بازگشت

في محاربة احزاب الرحمن مع أحزاب أولياء الشيطان


قال السيد: ثم ان الحسين عليه السلام دعا بفرس رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المرتجز، فركبه و عبأ أصحابه للقتال، فروي عن الباقر عليه السلام أنهم كانوا خمسة و أربعين فارسا، و مائة راجل. [1] .

و في المناقب: جهز ابن زياد عليه خمسا و ثلاثين ألفا، و كان جميع أصحاب الحسين عليه السلام اثنين و ثمانين رجلا، منهم الفرسان اثنان و ثلاثون فارسا، و لم يكن لهم من السلاح الا السيف و الرمح [2] .

و قال المفيد: كان معه عليه السلام اثنان و ثلاثون فارسا، و أربعون راجلا.

أقول: و روي غير ذلك، قال السيد: فتقدم ابن سعد، فرمي نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم، و قال: اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمي، و أقبلت السهام من القوم كأنها القطر، فقال عليه السلام لأصحابه، قوموا رحمكم الله الي الموت الذي لابد منه، فان هذه السهام رسل القوم اليكم، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة و حملة، حتي قتل من أصحاب الحسين عليه السلام جماعة.


قال: فعندها ضرب الحسين عليه السلام يده علي لحيته، و جعل يقول: اشتد غضب الله علي اليهود اذ جعلوا له ولدا، و اشتد غضبه علي النصاري اذ جعلوه ثالث ثلاثة، و اشتد غضبه علي المجوس اذ عبدوا الشمس و القمر دونه، و اشتد غضبه علي قوم اتفقت كلمتهم علي قتل ابن بنت نبيهم، أما والله لا أجيبهم الي شي ء مما يريدون، حتي ألقي الله تعالي و أنا مخضب بدمي [3] .

و روي الفاضل المتبحر، عن محمد بن أبي طالب، أنه رمي أصحابه كلهم، فما بقي من أصحاب الحسين عليه السلام الا أصابه من سهامهم، قيل: فلما رموهم هذه الرمية، قل أصحاب الحسين عليه السلام، و قتل في هذه الحملة خمسون رجلا [4] .

في المنتخب: لما التقي العسكران، و امتاز الرجالة من الفرسان، و اشتد الجلاد بين العسكرين، الي أن علا النهار، اشتد العطش بالحسين عليه السلام، فدعا بأخيه العباس، و قال له: أجمع أهل بيتك و احفر بئرا، ففعلوا ذلك فطموها، ثم حفروا اخري فطموها، فتزايد العطش عليهم [5] .

قال السيد: روي عن مولانا الصادق صلوات الله عليه أنه قال: سمعت أبي يقول: لما التقي الحسين عليه السلام و عمر بن سعد، و قامت الحرب، أنزل الله تعالي النصر حتي رفرف علي رأس الحسين عليه السلام ثم خير بين النصر علي أعدائه، و بين لقاء الله من غير أن ينقص من أجره شي ء، فاختار لقاء الله.

قال الراوي: ثم صاح عليه السلام: أما من مغيث يغيثنا لوجه الله؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول الله؟ قال: فاذا الحر بن يزيد قد أقبل الي عمر بن سعد، فقال: أتقاتل أنت هذا الرجل؟ فقال: اي والله قتالا أيسره أن تطير الرؤوس، و تطيح الأيدي.

قال: فمضي الحر، و وقف موقفا من أصحابه، و أخذه مثل الأفكل، فقال له المهاجر بن أوس: والله ان أمرك لمريب، و لو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة؟ لما عدوتك، فما هذا الذي أري منك؟ فقال: الله اني اخير نفسي بين الجنة و النار، فو


الله لا أختار علي الجنة شيئا، و لو قطعت و احرقت، ثم ضرب فرسه قاصدا الي الحسين عليه السلام، و يده علي رأسه و هو يقول: اللهم اليك أنبت فتب علي، فقد أرعبت قلوب أوليائك و أولاد بنت نبيك، و قال للحسين عليه السلام: جعلت فداك أنا صاحبك الذي حبسك عن الرجوع، و جعجع بك، و ما ظننت أن القوم يبلغون منك ما أري، و أنا تائب الي الله تعالي، فهل تري لي من توبة؟ فقال له الحسين عليه السلام: نعم يتوب الله عليك أنزل، فقال: أنا لك فارسا خير مني راجلا، و الي النزول يصير آخر أمري [6] .

قال ابن نما: و رويت باسنادي أنه قال للحسين عليه السلام: لما وجهني ابن زياد اليك، خرجت من القصر، فنوديت من خلفي: أبشر يا حر بخير، فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: والله ما هذه بشارة، و أنا أسير الي الحسين عليه السلام، و ما احدث نفسي باتباعك، فقال عليه السلام: لقد اصبت أجرا و خيرا [7] .

و في مجالس ابن بابويه، قال: يابن رسول الله ائذن لي فاقاتل عنك، فأذن له، فبرز و هو يقول:



أضرب في أعناقكم بالسيف

عن خير من حل بلاد الخيف



فقتل منهم ثمانية عشر رجلا من الشجعان و الأبطال [8] .

أقول: و روي أن الحر لما لحق بالحسين عليه السلام قال رجل من تميم، يقال له: يزيد بن سفيان: أما والله لو لحقته لأتبعته السنان، فبينما هو يقاتل و ان فرسه لمضروب علي اذنيه و حاجبيه، و ان الدماء لتسيل، اذ قال الحصين: يا يزيد هذا الحر الذي كنت تتمناه، قال: نعم، فخرج اليه، فما لبث الحر أن قتله و قتل أربعين فارسا و راجلا، فلم يزل يقاتل حتي عرقب فرسه و بقي راجلا [9] .

