بازگشت

في نبذة من المعجزات و الكرامات و الرؤيا العجيبات و الأمور الواقعة


قال السيد: ثم استشار يزيد اهل الشام فيما يصنع بهم، فقالوا لا تتخذ من كلب سوء جروا [1] ، فقال له النعمان بن بشير: انظر ما كان الرسول يصنع بهم فاصنعه بهم.

فنظر رجل من أهل الشام الي فاطمة بنت الحسين عليه السلام - و في المنتخب: سكينة بنته عليهاالسلام [2] - فقال: يا أميرالمؤمنين هب لي هذه الجارية، فقالت فاطمة لعمتها: يا عمتاه اوتمت فاستخدم [3] .


و روي المفيد، فقالت للشامي: كذبت والله و لؤمت، والله ما ذلك لك و لا له، فغضب، فقال: كذبت والله ان ذلك لي و لو شئت أن أفعل لفعلت، قالت: كلا والله ما جعل الله لك ذلك، الا أن تخرج من ملتنا و تدين بغيرها، فاستطار يزيد غضبا، و قال: اياي تستقبلين بهذا؟ انما خرج من الدين أبوك و أخوك.

قالت زينب: بدين الله و بدين أبي و دين أخي اهتديت أنت و أبوك و جدك ان كنت مسلما، قال: كذبت يا عدوة الله، قالت: أنت أمير تشتم ظالما، و تقهر لسلطانك، فكأنه استحيا و سكت.

و عاد الشامي، فقال: هب لي هذه الجارية، فقال له يزيد: اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا [4] .

و في المنتخب: قالت ام كلثوم للشامي: اسكت يا لكع الرجال، قطع الله لسانك، و أعمي عينيك، و أيبس يديك، و جعل النار مثواك، ان أولاد الأنبياء لا يكونون خدمة لأولاد الأدعياء، قال: فوالله ما استتم كلامها حتي أجاب الله دعاءها في ذلك الرجل، فقالت: الحمدلله الذي عجل لك العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، فهذا جزاء من يتعرض لحرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم [5] .

أقول: و في رواية السيد، فقال الشامي: من هذه الجارية؟ فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين، و تلك زينب بنت علي بن أبي طالب، فقال الشامي، الحسين بن فاطمة؟ و علي بن أبي طالب؟ قال: نعم، فقال الشامي لعنك الله يا يزيد تقتل عترة نبيك، و تسبي ذريته، والله ما توهمت الا أنهم سبي الروم، فقال يزيد: والله لألحقنك بهم، ثم أمر به فضرب عنقه [6] .

و في المنتخب: روي في بعض الأخبار عن ثقات الأخيار: أن نصرانيا أتي رسولا من ملك الروم الي يزيد، و قد حضر في مجلسه الذي اتي اليه فيه برأس الحسين عليه السلام، فلما رأي النصراني رأس الحسين عليه السلام، بكي و صاح و ناح حتي ابتلت لحيته بالدموع.


ثم قال: اعلم يا يزيد اني دخلت المدينة تاجرا في أيام حياة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قد أردت أن آتيه بهدية، فسألت رجلا من أصحابه أي شي ء أحب اليه من الهدايا؟ فقال: الطيب أحب اليه من كل شي ء، قال: فحملت من المسك فأرتين، و قدرا من العنبر الأشهب [7] ، و جئت بهما اليه، و هو يومئذ في بيت زوجته ام سلمة.

فلما شاهدت جماله ازداد لعيني من لقائه نورا ساطعا، وزادني منه سرور، و قد تعلق قلبي بمحبته، فسلمت عليه، و وضعت العطر بين يديه، فقال:ما هذا؟ قلت: هدية محقرة أتيت بها الي حضرتك، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: اسمي عبد الشمس، فقال لي: بدل اسمك، فأنا اسميك عبد الوهاب، ان قبلت مني الاسلام قبلت منك الهدية، قال: فنظرته و تأملته، فعلمت أنه نبي أخبرنا عنه عيسي عليه السلام، فاعتقدت ذلك، و أسلمت علي يده في تلك الساعة، و رجعت الي الروم، و أنا أخفي الاسلام، و لي مدة من السنين و أنا مسلم مع خمس من البنين و أربع من البنات، و أنا اليوم وزير ملك الروم، و ليس لأحد من النصاري اطلاع علي حالنا.

