بازگشت

في مجادلته بنفسه الشريف الي مقاساة الحتوف


و هذا المجلس مما يناسب يوم عاشوراء، و يوم الشؤم و اللأواء، فيالها من يوم كم لها رأس علي سنان، و بدن بلا رأس بين الأبدان، تالله لهم جسوم طالما نالهم التعب في مرضاة الرحمان، و وجوه ذبلت شفاههم في تلاوة القرآن، و قلوب مقروحة قد شغلها المصاب، عن توديع الأولاد و الأحباب، و أرواح نودي عليهم بالرحيل أن اسكنوا في جوار الرب الجليل.

عباد الله ان المصيبة بالحسين عليه السلام مصيبة تتجدد علي بلي الأيام تذكارها، و قارعة زلزلت الأرض زلزالها، و رزية لا يسع الأقلام تبيانها، و نازلة يشكل علي الآذان سماعها، و شعلة يسجر الأفئدة خيالها؛ فنوحوا فيها علي سلطان يوم الحساب، لتحوزوا ذخرا من الثواب، كيف لا تنوحون و هم الذين حبسوا في صحراء الاكتياب، ثم ذبحوا للنسور و الذئاب.

أو ما سمعتم أن الحسينية في مثل هذا اليوم صاروا معفرة الوجوه بالدماء و التراب، و اليزيدية متنعمة بألوان الطعام و الشراب، و بنات زياد في الدور و القصور، فكهات بالحبور و السرور، مسبلات علي الأرائك في الستور، و بنات علي في


حرقة الشمس و هبوب الدبور، لاطمات الخدود علي المطروحين بلا أكفان و قبور، و جلات أن لا تأكلهم السباع و حواصل الطيور، مشفقات أن لا يتخطفهن الناس من حولهم كالنمور، مولولات لفقد الحماة بالويل و الثبور.

و قد روي في المنتخب، عن الصادق عليه السلام، قال: اذا كان يوم العاشر من المحرم، تنزل ملائكة من السماء، و مع كل ملك منهم قارورة من البلور الأبيض، و يدورون في كل بيت و مجلس يبكون فيه علي الحسين عليه السلام، فيجمعون دموعهم في تلك القوارير، فاذا كان يوم القيامة، فتلتهب نار جهنم، فيضربون من تلك الدموع علي النار، فتهرب النار عن الباكي علي الحسين عليه السلام مسيرة ستين ألف فرسخ [1] .

أقول: و فيه أيضا: أن الحسين عليه السلام لما كان في موقف كربلا، أتته أفواج من الجن الطيارة، و قالوا له: يا حسين نحن أنصارك، فمرنا بما تشاء، فلو أمرتنا بقتل عدو لكم لفعلنا، فجزاهم خيرا، و قال لهم: اني لا اخالف قول جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حيث أمرني بالقدوم عليه عاجلا، و اني الآن قد رقدت ساعة، فرأيت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد ضمني الي صدره، و قبل ما بين عيني، و قال لي: يا حسين ان الله عزوجل قد شاء أن يراك مقتولا، ملطخا بدمائك، مخضبا شيبتك بدمائك، مذبوحا من قفاك، و قد شاء الله أن يري حرمك سبايا علي أقتاب المطايا، و اني والله سأصبر حتي يحكم الله بأمره، و هو خير الحاكمين [2] .

قال الفاضل: ثم التفت الحسين عليه السلام عن يمينه، فلم ير أحدا من الرجال، و التفت عن يساره، فلم ير أحدا، فخرج علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، و كان مريضا لا يقدر أن يقل سيفه، و ام كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع، فقال: يا عمتاه ذريني اقاتل بين يدي ابن رسول الله، فقال الحسين، عليه السلام: يا ام كلثوم خذيه لئلا تبقي الأرض خالية من نسل آل محمد [3] .

قال السيد: فلما رأي الحسين عليه السلام مصارع فتيانه و أحبته، عزم لقاء القوم


بمهجته، و نادي: هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله في اعانتنا؟ فارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدم عليه السلام الي باب الخيمة، و قال لزينب: ناوليني ولدي الصغير حتي اودعه، فأخذه و أومأ اليه ليقبله [4] .

أقول: و في رواية المفيد، قالوا: فجعل يقبله، و هو يقول: ويل لهؤلاء القوم اذا كان جدك محمد المصطفي خصمهم و الصبي في حجره [5] .

