، فأول من يلبي نداءه [58] الملائكة، ثم الجن، ثم النقباء، و يقولون: سمعنا و أطعنا، و لم يبق ذو أذن من الخلائق الا سمع ذلك النداء، و تقبل الخلائق من البدو و الحضر و البر و البحر، يحدث بعضهم بعضا، و يستفهم بعضهم بعضا ما سمعوه بآذانهم.

فاذا دنت الشمس الي الغروب، صرخ صارغ من مغربها: يا معشر الخلائق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من أرض فلسطين، و هو عثمان بن عنبسة الأموي، من ولد يزيد بن معاوية، فاتبعوه [59] تهتدوا، و لا تخالفوا عليه فتضلوا، فيرد عليه الملائكة و الجن و النقباء قوله، و يكذبونه، و يقولون: سمعنا و عصينا، و لا يبقي ذو شك و لا مرتاب و لا منافق و لا كافر الا ضل بالنداء الأخير.

و سيدنا القائم عليه السلام مسند ظهره بالكعبة، و يقول: يا معشر الخلائق ألا و من أراد أن ينظر الي آدم و شيث، فها أنا آدم و شيث، ألا و من أراد أن ينظر الي نوح و ولده سام، فها أنا نوح و سام، ألا و من أراد أن ينظر الي ابراهيم و اسماعيل، فها أناذا ابراهيم و اسماعيل، ألا و من أراد أن ينظر الي موسي و يوشع، فها أناذا موسي و يوشع، ألا و من أراد أن ينظر الي عيسي و شمعون، فها أناذا عيسي و شمعون.

ألا و من أراد أن ينظر الي محمد و أميرالمؤمنين، فها أناذا محمد و أميرالمؤمنين، ألا و من أراد أن ينظر الي الحسن و الحسين، فها أناذا الحسن و الحسين،


ألا و من أراد أن ينظر الي الأئمة من ولد الحسين، فها أناذا الأئمة، أجيبوا الي مسألتي، فاني انبئكم بما نبؤكم [60] به و ما له تنبؤا به.

ألا و من كان يقرأ الكتب و الصحف، فليسمع مني، ثم يبدأ بالصحف التي أنزلها الله علي آدم و شيث عليهماالسلام فيقرؤها، فيقول امة آدم و شيث هبة الله: هذه والله هي الصحف حقا، و لقد قرأ لنا ما لم نكن نعلمه منها، و ما كان خفي علينا، و ما كان أسقط منها و بدل و حرف، ثم يقرأ صحف نوح و صحف ابراهيم و التوراة، و الانجيل و الزبور، فيقول أهل التوراة و الانجيل و الزبور: هذه والله صحف نوح و ابراهيم حقا، و ما أسقط و بدل و حرف منها، هذا التوراة الجامعة، و الزبور التام، و الانجيل الكامل، و انها أضعاف ما قرأنا منها.

ثم يتلو القرآن، فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقا الذي أنزله الله علي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و ما اسقط منه و حرف و بدل.

ثم تظهر الدابة بين الركن و المقام، فتكتب في وجه المؤمن «مؤمن» و في وجه الكافر «كافر»، ثم يقبل علي القائم عليه السلام رجل وجهه الي قفاه، و قفاه الي صدره، و يقف بين يديه، فيقول: يا سيدي أنا بشير، أمرني ملك من الملائكة أن ألحق بك، و أبشرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء، فيقول له القائم عليه السلام: بين قصتك و قصة أخيك.

فيقول الرجل: كنت و أخي في جيش السفياني، و خربنا الدنيا من دمشق الي الزوراء، و تركناها جماء، و خربنا الكوفة، و خربنا المدينة، و كسرنا المنبر، وراثت بغالنا في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و خرجنا منها و عددنا ثلاثمائة ألف رجل، نريد خراب البيت و قتل أهله.

فلما صرنا في البيداء عرسنا [61] فيها، فصاح بنا صائح: يا بيداء أبيدي القوم الظالمين، فانفجرت الأرض، و ابتلعت كل الجيش، فوالله ما بقي علي وجه الأرض عقال ناقة فما سواه غيري و غير أخي.


فاذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا، فصارت الي ورائنا كما تري، فقال لأخي: ويلك يا نذير امض الي الملعون السفياني بدمشق، فأنذره بظهور المهدي من آل محمد، و عرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء، و قال لي: يا بشير ألحق بالمهدي بمكة، و بشره بهلاك الظالمين، و تب علي يده، فانه يقبل توبتك، فيمر القائم يده علي وجهه، فبرده سويا كما كان، و يبايعه و يكون معه.

قال المفضل: يا سيدي و تظهر الملائكة و الجن للناس؟ قال: اي والله يا مفضل، و يخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته و أهله.

قلت: يا سيدي و يسيرون معه؟ قال: اي والله يا مفضل و لينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة و النجف، و عدد أصحابه حينئذ ستة و أربعون ألفا من الملائكة، و ستة آلاف من الجن. و في رواية أخري: و مثلها من الجن، بهم ينصره الله و يفتح علي يديه.

قال المفضل: فما يصنع بأهل مكة؟ قال عليه السلام: يدعوهم بالحكمة و الموعظة الحسنة، فيطيعونه، و يستخلف فيهم رجلا من أهل بيته، و يخرج يريد المدينة.

قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت؟ قال عليه السلام: ينقضه فلا يدع منه الا القواعد التي هي أول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم عليه السلام، والذي رفعه ابراهيم و اسماعيل منها، و ان الذي بني بعدهما لم يبنه نبي و لا وصي، ثم يبنيه كما شاء الله، و ليعفين آثار الظالمين بمكة و المدينة و العراق و سائر الأقاليم، و ليهدمن مسجد الكوفة، و ليبنينه علي بنيانه الأول، و ليهدمن قصر العتيق، ملعون ملعون من بناه.

قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة؟ قال: لا يا مفضل، بل يستخلف فيها رجلا من أهله، فاذا سار منها و ثبوا عليه فيقتلونه، فيرجع اليهم، فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم، يبكون و يتضرعون، و يقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة، فيعظهم و ينذرهم و يحذرهم، و يستخلف عليهم منهم خليفة و يسير، فيثبون عليه فيقتلونه، فيرد اليهم أنصاره من الجن و النقباء، يقول لهم: ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا الا من آمن، فلولا أن رحمة ربكم وسعت كل شي ء و أنا تلك الرحمة لرجعت اليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار بينهم و بين الله و بيني و بينهم، فيرجعون اليهم، فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد، لا والله و لا من الألف واحد.