و اعلم يا يزيد اني ذات يوم كنت في حضرة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو في بيت ام سلمة، رأيت هذا العزيز الذي رأسه بين يديك مهينا حقيرا، قد دخل علي جده من باب الحجرة، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاتح باعه ليتناوله، و هو يقول: مرحبا بك يا حبيبي حتي أنه تناوله و أجلسه في حجره، و جعل يقبل شفتيه، و يرشف ثناياه، و هو يقول: بعد عن رحمة الله من قتلك، و أعان علي قتلك يا حسين، و النبي صلي الله عليه و آله و سلم مع ذلك يبكي.

فلما كان اليوم الثاني، كنت عند النبي في مسجده اذ أتاه الحسين عليه السلام مع أخيه الحسين عليه السلام، و قال: يا جداه قد تصارعت مع أخي الحسن، و لم يغلب أحدنا الآخر، و انما نريد أن نعلم أينا أشد قوة من الآخر؟ فقال لهما النبي صلي الله عليه و آله و سلم: يا حبيبي يا مهجتي ان التصارع لا يليق لكما، لكن اذهبا فتكاتبا، فمن كان خطه أحسن تكون قوته أكثر.

قال: فمضيا و كتب كل واحد منهما سطرا، و أتيا الي جدهما النبي صلي الله عليه و آله و سلم،


فأعطياه اللوح ليقضي بينهما، فنظر النبي اليهما ساعة، و لم يرد كسر خاطرهما، فقال لهما: يا حبيبي اني نبي امي لا أعرف الخط اذهبا الي أبيكما ليحكم بينكما، و ينظر أيكما أحسن خطا.

قال: فمضيا اليه، و قام النبي صلي الله عليه و آله و سلم أيضا معهما، و دخلوا جميعا الي منزل فاطمة عليهاالسلام، فما كان الا ساعة و اذا النبي صلي الله عليه و آله و سلم مقبل و سلمان الفارسي معه، و كان بيني و بين سلمان صداقة و مودة، فسألته كيف حكم لهما أبوهما و خط أيهما أحسن؟ قال سلمان: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لم يجبهما بشي ء لأنه تأمل أمرهما، و قال: لو قلت خط الحسن أحسن كان يغتم الحسين، و لو قلت خط الحسين أحسن كان يغتم الحسن، فوجههما الي أبيهما.

فقلت: يا سلمان بحق الصداقة التي بيني و بينك و بحق دين الاسلام الا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما؟

فقال: لما أتيا الي أبيهما، و تأمل حالهما، رق لهما، و لم يرد أن يكسر قلب أحدهما، قال لهما: امضيا الي امكما، فهي تحكم بينكما، فأتيا الي امهما و عرضا عليها ما كتبا في اللوح، و قالا: يا اماه ان جدنا أمرنا أن نتكاتب، فكل من كان خطه أحسن تكون قوته أكثر، فتكاتبنا و جئنا اليه، فوجهنا الي أبينا، فلم يحكم بيننا، و وجهنا الي عندك، فتفكرت فاطمة عليهاالسلام بأن جدهما و أباهما ما أرادا كسر خاطرهما، أنا ماذا أصنع؟ و كيف أحكم بينهما؟

فقالت لهما: يا قرتي عيني اني أقطع قلادتي علي رأسيكما، فأيكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطه أحسن، و تكون قوته أكثر، قال: و كان في قلادتها سبع لؤلؤات، ثم انها قامت فقطعت قلادتها علي رأسيهما، فالتقط الحسن عليه السلام ثلاث لؤلؤات، و التقط الحسين عليه السلام ثلاث لؤلؤات، فبقيت الاخري فأراد كل منهما تناولها، فأمر الله تعالي جبرئيل بنزوله الي الأرض، و أن يضرب بجناحه تلك اللؤلؤة و يقدها نصفين بالسوية، ليأخذ كل منهما نصفها، لئلا يغتم قلب أحدهما، فنزل جبرئيل كطرفة عين، و قد اللؤلؤة نصفين، فأخذ كل منهما نصفا.

