بازگشت

رسالة الامام الصادق الي عبدالله بن الحسن المثني


و لنذكر هنا تعزية لمولانا جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام، كتبها الي بني عمه رضوان الله عليهم لما حبسوا، ليكون مضمونها تعزية عن الحسين عليه السلام و عترته و أصحابه رضوان الله عليهم.

ذكرها السيد في كتاب الاقبال، باسناده عن عطيه بن نجيح بن المطهر الرازي، و اسحاق بن عمار الصيرفي، قالا معا: ان أباعبدالله جعفر بن محمد عليهماالسلام كتب الي عبدالله بن الحسن رضي الله عنه، حين حمل هو و أهل بيته يعزيه عما صار اليه:

بسم الله الرحمن الرحيم، الي الخلف الصالح و الذرية الطيبة من ولد أخيه و ابن عمه، أما بعد: فلئن كنت تفردت أنت و أهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم، ما انفردت بالحزن و الغبطة و الكآبة، و أليم و جمع القلب دوني، فلقد نالني من ذلك من الجزع و القلق و حر المصيبة مثل ما نالك، و لكن رجعت الي ما أمر الله جل جلاله به المتقين من الصبر و حسن العزاء، حين يقول لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: (فاصبر لحكم ربك فانك بأعيننا) [1] .

و حين يقول: (فاصبر لحكم ربك و لا تكن كصاحب الحوت) [2] و هو يقول لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم حين مثل بحمزة: (و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم له خير للصابرين) [3] و صبر صلي الله عليه و آله و سلم و لم يعاقب.

و حين يقول: (و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك و العاقبة للتقوي) [4] و حين يقول: (الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون - اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المهتدون) [5] .


و حين يقول: (انما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب) [6] و حين يقول لقمان لابنه: (و اصبر علي ما أصابك ان ذلك من عزم الامور) [7] و حين يقول عن موسي عليه السلام: (و قال لقومه استعينوا بالله و اصبروا ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين) [8] .

و حين يقول: (الا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر) [9] و حين يقول: (ثم كان من الذين آمنوا و تواصوا بالصبر و تواصوا بالمرحمة) [10] و حين يقول: (لنبلونكم بشي ء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين) [11] .

و حين يقول: (و كأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله و ما ضعفوا و ما استكانوا والله يحب الصابرين) [12] و حين يقول: (و الصابرين و الصابرات) [13] و حين يقول: (و اصبر حتي يحكم الله و هو خير الحاكمين) [14] و أمثال ذلك من القرآن كثير.

و اعلم أي عم و ابن عم ان الله جل جلاله لم يبال بضر الدنيا لوليه ساعة قط، و لا شي ء أحب اليه من الضر و الجهد و الأواء [15] مع الصبر، و أنه تبارك و تعالي لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط، و لولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه، و يخوفونهم و يمنعونهم، و أعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون.

و لولا ذلك ما قتل زكريا و يحيي بن زكريا ظلما و عدوانا في بغي من البغايا، و لولا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب عليه السلام لما قام بأمر الله جل و عز ظلما،


و عمك الحسين بن فاطمة صلوات الله عليهما اضطهادا و عدوانا.

و لولا ذلك ما قال الله عزوجل في كتابه: (و لولا أن يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة و معارج عليها يظهرون) [16] و لولا ذلك لما قال في كتابه (أيحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) [17] .

و لولا ذلك لما جاء في الحديث: لولا أن يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من حديد لا يصدع رأسه أبدا، و لولا ذلك لما جاء في الحديث: ان الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، و لولا ذلك ما سقي كافرا منها شربة من دماء، و لولا ذلك لما جاء في الحديث: لو أن مومنا علي قلة جبل لأبتعث الله له كافرا أو منافقا يؤذيه، و لولا ذلك لما جاء في الحديث: انه اذا أحب الله قوما أو أحب عبدا صب عليه البلاء، فلا يخرج من غم الا و وقع في غم.

و لولا ذلك لما جاء في الحديث: ما من جرعتين أحب الي الله عزوجل أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا، من جرعة غيظ كظم عليها، و جرعة حزن عند مصيبة صبر عليها، بحسن عزاء و احتساب، و لولا ذلك لما كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يدعون علي من ظلمهم بطول العمر، و صحة البدن، و كثرة المال و الولد، و لولا ذلك ما بلغنا أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان اذا خص رجلا بالترحم عليه و الاستغفار استشهد.

فعليكم يا عم و ابن عم و بني عمومتي و اخوتي بالصبر و الرضاء و التسليم، و التفويض الي الله جل و عز، و الرضا و الصبر علي قضائه، و التمسك بطاعته، و النزول عند أمره، أفرغ الله علينا و عليكم الصبر، و ختم لنا و لكم بالأجر و السعادة، و أنقذنا و اياكم من كل هلكة، بحوله و قوته، انه سميع قريب، و صلي الله علي صفوته من خلقه محمد النبي و أهل بيته [18] .

يقول المؤلف: اعلم أن دأب الله في الصالحين و أوليائه المقربين، أنه تعالي يزودهم عن لذات الدنيا، كما يزود الراعي الشفيق أبلغ عن مراتع الهلكة، و كما


يحمي الحاذق مريضه عن لذيذ الأطعمة.