قال السيد: فرماه حرملة بن كاهل بسهم، فوقع في نحره فذبه، فقال لزينب: خذيه، ثم تلقي الدم بكفيه، فلما امتلأتا رمي بالدم نحو السماء، ثم قال: هون علي ما نزل بي انه بعين الله، ثم وضع كفيه تحت نحر الصبي حتي امتلأتا دما، و قال: يا نفس اصبري و احتسبي فيما أصابك، ثم قال: الهي تري ما حل بنا في العاجل، فاجعله ذخيرة لنا في الآجل.

قال الباقر عليه السلام: فلم يسقط من ذلك الدم قطرة الي الأرض [6] .

و روي عن أبي مخنف، عمن شهد الحسين أنه قال عليه السلام: لا يكون ابني أهون عليك من فصيل، اللهم ان كنت حبست عنا النصر، فاجعل ذلك لما هو خير لنا [7] .

و روي في الاحتجاج أنه عليه السلام نزل حينئذ عن فرسه، و حفر للصبي بجفن سيفه، و رمله بدمه و دفنه، ثم وثب قائما، و أنشد الأبيات التي تجي ء [8] .

و روي عن أبي الفرج: أن عبدالله بن الحسين عليه السلام و امه الرباب بنت امري ء القيس، و هي التي يقول فيها الحسين:



لعمرك انني لاحب دارا

يكون بها سكينة و الرباب



احبهما و أبذل جل مالي

و ليس لعاتب عندي عتاب



و سكينة التي ذكرها بنته من الرباب، و اسم سكينة أمينة، و انما غلب عليها


سكينة و ليس باسمها [9] . و نقل نظيرها ابن شهرآشوب [10] .

و في المنتخب و غيره ما ملخصه: ان الحسين عليه السلام لما نظر الي اثنين و سبعين و رجلا من أهل بيته صرعي، التفت الي الخيمة، فدعا ببردة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و التحف بها، و أفرغ عليه درعه الفاضل، و تقلد سيفه، و استوي علي متن جواده، و هو غائص في الحديد، فأقبل علي النساء، فنادي: يا سكينة، يا فاطمة، يا زينب، يا ام كلثوم، عليكن مني السلام، و اني بارز الي هؤلاء القوم، فأقبلت سكينة و هي صارخة، و كان يحبها حبا شديدا، فضمها الي صدره، و مسح دموعها بكمه، و قال:



سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي

منك البكاء اذا الحمام دهاني



لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة

مادام مني الروح في جثماني



فاذا قتلت فأنت أولي بالذي

تأتينه يا خيرة النسوان



فنادته سكينة: يا أبة استسلمت للموت؟ فقال: كيف لا يستسلم من لا ناصر له و لا معين، فقالت: يا أبة ردنا الي حرم جدنا، فقال: هيهات لو ترك القطا لنام، فتصارخت النساء، فسكتهن الحسين عليه السلام [11] .

و روي ابن شهرآشوب: أنه عليه السلام حين عزم علي الحرب، قال: ايتوني بثوب لا يرغب فيه ألبسه تحت ثيابي لئلا اجرد، فاني مقتول مسلوب، فأتوه بتبان [12] فأبي أن يلبسه، و قال: هذا لباس أهل الذمة، ثم أتوه بشي ء أوسع منه دون السراويل و فوق التبان فلبسه [13] .

و في المنتخب: نقل أنه لما قتل أصحاب الحسين عليه السلام كلهم و تفانوا، و لم يبق منهم أحد، بقي عليه السلام يستغيث فلا يغاث، و أيقن بالموت، فأتي الي الخيمة، و قال لاخته: ايتيني بثوب عتيق لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي، لئلا اجرد منه بعد


قتلي، قال: فارتفعت أصوات النساء بالبكاء و النحيب، ثم اتي بثوب، فخرقه و مزقه من أطرافه، و جعله تحت ثيابه، و كان له سراويل [14] جديد، فخرقه أيضا لئلا يسلب منه، فلما قتل عمد اليه رجل، فسلبهما منه و تركه عريانا بالعراء مجردا علي الرمضاء، و شلت يداه في الحال، و حل به العذاب و النكال [15] .