فانظر يا يزيد كيف أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم يرد أن يدخل علي أحدهما ألم ترجيح الكتابة، و لم يرد كسر قلبهما؟ و كذلك أميرالمؤمنين عليه السلام و فاطمة، و كذلك


رب العزة لم يرد كسر قلب أحدهما، بل أمر من قسم اللؤلؤة بينهما ليجبر قلبهما، و أنت هكذا تفعل بابن بنت رسول الله، اف لك و لدينك يا يزيد.

ثم ان النصراني نهض الي رأس الحسين عليه السلام، و احتضنه و جعل يقبله و هو يبكي، و يقول: يا حسين اشهد لي عند ربك و عند جدك محمد المصطفي، و عند أبيك علي المرتضي، و عند امك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين [8] .

روي السيد عن أبي لهيعة، عن أبي الأسود محمد بن عبدالرحمن، قال: لقيني رأس الجالوت، فقال: والله ان بيني و بين داود لسبعين أبا، و ان اليهود تلقاني فتعظمني، و أنتم ليس بين ابن نبيكم و بينه الا أب واحد قتلتم ولده.

و روي عن زين العابدين عليه السلام أنه قال: لما اتي برأس الحسين عليه السلام الي يزيد، كان يتخذ مجالس الشرب، و يأتي برأس الحسين عليه السلام و يضعه بين يديه و يشرب عليه، فحضر ذات يوم في مجلسه رسول ملك الروم، و كان من أشراف الروم و عظمائهم، فقال: يا ملك العرب هذا رأس من؟ فقال له يزيد: ما لك و لهذا الرأس؟

فقال: اني اذا رجعت الي ملكنا، يسألني عن كل شي ء رأيته، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس و صاحبه، حتي يشاركك في الفرح و السرور، فقال له يزيد: هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب، فقال الرومي، و من امه؟ فقال: فاطمة بنت رسول الله.

فقال النصراني: اف لك و لدينك، لي دين أحسن من دينكم، ان أبي من حوافد داود عليه السلام، فبيني و بينه آباء كثيرة، و النصاري يعظموني و يأخذون من تراب قدمي تبركا بأني من حوافد داود عليه السلام، و أنت تقتلون ابن بنت رسول الله، و ما بينه و بين نبيكم الا ام واحدة، فأي دين دينكم؟

ثم قال يزيد: هل سمعت حديث كنيسة الحافر؟ فقال له: قل حتي أسمع.

فقال: بين عمان و الصين بحر مسيرة سنة، ليس فيه عمران الا بلدة واحدة في وسط الماء، طولها ثمانون فرسخا في ثمانين، ما علي وجه الأرض بلدة أكبر


منها، و منها يحمل الكافور و الياقوت، أشجارها العود و العنبر، و هي في أيدي النصاري، لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم، و في تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر، في محرابها حقة من ذهب معلقة، فيها حافر يقولون: ان هذا حافر حمار كان يركبه عيسي عليه السلام، و قد زينوا حول الحقة بالذهب و الديباج، يقصدها في كل عام عالم من النصاري، و يطوفون حولها، و يقبلونها، و يرفعون حوائجهم الي الله تعالي عندها، هذا شأنهم و دأبهم بحافر حمار يزعمون أنه حافر حمار كان يركبه عيسي نبيهم عليه السلام، و أنتم تقتلون ابن بنت نبيكم، فلا بارك الله فيكم، و لا في دينكم.