و يؤكد ذلك ما روي أن موسي عليه السلام لما توجه الي مناجاة ربه، اعترضه رجل من عباد الله الصالحين، فقال له: يا موسي أبلغ ربك أني أحبه و أنا مطيع له، فلما فرغ موسي من المناجاة، نودي: يا موسي ألا تبلغني رسالة عبدي؟ فقال: يا الهي أنت العالم بما قال عبدك، فقال ذو الجلال، يا موسي و أنا أيضا احبه، فازداد ذلك الرجل في يقين موسي أنه عبد صالح.

فلما رجع موسي من مناجاة ربه، جعل يتفقد ذلك الرجل في مكانه، فاذا بالأسد قد افترسه، فتعجب موسي و حزن عليه، و قال: يا الهي رجل صالح تحبه و يحبك تسلط عليه كلبا من كلابك يفترسه، فأتاه النداء: نعم يا موسي هكذا أفعل بأحبائي و أوليائي، ابتليتهم في دار الهوان، و أسكنهم عندي غرفات الجنان.

و روي أيضا أن رجلا جاء الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فوقف بين يديه، فقال: يا رسول الله اني احب الله عزوجل، فقال له: استعد للبلاء، فقال: يا رسول الله و اني احبك، استعد للفقر، فقال: و اني احب علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: استعد للأعداء.

تنبيه: يناسب ما مضي و ما بقي، في الكافي، في كتاب الحجة، علي بن محمد، و محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، و محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: يا ثابت ان الله تبارك و تعالي قد كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين عليه السلام اشتد غضب الله علي أهل الأرض، فأخره الي أربعين و مائة، فحدثناكم فأذعتم الحديث، فكشفتم قناع السر، و لم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا و (يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب) قال أبوحمزه: فحدثت بذلك أباعبدالله عليه السلام، فقال: قد كان ذلك [19] .

أقول: من شرح الجليلية، هذا الحديث من الاستعارة التمثيلية الشائعة، و المقصود أنه لولا علم الله أزلا بقتل الحسين عليه السلام وقت كذا لجعل ظهور دولة الحق في السبعين من الهجرة، و كذا لولا علمه الأزلي باذاعة الشيعة الأسرار لجعل هذا


الأمر في ضعف السبعين، و هو المائة و الأربعون من الهجرة.

وفي الفقه و غيره من الصادق عليه السلام: أنه لما ضرب الحسين بن علي صلوات الله عليهما بالسيف، ثم ابتدر ليقطع رأسه، نادي مناد من قبل رب العزة تبارك و تعالي من بطنان العرش: ألا أيتها الامة المتحيرة الظالمة بعد نبيها، لا وفقكم الله لأضحي و لا فطر، ثم قال عليه السلام: لا جرم والله ما وفقوا و لا يوفقون أبدا حتي يثور ثائر الحسين عليه السلام [20] .

و في رواية اخري، عن محمد بن اسماعيل الرازي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت جعلت فداك: ما تقول في العامة [21] ، فانه قد روي أنهم لا يوفقون لصوم؟ فقال لي: أما انه قد اجيبت دعوة الملك فيهم، قال: قلت: و كيف ذلك جعلت فداك؟ قال: ان الناس لما قتلوا الحسين بن علي عليهماالسلام أمر الله عزوجل ملكا ينادي أيتها الامة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله لصوم و لا فطر [22] .

وفي رواية اخري: لفطر لا أضحي [23] .

أقول: قيل: عدم التوفيق لاشتباه الهلال في كثير من الأزمان، و هو غير بعيد، و الأقرب أن عدم التوفيق للصوم أنهم يفطرون قبل الغروب و ذهاب الحمرة عن قمة الرأس، علي ما شاهدنا أنهم قائلون باستحباب تقديم الافطار علي الصلاة، و الشائع بينهم تعجيل الصلاة قبل الغروب، فكيف بالافطار، و هذا هو عين عدم التوفيق لفطر علي ما في بعض الروايات، و عدم التوفيق للأضحي عدم توفيقهم للحج، لتركهم حج التمتع و طواف النساء، و ذلك واضح.

و هذا حسب ما وعدناه ينبغي أن يكون منتهي ما نورده و آخر ما نقصده؛ لأن وضع هذه الرسالة مبني علي كونها كالشرح لرسالة اللهوف علي قتلي الطفوف، لكن لا بأس بايراد بعض ما يناسب المقام و يلائم المرام، مما يتشوق الي دركه الطباع، و يلقي الي فهمه القلوب الأسماع، بل يتشفي بذكره العليل، و يتروي بقطره الغليل، و لذا أوردنا:



پاورقي

[1] الطور: 48.

[2] القلم: 48.

[3] النحل: 126.

[4] طه: 132.

[5] البقرة: 157 -156.

[6] الزمر: 10.

[7] لقمان: 17.

[8] الاعراف: 128.

[9] العصر: 3.

[10] البلد: 17.

[11] المائدة: 155.

[12] آل عمران: 146.

[13] الأحزاب: 35.

[14] يونس: 109.

[15] في البحار: و البلاء.

[16] الزخرف: 33.

[17] المؤمنون: 56.

[18] بحارالأنوار 301 - 298: 47 عن الاقبال.

[19] اصول الکافي 368: 1 ح 1.

[20] من لا يحضره الفقيه 175: 2 برقم: 2059.

[21] في الکافي: الصوم.

[22] فروع الکافي 169: 4 ح 1، و علل الشرائع ص 389 ح 1.

[23] علل الشرايع ص 389 ذيل ح 1.