قال السيد، ثم قتل، فأتاه الحسين عليه السلام و دمه يشخب، فقال: بخ بخ يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا و الآخرة، ثم أنشأ الحسين عليه السلام يقول:




لنعم الحر حر بني الرياح

و نعم الحر عند مختلف الرماح



و نعم الحر اذ نادي حسينا

فجاد بنفسه عند الصباح



و قال السيد: فحمل الي الحسين عليه السلام، فجعل يمسح التراب عن وجهه، و هو يقول: أنت الحر كما سمتك امك حرا في الدنيا و الآخرة [10] .

قال المفيد: تراجع القوم الي الحسين عليه السلام، فحمل الشمر في الميسرة علي أهل الميسرة، فثبتوا له و طاعنوه، و حمل علي الحسين عليه السلام و أصحابه من كل جانب، و قاتلهم أصحابه عليه السلام قتالا شديدا، و أخذت خيلهم تحمل، و انما هي اثنان و ثلاثون فارسا، فلا تحمل علي جانب من خيل أهل الكوفة الا كشفته.

فلما رأي ذلك عروة بن قيس و هو علي خيل أهل الكوفة، بعث الي عمر بن سعد: أما تري ما تلقي خيلي منذ اليوم من هذه العدة اليسيرة، ابعث اليهم الرجال و الرماة، فبعث اليهم بالرماة، فعقروا بالحر بن يزيد فرسه، فنزل عنه، و هو يقول:



ان تعقروني فأنا ابن الحر

أشجع من ذي لبد هزبر



و هو يضرب بسيفه، فتكاثروا عليه، فاشترك في قتله أيوب بن مسرح، و رجل آخر من فرسان أهل الكوفة. [11] .

قال السيد: و خرج برير بن خضير، و كان زاهدا عابدا، فخرج اليه يزيد بن المعقل، فاتفقا علي المباهلة الي الله في أن يقتل المحق منهما المبطل و تلاقيا، فقتله برير، و لم يزل يقاتل حتي قتل رضوان الله عليه.

قال: و خرج وهب بن عبدالله بن حباب [12] الكلبي، فأحسن في الجلاد، و بالغ في الجهاد، و كان معه امرأته و والدته، فرجع اليهما و قال: يا امه أرضيت أم لا؟ فقالت الام: ما رضيت حتي تقتل بين يدي الحسين عليه السلام، و قالت امرأته: بالله لا تفجعني بنفسك، فقالت له امه: يا بني اعزب عن قولها، و ارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك، تنل شفاعة جده يوم القيامة، فرجع فلم يزل يقاتل حتي قطعت يداه، فأخذت امرأته عمودا، و أقبلت نحوه و هي تقول: فداك أبي و امي: قاتل دون


الطيبين حرم رسول الله، فأقبل كي يردها الي النساء، فأخذت بجانب ثوبه، و قالت: لن أعود حتي أموت معك، فقال الحسين عليه السلام: جزيتم من أهل بيتي خيرا، ارجعي الي النساء رحمك الله، فانصرفت اليهن، و لم يزل الكلبي يقاتل حتي قتل رضوان الله عليه [13] .

أقول: و روي أن وهبا قتل تسعة عشر راكبا، و اثني عشر راجلا، و روي أنه كان نصرانيا، فأسلم هو و امه علي يد الحسين عليه السلام، فقتل في المبارزة أربعة و عشرين راجلا، و اثني عشر فارسا، ثم اخذ أسيرا، فاتي به ابن سعد، فقال: ما أشد صولتك، ثم ضرب عنقه، و رمي برأسه الي عسكر الحسين عليه السلام، فأخذته امه و قبلته، و قتلت به رجلا [14] .

و في رواية جلاء العيون: أخذت عمودا من الفسطاط، و قتل رجلين آخرين، فقال لها الحسين عليه السلام: يا ام وهب ارجعي فرجعت فقالت: الهي لا تقطع رجائي فقال عليه السلام: يا ام وهب لا يقطع الله رجائك، و أنت مع ولدك تكونان عند رسول الله في أعلي درجات الجنة [15] .

و في رواية: فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه، فبصر بها شمر، فأمر غلاما له، فضربها بعمود، و شدخها و قتلها، و هي أول امرأة قتلت في عسكر الحسين عليه السلام [16] .

قال المفيد: ثم صاح عمرو بن الحجاج بالناس: يا حمقي أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر، و تقاتلون قوما مستميتين، لا يبرز اليهم منكم أحد، فانهم قليل و قل ما يبقون، والله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم، فقال ابن سعد: صدقت الرأي ما رأيت، فأرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم [17] .


قال السيد: ثم خرج مسلم بن عوسجة: فبالغ في قتال الأعداء، و صبر علي أهوال البلاء، حتي سقط الي الأرض، و به رمق، و مشي اليه الحسين عليه السلام، و معه حبيب بن مظاهر، فقال له الحسين عليه السلام: رحمك الله يا مسلم (فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا) و دنا منه حبيب بن مظاهر، فقال: عز علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة، فقال له قولا ضعيفا: بشرك الله بخير، ثم قال له حبيب: لو لا أني أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي الي بكل ما أهمك، فقال له مسلم: فاني اوصيك بهذا، و أشار الي الحسين عليه السلام، فقاتل دونه حتي تموت، فقال له حبيب: لأنعمنك عينا، ثم مات رضوان الله عليه [18] .

