بازگشت

في سوانح سنحت في أوان النزال الي أن انجر الأمر الي القتال


روي الفاضل، عن محمد بن أبي طالب: أن ابن زياد جمع الناس في جامع الكوفة، و مدح آل أبي سفيان، و أطري في وصفهم بالاعطاء، و قد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، و أمرني يزيد أن أخرجكم الي حرب الحسين، فأول من خرج شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف.

ثم أرسل الي شبث بن ربعي أن أقبل الينا، و انا نريد أن نتوجه بك الي حرب الحسين، فتمارض شبث، و أراد أن يعفيه ابن زياد، فأرسل اليه: أما بعد، فان رسولي أخبرني بتمارضك، و أخاف أن تكون من الذين (اذا لقوا الذين آمنوا


قالوا آمنا و اذا خلوا الي شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن) [1] ان كنت في طاعتنا، فأقبل الينا مسرعا، فأقبل اليه شبث بعد العشاء، لئلا ينظر الي وجهه، فلا يري عليه أثر العلة، فلما دخل رحب به، و قرب مجلسه، و قال: احب أن تشخص الي قتال هذا الرجل عونا لابن سعد، فقال: أفعل أيها الأمير.

فما زال يرسل اليه بالعساكر، حتي تكامل ثلاثين ألفا. و أقبل حبيب بن مظاهر الي الحسين عليه السلام، فقال: يابن رسول الله هاهنا حي من بني أسد بالقرب منا ائذن لي أن أدعوهم الي نصرتك، فعسي الله أن يدفع بهم عنك، فأذن له، فخرج في الليل اليهم، فعرفوه أنه من بني أسد، فوعظهم، فقال: أنتم قومي و عشيرتي، فأطيعوني اليوم في نصرته، تنالوا بها شرف الدنيا و الآخرة، فاني اقسم بالله لا يقتل أحد منكم مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا الا كان رفيقا لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم.

قال: فوثب اليه منهم عبدالله بن بشير، فقال: أنا أول من يجيب الي هذه الدعوة، ثم تبادر رجال الحي حتي التأم منهم تسعون رجلا، فخرج رجل من الحي الي عمر بن سعد، فأخبره بالحال، فدعا الأزرق و ضم اليه أربعمائة فارس، و وجه نحو بني أسد.

فبينما أولئك القوم أقبلوا يريدون الحسين عليه السلام في جوف الليل، اذا استقبلهم خيل ابن سعد علي شاطي ء الفرات قريبا من عسكره، فاقتتلوا قتالا شديدا، و صاح حبيب بالأزرق: ويلك مالك و مالنا انصرف عنا، و أبي الأزرق أن يرجع، و علمت بنوأسد أنه لا طاقة لهم بالقوم، فانهزموا، ثم انهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من أن يبيتهم ابن سعد، و رجع حبيب الي الحسين عليه السلام فخبره بذلك، فقال عليه السلام: لا حول و لا قوة الا بالله.

قال: و رجعت خيل ابن سعد، و نزلوا علي شاطي ء الفرات، فحالوا بين الحسين و الماء، و أضر العطش بالحسين عليه السلام و أصحابه، و أخذ عليه السلام فأسا و جاء الي وراء خيمة النساء، فخطا في الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة، ثم حفر هناك، فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب و شرب الناس بأجمعهم، و ملؤوا أسقيتهم،


ثم غارت، فلم ير لها أثر.

فبلغ ابن زياد، فأرسل الي ابن سعد أن ضيق عليه في الماء، و لا تدع أن يذوقوا قطرة، كما فعلوا بالزكي عثمان.

فلما اشتد العطش بالحسين عليه السلام دعا بأخيه العباس، فضم اليه ثلاثين فارسا و عشرين راكبا، و بعث معه عشرين قربة، فأقبلوا في جوف الليل فدنوا من الفرات، فقال عمرو بن الحجاج، من أنتم؟ فقال رجل من أصحاب الحسين عليه السلام يقال له: هلال بن نافع البجلي: أنا ابن عم لك جئت أشرب من هذا الماء، فقال عمرو: اشرب هنيئا لك، فقال هلال: ويحك تأمرني أن أشرب و الحسين و من معه يموتون عطشا، فقال عمرو: صدقت و لكن امرنا بأمر لابد أن ننتهي اليه.

فصاح هلال بأصحابه، فدخلوا الفرات، و صاح عمرو بالناس، فاقتتلوا قتالا شديدا، و كان قوم يقاتلون، و قوم يملاؤن حتي ملؤوها، و لم يقتل من أصحاب الحسين أحد، فرجعوا و شرب الحسين عليه السلام و من معه، و لذلك سمي العباس السقاء. [2] .