فقال يزيد: اقتلوا هذا النصراني، لئلا يفضحني في بلاده، فلما أحس النصراني بذلك، قال له: أتريد أن تقتلني؟ قال: نعم، قال: اعلم اني رأيت البارحة نبيكم في المنام، يقول لي: يا نصراني أنت من أهل الجنة، فتعجبت من كلامه، و أنا أشهد أن لا اله الا الله، و أن محمدا رسول الله، ثم وثب الي رأس الحسين عليه السلام، فضمه الي صدره، و جعل يقبله و يبكي حتي قتل.

قال: و دعا يزيد بالخطيب، و أمره أن يصعد المنبر فيذم الحسين و أباه، فصعد و بالغ في ذم أميرالمؤمنين و الحسين الشهيد عليه السلام، و المدح لمعاوية و ابنه يزيد، فصاح به علي بن الحسين عليهماالسلام: ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق؟ فتبوأ مقعدك من النار، و لقد أحسن ابن سنان الخفاجي في وصف أميرالمؤمنين عليه السلام بقوله:



أعلي المنابر تعلنون بسبه

و بسيفه نصبت لكم أعوادها [9] .



و في المنتخب: فقال زين العابدين عليه السلام ليزيد: سألتك بالله الا ما أذنت لي بالصعود علي المنبر، و أتكلم بكلام لله فيه رضي و للامة فيه صلاح؟ فاستحيا منه، فأذن له، فجعل عليه السلام يتكلم بعذوبة منطقة، و فصاحة لسانه.

ثم قال: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي، أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من حج و لبي، أنا ابن


من طاف و سعي، أنا ابن زمزم و الصفا، أنا ابن مكة و مني، أنا ابن البشير النذير، انا ابن الداعي الي الله باذنه، أنا ابن من دنا فتدلي، أنا ابن محمد المصطفي، أنا ابن علي المرتضي، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبري، انا ابن صريع كربلا، أنا ابن محزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتي قضي، أنا ابن الذي افترض الله ولايته، فقال: (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي و من يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) [10] ألا ان الاقتراف مودتنا أهل البيت.

أيها الناس فضلنا الله بخمس خصال: فينا الشجاعة، و السماحة، و الهدي، و الحكم بين الناس بالحق، و المحبة في قلوب المؤمنين، فقام المؤذن فقطع خطبته، فلما كبر قال عليه السلام: كبرت كبيرا و عظمت عظيما، و قلت حقا جليلا، فقال: أشهد أن لا اله الا الله، فقال عليه السلام: و أنا أشهد أن لا اله الا الله، فقال أشهد أن محمدا رسول الله، فبكي عليه السلام و قال: يا يزيد محمد جدي أم جدك؟ فقال: بل جدك، قال: لم قتلت ولده؟ فخرج عليه السلام و لم يصل، و قال: مالي بهذه الصلاة حاجة [11] .

قا السيد: و وعد يزد لعلي بن الحسين عليه السلام في ذلك اليوم أن يقضي له ثلاث حاجات، ثم أمر بهم الي منزل لا يكنهم من حر و لا برد، فأقاموا فيه حتي تقشرت وجوههم، و كانوا مدة مقامهم في البلد المشار اليه ينوحون علي الحسين عليه السلام [12] .

و روي الفاضل المتبحر، عن صاحب المناقب، عن أبي مخنف و غيره: أن يزيد أمر بأن يصلب الرأس علي باب داره، و أمر بأهل بيت الحسين عليه السلام أن يدخلوا داره، فلما دخلت النسوة دار يزيد، لم يبق من آل معاوية و لا آل أبي سفيان أحد الا استقبلتهن بالبكاء و الصراخ و النياحة علي الحسين عليه السلام، و ألقين ما عليهن من الثياب و الحلي، و أقمن المآتم عليه ثلاثة أيام [13] .