روي الفاضل، عن محمد بن أبي طالب: أن أصحاب ابن سعد استبشروا بقتل مسلم، فوبخهم شبث بن ربعي، فقال: أما والذي أسلمت له لرب موقف له في المسلمين كريم، لقد رأيته يوم آذربيجان، قتل ستة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين [19] .

قال السيد: فخرج عمرو بن قرطة الأنصاري فاستأذن الحسين عليه السلام، فأذن له، فقاتل قتال المشتاقين الي الجزاء، و بالغ في خدمة سلطان السماء، حتي قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد، و جمع بين سداد و جهاد، و كان لا يأتي الي الحسين عليه السلام سهم الا اتقاه بيده، و لا سيف الا تلقاه بمهجته، فلم يكن يصل الي الحسين عليه السلام سوء حتي اثخن بالجراح، فالتفت الي الحسين عليه السلام، و قال: يابن رسول الله أوفيت؟ قال: نعم أنت أمامي في الجنة، فاقرء رسول الله السلام، و اعلمه أني في الأثر، فقاتل حتي قتل رضوان الله عليه.

ثم تقدم [20] جون مولي أبي ذر، و كان عبدا أسود، فقال له الحسين عليه السلام: أنت في اذن مني، فانما تبعتنا طلبا للعافية، فلا تبتل بطريقتنا، فقال: يابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، و في الشدة أخذلكم، والله ان ريحي لمنتن، و ان حسبي للئيم، و ان لوني لأسود، فتنفس علي بالجنة، فيطيب ريحي، و يشرف


حسبي، و يبيض وجهي، والله لا افارقكم حتي يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم، ثم قاتل حتي قتل رضوان الله عليه [21] .

روي أنه وقف عليه الحسين عليه السلام، و قال: اللهم بيض وجهه، و طيب ريحه، و احشره مع الأبرار، و عرف بينه و بين محمد و آل محمد. و روي: أن الناس كانوا يدفنون القتلي، وجدوا جونا بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك [22] .

قال: ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي، فقال للحسين عليه السلام: يا أباعبدالله جعلت فداك قد هممت أن الحق بأصحابك، و كرهت أن أتخلف، فأراك وحيدا من أهلك قتيلا، فقال له الحسين عليه السلام: تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة، فتقدم فقاتل حتي قتل رضوان الله عليه.

قال: و جاء حنظلة بن أسعد الشيباني [23] ، فوقف بين يدي الحسين عليه السلام يقيه السهام و السيوف بوجهه و نحره، فأخذ ينادي: يا قوم اني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم، و ما الله يريد ظلما للعباد، يا قوم اني أخاف عليكم يوم التناد، يوم تولون مدبرين، مالكم من الله من عاصم، يا قوم لا تقتلوا حسينا، فيسحتكم بعذاب و قد خاب من افتري، ثم التفت الي الحسين عليه السلام، فقال له: أفلا نروح الي ربنا و نلحق باخواننا؟ فقال له: بلي رح الي ما هو خير لك من الدنيا و ما فيها، و الي ملك لا يبلي، فتقدم فقاتل قتال الأبطال، و صبر علي احتمال الأهوال، حتي قتل رضوان الله عليه [24] .

قال المفيد: قاتل أصحاب الحسين عليه السلام القوم أشد قتال، حتي انتصف النهار، فلما رأي الحصين بن نمير لعنه الله و كان علي الرماة صبر أصحاب الحسين عليه السلام، تقدم الي أصحابه، و كانوا خمسمائة نابل، ان يرشقوا أصحاب الحسين عليه السلام بالنبل، فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، و جرحوا الرجال، و أرجلوهم، و اشتد القتال بينهم ساعة، و جاءهم شمر في أصحابه، فحمل عليهم


زهير بن القين في عشر رجال من أصحابه عليهم السلام،، فكشفهم عن البيوت، و اشتد القتل بينهم، و عطف عليهم شمر، فقتل من القوم جماعة، و رد الباقين الي مواضعهم [25] .

و روي الفاضل: انهم لم يقدروا أن يأتوهم الا من جانب واحد، لاجتماع أبنيتهم، و تقارب بعضها من بعض، فقال ابن سعد، احرقوها بالنار، فأضرموا فيها الناس، فقال الحسين عليه السلام: دعوهم يحرقوها فانهم اذا فعلوا ذلك لم يجوزوا اليكم [26] .

روي مضمونه المفيد في الارشاد.

و قال أيضا: روي أنه لم يزل يقتل من أصحاب الحسين عليه السلام الواحد و الاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم، و يقتل من أصحاب عمر العشرة، فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.

فلما رأي ذلك أبوثمامة الصيداوي، قال للحسين عليه السلام: يا أباعبدالله نفسي لنفسك الفدا هؤلاء اقتربوا منك، و لا والله لا تقتل حتي اقتل دونك، و احب أن ألقي الله ربي و قد صليت هذه الصلاة، فرفع عليه السلام رأسه الي السماء، و قال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم أن يكفوا حتي نصلي.

فقال الحصين بن نمير: انها لا تقبل منكم، فقال حبيب بن مظاهر، لا تقبل الصلاة من ابن رسول الله و تقبل منك يا خمار [27] ؟ فحمل عليه حصين بن نمير، و حمل عليه حبيب بن مظاهر، فضرب وجه فرسه بالسيف، فشب به الفرس، و وقع عنه الحصين، فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه [28] .