قال السيد: و ندب عبيدالله بن زياد أصحابه الي قتال الحسين عليه السلام، فاستخف قومه فأطاعوه، و اشتري من عمر بن سعد آخرته بدنياه، و دعاه الي ولاية الحرب، فلباه و خرج لقتال الحسين عليه السلام في أربعة آلاف فارس، و أتبعه ابن زياد بالعساكر، حتي تكملت عنده الي ست ليال خلون من المحرم عشرون ألفا، فضيق [3] علي الحسين عليه السلام، حتي نال منه العطش و من أصحابه.

فقام عليه السلام و اتكأ علي سيفه، و نادي بأعلي صوته، فقال: أنشدكم الله هل تعرفونني؟ قالوا: نعم أنت ابن رسول الله و سبطه، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن امي فاطمة بنت محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي


خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الامة اسلاما؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أنشدكم الله هل تعلمون أن سيد الشهداء حمزة عم أبي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار في الجنة عمي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنا متقلده؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنا لا بسها؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: فأنشدكم الله هل تعلمون أن عليا كان أولهم اسلاما، و أعلمهم علما، و أعظمهم حلما، و انه ولي كل مؤمن و مؤمنة؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فبم تستحلون دمي و أبي عليه السلام الذائد عن الحوض، يذود عنه رجالا، كما يذاد البعير الصادر عن الماء، و لواء الحمد في يد أبي يوم القيامة؟ قالوا: قد علمنا ذلك كله، و نحن غير تاركيك حتي تذوق الموت عطشا.

فلما خطب هذه الخطبة، و سمع بناته و أخواته كلامه، بكين و ندبن، و لطمن خدودهن، و ارتفع أصواتهن، فوجه اليهن أخاه العباس و عليا ابنه، و قال لهما، سكتاهن، فلعمري ليكثرن بكاؤهن. [4] .

قال المفيد: ان عمر بن سعد بعد ما نزل نينوي، عرض علي واحد واحد من رؤساء عساكره أن يأتي الحسين عليه السلام، و يسأله عن سبب مجيئه، و كلهم يأبي ذلك؛ لأنه كاتبه أن يجي ء، و يستحيي أن يأتيه، فقام اليه كثير بن عبدالله الشعبي، و كان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شي ء فقال له: أنا ذاهب اليه، والله لئن شئت لأفتكن [5] به، فقال له عمر: ما أريد أن تفتك به، و لكن آتيه فسله ما الذي جاء به؟

فأقبل اليه كثير، فلما رآه أبوثمامة الصائدي، قال للحسين عليه السلام: أصلحك الله يا أباعبدالله، قد جاءك أشر أهل الأرض، و أجرؤه علي دم و أفتكه، و قام اليه، فقال: ضع سيفك، فقال: لا و لا كرامة انما أنا رسول، فان سمعتم مني بلغتكم ما ارسلت به اليكم، و ان أبيتم انصرفت عنكم، قال: فاني آخذ بقائم سيفك، ثم تكلم


بحاجتك، قال: لا والله لا تمسه، فقال له: فأخبرني بما جئت به، و أنا ابلغه عنك و لا أدعك أن تدنو منه فانك فاجر، فاستبا و انصرف الي عمر بن سعد فأخبره الخبر.

فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قرة ألق حسينا، فاسأله ما جاء به و ماذا يريد؟ فأتاه قرة، فلما رآه الحسين عليه السلام مقبلا، قال: أتعرفون هذا؟ فقال له حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجل من حنظلة تميم، و هو ابن اختنا، قد كنت أعرفه بحسن الرأي، و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد، فجاء حتي سلم علي الحسين عليه السلام، و أبلغه رسالة عمر بن سعد اليه، فقال له الحسين: كتب الي أهل مصركم هذا أن أقدم فقدمت، فأما اذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم.

ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة أين ترجع الي القوم الظالمين؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله و هداك بالكرامة، فقال له قرة: أرجع الي صاحبي بجواب رسالته، و أري رأيي، قال: فانصرف الي عمر بن سعد، فأخبره الخبر، فقال له عمر: أرجو أن يعافيني الله من حربه و قتاله.