و في المنتخب، ثم اخليت لهن الحجر و البيوت في دمشق و لم تبق هاشمية


و لا قرشية الا و لبست السواد علي الحسين عليه السلام و ندبوه علي ما نقل سبعة أيام [14] .

قال الفاضل: ثم ان يزيد أنزلهم في داره الخاصة، فما كان يتغدي و لا يتعشي حتي يحضر علي بن الحسين عليهماالسلام [15] .

أقول: روي الصدوق في المجالس باسناده عن فاطمة بنت علي عليه السلام قالت: ثم ان يزيد أمر بنساء الحسين عليه السلام فحبس مع علي بن الحسين عليه السلام في مجلس لا يكنهم من حر و لا قر الحديث [16] كما مر من رواية السيد، و دفع المنافاه بين الخبرين بتحقق كلا الأمرين في زمانين مختلفين.

روي الفاضل عن بصائر الدرجات، باسناده عن الحلبي، قل: سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: لما اتي بعلي بن الحسين عليه السلام يزيد بن معاوية و من معه، جعلوه في بيت، فقال بعضهم: انما جعلنا في هذا البيت ليقع علينا، فيقتلنا، فراطن الحرس، فقالوا: انظروا الي هؤلاء يخافون أن يقع عليهم البيت، و انما يخرجون غدا فيقتلون، قال علي بن الحسين عليه السلام: لم يكن فينا أحد يحسن الرطانة غيري، و الرطانة عند أهل المدينة الرومية [17] .

و قال: قال المدائني: لما انتسب السجاد - أي: في خطبته التي قد مضي ذكرها - الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال يزيد لجلوازه: أدخله في هذا البستان و اقتله و ادفنه فيه، فدخل به الي البستان، و جعل يحفر و السجاد يصلي، فلما هم بقتله ضربته يد من الهواء، فخر لوجهه و شهق و دهش، فرآه خالد بن يزيد و ليس لوجهه بقية، فانقلب الي أبيه و قص عليه، فأمر بدفن الجلواز في الحفرة و اطلاقه، و موضع حبس زين العابدين عليه السلام هو اليوم مسجد [18] .

روي ابن نما: رأت سكينة في منامها و هي بدمشق كأن خمسة نجب من نور قد أقبلت، و علي كل نجيب شيخ، و الملائكة محدقة بهم، و معهم و صيف


يمشي، فمضي النجب و أقبل الوصيف الي و قرب مني، و قال: يا سكينة ان جدك يسلم عليك، فقلت: و علي رسول الله السلام يا رسول، من أنت؟ قال: وصيف من وصائف الجنة، فقلت: من هؤلاء الذين جاؤوا علي النجب؟

قال: الاول آدم صفوة الله، و الثاني ابراهيم خليل الله، و الثالث موسي كليم الله، و الرابع عيسي روح الله، فقلت: من هذا القابض علي لحيته يسقط مرة و يقوم اخري؟ فقال: جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت: و أين هم قاصدون؟ قال: الي أبيك الحسين عليه السلام، فأقبلت أسعي في طلبه لاعرفه ما صنع بنا الظالمون بعده.

فبينما أنا كذلك، اذ أقبلت خمسة هوادج من نور، في كل هودج امرأة، فقلت: من هذه النسوة المقبلات؟ قال: الاولي حواء ام البشر، و الثانية آسية بنت مزاحم، و الثالثة مريم بنت عمران، و الرابعة خديجة بنت خويلد، فقلت: من الخامسة الواضعة يدها علي رأسها تسقط مرة و تقوم اخري؟ فقال: جدتك فاطمة بنت محمد ام أبيك، فقلت: والله لأخبرنها ما صنع بنا.