و في رواية السيد: ثم شدوا علي حبيب فقتلوه

و روي الفاضل عن محمد بن أبي طالب: أنه قتل اثنين و ستين رجلا فقتل، ثم بعد ما رأي ابن حبيب قاتل أبيه في مكة، و هو غلام غير مراهق، وثب اليه


فقتله، ثم قال هد مقتله الحسين عليه السلام، فقال: عند الله أحتسب نفسي و حماة أصحابي.

و روي أيضا أنه قال الحسين عليه السلام لزهير بن القين و سعيد بن عبدالله: تقدما أمامي حتي اصلي الظهر، فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه، حتي صلي بهم صلاة الخوف. [29] .

و روي السيد و غيره أن سعيد بن عبدالله الحنفي تقدم أمام الحسين عليه السلام، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل، كلما أخذ الحسين عليه السلام يمينا و شمالا قام بين يديه، فما زال يرمي به حتي سقط الي الأرض، و هو يقول: اللهم العنهم لعن عاد و ثمود، اللهم ابلغ نبيك عني السلام، و ابلغه ما لقيت من ألم الجراح، و اني أردت ثوابك بنصر ذرية نبيك، ثم قضي نحبه رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهما، سوي ما به من ضرب السيوف و طعن الرماح [30] .

و قال ابن نما: و قيل: صلي الحسين عليه السلام و أصحابه فرادي بالايماء، ثم قاموا [31] .

روي الفاضل، عن محمد بن أبي طالب: أن زهير بن القين قاتل حتي قتل مائة و عشرين رجلا، فشد عليه كثير بن عبدالله الشعبي، و مهاجر بن أوس التميمي فقتلاه، فقال الحسين عليه السلام حينئذ: لا يبعدك الله يا زهير، و لعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة و خنازير. [32] .

قال السيد: و تقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع، و كان شريفا كثير الصلاة، فقاتل قتال الأسد الباسل، و بالغ في الصبر علي الخطب النازل، حتي سقط بين القتلي، و قد اثخن بالجراح، فلم يزل كذلك و ليس به حراك حتي سمعهم يقولون: قتل الحسين، فتحامل و أخرج من خفه سكينا، و جعل يقاتلهم بها حتي قتل [33] .


و في البحار: ثم خرج شاب قتل أبوه في المعركة، و كانت امه معه، فقالت له امه: اخرج يا بني و قاتل بين يدي ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فخرج، فقال الحسين عليه السلام: هذا شاب قتل أبوه، و لعل امه تكره خروجه، فقال الشاب: امي أمرتني بذلك، فبرز و هو يقول:



أميري حسين و نعم الأمير

سرور فؤاد البشير النذير



علي و فاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير



له طلعة مثل شمس الضحي

له غرة مثل بدر منير



و قاتل حتي قتل، و جز رأسه و رمي به الي عسكر الحسين عليه السلام، فحملت امه رأسه، و قالت: أحسنت يا بني، يا سرور قلبي، و يا قرة عيني، ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته، و أخذت عمود خيمته، و حملت عليهم و هي تقول:



أنا عجوز سيدي ضعيفة

خاوية بالية نحيفة



أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة



و ضربت رجلين فقتلتهما، فأمر الحسين عليه السلام بصرفها و دعا لها [34] .

و فيه: روي أنه جاء عابس بن شبيب الشاكري، و معه شوذب مولي شاكر، فقال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال: ما أصنع؟ اقاتل حتي اقتل، قال: ذاك الظن بك، فتقدم بين يدي أبي عبدالله عليه السلام حتي يحتسبك كما احتسب غيرك، فان هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه، فانه لا عمل بعد اليوم و انما هو الحساب.

فتقدم عابس، فسلم علي الحسين عليه السلام، و قال: أما والله ما أمسي علي وجه الأرض قريب و لا بعيد أعز علي و لا أحب الي منك، و لو قدرت علي أن أدفع عند الضيم أو القتل بشي ء أعز علي من نفسي و دمي لفعلت، السلام عليك، أشهد أني علي هداك و هدي أبيك، ثم مضي بالسيف نحوهم.

قال ربيع بن تميم: قد كنت شاهدته في المغازي، و كان أشجع الناس، فقلت: أيها الناس هذا أسود الاسود، هذا ابن شبيب، لا يخرجن اليه أحد منكم،


فأخذ ينادي: ألا رجل؟ ألا رجل؟ فقال ابن سعد: ارضخوه بالحجارة من كل جانب، فلما رأي ذلك ألقي درعه و مغفره، ثم شد علي الناس، فو الله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من الناس، ثم انهم تعطفوا عليه من كل جانب، فقتل، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة، هذا يقول: أنا قتلته، و الآخر يقول كذلك، فقال ابن سعد: لا تختصموا، هذا لم يقتله انسان واحد، ثم خرج غلام تركي للحسين عليه السلام، و كان قارئا، فجعل يقاتل و يرتجز، فقتل سبعين رجلا، ثم سقط صريعا، فجاءه الحسين عليه السلام، فبكي و وضع خده علي خده، ففتح عينه فرأي الحسين عليه السلام، فتبسم ثم صار الي ربه [35] .

قال السيد: و جعل أصحاب الحسين عليه السلام يسارعون الي القتل بين يديه، و كانوا كما قيل:



قوم اذا نودوا لدفع ملمة

و الخيل بين مدعس و مكردس



لبسوا القلوب علي الدروع و أقبلوا

يتهافتون الي ذهاب الأنفس [36] .