و روي هو أبحر بن كعب، و كانت يداه بعد ذلك تيبسان في الصيف كأنهما عودان، و ترطبان في الشتاء، فتنضحان دما و قيحا، الي أن أهلكه الله تعالي، كذا ذكره السيد [16] رحمه الله.

فلما لبس الحسين عليه السلام ذلك الثوب المخرق، ودع أهله و أولاده و داع مفارق لا يعود. و في المنتخب و في غيره: و حمل علي القوم، و هو يقول:



كفر القوم و قدما رغبوا

علي ثواب الله رب الثقلين



قتل القوم عليا و ابنه

حسن الخير كريم الأبوين



حنقا منهم و قالوا أجمعوا

و احشروا الناس الي حرب الحسين



يا لقوم من اناس رذل

جمعوا الجمع لأهل الحرمين



ثم ساروا و تواصوا كلهم

باجتياحي لرضاء الملحدين



لم يخافوا الله في سفك دمي

لعبيد الله نسل الكافرين



و ابن سعد قد رماني عنوة

بجنود كوكوف الهاطلين



لا لشي ء كان مني قبل ذا

غير فخري بضياء النيرين



بعلي الخير [17] من بعد النبي

و النبي القرشي الوالدين



خيرة الله من الخلق أبي

ثم امي و أنا ابن الخيرين



فضة قد خلصت من ذهب

فأنا الفضة و ابن الذهبين



ذهب في ذهب في ذهب

و لجين في لجين في لجين



من له جد كجدي في الوري

أو كشيخي فأنا ابن العلمين






فاطم الزهراء امي و أبي

قاصم الكفر ببدر و حنين



عبدالله غلاما يافعا

و قريش يعبدون الوثنين



يعبدون اللات و العزي معا

و علي كان صلي القبلتين



مع رسول الله سبعا كاملا

ما علي الأرض مصل غير ذين



فأبي شمس و امي قمر

فأنا الكوكب و ابن القمرين



و له يوم احد وقعة

شفت الغل بفض العسكرين



ثم في الأحزاب و الفتح معا

كان فيها حتف أهل الفيلقين [18] .



في سبيل الله ماذا صنعت

امة السوء معا بالعترتين



عترة البر النبي المصطفي

و علي الورد يوم الجحفلين



ثم وقف عليه السلام قبالة القوم، و سيفه مصلت في يده، آيسا من الحياة، عازما علي الموت [19] .

و في المنتخب، ثم ان الحسين عليه السلام أقبل علي عمر بن سعد، و قال له: اخيرك في ثلاث خصال،: قال: و ما هي؟ قال: تتركني حتي أرجع الي المدينة الي حرم جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قال: مالي الي ذلك سبيل، قال: اسقوني شربة من الماء، فقد نشفت كبدي من الظمأ، فقال: و لا الي الثانية سبيل، قال: و ان كان لابد من قتلي، فليبرز الي رجل بعد رجل، فقال: ذلك لك، فحمل علي القوم، و هو يقول:



أنا ابن علي الطهر من آل هاشم

كفاني بهذا مفخرا حين أفخر



و جدي رسول الله أكرم من مضي

و نحن سراج الله في الأرض نزهر



و فاطم امي من سلالة أحمد

و عمي يدعي ذا الجناحين جعفر



و فينا كتاب الله انزل صادقا

و فينا الهدي و الوحي بالخير يذكر



و نحن أمان الله للناس كلهم

نسر بهذا في الأنام و نجهر



و نحن ولاة الحوض نسقي ولاتنا

بكأس رسول الله ما ليس ينكر






و شيعتنا في الناس أكرم شيعة

و مبغضنا يوم القيامة يخسر



فطوبي لعبد زارنا بعد موتنا

بجنة عدن صفوها لا يكدر



ثم انه عليه السلام دعا الناس الي البراز، فلم يزل يقتل كل من دنا منه من عيون الرجال، حتي قتل منهم مقتلة عظيمة، ثم حمل علي الميمنة و قال: «الموت خير من ركوب العار» ثم حمل علي الميسرة، و هو يقول:



أنا الحسين بن علي

آليت أن لا أنثني



أحمي عيالات أبي

أمضي علي دين النبي [20] .



قال السيد: رواية عن الباقر عليه السلام أنه يقول:



القتل أولي من ركوب العار

و العار أولي من دخول النار [21] .