قال المفضل: قلت: يا سيدي فأين تكون دار المهدي و مجتمع المؤمنين؟ قال عليه السلام: دار ملكه الكوفة، و مجلس حكمه جامعها، و بيت ماله و مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، و موضع خلواته الذكوات البيض من الغريين.

قال المفضل: يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال: اي والله لا يبقي مؤمن الا كان بها أو حواليها، و ليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم [62] ، اي والله و ليودن أكثر الناس أنه اشتري شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب، و السبع خطة من خطط همدان.

و لتصيرن الكوفة أربعة و خمسين ميلا، و ليجاورن قصورها كربلا، و ليصيرن الله معقلا و مقاما يختلف فيه الملائكة و المؤمنون، و ليكونن لها شأن عظيم [63] ، و ليكونن فيها من البركات ما لو وقف فيه مؤمن و دعا ربه بدعوة الا أعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة.

ثم تنفس أبوعبدالله عليه السلام و قال: يا مفضل ان البقاع تفاخرت، ففخرت كعبة البيت الحرام علي بقعة كربلا، فأوحي الله اليها، أن اسكتي كعبة البيت الحرام، و لا تفتخري علي كربلا، فانها البقعة المباركة التي نودي موسي منها من الشجرة، و انها الربوة التي آوت اليها مريم، و المسيح، و انها الدالية [64] التي غسل فيها رأس الحسين عليه السلام، و فيها غسلت مريم عيسي عليه السلام، و اغتسلت من ولادتها، و انها خير بقعة، و عرج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم منها وقت غيبته، و ليكونن لشيعته فيها حياة الي ظهور قائمنا عليه السلام.

قال المفضل: يا سيدي ثم يسير المهدي الي أين؟ قال عليه السلام: الي مدينة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فاذا وردها كان له فيها مقام عجيب، يظهر فيها سرور المؤمن، و خزي الكافرين.

قال المفضل: يا سيدي ما هو ذاك؟ قال: يرد الي قبر جده صلي الله عليه و آله و سلم، فيقول: يا معشر الخلائق، هذا قبر جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد،


فيقول: و من معه في القبر؟ فيقولون: صاحباه و ضجيعاه أبوبكر و عمر.

فيقول و هو أعلم بهما و الخلائق كلهم جميعا يسمعون: من أبوبكر و عمر؟ و كيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ و عسي المدفون غيرهما.

فيقول الناس: يا مهدي آل محمد ما هاهنا غيرهما، و انهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبوا زوجتيه، فيقول للخلق بعد ثلاثة أيام: أخرجوهما من قبريهما، فيخرجان غضين طريين، لم يتغير خلقهما، و لم يشحب [65] لونهما، فيقول: هل فيكم من يعرفهما؟ فيقولون: نعرفهما بالصفة و ليس ضجيعا جدك غيرهما.

فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما؟ فيقولون: لا، فيؤخر اخراجهما ثلاثة أيام، ثم ينتشر الخبر في الناس، و يحضر المهدي، و يكشف الجدران عن القبرين، و يقول للنقباء: ابحثوا عنهما و انبشوهما.

فيبحثون بأيديهم حتي يصلون اليهما، فيخرجان غضين طريين كصورتهما في الدنيا، فيكشف عنهما أكفانهما، و يأمر برفعهما علي دوحة يابسة نخرة، فيصلبهما عليها، فتحيي الشجرة و تورق و يطول فرعها، فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا والله الشرف حقا، و لقد فزنا بمحبتهما و ولايتهما، و يخبر من أخفي نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما و ولايتهما، فيحضرونهما و يرونهما و يفتنون بهما.

و ينادي منادي المهدي عليه السلام: كل من أحب صاحبي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ضجيعيه، فلينفرد جانبا، فيتجزأ الخلق جزأين، موال لهما، و متبري ء منهما.

فيعرض المهدي عليه السلام علي أوليائهما البراءة منهما، فيقولون: يا مهدي آل رسول الله نحن ما نتبرأ منهما، و ما كنا نعلم أن لهما عند الله هذه المنزلة، و هذا الذي بدا لنا من فضلهما، أنتبرأ الساعة منهما؟ و قد رأينا منهما ما رأيناه في هذا الوقت، من نضارتهما و غضاضتهما، و حياة هذه الشجرة بهما، بلي والله نتبرأ منك و ممن آمن بك و ممن لا يؤمن بهما، و ممن صلبهما و أخرجهما و فعل بهما ما فعل، فيأمر المهدي عليه السلام ريحا سوداء، فتهب عليهم، فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية.


ثم يأمر بانزالهما، فينزلان اليه، فيحييهما باذن الله تعالي، و يأمر الخلائق بالاجتماع ثم يقص عليهم قصص أفعالهما في كل كور و دور، حتي يقص عليهم قتل قابيل لأخيه هابيل ابني آدم عليه السلام، و جمع النار لأبراهيم عليه السلام، و طرح يوسف عليه السلام في الجب، و حبس يونس عليه السلام في بطن الحوت، و قتل يحيي عليه السلام، و صلب عيسي عليه السلام، و عذاب جرجيس و دانيال، و ضرب سلمان الفارسي.

و اشعال النار علي باب أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام لاحراقهم بها، و ضرب يد الصديقة الكبري فاطمة عليهاالسلام بسوط، و رفس بطنها، و اسقاطها محسنا، و سم الحسن عليه السلام، و قتل الحسين عليه السلام، و ذبح أطفاله و بني عمه و أنصاره، و سبي ذراري رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و اراقة دماء آل محمد عليهم السلام، و كل دم سفك، و كل فرج نكح حراما، و كل رباء و سحت [66] و فاحشة و اثم و ظلم و جور و غشم، مذ عهد آدم عليه السلام الي قيام قائمنا عليه السلام.

كل ذلك يعدده عليه السلام عليهما، و يلزمهما اياه، فيعترفان به، ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر، ثم يصلبهما علي الشجرة، و يأمر نارا تخرج من الأرض، فتحرقهما، و الشجرة، ثم يأمر ريحا فتنسفهما في اليم نسفا.

قال المفضل: يا سيدي ذلك آخر عذابهما؟ قال: هيهات يا مفضل، والله ليردن و ليحضرن السيد الأكبر محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الصديق الأكبر أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السلام أجمعين، و كل من محض الايمان محضا، أو محض الكفر محضا، و ليقتصن منهما بجميع المظالم، و ليقتلان في كل يوم و ليلة ألف قتلة، و يردان الي ما شاء الله ربهما.

ثم يسير المهدي عليه السلام الي الكوفة، و ينزل ما بين الكوفة و النجف، و عدد أصحابه في ذلك اليوم ستة و أربعون ألفا من الملائكة، و مثلها من الجن، و النقباء ثلاثمائة و ثلاثة عشر نفسا.