قال ابن نما: فلما رأي العباس كثرة القتلي في أهله، قال لاخوته من امه، و هم عبدالله و جعفر و عثمان: بأبي أنتم و امي تقدموا حتي أراكم قد نصحتم لله و لرسوله، فانه لا ولد لكم، فأقدموا علي عسكر ابن سعد اقدام الشجعان، و أملأوا صدورهم و وجوههم بالضرب و الرمي و الطعان، و جدوا في القتال حتي قتلوا [37] .

أقول: روي أنه لما لم يبق معه الا ولد علي عليه السلام، و ولد جعفر و عقيل و الحسن عليه السلام و ولده، اجتمعوا يودع بعضهم بعضا، و عزموا علي الحرب، فبرز من ولد عقيل ستة فقتلوا، و من ولد جعفر ثلاثة فقتلوا، و من ولد الحسن ثلاثة فقتلوا، و من ولد أميرالمؤمنين سبعة مع العباس [38] ، و قد ذكرنا بعضا و تركنا بعضا منهم خوفا للاطالة، كما أنا انما طوينا عن ذكر بقية الشجعان، و كيفية قتال الأقران، من بقية أصحاب الحسين عليه السلام للايجاز.


قال السيد، فلما لم يبق معه سوي أهل بيته، خرج علي بن الحسين عليه السلام، و كان من أصبح الناس وجها، و أحسنهم خلقا، و هو ابن ثمان عشرة سنة، برواية محمد بن أبي طالب [39] و قال ابن شهرآشوب: و يقال انه ابن خمس و عشرين سنة [40] و قال ابن نما: له يومئذ أكثر من عشر سنين [41] .

قال السيد و غيره: فاستأذن أباه في القتال، فأذن له، ثم نظر اليه نظر آيس منه، و أرخي عليه السلام عينيه بالدموع و بكي، ثم قال بعد أن رفع شيبته الي السماء: اللهم اشهد، فقد برز اليهم غلام أشبه الناس خلقا و خلقا و منطقا برسولك صلي الله عليه و آله و سلم، و كنا اذا اشتقنا الي نبيك نظرنا الي وجهه، اللهم امنعهم بركات الأرض، و فرقهم تفريقا، و مزقهم تمزيقا، و اجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فانهم دعونا لينصروننا، ثم عدوا علينا يقاتلوننا، ثم صاح عليه السلام بعمر بن سعد: مالك؟ قطع الله رحمك، و لا بارك الله في أمرك، و سلط عليك من يذبحك بعدي علي فراشك، كما قطعت رحمي، و لم تحفظ قرابتي من رسول الله، ثم رفع صوته و تلا: (ان الله اصطفي آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران علي العالمين - ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) [42] فتقدم نحو القوم، فجعل يرتجز و يقول:



أنا علي بن الحسين بن علي

نحن و بيت الله أولي بالنبي



أطعنكم بالرمح حتي ينثني

أضربكم بالسيف أحمي عن أبي



ضرب غلام هاشمي علوي

والله لا يحكم فينا ابن الدعي [43] .



فقاتل قتالا شديدا، و قتل جمعا كثيرا.

أقول: علي رواية الصدوق عشرة، ثم رجع الي أبيه، و قال: يا أباه العطش قد قتلني، و ثقل الحديد قد أجهدني فهل لي الي شربة ماء من سبيل؟ فبكي الحسين عليه السلام و قال: واغوثاه يا بني يعز علي محمد و علي علي بن أبي طالب


و علي أن تدعوهم فلا يجيبوك، يا بني هات لسانك، فأخذ بلسانه فمصه و دفع اليه خاتمه، و قال: أمسكه في فيك و قاتل قليلا، فما أسرع ما تلقي جدك محمدا صلي الله عليه و آله و سلم، فيسقيك بكأسه الأوفي، فرجع الي موقف النزال، و جعل يكر كرة بعد كرة و قاتل أعظم القتال [44] .

روي الصدوق في المجالس: حتي قتل منهم أربعة و أربعين رجلا [45] .

و روي ابن شهرآشوب سبعين مبارزا [46] .

و في رواية اخري: قتل مع عطشه مائة و عشرين رجلا، و في رواية: فلم يزل يقاتل حتي قتل تمام المائتين ثم رماه، و قيل: ضربه علي مفرق رأسه منقذ بن مرة العبدي بسهم، فصرعه و ضربه الناس بأسيافهم، ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس الي عسكر الأعداء، فقطعوه بسيوفهم اربا اربا.

فلما بلغت الروح التراقي، قال رافعا صوته: يا أبتاه السلام عليك هذا جدي قد سقاني، و يقرؤك السلام، و يقول لك: عجل القدوم علينا، ثم شهق شهقة فمات، فجاء الحسين عليه السلام حتي وقف عليه، و وضع خده علي خده، و قال: قتل الله قوما قتلوك، ما أجرأهم علي الله و علي انتهاك حرمة الرسول، علي الدنيا بعد العفا.

قال: فخرجت زينب بنت علي عليه السلام تنادي: يا حبيباه، و يابن أخاه، و يا ثمرة فؤاداه، و يا نور عيناه، و جاءت فأكبت عليه، فجاءالحسين عليه السلام فأخذها و ردها الي النساء، و أقبل عليه السلام بفتيانه، و قال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه، فجاؤا به حتي وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه [47] . و في المنتخب: فأخذ عليه السلام رأس ولده و وضعه في حجره و جعل يمسح الدم عن وجهه [48] .