فلحقتها و وقفت بين يديها أبكي، و أقول: يا امتاه جحدوا والله حقنا، يا امتاه بددوا والله شملنا، يا امتاه استباحوا والله حريمنا، يا امتاه قتلوا والله الحسين أبانا، فقالت: كفي صوتك يا سكينة، فقد أقرحت كبدي، و قطعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين عليه السلام معي، لا يفارقني حتي ألقي الله به، ثم انتبهت و أردت كتمان ذلك المنام و حدثت به أهلي، فشاع بين الناس [19] .

أقول: و السيد رواه أيضا بالايجاز [20] .

و روي أيضا في المنتخب: أن سكينة بنت الحسين عليه السلام قالت: يا يزيد رأيت البارحة رؤيا ان سمعتها مني قصصتها عليك؟ فقال يزيد: هاتي ما رأيت، قالت: بينما أنا ساهرة و قد كللت من البكاء بعد أن صليت و دعوت الله بدعوات، فلما رقدت عيني رأيت أبواب السماء قد تفتحت، و اذا أنا بنور ساطع من السماء الي الأرض، و اذا أنا بوصائف من وصائف الجنة، و اذا أنا بروضة خضراء، و في تلك


الروضة قصر، و اذا أنا بخمس مشايخ يدخلون الي ذلك القصر و عندهم وصيف، فقلت: يا وصيف أخبرني لمن هذا القصر؟

فقال: هذا لأبيك الحسين عليه السلام أعطاه الله تعالي ثوابا لصبره، فقلت: و من هذه المشايخ؟ فقال: أما الأول، فآدم أبوالبشر، و أما الثاني، فنوح نبي الله. و أما الثالث، فابراهيم خليل الرحمن، و أما الرابع، فموسي الكليم، فقلت له: و من الخامس الذي أراه قابضا علي لحيته باكيا حزينا من بينهم؟ فقال لي: يا سكينة أما تعرفينه؟ فقلت: لا، فقال هذا جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت له: الي أين يريدون؟ فقال: الي أبيك الحسين، فقلت: والله لألحقن جدي و أخبرنه بما جري علينا، فسبقني و لم ألحقه.

فبينما أنا متفكرة و اذا بجدي علي بن أبي طالب، و بيده سيفه، و هو واقف، فناديته: يا جداه قتل والله ابنك من بعدك، فبكي و ضمني الي صدره، و قال: يا بنية صبرا و بالله المستعان، ثم انه مضي و لم أعلم الي أين، فبقيت متعجبة كيف لم أعلم به، فبينما أنا كذلك اذ بباب قد فتح من السماء و اذا بالملائكة يصعدون و ينزلون علي رأس أبي، قال: فلما سمع يزيد ذلك لطم علي وجهه و بكي، و قال: مالي و لقتل الحسين [21] .

و فيه: و في نقل آخر: أن سكينة قالت: ثم أقبل علي رجل دري اللون، قمري الوجه، حزين القلب، فقلت للوصيف: من هذا؟ فقال: جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فدنوت منه، و قلت له: يا جداه قتلت والله رجالنا، و سفكت والله دماؤنا، و هتكت والله حريمنا، و حملنا علي الأقتاب بغير وطاء، نساق الي يزيد، فأخذني اليه و ضمني الي صدره، ثم أقبل علي آدم و نوح و ابراهيم و موسي، ثم قال لهم: ما ترون الي صنعت امتي بولدي من بعدي؟

ثم قال الوصيف: يا سكينة اخفضي صوتك فقد أبكيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم أخذ الوصيف بيدي فأدخلني القصر، و اذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهن، و زاد في نورهن، و بينهن امرأة عظيمة الخلقة، ناشرة شعرها، و عليها ثياب سود، و بيدها


قميص مضمخ بالدم، و اذا قامت يقمن معها، و اذا جلست يجلسن معها، فقلت للوصيف، ما هؤلاء النسوة اللاتي قد عظم الله خلقتهن؟

فقال: يا سكينة هذه حواء ام البشر، و هذه مريم بنت عمران، و هذه خديجة بنت خويلد، و هذه هاجر، و هذه سارة، و هذه التي بيدها القميص المضمخ، و اذا قامت يقمن معها، و اذا جلست يجلسن معها، هي جدتك فاطمة الزهراء، فدنوت منها، و قلت لها: يا جدتاه قتل والله أبي، و اوتمت علي صغر سني، فضمتني الي صدرها، و بكت بكاء شديدا، و بكت النسوة كلهن، و قلن لها: يا فاطمة يحكم الله بينك و بين يزيد يوم فصل القضاء، ثم ان يزيد تركها و لم يعبأ بقولها [22] .