قال المفضل: قلت: يا سيدي كيف يكون دار الفاسقين الزوراء في ذلك


الوقت؟ قال: في لعنة الله و سخطه و بطشه، تخربها الفتن، و تتركها حمما [67] ، فالويل لها و لمن بها كل الويل من الرايات الصفر، و من الرايات المغرب، و من كلب [68] الجزيرة، و من الرايات التي تسير اليها من كل قريب أو بعيد.

والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الامم المتمردة من أول الدهر الي آخره، و لينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت و لا اذن سمعت بمثله، و لا يكون طوفان أهلها الا بالسيف، فالويل عند ذلك لمن اتخذها مسكنا، فان المقيم بها يبقي بشقائه، و الخارج منها برحمة الله.

والله ليبقي من أمر أهلها في الدنيا حتي يقال: انها هي الدنيا، و ان دورها و قصورها هي الجنة، و ان بناتها هي الحور العين، و ان ولدانها هم الولدان، و ليظنن أن الله لم يقسم رزق العباد الا بها، و ليظهرن فيها من الافتراء علي الله و علي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و الحكم بغير كتاب الله، و من شهادات الزور، و شرب الخمور و الفجور، و ركوب الفسق، و أكل السحت، و سفك الدماء ما لا يكون في الدنيا الا دونها، ثم ليخربها الله بتلك الفتن و تلك الرايات، حتي لو مر عليها مار يقول: هاهنا كانت الزوراء؟

قال المفضل: قلت: ثم يكون ماذا يا سيدي؟

قال: يخرج الحسني الفتي الصبيح الذي من نحو الديلم، فيصيح بصوت له فصيح: يا آل أحمد أجيبوا الملهوف، و المنادي من حول الضريح، فتجيبه كنوز الله بالطالقان كنوز، و أي كنوز، لا من ذهب و لا من فضة، بل هي رجال كزبر الحديد، لكأني أنظر اليهم علي البرازين الشهب، بأيديهم الحراب يتعاوون شوقا الي الحرب، كما يتعاوين الذئاب، أميرهم رجل من تميم، يقال له: شعيب بن صالح، فيقبل الحسني فيهم وجهه كدائرة القمر، أروع الناس جمالا، فينفي أثر الظلم فيأخذ سيفه الصغير و الكبير و الوضيع و العظيم.

ثم يسير بتلك الرايات كلها حتي يرد الكوفة، و قد جمع بها أكثر أهل


الأرض، و يجعلها له معقلا، ثم يتصل به و بأصحابه خبر المهدي عليه السلام فيقولون له: يابن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول الحسني: اخرجوا بنا اليه حتي ننظر من هو؟ و ما يريد؟ و هو يعلم والله أنه المهدي عليه السلام، و أنه ليعرفه، و أنه لم يرد بذلك الأمر الا ليعرف أصحابه من هو.

فيخرج الحسني في أمر عظيم، و بين يديه أربعون ألف رجل في أعناقهم المصاحف، و عليهم المسوح، مقلدين بسيوفهم، فيقبل الحسني حتي ينزل بقرب المهدي عليه السلام، فيقول: سائلوا عن هذا الرجل من هو؟ و ماذا يريد؟ فيخرج بعض أصحاب الحسني الي عسكر المهدي عليه السلام فيقول: أيها العسكر الجائل من أنتم؟ حياكم الله و من صاحبكم هذا؟ و ماذا يريد؟ فيقول أصحاب المهدي: هذا مهدي آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و نحن من أنصاره من الجن و الانس و الملائكة.

ثم يقول الحسني: خلوا بيني و بين هذا، فيخرج اليه المهدي عليه السلام، فيقفان بين العسكرين، فيقول الحسني: ان كنت مهدي آل محمد، فأين هراوة [69] جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و خاتمه، و بردته، و درعه الفاضل، و عمامته السحاب، و فرسه اليربوع، و ناقته العضباء، و بغلته الدلدل، و حماره اليعفور، و نجيبه البراق، و رحله، و المصحف الذي جمعه جدك أميرالمؤمنين عليه السلام بغير تغيير و لا تبديل؟ فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه - و قال أبوعبدالله عليه السلام: انه كان كله في السفط - و تركات جميع النبيين، حتي عصا آدم و نوح، و تركة هود و صالح، و مجموع ابراهيم، و صاع يوسف، و مكيل شعيب، و عصا موسي، و تابوته الذي فيه بقية ما ترك آل موسي و آل هارون تحمله الملائكة، و درع داود، و خاتم سليمان و عصاه، و رحل عيسي، و ميراث النبيين و المرسلين في ذلك السفط.

فعند ذلك يقول الحسني: يابن رسول الله و عليك أقص ما قدر الله، والذي أسألك أن تغرز هراوة رسول الله في هذا الحجر الصلد، و تسأل الله أن ينبتها فيه، و لا يريد بذلك الا أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السلام، حتي يطيعوه و يبايعوه، فيأخذ المهدي عليه السلام الهراوة فيغرزها، فتنبت فتعلو و تفرع و تورق حتي تظل عسكر


الحسني و عسكر المهدي عليه السلام.

فيقول الحسني: الله أكبر يابن رسول الله، مد يدك حتي ابايعك، فيبايعه الحسني و سائر عسكره الا أربعة آلاف من أصحاب المصاحف و المسوح الشعر المعروفين بالزيدية، فانهم يقولون: ما هذا الا سحر عظيم.

فيختلط العسكران، و يقبل المهدي عليه السلام علي الطائفة المنحرفة، فيعظهم و يدعوهم الي ثلاثه الي ثلاثه أيام، فلا يزدادون الا طغيانا و كفرا، فيأمر المهدي عليه السلام بقتلهم، فيقتلون جميعا، فكأني أنظر اليهم قد ذبحوا علي مصاحفهم، كلهم يتمرغون في دمائهم، و تتمرغ المصاحف، فيقبل بعض أصحاب المهدي عليه السلام ليأخذوا تلك المصاحف، فيقول المهدي: دعوها تكون عليهم حسرة، كما بدلوها و غيروها و حرفوها و لم يعملوا بما حكم فيها.

قال المفضل: قلت: ثم ماذا يعمل المهدي عليه السلام يا سيدي؟ قال عليه السلام: يثور سرايا علي السفياني الي دمشق، فيأخذونه و يذبحونه علي الصخرة، ثم يظهر الحسين بن علي عليهماالسلام في اثني عشر ألف صديق، و اثنين و سبعين رجلا أصحابه الذين قتلوا معه يوم عاشورا، فيالك عندها من كرة زهراء و رجعة بيضاء.