قال ابن نما و المفيد و السيد: قال بعض الرواة: فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه، أربط جأشا منه، و ان كانت الرجال لتشد عليه بسيفه، فتنكشف عنه انكشاف المعزي اذا اشتد فيها الذئب، و لقد كان يحمل فيهم و لقد تكملوا ثلاثين ألفا، فينهزمون بين يديه، كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع الي مركزه، و هو يقول: لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم [22] .

أقول: قال أبومخنف: لما اشتد عليه العطش، حمل علي القوم حملة منكرة، و كشفهم عن المشرعة، و نزل الي الماء، و كان الفرس عطشان، فنكس رأسه ليشرب، فكره عليه السلام أن يشرب حتي شرب الفرس، و نفض ناصيته، ثم مد يده ليشرب، و غرف غرفة، و اذا بصائح يصيح: يا حسين أدرك خيمة النساء، فانها قد نهبت، فنفض الماء من يده، و أقبل الي الخيمة، فوجدها سالمة لم تنهب، فعلم أنها مكيدة [23] .

و روي أيضا عن أبي مخنف، و في المنتخب نظيره: أنه بعدما اشتد العطش عليه، كلما قصد الماء، حملوا عليه بأجمعهم، حتي أجلوه عنه، ثم ان


الحسين عليه السلام حمل علي الأعور السلمي و عمرو بن الحجاج الزبيدي، و كانا في أربعة آلاف رجل علي الشريعة، و أقحم الفرس علي الفرات، فلما أولع الفرس برأسه ليشرب، قال عليه السلام: أنت عطشان و أنا عطشان، والله لا ذقت الماء حتي تشرب، فلما سمع الفرس شال رأسه و لم يشرب، فقال الحسين عليه السلام: اشرب فأنا أشرب، فمد الحسين يده، فغرف من الماء، فقال فارس: يا أباعبدالله تتلذذ بشرب الماء فقد هتك حرمك، فنفض الماء من يده و حمل علي القوم، فكشفهم فاذا الخيمة سالمة [24] .

قال ابن شهرآشوب، و روي عن محمد بن أبي طالب أيضا: انه عليه السلام لم يزل يقاتل حتي قتل ألف رجل و تسعمائة و خمسين رجلا سوي المجروحين [25] .

و في المنتخب: أنه عليه السلام لم يزل يقاتلهم حتي قتل منهم الوفا، فلما نظر الشمر الي ذلك، قال لابن سعد: أيها الأمير والله لو برز الي الحسين أهل الأرض لأفناهم عن آخرهم، فالرأي أن نفترق عليه، و نملي الأرض بالفرسان، و نحيط به من كل جانب ففعلوا ذلك، فجعل عليه السلام تارة يحمل علي الميمنة، و اخري علي الميسرة، حتي قتل علي ما نقل ما يزيد علي عشرة آلاف فارس، و لا يبين النقص فيهم لكثرتهم [26] .

أقول: و هذا و ان كان بعيدا، لكن يؤيده ما نقل أن بعد وقعة كربلاء، نسي الناس مقاتل أميرالمؤمنين عليه السلام، و يذكرون جلادة الحسين عليه السلام، و مقتله في هذا اليوم.

ثم قال ابن شهرآشوب و غيره، فقال عمر بن سعد لقومه، الويل لكم أتدرون لمن تقاتلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتال العرب، فاحملوا عليه من كل جانب، و كانت الرماة أربعة آلاف، فرموه بالسهام، فحالوا بينه و بين رحله [27] .

قال السيد و ابن نما أيضا نظيره: فلما حالوا بينه و بين رحله صاح عليه السلام:


ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ان لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه، و ارجعوا الي أحسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون، قال: فناداه شمر ما تقول يابن فاطمة؟ فقال: أقول اني اقاتلكم و تقاتلوني، و النساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم و جهالكم و طغاتكم عن التعرض لحرمي ما دمت حيا، فقال شمر: ذلك لك يابن فاطمة، فقصدوه بالحرب [28] .

و في رواية: فصاح شمر، اليكم عن حرم الرجل، فاقصدوه في نفسه، فلعمري لهو كفو كريم [29] .

ثم قال السيد: فجعل يحمل عليهم و يحملون عليه، و هو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد [30] .

