بازگشت

في مدفن رأسه الشريف


قال السيد: قال يزيد لعلي بن الحسين عليه السلام: اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن، فقال له: الاولي: أن تريني وجه سيدي و مولاي و أبي الحسين عليه السلام، فأتزود منه و أنظر اليه و اودعه. و الثانية: أن ترد علينا ما اخذ منا. والثالثة: ان كنت عزمت علي قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة من يردهن الي حرم جدهن صلي الله عليه و آله و سلم.

فقال: أما وجه أبيك، فلن تراه أبدا، و أما قتلك، فقد عفوت عنك. و أما


النساء، فما يردهن الي المدينة غيرك. و أما ما اخذ منكم فأنا اعوضكم عنه أضعاف قيمته.

فقال عليه السلام: أما مالك، فلا نريده، و هو موفر عليك، و انما طلبت ما اخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و مقنعتها، و قلادتها، و قميصها، فأمر برد ذلك، و زاد عليه مائتي دينار، فأخذها زين العابدين عليه السلام، و فرقها في الفقراء و المساكين، ثم أمر برد الاساري و سبايا البتول الي أوطانهم بمدينة الرسول.

فأما رأس الحسين عليه السلام، فروي أنه اعيد، فدفن بكربلا مع جسده الشريف، و كان عمل الطائفة علي هذا المعني المشار اليه [1] .

قال الفاضل المتبحر: و أما الرأس الشريف اختلف الناس فيه، فقال قوم: ان عمرو بن سعيد دفنه بالمدينة، و عن منصور بن جمهور أنه دخل خزانة يزيد بن معاوية لما فتحت وجد به جؤنة حمراء، فقال لغلامه سليم: احتفظ بهذه الجؤنة، فانها كنز من كنوز بني امية، فلما فتحها اذا فيها رأس الحسين عليه السلام و هو مخضوب بالسواد، فقال لغلامه: ايتني بثوب، فأتاه به فلفه، ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس عند البرج الثالث مما يلي الشرق.

و حدثني جماعة من أهل مصر أن مشهد الرأس عندهم يسمونه مشهد الكريم، عليه من الذهب شي ء كثير، يقصدونه في المواسم و يزورونه، و يزعمون أنه مدفون هناك، والذي عليه المعول من الأقوال أنه اعيد الي الجسد بعد أن طيف به في البلاد و دفن معه [2] .

و قال صاحب المناقب: و ذكر أبوالعلاء الحافظ باسناده، عن مشايخه: ان يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين عليه السلام بعث الي المدينة، فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم، و ضم اليهم عدة من موالي أبي سفيان، ثم بعث بثقل الحسين و من بقي من أهله معهم، و جهزهم بكل شي ء، و لم يدع لهم حاجة بالمدينة الا أمر لهم بها، و بعث برأس الحسين عليه السلام الي عمرو بن سعيد بن العاص، و هو اذ


ذاك عامله علي المدينة، فقال عمرو: وددت أنه لم يبعث به الي، ثم أمر عمرو به، فدفن بالبقيع عند قبر امه فاطمة عليهاالسلام.

و ذكر غيره أن سليمان بن عبدالملك بن مروان رأي النبي صلي الله عليه و آله و سلم في المنام، كأنه يبره و يلطفه، فدعا الحسن البصري، فسأله عن ذلك، فقال: لعلك اصطنعت الي أهله معروفا، فقال سليمان: اني وجدت رأس الحسين عليه السلام في خزانة يزيد بن معاوية، فكسوته خمسة من الديباج، و صليت عليه في جماعة من أصحابي و قبرته، فقال الحسن: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم رضي منك بسبب ذلك، و أحسن الي الحسن، و أمر له بالجوائز.

و ذكر غيرهما: أن رأسه عليه السلام صلب بدمشق ثلاثة أيام، و مكث في خزائن بني امية حتي ولي سليمان بن عبدالملك، فطلب فجي ء به و هو عظيم أبيض، فجعله في سفط و طيبه، و جعل عليه ثوبا، و دفنه في مقابر المسلمين بعد ما صلي عليه، فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث الي المكان يطلب منه الرأس، فاخبر بخبره، فسأل عن الموضع الذي دفن فيه، فنبشه و أخذه، والله أعلم ما صنع به، فالظاهر أنه بعث به الي كربلاء، فدفن مع جسده عليه السلام.

ثم قال الفاضل: هذه أقوال المخالفين في ذلك، و المشهور بين علمائنا الامامية أنه دفن رأسه مع جسده، رده علي بن الحسين عليه السلام، و قد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفون عند قبر أميرالمؤمنين عليه السلام [3] .