و فيه: أنه لما قتل علي بن الحسين أقبل عليه الحسين عليه السلام، و عليه جبة خز دكناء، و عمامة موردة، و قد أرخي لها عروتين، فقال مخاطبا له: أما أنت يا بني


فقد استرحت من كرب الدنيا و غمها، و ما أسرع اللحوق بك [49] .

ثم جعل أهل بيته يخرج الرجل بعد الرجل، حتي قتل القوم منهم جماعة، فصاح الحسين عليه السلام في تلك الحال، و قال: صبرا يا بني عمومتي صبرا، يا أهل بيتي فوالله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا [50] .

أقول: ثم انه نقل في الكتب بروز قاسم بن الحسن عليه السلام و مبارزته، و ليس فيها ذكر مصاهرته الا في المنتخب، فانه ذكر قصة مصاهرته، و لكن لما ذكر الفاضل المتبحر أن هذه القصة لم يظفر بها في الكتب المعتبرة و الروايات المعتمدة، و كأنه لم يعتمد علي هذا النقل فيه، صفحنا نحن أيضا عن نقله: لأن الناقل أيضا لم ينسب الي أحد، بل قال: و نقل [51] .

روي الفاضل المتبحر عن أبي الفرج و محمد بن أبي طالب و غيرهما و السيد: ثم خرج من بعده القاسم بن الحسن عليه السلام، و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم،فلما نظر الحسين اليه قد برز اعتنقه و جعلا يبكيان حتي غشي عليهما، فلما أفاقا استأذن الحسين عليه السلام في المبارزة، فأبي الحسين عليه السلام أن يأذن له، فلم يزل الغلام يقبل يديه و رجليه حتي أذن له، فخرج و دموعه تسيل علي خديه، و هو يقول:



ان تنكروني فأنا ابن الحسن

سبط النبي المصطفي و المؤتمن



هذا حسين كالأسير المرتهن

بين اناس لاسقوا صوب المزن



و كان وجهه كفلقة القمر، فقاتل قتالا شديدا، حتي قتل علي صغره خمسة و ثلاثين رجلا [52] .

و قال في المنتخب: انه بعد مقاتلته الشجعان و منازلته الفرسان، سار الي عمه الحسين عليه السلام، قال: يا عماه العطش العطش، أدركني بشربة من الماء، فصبره الحسين عليه السلام، و أعطاه خاتمه، و قال: حطه في فمك و مصه، قال القاسم، فلما


وضعته في فمي كأنه عين ماء، فارتويت و انقلبت الي الميدان [53] .

روي السيد و غيره أنه قال حميد بن مسلم: كنت في عسكر ابن سعد، فكنت أنظر الي هذا الغلام، عليه قميص و ازار، و نعلان قد انقطع شسع أحدهما، ما أنسي أنه كان اليسري، فقال عمرو بن سعد الأزدي: والله لأشدن عليه، فقلت: سبحان الله و ما تريد بذلك؟ والله لو ضربني ما بسطت اليه يدي، يكفيه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه قال: والله لأفعلن، فشد فما ولي حتي ضرب رأسه بالسيف ففلقه، و وقع الغلام لوجهه، و نادي: يا عماه أدركني.

قال: فجاء الحسين عليه السلام كالصقر المنقض، فتخلل الصفوف، و شد شدة ليث أغضب، فضرب عمروا قاتله بالسيف، فأتقاه بيده فأطنها من المرفق، فصاح ثم تنحي عنه، و حملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمروا من الحسين، فاستقبلته بصدورها، و جرحته بحوافرها، و وطأته حتي هلك.

قال: و انجلت الغبرة، فاذا بالحسين عليه السلام قائم علي رأس الغلام، و هو يفحص برجليه، فقال الحسين عليه السلام: بعدا لقوم قتلوك، و خصمهم يوم القيامة جدك و أبوك، ثم قال: يعز والله علي عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك صوت، والله كثر واتره و قل ناصره.

ثم احتمله فكأنني أنظر الي رجلي الغلام تخطان في الأرض، و قد وضع صدره علي صدره، فقلت في نفسي: ما يصنع؟ فجاء حتي ألقاه بين القتلي من أهل بيته مع ابنه علي بن الحسين ثم قال: اللهم احصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تغادر منهم أحدا، و لا تغفر لهم أبدا، صبرا يا بني عمومتي، صبرا يا أهل بيتي، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا [54] .

أقول: في بعض نسخ اللهوف: روي محمد بن ابراهيم النعماني في كتاب الغيبة، باسناده عن الباقر عليه السلام: كان الحسين عليه السلام يضع قتلاه بعضهم علي بعض، ثم يقول: قتلة مثل قتلة النبيين و آل النبيين.


ثم خرج عبدالله بن الحسن عليه السلام، و هو يقول:



ان تنكروني فأنا ابن حيدرة

ضرغام آجام و ليث قسورة



علي الأعادي مثل ريح صرصرة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة



فقتل أربعة عشر رجلا، ثم قتله هاني بن شبث [55] الخضرمي، فاسود وجهه [56] أقول: و روي في شهادته رواية اخري سنذكرها عند مقتل الحسين عليه السلام.