ثم يخرج الصديق الأكبر أميرالمؤمنين عليه السلام، و تنصب له القبة البيضاء علي النجف، و تقام أركانها ركن بالنجف، و ركن بهجر، و ركن بصنعاء اليمن، و ركن بأرض طيبة، لكأني أنظر الي مصابيحها تشرق في السماء و الأرض، كأضوء من الشمس و القمر، فعندها تبلي السرائر (و تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و تري الناس سكاري و ما هم بسكاري) [70] الآية.

ثم يظهر السيد الأجل محمد صلي الله عليه و آله و سلم في أنصاره و المهاجرين اليه، و من آمن به و صدقه و استشهد معه، و يحضر مكذبوه و الشاكون فيه و المكفرون و الرادون عليه، و القائلون فيه انه ساحر و كاهن و مجنون و معلم و شاعر، و ناطق عن الهوي، و من حاربه و قاتله حتي يقتص منهم بالحق، و يجازون بأفعالهم منذ وقت ظهر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي وقت ظهور المهدي عليه السلام، اماما اماما، و وقتا وقتا، و يحق تأويل هذه


الآية: (و نريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين - و نمكن لهم في الأرض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ما كانوا يحذرون) [71] .

قال المفضل: قلت: يا سيدي و من فرعون و هامان؟ قال: أبوبكر و عمر.

قال المفضل: قلت: يا سيدي و رسول الله و أميرالمؤمنين عليهماالسلام يكونان معه؟ فقال عليه السلام: لابد أن يطأ الأرض، اي والله حتي ما وراء القاف، اي والله و ما في الظلمات و ما في قعر البحار حتي لا يبقي موضع قدم الا وطئاه و أقاما فيه الدين الواجب لله تعالي.

كأني أنظر الينا معاشر الأئمه و نحن بين يدي جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نشكوا اليه ما نزل بنا من الامة بعده، و ما نالنا من التكذيب و الرد علينا، و سبنا و لعننا و تخويفنا بالقتل، و قصد طواغيتهم الولاة لامورهم من دون الامة بترحيلنا من حرمه الي دار ملكهم، و قتلهم ايانا بالسم و الحبس، فيبكي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و يقول: يا بني ما نزل بكم الا ما نزل بجدكم قبلكم.

ثم تبدأ فاطمة عليهاالسلام، فتشكو من عمر، و ما نالها منه و من أبي بكر، و أخذ فدك منها، و مشيها اليه في مجمع من المهاجرين و الأنصار، و خطابها له في أمر فدك، و ما رد عليها من قوله «ان الأنبياء لا تورث» و احتجاجها بقول زكريا و يحيي عليهماالسلام، و قصة داود و سليمان.

و قول صاحبه: هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك، و اخراجها الصحيفة و أخذها منها، و نشرها علي رؤوس الاشهاد من قريش و ساير المهاجرين و الأنصار و سائر العرب، و تفله فيها، و عزله [72] لها، و تمزيقه اياها، و بكائها و رجوعها الي قبر أبيها باكية حزينة، تمشي علي الرمضاء قد أقلقتها، و استغاثتها بالله عزوجل و بأبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و تمثلها بقول رقية بنت صفية [73] :




قد كان بعدك أنباء و هنبثة [74] .

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب



انا فقدناك فقد الأرض و ابلها

و اختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا



أبدت رجال لنا فحوي صدورهم

لما نأيت و حالت دونك الحجب



لكل قوم لهم قرب و منزلة

عند الاله علي الأدنين يقترب



يا ليت قبلك كان الموت يأخذنا

أملوا اناس ففازوا بالذي طلبوا



و تقص عليه قصة أبي بكر، و انفاذه خالدا و قنفذا و عمر، و جمعه الناس لاخراج أميرالمؤمنين عليه السلام من بيته الي البيعة في سقيفة بني ساعدة، و اشتغال أميرالمؤمنين عليه السلام بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بضم أزواجه و تعزيتهم، و جمع القرآن و تأليفه، و قضاء ديونه، و انجاز عداته، و هي ثمانون ألف درهم، باع فيها تالده [75] و طارفه [76] ، و قضاها عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و قول عمر: اخرج يا علي الي ما أجمع عليه المسلمون من البيعة، فمالك أن تخرج عما أجمع عليه المسلمون، و الا قتلناك، و قول فضة جارية فاطمة عليهاالسلام: ان أميرالمؤمنين مشغول، و الحق له لو أنصفتم من أنفسكم و أنصفتموه، و جمعهم الجزل [77] و الحطب علي الباب لاحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و زينب و ام كلثوم و فضة، و اضرامهم النار علي الباب.

و خروج فاطمة عليهاالسلام اليهم، و خطابها لهم من وراء الباب، و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة علي الله و علي رسوله، تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه؟ و تطفي ء نور الله؟ والله متم نوره.

و انتهاره لها، و قوله: كفي يا فاطمة فليس محمد حاضرا، و لا الملائكة آتية بالأمر و النهي و الزجر من عند الله و ما علي الا كأحد المسلمين فاختاري ان شئت خروجه لبيعة أبي بكر، أو احراقكم جميعا.

فقالت و هي باكية: اللهم اليك نشكو فقد نبيك و رسولك و صفيك، و ارتداد


امته علينا، و منعهم ايانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل علي نبيك المرسل.

فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة و الخلافة، و أخذت النار في خشب الباب.

و ادخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب، فضرب عمر لها بالسوط علي عضدها حتي صار كالدملج [78] الأسود، و ركل [79] الباب برجله حتي أصاب بطنها، و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر، و اسقاطها اياه.

و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفقه خدها حتي بدا ظافرها [80] تحت خمارها، فهي تجهر بالبكاء، و تقول: واأبتاه، وا رسول الله، ابنتك فاطمة تكذب و تضرب، و يقتل جنين في بطنها.

و خروج أميرالمؤمنين عليه السلام من داخل الدار محمر العين حاسرا حتي ألقي ملاءته عليها، و ضمها الي صدره، و قوله لها: يا بنت رسول الله قد علمتي أن أباك قد بعثه الله رحمة للعالمين، فالله الله أن تكشفي خمارك، و ترفعي ناصيتك، فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقي الله علي الأرض من يشهد أن محمدا رسول الله، و لا موسي و لا عيسي و لا ابراهيم و لا نوح و لا آدم، و لا دابة تمشي علي الأرض، و لا طائر في السماء الا أهلكه الله.

ثم قال: يابن الخطاب لك الويل من يومك هذا و ما بعده و ما يليه اخرج قبل أن أشهر سيفي، فافني غابر الامة.

فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبدالرحمن بن أبي بكر، فصاروا من خارج الدار، و صاح أميرالمؤمنين عليه السلام بفضة: يا فضة مولاتك، فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة ورد الباب، فأسقطت محسنا، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: فانه لا حق بجده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيشكو اليه.