قال الفاضل [31] : ثم رماه رجل من القوم يكني أبوالحتوف بسهم، فوقع السهم في جبهته، فنزعه من جبهته، فسالت الدماء علي وجهه و لحيته، فقال عليه السلام: اللهم انك تري ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة، اللهم احصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تذر علي وجه الأرض منهم أحدا، و لا تغفر لهم أبدا.

ثم حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحدا الا بعجه بسيفه فيقتله، و السهام تأخذه من كل ناحية، و هو يتقيها بنحره و صدره، و يقول: يا امة السوء بئسما خلفتم محمدا في عترته، أما انكم لن تقتلوا بعدي عبدا من عباد الله فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم اياي، و أيم الله اني لأرجو أن يكرمني ربي بالشهادة بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.

فقال الحصين بن مالك السكوني: يابن فاطمة و بماذا ينتقم لك منا؟ قال: يلقي بأسكم بينكم، و يسفك دماءكم، ثم يصب عليكم العذاب الأليم، ثم لم يزل يقاتل حتي أصابته جراحات عظيمة [32] .


أقول: و في مجالس الصدوق: قال الباقر عليه السلام: وجد به ثلاثمائة و بضعة و عشرون طعنة برمح، أو ضربة بسيف، أو رمية بسهم [33] .

و قال ابن شهرآشوب: و روي ثلاثمائة و ستون جراحة، و قيل: ألف و تسعمائة، و كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ: و روي أنها كانت كلها في مقدمه لأنه كان لا يولي [34] .

قال السيد، و ابن نما، و المفيد، و الفاضل الحبر، و اللفظ للفاضل: فوقف عليه السلام ليستريح ساعة، و قد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف اذ أتاه حجر، فوقع في جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في صدره - و روي: في قلبه - فقال الحسين عليه السلام: بسم الله و بالله و علي ملة رسول الله، و رفع رأسه الي السماء: و قال: الهي انك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس علي وجه الأرض ابن نبي غيره.

ثم أخذ السهم، فأخرجه من قفاه، فانبعث الدم كالميزاب، و وضع يده علي الجرح، فلما امتلأت رمي به الي السماء، فما رجع من ذلك الدم قطرة، و ما عرفت الحمرة في السماء حتي رمي الحسين عليه السلام بدمه الي السماء، ثم وضع يده ثانيا، فلما امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته، و قال: هكذا أكون حتي ألقي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنا مخضوب بدمي، و أقول: يا رسول الله قتلني فلان و فلان.

ثم ضعف عليه السلام من القتال، فوقف، فكلما أتاه رجل و انتهي اليه انصرف عنه، حتي جاءه رجل من كندة يقال له: مالك بن اليسر، فشتم الحسين عليه السلام، و ضربه بالسيف علي رأسه الشريف، و عليه برنس [35] ، فقطع البرنس و وصل السيف الي رأسه، فامتلأ دما، فقال عليه السلام: لا أكلت بها و لا شربت، و حشرك الله مع الظالمين.

ثم ألقي البرنس، و استدعي عليه السلام بخرقة، فشد بها رأسه، و لبس قلنسوة و اعتم عليها و قد أعيا.

و جاء الكندي و أخذ البرنس و كان من خز، فلما قدم بعد الواقعة علي


امرأته، فجعل يغسل الدم عنه، فقالت له امرأته: أتدخل بيتي بسلب ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ اخرج عني حشي الله قبرك نارا، فلم يزل بعد ذلك فقيرا بأسوء حال، و يبست يداه، و كانتا في الشتاء تنضحان دما، و في الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان [36] .

و في المنتخب، قال: انه بعدما أقبل الكندي بالبرنس الي منزله قال لزوجته: هذا برنس الحسين، فاغسليه من الدم، فبكت و قالت: يا ويلك قتلت الحسين، و سلبت برنسه، والله لاصبحتك أبدا، فوثب اليها ليلطمها، فانحرفت عن اللطمة، فأصابت يده الباب التي في الدار، فدخل مسمار في يده، فعملت عليه حتي قطعت من وقته، و لم يزل فقيرا حتي مات [37] .