و كتب الي عبيدالله بن زياد: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فاني حيث نزلت بالحسين عليه السلام بعثت اليه رسولي، فسألته عما أقدمه؟ و ماذا يطلب؟ فقال: كتب الي أهل هذه البلاد، و أتتني رسلهم يسألوني القدوم عليهم فقدمت، فأما اذا كرهوني، و بدا لهم غير ما أتتني به رسلهم، فأنا منصرف عنهم، قال حسان بن قائد العبسي: و كنت عند عبيدالله حين أتاه هذا الكتاب، فلما قرأه قال:



الآن اذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص



و كتب الي عمر بن سعد: أما بعد، فقد بلغني كتابك، و فهمت ما ذكرت، فأعرض علي الحسين أن يبايع ليزيد هو و جميع أصحابه، فاذا هو فعل ذلك رأينا رأينا والسلام.

فلما ورد الجواب علي عمر بن سعد، قال: قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية. و ورد كتاب آخر في الأثر يأمره بأن يمنعه من الماء أشد المنع.

فبعث عمر بن سعد بعمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس، فحالوا بينه و بين الماء، و نادي عبيدالله بن الحصين بأعلي صوته: يا حسين ألا تنظرون الي


الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوقون منه قطرة حتي تموتوا عطشا، فدعا عليه السلام، اللهم اقتله عطشا، و لا تغفر له أبدا.

قال حميد بن مسلم: والله لعدته في مرضه، فرأيته يشرب حتي يبغر ثم يقيئه، و يصيح العطش العطش، يفعل ذلك مرارا، و يتلظي عطشا حتي لفظ نفسه. [6] .

و روي في المنتخب و غيره: أن الحسين عليه السلام لما رأي اشتداد الأمر عليه، و كثرة العساكر عاكفة عليه، كل منهم يريد قتله، أرسل الي ابن سعد، يستعطفه و طلب الخلوة، فخرج ابن سعد في عشرين، و خرج الحسين عليه السلام في مثله، فلما التقيا أمر عليه السلام أن يتنحوا عنه أصحابه سوي العباس و ابنه علي، و أمر ابن سعد بمثل ذلك و بقي معه ابنه حفص و غلام له.

فقال عليه السلام: ويلك يابن سعد أما تتقي الله الذي اليه معادك، و أنا ابن من علمت، ذر هؤلاء القوم و كن معي، فقال: أخاف أن يهدم داري، فقال عليه السلام: أبنيها لك، فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي، فقال عليه السلام: أنا أخلف عليك البغيبغة، و هي عين عظيمة بالحجاز، و كان معاوية أعطاه في ثمنها ألف ألف دينار من الذهب فلم يبعه، فقال: لي عيال و أخاف عليهم، ثم سكت.

فانصرف الحسين عليه السلام، و هو يقول: ما لك ذبحك الله علي فراشك عاجلا، فو الله اني لأرجو أن لا تأكل بر العراق الا يسيرا، فقال ابن سعد: في الشعير كفاية عن البر، استهزاء بذلك القول.

ثم رجع الي عسكره فاستأذن برير بن خضير لأن يعظه، فأذن له فوعظه بما لا مزيد عليه، فما يزيده الا طغيانا كبيرا، الي أن قال: يا برير أتشير علي أن أترك ولاية الري فتصير لغيري، والله ما أجد نفسي تجيبني الي ذلك أبدا [7] .

ثم قال المفيد: و كتب - أي: ابن سعد - الي عبيدالله بن زياد: أما بعد فان الله قد أطفأ النائرة، و جمع الكلمة، و أصلح أمر الامة، هذا حسين قد أعطاني أن يرجع الي المكان الذي منه أتي، أو أن يسير الي ثغر من الثغور، فيكون رجلا من


المسلمين، له مالهم، و عليه ما عليهم، أو أن يأتي أميرالمؤمنين يزيد فيضع يده في يده، فيري فيما بينه و بينه رأيه، و في هذا لك رضي، و للامة صلاح.

فلما قرأ عبيدالله الكتاب، قال: هذا كتاب ناصح مشفق علي قومه، فقام اليه شمر بن ذي الجوشن، فقال: أتقبل هذا منه؟ و قد نزل بأرضك و الي جنبك، والله لئن رحل من بلادك، و لم يضع يده في يدك، ليكونن أولي بالقوة، و لتكونن أولي بالضعف و العجز، فلا تعطه هذه المنزلة، فانها من الوهن، و لكن لينزل علي حكمك هو و أصحابه، فان عاقبت فأنت أولي بالعقوبة، و ان عفوت كان ذلك لك.

فقال ابن زياد: نعم ما رأيت، الرأي رأيك، اخرج بهذا الكتاب الي عمر بن سعد، فليعرض علي الحسين و أصحابه النزول علي حكمي، فان فعلوا فليبعث بهم الي سلما، و ان هم أبوا فليقاتلهم، فان فعل فاسمع و أطع، و ان أبي أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش، فاضرب عنقه و ابعث الي برأسه.