و حمل أميرالمؤمنين عليه السلام لها في سواد الليل و الحسن و الحسين و زينب و ام كلثوم الي دور المهاجرين و الأنصار، يذكرهم بالله و رسوله، و عهده الذي بايعوا الله و رسوله، و بايعوه عليه في أربع مواطن في حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و تسليمهم عليه بامرة المؤمنين في جميعها، فكل يعده بالنصر في يومه المقبل، فاذا أصبح قعد جميعهم عنه.

ثم يشكو اليه أميرالمؤمنين عليه السلام المحن العظيمة التي امتحن بها بعده، و قوله: لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني اسرائيل، و قولي كقوله لموسي (يابن ام ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء و لا تجعلني مع القوم الظالمين) [81] فصبرت محتسبا، و سلمت راضيا، و كانت الحجة عليهم في خلافي، و نقضهم عهدي الذي عاهدتم عليه يا رسول الله، و احتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصي نبي من سائر الامم حتي قتلوني بضربة عبدالرحمن بن ملجم، و كان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي.

و خروج طلحة و الزبير بعائشة الي مكة، يظهران الحج و العمرة، و سيرهم بها الي البصرة، و خروجي اليهم و تذكيري لهم الله و اياك، و ما جئت به يا رسول الله، فلم يرجعا حتي نصرني الله عليهما، حتي أهرقت دماء عشرين ألفا من المسلمين، و قطعت سبعين كفا علي زمان الجمل، فما لقيت في غزواتك يا رسول الله و بعدك أصعب منه يوما أبدا، لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها، و أهولها و أعظمها.

فصبرت كما أدبني الله بما أدبك به يا رسول الله في قوله عزوجل (فأصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل) [82] و قوله (و اصبر و ما صبرك الا بالله) [83] و حق والله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في الامة من بعدك في قوله (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله


الشاكرين) [84] .

يا مفضل و يقوم الحسن عليه السلام الي جده صلي الله عليه و آله و سلم فيقول: يا جداه كنت مع أميرالمؤمنين عليه السلام في دار هجرته بالكوفة، حتي استشهد بضربة عبدالرحمن بن ملجم، فوصاني بما وصيته يا جداه، و بلغ معاوية قتل أبي، فأنفذ الدعي اللعين زيادا الي الكوفة في مائة و خمسين ألف مقاتل، فأمر بالقبض علي و علي أخي الحسين عليه السلام، و سائر اخواني و أهل بيتي، و شيعتنا و موالينا، و أن يأخذ علينا البيعة لمعاوية، فمن يأبي منا ضرب عنقه و سير الي معاوية رأسه.

فلما علمت ذلك من فعل معاوية، خرجت من داري، فدخلت جامع الكوفة للصلاة، و رقأت المنبر، و اجتمع الناس، فحمدت الله و أثنيت عليه، و قلت: معشر الناس عفت الدار، و محيت الآثار، و قل الاصطبار، فلا قرار علي همزات الشياطين، و حكم الخائنين، الساعة والله صحت البراهين، و فصلت الآيات، و بانت المشكلات، و لقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله عزوجل: (و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزي الله الشاكرين).

و لقد مات والله جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قتل أبي عليه السلام، و صاح الوسواس الخناس في قلوب الناس، و نعق ناعق الفتنة، و خالفتم السنة، فيالها من فتنة صماء عمياء، لا تسمع لداعيها، و لا يجاب مناديها و لا يخالف واليها، ظهرت كلمة النفاق، و سيرت رايات أهل الشقاق، و تكالبت جيوش أهل المراق، من الشام و العراق، هلموا رحمكم الله الي الافتتاح، و النور الوضاح، و العم الجحجاح، و النور الذي لا يطفي، و الحق الذي لا يخفي.

أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة، و من تكانيف [85] الظلمة، فو الذي فلق الحبة، و برأ النسمة، و تردي بالعظمة، لئن قام الي منكم عصبة بقلوب صافية، و نيات مخلصة، لا يكون فيها شوب نفاق، و لا نية افتراق، لاجاهدن بالسيف قدما


قدما، و لأضيقن من السيوف جوانبها، و من الرماح أطرافها، و من الخيل سنابكها، فتكلموا رحمكم الله.

فكأنما الجموا بلجام الصمت عن اجابة الدعوة، الا عشرون رجلا، فانهم قاموا الي، فقالوا: يابن رسول الله ما نملك الا أنفسنا و سيوفنا، فها نحن بين يديك، لأمرك تابعون، و عن رأيك صادرون، فمرنا بما شئت، فنظرت يمنة و يسرة فلم أر أحدا غيرهم.

فقلت: لي اسوة بجدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حين عبدالله سرا،و هو يومئذ في تسعة و ثلاثين رجلا، فلما أكمل الله له أربعين صار في عدة، و أظهر أمر الله، فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده.

ثم رفعت رأسي نحو السماء، فقلت: اللهم اني قد دعوت و أنذرت و أمرت و نهيت، فكانوا عن اجابة الداعي غافلين، و عن نصرته قاعدين، و عن طاعته مقصرين، و لأعدائه ناصرين، اللهم فأنزل عليهم رجزك، و بأسك و عذابك الذي لا يرد عن القوم الظالمين، و نزلت.

ثم خرجت من الكوفة راحلا الي المدينة، فجاؤوني يقولون:ان معاوية أسري سراياه الي الأنبار و الكوفة، و شره [86] غاراته علي المسلمين، و قتل من لم يقاتله، و قتل النساء و الأطفال، فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم، فأنفدت معهم رجالا و جيوشا، و عرفتهم أنهم ليستجيبون لمعاوية، و ينقضون عهدي و بيعتي، فلم يكن الا ما قلت و أخبرتهم.

ثم يقوم الحسين عليه السلام مخضبا بدمه، هو و جميع من قتل معه، فاذا رآه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بكي، و بكي أهل السماوات و الأرض لبكائه، و تصرخ فاطمة عليهاالسلام، فتزلزل الأرض و من عليها، و يقف أميرالمؤمنين و الحسن عن يمينه، و فاطمة عن شماله، و يقبل الحسين، فيضمه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي صدره، و يقول: يا حسين فديتك، قرت عيناك و عيناي فيك، و عن يمين الحسين حمزة أسد الله في أرضه، و عن شماله جعفر بن أبي طالب الطيار.


و يأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت أسد ام أميرالمؤمنين عليه السلام، و هن صارخات، و امه فاطمة تقول: هذا يومكم الذي كنتم توعدون، اليوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا.