ثم قال الفاضل: فلبثوا هنيئة، ثم عادوا اليه و أحاطوا به، فخرج عبدالله بن الحسن بن علي عليه السلام، و هو غلام لم يراهق من عند النساء، يشتد حتي وقف الي جنب عمه، فلحقته عمته زينب بنت علي عليه السلام لتحبسه، فقال الحسين عليه السلام: احبسيه يا اختي: فأبي و امتنع امتناعا شديدا، و قال: والله لا افارق عمي، فأهوي أبجر بن كعب - و قيل: حرملة بن كاهل - الي الحسين عليه السلام بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يابن الخبيثة أتقتل عمي؟ فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده، فأطنها الي الجلد، فاذا هي معلقة، فنادي الغلام: يا اماه، فأخذه الحسين عليه السلام فضمه اليه، و قال: يابن أخي اصبر علي ما نزل بك، و احتسب في ذلك الخير، فان الله يلحقك بآبائك الصالحين، قال: فرماه حرملة بسهم فذبحه، و هو في حجر عمه الحسين عليه السلام.

ثم ان شمر بن ذي الجوشن حمل علي فسطاط الحسين عليه السلام، فطعنه بالرمح، ثم قال: علي بالنار حتي أحرقه علي من فيه، فقال له الحسين عليه السلام: يابن ذي الجوشن أنت الداعي بالنار لتحرق علي أهلي، أحرقك الله بالنار، فجاء شبث فوبخه فاستحيا و انصرف.


قال: و لما اثخن الحسين عليه السلام بالجراح و بقي كالقنفذ، طعنه صالح بن وهب المزني علي خاصرته طعنة، فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه الي الأرض علي خده الأيمن، و هو يقول: بسم الله و علي ملة رسول الله، ثم قام عليه السلام،

و خرجت زينب من باب الفسطاط، و هي تنادي: واأخاه، واسيداه، واأهل بيتاه، ليت السماء أطبقت علي الأرض، و ليت الجبال تدكدكت علي السهل [38] .

و روي باسناده عن صاحب المناقب: أنه دنا عمر بن سعد من الحسين عليه السلام حين سقط عليه السلام، فخرجت زينب بنت علي عليه السلام و قرطاها يجولان بين اذنيها، و هي تقول: ليت السماء انطبقت علي الأرض، يا عمر بن سعد أيقتل أبوعبدالله عليه السلام و أنت تنظر اليه؟ و دموع عمر تسيل علي خديه و لحيته، و هو يصرف وجهه عنها، و الحسين عليه السلام جالس و عليه جبة خز، و قد تحاماه الناس.

قال: و صاح شمر بأصحابه: ما تنظرون بالرجل؟ قال: فحملوا عليه من كل جانب، فضربه زرعة بن شريك علي كتفه اليسري، و في رواية: فضرب زرعة فأبان كفه اليسري، ثم ضربه علي عاتقه، و ضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه، و ضربه عليه السلام آخر علي عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها لوجهه، و كان قد أعيا، و جعل عليه السلام ينوء [39] و يكبو، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثم انتزع الرمح، فطعنه في تراقي صدره.

ثم رماه سنان أيضا بسهم، فوقع السهم في نحره، فسقط عليه السلام و جلس قاعدا، فنزع السهم من نحره، و قرن كفيه جميعا، و كلما امتلأتا من دمائه، خضب بهما رأسه و لحيته، و هو يقول: هكذا ألقي الله مخضبا بدمي، مغصوبا علي حقي.

فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه: أنزل ويحك فأرحه، قال: فبدر اليه خولي بن يزيد الأصبحي ليجتز رأسه فارعد [40] .

قال ابن شهرآشوب: حملوا من كل جانب، فرماه أبوالحتوف الجعفي في


جبينه، و الحصين بن تميم [41] في فيه، و أبوأيوب الغنوي بسهم مسموم في حلقه، فقال عليه السلام: بسم الله و لا حول و لا قوة الا بالله، و هذا قتيل في رضا الله، و أخذ دمه بكفيه و صبه علي رأسه مرارا [42] .

أقول: و في نسخة معتمدة عليها: ثم ان الحسين عليه السلام بقي مكبوبا علي وجه الأرض ثلاث ساعات من النهار، متشحطا بدمه، رامقا بطرفه الي السماء، و هو يقول: صبرا علي قضائك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين.