و فيه: نقل عند هند زوجة يزيد، قالت: كنت أخذت مضجعي، فرأيت بابا من السماء و قد فتحت، و الملائكة ينزلون كتائب كتائب الي رأس الحسين عليه السلام، و هم يقولون: السلام عليك يا أباعبدالله، السلام عليك يابن رسول الله.

فبينما أنا كذلك اذ نظرت الي سحابة قد نزلت من السماء، و فيها رجال كثيرون، و فيهم رجل دري اللون، قمري الوجه، فأقبل يسعي حتي انكب علي ثنايا الحسين يقبلهما، و هو يقول: يا ولدي قتلوك أتراهم ما عرفوك، و من شرب الماء منعوك،يا ولدي أنا جدك رسول الله، و هذا أبوك علي المرتضي، و هذا أخوك الحسن، و هذا عمك جعفر، و هذا عقيل، و هذان حمزة و العباس، ثم جلس يعد أهل بيته واحدا بعد واحد.

قالت هند: فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة، و اذا بنور قد انتشر علي رأس الحسين عليه السلام، فجعلت أطلب يزيد و هو قد دخل الي بيت مظلم و قد دار وجهه الي الحائط، و هو يقول: مالي و للحسين، و قد وقعت عليه الهمومات، فقصصت عليه المنام و هو منكس الرأس [23] .

و فيه: روي أنه لما قدم آل الله و آل رسوله علي يزيد في الشام أفرد لهم دارا، و كانوا مشغولين باقامة العزاء، و انه كان للحسين عليه السلام بنت عمرها ثلاث سنوات،


و من يوم استشهد الحسين عليه السلام ما بقيت تراه، فعظم ذلك عليها و استوحشت لأبيها، و كانت كلما طلبت أباها يقولون لها: غدا يأتي و معه ما تطلبين، الي أن كانت ليلة من الليالي رأت أباها بنومها.

فلما انتبهت صاحت و بكت و انزعجت فهجعوها، و قالوا: ما هذا البكاء و العويل، فقالت: ايتوني بوالدي و قرة عيني، و كلما هجعوها ازدادت حزنا و بكاء، فعظم ذلك علي أهل البيت، فضجوا بالبكاء، و جددوا الأحزان، و لطموا الخدود، و حثوا علي رؤوسهم التراب، و نشروا الشعور، و قام الصياح.

فسمع يزيد صيحتهم و بكاءهم، فقال: ما الخبر؟ قالوا: ان بنت الحسين الصغيرة رأت أباها بنومها، فانتبهت و هي تطلبه و تبكي و تصيح، فلما سمع يزيد ذلك، قال: ارفعوا رأس أبيها و حطوه بين يديها لتنظر اليه و تتسلي به، فجاؤوا بالرأس الشريف اليها مغطي بمنديل دبيقي، فوضع بين يديها، و كشف الغطاء عنه، فقالت: ما هذا الرأس؟ قالوا: انه رأس أبيك.