و أقول: في المنتخب: روي أن العباس لما رأي وحدته عليه السلام، أتي أخاه، و قال: يا أخي هل من رخصة، فبكي الحسين عليه السلام بكاء شديدا، ثم قال: يا أخي أنت صاحب لوائي، و اذا مضيت يؤول جمعنا الي الشتات، و عمارتنا تنبعث الي الخراب، فقال العباس: فداك روح أخيك، قد ضاق صدري، و سئمت من الحياة، و اريد ان اطالب ثاري من هؤلاء المنافقين، فقال عليه السلام: فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء.

فذهب العباس، فلما توسط الميدان وقف، و قال: يا عمر بن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله يقول: انكم قتلتم أصحابه و اخوته و بني عمه، و بقي فريدا مع أولاده و عياله، و هم عطاش قد أحرق الظمأ قلوبهم، فاسقوه شربة من الماء؛ لأن أطفاله و عياله و صلوا الي الهلاك، و هو مع ذلك يقول لكم: دعوني أخرج الي طرف الروم و الهند، و أخلي لكم الحجاز و العراق، و أشرط لكم أن غدا في القيامة لا اخاصمكم عند الله تعالي حتي يفعل الله بكم ما يريد.

فلما أوصل العباس اليهم الكلام عن أخيه، فمنهم من سكت و لم يرد جوابا، و منهم من جلس يبكي، فخرج الشمر و شبث بن ربعي، فقالا: يابن أبي تراب قل لأخيك: لو كان كل وجه الأرض ماء و هو تحت أيدينا ما أسقيناكم منه قطرة، الا أن تدخلوا في بيعة يزيد، فرجع العباس و عرض علي الحسين ما قالوا: فطأطأ رأسه الي الأرض، و بكي حتي بل أزياقه.

فلما سمع العباس الأطفال ينادون العطش العطش، رمق بطرفه الي السماء،


و قال: الهي و سيدي اريد أن أعتد بعدتي، و أملأ لهؤلاء الأطفال قربة من الماء [57] .

و في رواية اخري: خرج الشمر بعد كلام العباس فقال: قد أعطيتك الأمان مع اخوانك لأن امكم من قبيلتي فما قبلتم، و أما الحسين و أولاده فلا أمان لهم فلابد من قتلهم علي الظمأ فقال العباس: ويحك تراعي قرابتي معك و تعطي الأمان لي و لا تراعي قرابة الحسين مع رسول الله و لا تعطي الأمان له؟ فارتفعت الضجة من عسكر ابن سعد لأجل مقاله فرجع العباس الي آخر الحديث [58] .

روي السيد و المفيد و ابن نما و غيرهم ما ملخصها جميعا، أنه قال: كان العباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه السلام، و هو أكبر الاخوان، لما اشتد العطش بالحسين و أطفاله و نسائه، ركب المسناة [59] يريد الفرات و العباس بين يديه، فاعترضتهما خيل ابن سعد، و فيهم رجل من بني دارم، فقال: حولوا بينه و بين الفرات، و لا تمكنوه من الماء.

فقال الحسين عليه السلام: اللهم اظمئه، فغضب الدارمي و رماه بسهم، فأثبته في حنكه الشريف، فانتزع عليه السلام السهم، و بسط يده تحت حنكه حتي امتلئت راحتاه من الدم، ثم رمي به، و قال: اللهم اني أشكو اليك ما يفعل بابن نبيك، و كان قد أتي له بشربة، فحال الدم بينه و بين الشرب، ثم اقتطعوا العباس عنه، فحملوا عليه و حمل عليهم، و جعل يقول:



لا أرهب الموت اذا الموت رقا

حتي اواري في المصاليت لقا



نفسي لنفس المصطفي الطهر وقا

اني أنا العباس أغدو بالسقا



و لا أخاف الشر يوم الملتقي

ففرقهم و قتل منهم كثيرا، و كشفهم عن المشرعة، و نزل و معه قربة، فملأها و مد يده ليشرب، فذكر عطش الحسين، فقال: والله ما أذوق الماء و سيدي الحسين




عطشان، تم خرج من المشرعة، فأخذوه بالنبال من كل جانب حتي صار درعه كالقنفذ من كثرة السهام، و هو مع ذلك يقاتلهم، و يحمل عليهم، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة، و قيل: أبرش بن سنان الكلبي، وعاونه حكيم بن الطفيل، فضربه علي يمينه، فطارت يمينه، فأخذ السيف بشماله، و حمل و هو يرتجز:



والله ان قطعتم يميني

اني احامي أبدا عن ديني



و عن امام صادق اليقين

نجل النبي الطاهر الأمين



فقاتل حتي ضعف، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة، و قيل: عبدالله بن يزيد، فضربه علي شماله، فقال:



يا نفس لا تخشي من الكفار

و أبشري برحمة الجبار



مع النبي السيد المختار

قد قطعوا ببغيهم يساري



فأصلهم يا رب حر النار

فأخذ السيف بفمه، ثم حمل علي القوم و يداه تنضحان دما و قد ضعف، فضربه ملعون بعمود من حديد، ففلق هامته، فانصرع الي الأرض، و هو ينادي: يا أباعبدالله عليك مني السلام، فلما سمع نداءه حرك جواده اليه، فكشفهم عنه، فلما رآه عليه السلام صريعا علي شاطي ء الفرات، بكي بكاء شديدا، و قال: الآن انكسر ظهري و قلت حيلتي، و أنشأ يقول:



تعديتم يا شر قوم ببغيكم

و خالفتم دين النبي محمد



أما كان خير الرسل أوصاكم بنا

أما نحن من نجل النبي المسدد



أما كانت الزهراء امي دونكم

أما كان من خير البرية أحمد



لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتم

فسوف تلاقوا حر نار توقد



و في ذلك يقول الشاعر:



أحق الناس أن يبكي عليه

فتي أبكي الحسين بكربلاء



أخوه و ابن والده علي

أبوالفضل المضرج بالدماء



و من واساه لا يثنيه شي ء [60] .