قال: فبكي الصادق عليه السلام حتي اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: لا أقر الله عينا لا تبكي عند ذكر هذه القصة، قال: و بكي المفضل بكاء طويلا، ثم قال: يا مولاي ما في الدموع؟ فقال: ما لا يحصي اذا كان من محق.

ثم قال المفضل: يا مولاي ما تقول في قوله تعالي: (و اذا الموؤدة سئلت - بأي ذنب قتلت) [87] ؟ قال: يا مفضل و الموؤدة والله محسن؛ لأنه منا لا غير، فمن قال غير هذا فكذبوه.

قال المفضل: يا مولاي و ماذا يكون بعد هذا يا سيدي؟ قال الصادق عليه السلام: تقوم فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فتقول: اللهم انجز وعدك و موعدك لي فيمن ظلمني و غصبني و ضربني و جرعني ثكل [88] أولادي.

فتبكيها ملائكة السماوات السبع، و حملة العرش، و سكان السماء، و من في الدنيا، و من تحت أطباق الثري، صائحين صارخين الي الله تعالي، فلا يبقي أحد ممن قاتلنا و ظلمنا و رضي بما جري علينا الا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة، دون من قتل [89] في سبيل الله، فانه لا يذوق الموت، و هو كما قال عزوجل: (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون - فرحين بما آتيهم الله من فضله و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم و لا هم يحزنون) [90] .

قال المفضل: يا مولاي فان من شيعتكم من لا يقول برجعتكم، فقال عليه السلام:


أما سمعوا قول جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و نحن سائر الأئمة نقول: (و لنذيقنهم من العذاب الأدني دون العذاب الأكبر) [91] قال الصادق عليه السلام: العذاب الأدني عذاب الرجعة، و العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة، الذي تبدل الأرض غير الأرض و السماوات و برزوا لله الواحد القهار.

فسأل المفضل أسألة عديدة، و اجيب بأجوبة شافية، الي أن قال عليه السلام: ثم يقوم جدي علي بن الحسين و أبي الباقر عليهماالسلام، فيشكوان جدهما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما فعل بهما، ثم أقوم انا فأشكو الي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما فعل المنصور بي، ثم يقوم ابني موسي فيشكو الي جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما فعل به الرشيد، ثم يقوم علي بن موسي عليهماالسلام فيشكو الي جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما فعل المأمون به، ثم يقوم محمد بن علي عليهماالسلام فيشكو الي جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما فعل به المأمون، ثم يقوم علي بن محمد، فيشكو الي جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما فعل به المتوكل، ثم يقوم الحسن بن علي فيشكو الي جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما فعل به المعتز.

ثم يقوم المهدي عليه السلام سمي جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و عليه قميص رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، مضرجا بدم رسول الله يوم شج جبينه، و كسرت رباعيته، و الملائكة تحفه حتي يقف بين يدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فيقول: يا جداه و صفتني و دللت علي، و نسبتني و سميتني، فجحدتني الامة و تمردت و قالت: ما ولد و لا كان، و أين هو؟ و متي كان؟ و أين يكون؟ و قد مات و لم يعقب، و لو كان صحيحا ما أخره الله تعالي الي هذا الوقت المعلوم، فصبرت محتسبا، و قد أذن الله لي فيها باذنه يا جداه.

فيقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: الحمدلله الذي صدقنا وعده، و أورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء، فنعم أجر العاملين، و يقول: جاء نصر الله و الفتح، و حق قول الله سبحانه و تعالي: (هو الذي أرسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون) [92] و يقرأ: (انا فتحنا لك فتحا مبينا - ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و يتم نعمته عليك و يهديك صراطا


مستقيما - و ينصرك الله نصرا عزيزا) [93] .

فقال المفضل: أي ذنب كان لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال الصادق عليه السلام: يا مفضل ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: اللهم حملني ذنوب شيعة أخي و أولاد الأوصياء ما تقدم منها و ما تأخر الي يوم القيامة، و لا تفضحني بين النبيين و المرسلين من شيعتنا، فحمله الله اياها و غفر جميعها.

قال المفضل: فبكيت بكاء طويلا، و قلت: يا سيدي هذا بفضل الله علينا فيكم. قال الصادق عليه السلام: يا مفضل ما هو الا أنت و أمثالك، بلي يا مفضل لا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا، فيتكلمون علي هذا الفضل، و يتركون العمل، فلا يغني عنهم من الله شيئا؛ لأنا كما قال الله تبارك و تعالي فينا: (لا يشفعون الا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون) [94] .

قال المفضل: يا مولاي فقوله: (ليظهره علي الدين كله) ما كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ظهر علي الدين كله؟ قال: يا مفضل لو كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ظهر علي الدين كله، ما كانت مجوسية، و لا يهودية، و لا صابئية، و لا نصرانية، و لا فرقة، و لا خلاف، و لا شك، و لا شرك، و لا عبدة أصنام، و لا أوثان، و لا اللات و العزي، و لا عبدة الشمس و القمر و لا النجوم و لا النار و لا الحجارة، و انما قوله (ليظهره علي الدين كله) في هذا اليوم و هذا المهدي و هذه الرجعة، و هو قوله تعالي: (و قاتلوهم حتي لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله) [95] .

فقال المفضل: أشهد أنكم من علم الله علمتم، و بسلطانه و بقدرته قدرتم، و بحكمه نطقتم، و بأمره تعملون.

ثم قال الصادق عليه السلام: ثم يعود المهدي الي الكوفة، و تمطر السماء بها جرادا من ذهب، كما أمطره الله في بني اسرائيل علي أيوب، و يقسم علي أصحابه كنوز الأرض، من تبرها و لجينها و جوهرها.

قال المفضل: يا مولاي من مات من شيعتكم و عليه دين لاخوانه و لأضداده


كيف يكون؟ قال الصادق عليه السلام: أول ما يبتدي ء المهدي عليه السلام أن ينادي في جميع العالم: ألا من له عند أحد من شيعتنا دين، فليذكره حتي يرد الثومة و الخردلة، فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الأملاك، فيوفيه اياه.

قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا يكون؟ قال: يأتي القائم عليه السلام بعد أن يطأ شرق الأرض و غربها الكوفة و مسجدها، و يهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لما قتل الحسين بن علي عليه السلام، و مسجدا ليس لله ملعون ملعون من بناه.

قال المفضل: يا مولاي فكم تكون مدة ملكه عليه السلام؟ فقال: قال الله عزوجل: (فمنهم شقي و سعيد - فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق - خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد - و أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) [96] و المجذوذ المقطوع، أي: عطاء غير مقطوع عنهم، بل هو دائم أبدا، و ملك لا ينفد، و حكم لا ينقطع، و أمر لا يبطل الا باختيار الله و مشيته و ارادته التي لا يعلمها الا هو، ثم القيامة و ما وصفه الله عزوجل في كتابه.