أقول: منها ما روي في فرحة الغري مسندا، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن يحيي بن زكريا، عن يزيد بن طلحة، قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام و هو بالحيرة: أما تريد ما وعدتك؟ قال: قلت، بلي، يعني الذهاب الي قبر أميرالمؤمنين عليه السلام، قال: فركب و ركب اسماعيل معه، و ركبت معهم، حتي اذا جاز الثوية، و كان بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض، نزل و نزل اسماعيل و نزلت معهم، فصلي و صلي اسماعيل و صليت معهم، فقال لاسماعيل: قم فسلم علي جدك الحسين عليه السلام فقلت: جعلت فداك أليس الحسين بكربلا؟ فقال: نعم،


و لكن لما حمل رأسه الي الشام سرقه مولي لنا، و دفنه بجنب أميرالمؤمنين عليه السلام [4] .

قال السيد المرتضي: هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصنفين في يوم الطف فان تعجب متعجب من تمكين الله تعالي من ذلك من فحشه و عظم قبحه، فليس حمل الرأس الي الشام بأفحش و لا أقبح من القتل نفسه، و قد تمكن الله تعالي منه و من قتل أميرالمؤمنين عليه السلام من قتله، و من شرط التكليف التمكين من القبيح في دار التكليف، و لا يحول الله تعالي بين المكلف و بينه، و انما تمكن من ذلك كما تمكن في دار التكليف من كل قبيح مما يكثر تعداده انتهي.

و رأيت في مسند الزهراء لبعض علمائنا خبرا غريبا، روي عن فرات بن الأحنف، قال: كنت مع أبي عبدالله عليه السلام، فلما صرنا الي الثوية نزل فصلي ركعتين، فقلت: يا سيدي ما هذه الصلاة؟ قال: هذا موضع منبر القائم، أحببت أن أشكر الله في هذا الموضع.

ثم مضي و مضيت معه حتي انتهي الي القائم الذي علي الطريق، فنزل فصلي ركعتين، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هاهنا نزل القوم الذين كان معهم رأس الحسين عليه السلام في صندوق، فبعث الله عزوجل طيرا فاحتمل الصندوق بما فيه، فمر بهم جمال فأخذوا رأسه و جعلوه في الصندوق، فنزلت و صليت هاهنا شكرا لله.

ثم مضي و مضيت معه حتي انتهي الي موضع، فنزل و صلي ركعتين، و قال: هاهنا قبر أميرالمؤمنين عليه السلام الحديث [5] .

في الكامل، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: اذا أتيت الغري، رأيت قبرين: قبرا كبيرا، و قبرا صغيرا. فأما الكبير، فقبر أميرالمؤمنين صلوات الله عليه. و أما الصغير، فرأس الحسين عليه السلام [6] .

و فيه و في غيره في حديث طويل، عن يونس بن ظبيان، قل: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام، فلما خرجنا من الحيرة، قال: تقدم يا يونس، قال: فأقبل يقول: تيامن تياسر، فلما انتهينا الي الذكوات الحمر، قال: هو المكان؟ قلت: نعم فتيامن،


ثم قصد الي موضع فيه عين ماء فتوضأ، ثم دنا من أكمة [7] فصلي عندها، ثم مال اليها و بكي، ثم مال الي أكمة دونها ففعل مثل ذلك، ثم قال: يا يونس افعل مثل ما فعلت.

فلما فرغت، قال لي: يا يونس تعرف هذا المكان؟ فقلت: لا، فقال: الموضع الذي صليت عنده أولا قبر أميرالمؤمنين عليه السلام، و الأكمة الاخري رأس الحسين بن علي عليهماالسلام، فان الملعون ابن زياد لما بعث برأس الحسين عليه السلام الي الشام رد الي الكوفة، فقال: أخرجوه عنها لا يفتتن به أهلها، فصيره الله عند أميرالمؤمنين عليه السلام، فالرأس مع الجسد، و الجسد مع الرأس [8] .

أقول: لا بأس بايراد ما خيل بالبال في حل ما لعله يكون لأحد فيه سؤال و اشكال، فنقول: الثوية كغنية اسم موضع، و المراد بها التل القريب من المقابر من يسار من يسير من الكوفة الي الغري، و فيها دفن كثير من خيار أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام، و هي موضع منبر القائم عليه السلام، فالصلاة فيها شكرا لله لما يظهر من دولته.

و الذكوات جمع ذكوة كجمرات جمع جمرة وزنا و معني.

و في مجمع البحرين: الذكوات جمع ذكوة، الجمرة الملتهبة من الحصي، و منه الحديث قبر علي بين ذكوات بيض، و أحب التختم بما يظهره الله بالذكوات البيض [9] .

و المراد بالقائم الذي في الطريق ما هو الآن أكمة من رمل من يمين من يتوجه من الكوفة الي الغري، و هي كانت قصرا عاليا، فلما مر عليها جنازة مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام مال اليها و انحني تواضعا، و لذا تسمي حنانة. و الظاهر من بعض تلك الروايات أن الرأس مدفون فيها.