و جاد له علي عطش بماء [61] .




و في المنتخب: فلما رأي الحسين عليه السلام أخاه و قد انصرع، صرخ واأخاه واعباساه وامهجة قلباه، يعز والله علي فراقك، فحمله علي ظهر جواده، و أقبل به الي الخيمة، فطرحه و هو يبكي حتي اغمي عليه [62] .

أقول: روي في البحار، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام كانت ام العباس ام هؤلاء الأربعة الاخوة القتلي، تخرج الي البقيع، فتندب بنيها أشجي ندبة و أحرقها، فيجتمع الناس اليها يسمعون منها، و كان مروان يجي ء فيمن يجي ء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها و يبكي [63] .

و عن الباقر أن ام العباس و جعفر و عثمان و عمر أولاد علي بن أبي طالب عليه السلام، الذين استشهدوا بكربلا في نصرة أخيهم الحسين عليه السلام، كانت ابنة حزام الكلابية.

روي أن العباس يكني أباالفضل، و امه ام البنين أيضا، و هو أكبر ولدها، و هو آخر من قتل من اخوته لأبيه و امه، فحاز مواريثهم، ثم تقدم فقتل، فورثهم و اياه عبدالله، و نازعه في ذلك عمه عمر بن علي، فصولح علي شي ء رضي به [64] .

و قد مضي ما روي من الأمالي باسناده، عن الثمالي رواية آخرها، قال علي ابن الحسين عليه السلام: رحم الله العباس، فلقد آثر و ابلي، و فدي أخاه بنفسه، حتي قطعت يداه، فأبدله الله عزوجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، و ان للعباس عند الله تبارك و تعالي منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة [65] .



پاورقي

[1] اللهوف ص 43.

[2] مناقب آل أبي‏طالب 98: 4.

[3] اللهوف ص 44-43.

[4] بحارالأنوار 12: 45.

[5] المنتخب ص 430.

[6] اللهوف ص 45 - 44.

[7] مثير الأحزان ص 60 - 59، و البحار 15: 45 عنه.

[8] الأمالي الصدوق ص 141.

[9] بحارالأنوار 14: 45.

[10] اللهوف ص 45.

[11] الارشاد 104: 2.

[12] في اللهوف جناح.

[13] اللهوف ص 46 - 45.

[14] بحارالأنوار 17: 45.

[15] جلاء العيون ص 664.

[16] بحارالأنوار 17: 45.

[17] الارشاد 103: 2.

[18] اللهوف ص 46.

[19] بحارالأنوار 20: 45.

[20] في اللهوف: برز.

[21] اللهوف ص 47 -46.

[22] البحار 23: 45.

[23] في اللهوف: الشامي، و في البحار: الشبامي.

[24] اللهوف ص 48-47.

[25] الارشاد 105-104: 2.

[26] البحار 21-20: 45.

[27] في البحار: يا ختار.

[28] البحار 21: 45.

[29] البحار 21: 45.

[30] اللهوف ص 48، و البحار 21: 45.

[31] مثير الاحزان ص 65.

[32] بحارالأنوار 26- 25: 45.

[33] اللهوف للسيد بن طاووس ص 48.

[34] بحارالأنوار 28-27: 45.

[35] بحارالأنوار 30-28: 45.

[36] اللهوف ص 48.

[37] مثير الأحزان ص 68.

[38] بحارالأنوار 36-32: 45.

[39] البحار 42: 45.

[40] المناقب 109: 4.

[41] مثير الأحزان ص 68.

[42] آل عمران: 34 - 33.

[43] في بعض المقاتل في هذه الابيات فيها تقديم و تأخير، فراجع.

[44] البحار 43: 45، و اللهوف ص 49.

[45] أمالي الصدوق ص 143.

[46] المناقب لابن شهرآشوب 109: 4.

[47] اللهوف ص 49، و البحار 44: 45.

[48] المنتخب ص 432.

[49] المنتخب ص 438.

[50] اللهوف ص 50 -49.

[51] المنتخب ص 365.

[52] البحار 35-34: 45.

[53] المنتخب ص 366.

[54] البحار 36-35: 45، و اللهوف ص 50.

[55] في البحار: ثبيت.

[56] البحار 36: 45.

[57] المنتخب ص 306-305.

[58] البحار 391: 44.

[59] نظير رکب البحر، و نظيره قوله تعالي «يا بني ارکب معنا» و أصله الستر علي مرتفع شبيه السدة؛ لأن المسناة هي السدة في الوادي، أو في أرض رخو کي يسهل السير، و تصير بمنزلة جادة. و في القاموس و الصحاح: المسناة العرم جمع عرمة کفرحة سد يعترض به الوادي، أو هو الأحباس تبني في الأودية. «منه»

[60] الجملة حالية، أي: لا يعطفه و لا يصرفه عن الحرب شي‏ء (منه»

[61] بحارالانوار 42-39: 45 و 50، و مثير الاحزان ص 71-70 و اللهوف ص 51، و المناقب 108: 4، و الارشاد 109: 2.

[62] المنتخب ص 431.

[63] بحارالأنوار 40: 45.

[64] بحارالأنوار 39: 45.

[65] الأمالي للصدوق ص 414.