والحمد لله رب العالمين، و صلي الله علي خير خلقه محمد النبي و آله الطيبين الطاهرين، و سلم تسليما كثيرا.

ثم قال الفاضل: روي الشيخ حسن بن سليمان في كتاب منتخب البصائر هذا الخبر هكذا: حدثني الأخ الصالح الرشيد محمد بن ابراهيم بن محسن الطار آبادي، أنه وجد من خط أبيه الرجل الصالح ابراهيم بن محسن هذا الحديث الآتي ذكره، و أراني خطه و كتبته منه، و صورته: الحسين بن حمدان.

و ساق الحديث كما مر الي قوله «لكأني أنظر اليهم علي البرازين الشهب، بأيديهم الحراب، يتعاوون شوقا الي الحرب، كما تتعاووي الذئاب، أميرهم رجل من تميم، يقال له: شعيب بن صالح، فيقبل الحسين عليه السلام فيهم، وجهه كدائرة القمر، يروع الناس جمالا، فيبقي علي أثر الظلمة، فيأخذ سيفه الصغير و الكبير، و الوضيع


و العظيم.

ثم يسير بتلك الرايات كلها حتي يرد الكوفة، و قد جمع بها أكثر أهل الأرض، يجعلها له معقلا، ثم يتصل به و بأصحابه خبر المهدي، فيقولون له: يابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا؟ فيقول الحسين عليه السلام: اخرجوا بنا اليه حتي تنظروا من هو؟ و ما يريد؟ و هو يعلم والله أنه المهدي عليه السلام، و أنه ليعرفه، و أنه لم يرد بذلك الأمر الا الله.

فيخرج الحسين عليه السلام و بين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف، و عليهم المسوح، مقلدين بسيوفهم، و يقبل الحسين عليه السلام حتي ينزل بقرب المهدي عليه السلام فيقول: سائلوا عن هذا الرجل من هو؟ و ماذا يريد؟ فيخرج بعض أصحاب الحسين عليه السلام الي عسكر المهدي عليه السلام فيقول: أيها العسكر الجائل من أنتم حياكم الله؟ و من صاحبكم هذا؟ و ماذا يريد؟ فيقول أصحاب المهدي: هذا مهدي آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و نحن أنصاره من الجن و الانس و الملائكة.

ثم يقول الحسين عليه السلام: خلوا بيني و بين هذا، فيخرج اليه المهدي عليه السلام، فيقفان بين العسكرين، فيقول الحسين عليه السلام: ان كنت مهدي آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم فأين هراوة جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و خاتمه، و بردته، و درعه الفاضل، و عمامته السحاب، و فرسه، و ناقته العضباء، و بغلته دلدل، و حماره يعفور، و نجيبه البراق، و تاجه، و المصحف الذي جمعه أميرالمؤمنين عليه السلام بغير تغيير و لا تبديل؟ فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه.

و قال أبوعبدالله عليه السلام: انه كان كله في السفط، و تركات جميع النبيين، حتي عصا آدم و نوح عليهماالسلام، و تركة هود و صالح عليهماالسلام، و مجموع ابراهيم عليه السلام، و صاع يوسف، و مكيل شعيب و ميزانه، و عصا موسي عليه السلام، و تابوته الذي فيه بقية ما ترك آل موسي و آل هارون تحمله الملائكة، و درع داود، و خاتم سليمان و تاجه، و رحل عيسي، و ميراث النبيين و المرسلين في ذلك السفط.

و عند ذلك يقول الحسين عليه السلام: يابن رسول الله، أسألك أن تغرز هراوة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في هذا الحجر الصلد، و تسأل الله أن ينبتها فيه، و لا يريد بذلك الا أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السلام، حتي يطيعوه و يبايعوه، و يأخذ المهدي الهراوة


فيغرزها، فتنبت فتعلو و تفرع و تورق، حتي تظل عسكر الحسين عليه السلام، فيقول الحسين عليه السلام: الله أكبر يابن رسول الله مد يدك حتي ابايعك، فيبايعه الحسين عليه السلام و سائر عسكره، الا أربعة آلاف من أصحاب المصاحف، و المسوح الشعر المعروفون بالزيدية، فانهم يقولون: ما هذا الا ساحر عظيم.

أقول: ثم ساق الحديث الي قوله: ان أنصفتم من أنفسكم و أنصفتموه علي نحو مما مر، و لم يذكر بعده شيئا [97] .

أقول: الروايات علي أن الرجعة حق متواترة، و سيما رجوع الأئمة و فراعنتهم، بل هي من ضروريات المذهب الاثني عشرية، و ان كان بعض خصوصياتها مختلفا فيها، و مرادنا ايراد نبذ مما يتعلق برجعة الحسين عليه السلام، تسلية للخواطر، و تزيينا للدفاتر، اقتصرنا علي ما ذكرنا، خوفا للاطالة، و كراهة عن السآمة و الملالة.


پاورقي

[1] بحارالأنوار 44 - 43: 53 ح 14.

[2] بحارالأنوار 46: 53 ح 19.

[3] بحارالأنوار 39: 53 ح 1.

[4] لا يقال: هذا مناف لظاهر آية سورة الغاشية (ان الينا ايابهم - ثم ان علينا حسابهم) فان باب الخلط واسع نظر قوله تعالي «فلما آسفونا انتقمنا منهم» اي: آسفوا أولياءنا، و يؤيده ما روي في روضة الکافي عن سماعة، قال: کنت قاعدا مع أبي‏الحسن الأول عليه‏السلام و الناس في الطواف في جوف الليل، فقال لي: يا سماعة الينا اياب هذا الخلق و علينا حسابهم، فما کان لهم من ذنب بينهم و بين الله عزوجل حتمنا علي الله في ترکه لنا، فأجابنا الي ذلک، و ما کان بينهم و بين الناس استوهبناه منهم، فأجابونا الي ذلک و عوضهم الله عزوجل «منه».

[5] بحارالأنوار 43:53 ح 13.

[6] بحارالأنوار 44: 53 ح 16.

[7] بحارالأنوار 75 - 74: 53 ح 57. و الآية في سورة التوبة: 34.

[8] الأنبياء ص 69.

[9] الأعراف: 96.

[10] بحارالأنوار 63 -61: 53 ح 52.

[11] بحارالأنوار 100: 53 ح 121 و 122.

[12] الاحقاف: 15.

[13] القصص: 5.

[14] الأنبياء 105.

[15] تفسير القمي 297: 2، و البحار 247-246: 43.