و في المنتخب: قال: فبادر اليه أربعون رجلا كل منهم يريد جز رأسه، و عمر ابن سعد يقول: عجلوا برأسه، و كان أول من ابتدر اليه شبث بن ربعي، و كان بيده سيف قاطع، فدنا منه ليجتز رأسه، فرمقه بعينه، فرمي السيف من يده و ولي هاربا، و هو ينادي: معاذ الله يا حسين أن ألقي أباك بدمك.

قال: فأقبل اليه رجل قبيح الخلقة، كوسج اللحية، أبرص اللون، يقال له: سنان، فنظر اليه عليه السلام، فلم يجسر عليه و ولي هاربا، و هو يقول: مالك يا عمر بن سعد غضب الله عليك أردت أن يكون محمد خصمي، كذا في المنتخب [43] .

لكن السيد قال: فنزل اليه سنان بن أنس النخعي، فضرب بالسيف في حلقه الشريف، و هو يقول: والله اني لأجتز رأسك و أعلم أنك ابن رسول الله، و خير الناس أبا و اما، ثم اجتز رأسه المقدس المعظم صلوات الله عليه [44] .

أقول: روي الصدوق في مجالسه: أقبل عدو الله سنان الأيادي، و شمر بن ذي الجوشن العامري، في رجال من أهل الشام، حتي وقفوا علي رأس الحسين عليه السلام، فقال بعضهم لبعض: ما تنتظرون؟ أريحوا الرجل، فنزل سنان بن أنس الأيادي، و أخذ بلحية الحسين عليه السلام، و جعل يضرب بالسيف في حلقه، و هو يقول: والله اني لأجتز برأسك الي آخر ما مضي [45] .


قال السيد: و في ذلك يقول الشاعر:



فأي رزية عدلت حسينا

غداة تبيره كفا سنان



و قال: روي هلال بن نافع، قال: اني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد، اذ صرخ صارخ: أبشر أيها الأمير، فهذا شمر قد قتل الحسين، قال: فخرجت بين الصفين، فوقفت عليه، و انه ليجود بنفسه، فو الله ما رأيت قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه، و لا أنور وجها، و لقد شغلني نور وجهه و جمال هيئته عن الفكرة في قتله، فاستسقي في تلك الحالة ماء، فسمعت رجلا يقول له: والله لا تذوق الماء حتي ترد الحامية فتشرب من حميمها، فسمعته يقول: أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها [46] ؟ بل أرد علي جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر، و أشرب من دماء غير آسن، و أشكو اليه ما ارتكبتم مني و فعلتم بي، قال: فغضبوا بأجمعهم، حتي كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا، فاجتزوا رأسه و انه ليكلمهم، فتعجبت من قلة رحمتهم، و قلت: والله لا اجامعكم علي أمر أبدا [47] .

أقول: المروي عن علي بن الحسين عليهماالسلام أن القاتل سنان، لكن الأشهر أنه شمر أخزاه الله، و قد قيل: انه خولي، و الأظهر أن القاتل ثلاثتهم، و ان كان شمر و سنان أدخل.

و قد روي الفاضل المتبحر في ترجمته المسماة بجلاء العيون، و في البحار عن صاحب المناقب و محمد بن أبي طالب كيفية قتله عليه السلام بما ملخصه: أن شمرا نزل من فرسه ليجتز رأسه عليه السلام، فلكزه اللعين برجله، فألقاه علي قفاه، ثم أخذ بلحيته، فقال عليه السلام: أعلم أنك قاتلي لأنك أبرص، و قد رأيت في منامي أن كلابا شدت علي لتنهشني، و فيها كلب أبقع رأيته أشدها علي، و قد أخبرني بذلك جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فغضب و قال: تشبهني بالكلب.

و قيل: جاء شمر و سنان و هو عليه السلام: بآخر رمق عطشا، و يلوك لسانه من شدة


العطش و يطلب الماء، فرفسه شمر، و قال: تزعم أن أباك يسقي من الكوثر، فاصبر حتي يسقيك، ثم قال لسنان: اجتز رأسه من قفاه فقال: والله ما أفعل فيكون جده محمد صلي الله عليه و آله و سلم خصمي.