و يؤيده ما رواه محمد بن المشهدي في مزاره: أن الصادق صلي فيها أربع ركعات، و زاره بزيارة مأثورة و ذكر الزيارة.


و لا ينافي بعدها من المشهد الشريف كونه مدفونا بجنبه لصدقها عرفا، كما يقال: ظهر الكوفة، و يراد به المشهد، و يقال: كربلا بجنب الكوفة، و هذا واضح.

و في كتاب عتيق تصنيف بعض علمائنا الامامية ما صورته: ذكر عبدالله بن عمر الوراق في كتابه أنه لما حضر الرأس بين يدي ابن زياد أمر حجاما، فقال له: قوره فقوره، و أخرج لغاديده و نخاعه و ما حوله من اللحم انتهي.

التقوير: القطع مدورا. و اللغاديد: هي اللحمات بين الحنك و صفحة العنق، فان لم تكن الحنانة مدفنا لرأسه الشريف، فلتكن مدفنا للحوم الرأس. و اختطاف الطير الصندق لا ينافي صيرورته الي مولي من مواليهم عليهم السلام آخرا، بل يحتمل أن يكون الطير هو المولي الذي سرقه و اختطفه كالطير فدفنه. و علي التقديرين انما كان هذا بعد رده من الشام، لمكان المعجزات المشاهدة من رأسه المقدس.

و ظاهر قوله في الخبر الذي في الفرحة «حتي اذا جاز الثوية و كان بين الحيرة و النجف عند ذكوات بيض نزل» مع ما في الرواية التي نقلت من الكامل «فلما انتهينا الي الذكوات الحمر» أن الأحجار البيض التي تلتقط للخواتيم، و فيها روي من تختم بما يظهره الله بالذكوات البيض و نظر اليه، كتب الله له بكل نظره زورة. ينبغي أن يلتقط مما بين الحنانة و مشهد أميرالمؤمنين عليه السلام لا غير أخذا بالمجزوم به و المتيقن.

و قوله «فالرأس مع الجسد و الجسد مع الرأس» أي: عند الله و بعد ما صيره الله عند أبيه؛ لأن الشهيد حتي عند ربه يرزق، فيكون لا محالة منضما بالجسد، و ان كان ظاهرا بعيدا مدفنه من مدفن الجسد.

قال السيد في كتاب الاقبال: اعلم أن اعادة رأس مقدس مولانا الحسين عليه السلام الي جسده الشريف يشهد به لسان القرآن الكريم المنيف، حيث قال: (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) فهل بقي شك حيث أخبر الله أنه من حيث استشهد حي عند ربه مرزوق مصون، فلا ينبغي أن يشك في هذا العارفون.

و أما كيفية احيائه بعد شهادته، و كيفية جمع رأسه الشريف الي جسده بعد مفارقته، فهذا سؤال يكون فيه سوء أدب من العبد، و اقدام مالم يكلف العلم به، و لا


السؤال عن صفاته.

و أما تعيين الاعادة يوم الأربعين من قتله، و الوقت الذي قتل فيه الحسين عليه السلام: و نقله الله جل جلاله الي شرف فضله، و قد كان الاسلام مقلوبا و الحق مغلوبا، و ما تكون الاعادة بامور دنيوية، و الظاهر أنها بقدرة الاله، لكن وجدت نحو عشر روايات مختلفات في حديث الرأس الشريف كلها منقولا، و لم أذكر الي الآن أنني وقفت و لا رويت تسمية أحد ممن كان من الشام حتي أعادوه الي جسده الشريف بالحائر عليه أفضل السلام، و لا كيفية حمله من الشام الي الحائر علي صاحبه أكمل التحية و الاكرام، و لا كيفية لدخول حرمه المعظم، و لا من حفر ضريحه المقدس المكرم حتي عاد اليه، و هل وضعه موضعه من الجسد، أو في الضريح مضموما اليه؟ فليقصر الانسان علي ما يجب عليه من تصديق القرآن، من أن الجسد المقدس تكمل عقيب الشهادة، و أنه حي يرزق في دار السعادة، ففي بيان الكتاب العزيز ما يغني عن زيادة دليل و برهان [10] .


پاورقي

[1] اللهوف ص 86 -85، و البحار 144: 45 عنه.

[2] بحارالأنوار 144: 45 عن ابن‏نما.

[3] بحارالأنوار 145: 45.

[4] فرحة الغري ص 64.

[5] لم أعثر علي کتاب مسند الزهراء عليهاالسلام.

[6] کامل الزيارات ص 34 و البحار 242: 100 ح 22 عنه.

[7] الأکمة محرکة: هي الموضع يکون أشد ارتفاعا مما حوله. القاموس.

[8] کامل الزيارات ص 36، و البحار 244 -243: 100 عنه.

[9] مجمع البحرين 160 -159: 1.

[10] الاقبال ص 589 -588.