[16] تفسير القمي 297: 2.

[17] الاسراء: 4.

[18] قوله: «فاذا جاء نصر دم الحسين عليه‏السلام» تطبيقه علي الآية، بأن يکون المراد بوعد أولاهما أولي النصرتين، و ان کانت لاخر المفاسد و هي العلو الکبير، و أشير بقوم يبعثهم الله قبل خروج القائم: اما الي خروج المختار و من معه، أو الي خروج الحسني، کما سيجي‏ء في خبر المفضل، أو الي سلاطين الجور علي بعد، کخروج هلاکوخان في سنة ستمائة و ست و خمسين من الهجرة، والله يعلم.

و المخاطب في قوله تعالي: «ثم رددنا لکم الکرة» أهل المفسدة و الاعتلاء، و الضمير في «عليهم» راجع الي الحسين و الأئمة عليهم‏السلام. و البيض بيض الدروع. و المذهبة بضم الميم اسم مفعول من باب الافعال و التفعيل. و قال في القاموس: المذهب بضم الميم الکعبة، ثم قال: اذهبه طلاه به، أي: بالذهب کذهبه فهو مذهب و ذهيب و مذهب انتهي.

فعلي الأول البيض المعمولة في مکة، و لا يخفي بعده. و علي الثاني المطلي بالذهب، و لعل المراد بالوجه الأذن علي ما قيل، و أداءها الي الناس بخرق العادة، أي: ثيابهم و دروعهم يشهدون بکون من خرج هو الحسين عليه‏السلام.

و للفاضل شارح الکافي مولانا خليل الله القزويني رحمه‏الله في حل الخبر في روضة الکافي حل غريب، من أراده فليرجع الي شرحه. و روي في القمي للآية و تفسيرها رواية هي ألصق بالآية،من أرادها فليرجع اليه، أو الي تفسير الصافي للفاضل الکاشي رحمه‏الله «منه».

[19] روضة الکافي 206: 8 ص 250، و البحار 94 - 93: 53 ح 103.

[20] بحارالأنوار 103: 53.

[21] مريم: 54.

[22] بحارالأنوار 105: 53 ح 132 عن کامل الزيارات.

[23] بحارالأنوار 106: 53 ح 133 عنه، و 225: 45 ح 18 عنه.

[24] کامل الزيارات ص 136 -135.

[25] في البحار: الحسين.

[26] الأعراف: 186.

[27] النازعات: 43.

[28] لقمان: 34.

[29] محمد صلي الله عليه و آله و سلم: 18.

[30] القمر: 1.

[31] الأحزاب: 63.

[32] الشوري: 18.

[33] التوبة: 34.

[34] الأنفال: 39.

[35] آل عمران: 19.

[36] آل عمران: 85.

[37] الحج: 78.

[38] البقرة: 128.

[39] يونس: 90.

[40] النمل: 31.

[41] النمل: 44.

[42] آل عمران: 52.

[43] آل عمران: 83.

[44] الذاريات: 36.

[45] البقرة: 136.

[46] البقرة: 133.

[47] الأعراف: 155.

[48] آل عمران: 52.

[49] ولادة المهدي روحي فداه لثمان خلون من شعبان، رواها ابن‏بابويه في اکمال الدين، و کذا روي في مسند البتول الزهراء صلوات الله عليها، الا أن المشهور کونها في منتصف شعبان، و ابن‏الفارسي في روضة الواعظين روي کلتا الروايتين «منه».

[50] في البحار: في القصر بجانب المدينة.

[51] في البحار: نصير.

[52] في البحار: عنازا.

[53] أنق الشي‏ء أحبه و به أعجب.

[54] الزمر: 74.

[55] الفتح: 10.

[56] و هم الثلاثمائة و الثلاثة عشر رجلا علي ما مضي «منه».

[57] في البحار: العنيزات.

[58] فأول من يقبل يده - خ ل و البحار.

[59] في البحار: فبايعوه.

[60] في البحار: نبئتم.

[61] أعرس القوم: نزلوا آخر الليل للاستراحة کعرسوا، و الموضع معرس و معرس. القاموس.

[62] أقول: و في رواية: مربض غنم ألفي درهم «منه».

[63] في البحار: شأن من الشأن.

[64] الدالية في القاموس: المنجنون و الناعورة، و المراد بها موضعها التي يستقي منها أو عليها «منه».

[65] أي: لم يتغير، و هو بالحاء المهملة «منه».

[66] في البحار: و کل رين و خبث.

[67] في البحار: جماء.

[68] في البحار: يجلب.

[69] الهراوة بالکسر: العصي.

[70] الحج: 2.

[71] القصص: 6 - 5.

[72] أي: عزل عمر لفاطمة عليهاالسلام و تبعيده اياها عن المحاجة، أو عن صحيفتها. أو المراد انتهاره و أخذه الصحيفة عنها و هذا ألصق لفظا و معني. «منه».

[73] في البحار: صيفي: و لعله الصحيح.

[74] الهنبثة: الأمر الشديد و الاختلاط في القول. القاموس.

[75] التالد کصاحب: ما ولد عندک من مالک أو نتج. القاموس.

[76] المستطرف: الحديث من المال و يضم کالطارف. القاموس.

[77] جزل الحطب جزالة، أي: عظم و غلظ فهو جزل.

[78] الدملج بضم الدال کقنفذ: شي‏ء يشبه السوار تلبسه المرأة في عضدها.

[79] الرکل: الضرب برجل، واحده رکله: رفسه.

[80] في البحار: قرطاها. و في هامش النسخة: ظاهرها، قال المؤلف: هو الموافق لما يجي‏ء في الفائدة العاشرة في وصايا عمر لمعاوية، و فيها: فصفقت صفقة علي خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها «منه».

[81] الاعراف: 149.

[82] الأحقاف: 35.

[83] النحل: 127.

[84] آل عمران: 144.

[85] في البحار: تکاثف.

[86] شره کفرح: غلب حرصه فهو شره. و في البحار: شن.

[87] التکوير: 9 - 8.

[88] في البحار: جزعني بکل.

[89] قوله «دون من قتل» اما بمعني عند، و لا يخفي بعده، و اما أن يکون استثناء منقطعا، و اشارة الي أن قتل الظالمين بمنزلة استئصالهم و افنائهم بالمرة، بخلاف قتل المظلومين، فانهم مع القتل احياء يرزقون فرحين «منه».

[90] آل عمران: 170 -169.

[91] السجدة: 21.

[92] التوبة: 34، الصف: 9.

[93] الفتح: 3 -1.

[94] الأنبياء: 28.

[95] الانفال: 38.

[96] هود: 108 -105.

[97] بحارالأنوار 36 -1: 53.