فغضب شمر و جلس علي صدر الحسين عليه السلام و قبض علي لحيته و هم بقتله، فضحك و قال عليه السلام: أتقتلني و تعلم من أنا؟ فقال: ما أعرفني بك، امك فاطمة الزهراء، و أبوك علي المرتضي، و جدك محمد المصطفي و خصمك العلي الأعلي، أقتلك و لا ابالي، فاجتز رأسه الشريف باثنتي عشرة ضربة [48] .

و روي المنتخب، فقال الحسين عليه السلام لشمر: اذا عرفت نسبي و حسبي فلم تقتلني؟ فقال: ان لم أقتلك فمن يأخذ الجائزة من يزيد؟ فقا عليه السلام: أيما أحب اليك الجائزة من يزيد أو شفاعة جدي؟ فقال اللعين: دانق من الجائزة أحب الي منك و من جدك، فقال عليه السلام:اذا كان لابد من قتلي فاسقني شربة من الماء؟ فقال: هيهات والله لاذقت قطرة واحدة من الماء حتي تذوق الموت غصة بعد غصة.

فاستكشف عليه السلام عن وجهه و بطنه، فوجده أبرص، و شبهه بالكلاب و الخنازير، فغضب لعنه الله، و قال: تشبهني بالكلاب و الخنازير، فو الله لأذبحنك من قفاك، ثم قلبه علي وجهه، و جعل يقطع أوداجه - روحي له الفداء - و هو ينادي: واجداه، وامحمداه، وا أباالقاسماه، واأبتاه واعلياه، أاقتل عطشانا و جدي محمد المصطفي، أاقتل عطشانا و أبي علي المرتضي و امي فاطمة الزهراء، فلما اجتز الملعون رأسه شاله في قناة فكبر، و كبر العسكر معه [49] .



پاورقي

[1] المنتخب ص 449.

[2] المنتخب ص 450.

[3] بحارالأنوار 46:45.

[4] اللهوف ص 50.

[5] البحار 46:45 عنه.

[6] اللهوف ص 51 - 50.

[7] وقعة الطف لأبي مخنف ص 246.

[8] بحارالأنوار 49: 45 عن الاحتجاج.

[9] البحار 47: 45.

[10] المناقب 109: 4.

[11] المنتخب ص 440.

[12] التبان: سراويل صغير يستر العورة المغلظة. القاموس.

[13] المناقب 109: 4.

[14] في المنتخب: سروال.

[15] المنتخب ص 439 -438.

[16] اللهوف ص 54 -53.

[17] في المطبوع من الکتاب: الطهر.

[18] الفيلق کصيقل: الجيش و الرجل العظيم. القاموس.

[19] بحارالأنوار 48 -47: 45.

[20] المنتخب ص 441 -439، و البحار 49: 45.

[21] اللهوف ص 51.

[22] اللهوف ص 51، و البحار 50: 45.

[23] البحار 51: 45 عنه، و المنتخب ص 441.

[24] مناقب آل أبي‏طالب 58: 4، و البحار 50: 45 عنه.

[25] البحار 50: 45 عنهما.

[26] المنتخب ص 450.

[27] البحار 50: 45 عن مناقب آل أبي‏طالب 110: 4.

[28] اللهوف ص 52، مثير الأحزان ص 73.

[29] البحار 51: 45.

[30] اللهوف ص 52.

[31] روي مضمونه ابن‏شهرآشوب و غيره، لکن نقل من الفاضل لأنه أبسط (منه».

[32] بحارالأنوار 52: 45.

[33] الأمالي الصدوق ص 145.

[34] المناقب 111 - 110: 4، و البحار 52: 45.

[35] البرنس: قلنسوة طويلة، أو کل ثوب رأسه منه دراعة کان أو جبة أو ممطرا. القاموس.

[36] بحارالأنوار، 53: 45.

[37] المنتخب ص 451.

[38] بحارالأنوار 54 -53: 45.

[39] ناء نوء: نهض بجهد و مشقة. القاموس.

[40] بحارالأنوار 55 -54: 45.

[41] في المناقب، نمير.

[42] مناقب آل أبي‏طالب 111: 4.

[43] المنتخب ص 451.

[44] اللهوف ص 55 -54.

[45] أمالي الصدوق ص 144.

[46] في اللهوف: أنا لا أرد الحامية و لا أشرب من حميمها.

[47] اللهوف ص 56 - 55، و البحار 57: 45 عنه.

[48] بحارالأنوار، 56: 45.

[49] المنتخب ص 452 -451.