فرفعته من الطشت حاضنة له، و هي تقول: يا أبتاه من ذا الذي خضبك بدمائك؟ يا أبتاه من الذي قطع وريديك؟ يا أبتاه من الذي أيتمني علي صغر سني؟ يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه؟ يا أبتاه من لليتيمة حتي تكبر؟ يا أبتاه من للنساء الحاسرات؟ يا أبتاه من للأرامل المسبيات؟ يا أبتاه من للعيون الباكيات؟ يا أبتاه من للضائعات الغريبات؟ يا أبتاه من للشعور الناشرات؟ يا أبتاه من بعدك واخيبتاه يا أبتاه من بعدك واغربتاه؟ يا أبتاه ليتني كنت لك الفدا، يا أبتاه ليتني كنت قبل هذا اليوم عمياء، يا أبتاه ليتني وسدت الثري، و لا أري شيبك مخضبا بالدماء.

ثم انها وضعت فمها علي فمه الشريف، و بكت بكاء شديدا، حتي غشي عليها، فلما حركوها فاذا بها قد فارقت روحها الدنيا، فلما رأي اهل البيت ما جري عليها، أعلنوا بالبكاء، و استجدوا العزاء، و كل من حضر من أهل دمشق، فلم ير في ذلك اليوم الا باك و باكية [24] .

قال السيد: و خرج زين العابدين عليه السلام يوما يمشي في أسواق دمشق،


فاستقبله المنهال بن عمرو، فقال له: كيف أمسيت يابن رسول الله؟ قال: أمسينا كمثل بني اسرائيل في آل فرعون، يذبحون أبناءهم، و يستحيون نساءهم، يا منهال أمست العرب تفتخر علي العجم بأن محمدا عربي، و أمست قريش تفتخر علي سائر العرب بأن محمدا منها، و أمسينا معشر أهل بيته و نحن مغصوبون مقتلون مشردون، فانا لله و انا اليه راجعون مما أمسينا فيه، يا منهال و لله در مهيار حيث قال:



يعظمون له أعواد منبره

و تحت أرجلهم أولاده وضعوا



بأي حكم بنوه يتبعونكم

و فخركم أنكم صحب له تبع



قال: و دعا يزيد يوما بعلي بن الحسين عليهماالسلام و عمرو بن الحسن عليه السلام، و كان عمرو صغيرا، يقال: ان عمره أحد عشر سنة، فقال له: أتصارع هذا؟ يعني ابنه خالد، فقال عمرو: لا، و لكن أعطني سكينا و أعطه سكينا ثم اقاتله، فقال يزيد:



شنشنة أعرفها من أخزم

هل تلد الحية الا الحية [25] .




پاورقي

[1] الجرو مثلثة صغير کل شي‏ء و ولد الکلب.

[2] المنتخب ص 472.

[3] اللهوف ص 81.

[4] البحار 136: 45 عن الارشاد 121: 2.

[5] المنتخب ص 472.

[6] اللهوف ص 82 -81، و البحار 137:45 عنه.

[7] الأشهب من العنبر الضارب الي البياض.

[8] المنتخب ص 65 -63.

[9] اللهوف ص 84 -82، و البحار 142 -141:45 عنه.

[10] الشوري: 23.

[11] المنتخب ص 482 -481.

[12] اللهوف ص 82.

[13] البحار 143 -142: 45.

[14] المنتخب ص 482.

[15] بحارالأنوار 143: 45.

[16] الامالي للصدوق ص 147، و البحار 140: 45 عنه.

[17] بحارالأنوار 177: 45 ح 25 عن البصائر 337.

[18] بحارالأنوار 176: 45.

[19] بحارالانور 141 -140: 45 عن مثير الأحزان ص 105 -104

[20] اللهوف ص 83 -82.

[21] المنتخب ص 480 -479.

[22] المنتخب ص 481 -480.

[23] المنتخب ص 482.

[24] المنتخب ص 137 -136.

[25] اللهوف ص 85 -84. أوله: ان بني رملوني بالدم. و الشنشنة: الطبيعة و الخلق. و أخزم ولد الشاعر، و کان عاقا علي والده فمات قبل أبيه و بقي فوثبوا يوما علي جدهم، فقال هذا الشعر. و هذا مثل ضربه اللعين في غير مقام يليق «منه».