و كتب الي عمر بن سعد: لم أبعثك الي الحسين لتكف عنه، و لا لتطاوله، و لا لتمنيه السلامة و البقاء، و لا لتعتذر عنه، و لا لتكون له عندي شفيعا، انظر فان نزل حسين و أصحابه علي حكمي فاستسلموا، فابعث به الي سلما، و ان أبوا فازحف اليهم حتي تقتلهم و تمثل بهم، فانهم لذلك مستحقون، فان قتلت حسينا فأوطي ء الخيل صدره و ظهره، فانه عات ظلوم، و لست أري أن هذا يضر بعد الموت شيئا، و لكن علي قول قد قلته: لو قد قتلته لفعلت هذا به، فان أنت مضيت لأمرنا فيه لجزيناك جزاء السامع، و ان أبيت فاعتزل عملنا و جندنا، و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر، فانا قد أمرناه بأمرنا، والسلام. [8] .

أقول: و في المناقب: و كان أمر شمرا أنه ان لم يعمل بما فيه، فاضرب عنقه و أنت الأمير. [9] .

ثم قال المفيد: فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيدالله بن زياد الي عمر ابن سعد، فلما قدم عليه و قرأه، قال له عمر: مالك ويلك، لا قرب الله دارك، و قبح


الله ما قدمت به علي، والله اني لأظنك نهيته عما كتبت به اليه، و أفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح، لا يستسلم والله حسين ان نفس أبيه بين جنبيه، فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك و تقاتل عدوه؟ و الا فخل بيني و بينه و بين الجند و العسكر، قال: و لا كرامة لك، و لكن أنا أتولي ذلك فدونك، فكن أنت علي الرجالة [10] .

و في المناقب: و كان قد كتب لعمر منشورا بالري، فجعل يقول:



فو الله ما أدري و اني لواقف

افكر في أمري علي خطرين



أأترك ملك الري و الري منيتي

أم ارجع مذموما بقتل حسين



ففي قتله النار التي ليس دونها

حجاب و ملك الري قرة عيني [11] .



قال المفيد: و نهض عمر بن سعد الي الحسين عليه السلام عشية الخميس لتسع مضين من المحرم، و جاء شمر حتي وقف علي أصحاب الحسين عليه السلام، و قال: أين بنوا اختنا؟ فخرج اليه جعفر و العباس و عثمان بنو علي عليه السلام، فقالوا: ما تريد؟ فقال: أنتم يا بني اختي آمنون؟ فقال له الفتية: لعنك الله و لعن أمانك أتؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له [12] .

و في رواية السيد: ناداه العباس بن علي تبت يداك، و لعن ما جئت به من أمانك، يا عدو الله أتأمرنا أن نترك أخانا و سيدنا الحسين بن فاطمة، و ندخل في طاعة اللعناء و أولاد اللعناء، قال: فرجع الشمر الي معسكره مغضبا [13] .

قال المفيد: ثم نادي عمر: يا خيل الله اركبي و أبشري بالجنه، فركب الناس، ثم زحف نحوهم بعد العصر، و الحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتب بسيفه، اذ خفق برأسه علي ركبتيه، و سمعت اخته الصيحة، فدنت من أخيها، و قالت: يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين عليه السلام رأسه، و قال: اني رأيت


رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الساعة في المنام، و هو يقول لي: انك تروح الينا [14] .

و في رواية السيد، قال عليه السلام: يا اختاه يا زينب اني رأيت الساعة جدي محمدا و أبي عليا و امي فاطمة و أخي الحسن، و هم يقولون: يا حسين انك رائح الينا عن قريب، و في بعض الروايات غدا.

قال: فلطمت زينب علي وجهها و صاحت، فقال لها الحسين عليه السلام: مهلا لا تشمتي القوم بنا، قال: و لما رأي الحسين عليه السلام حرص القوم علي تعجيل القتال، و قلة انتفاعهم بمواعظ الفعال و المقال، قال لأخيه العباس: ان استطعت أن تصرفهم عنا في هذا اليوم فافعل، لعلنا نصلي لربنا في هذه الليلة، فانه يعلم أني احب الصلاة له و تلاوة كتابه. [15] .

أقول: و في رواية، قيل لعلي بن الحسين عليهماالسلام:ما أقل ولد أبيك؟ فقال: العجب كيف ولد له، كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة، فمتي كان ينوع للنساء [16] .

ثم قال السيد: فسألهم العباس ذلك، فتوقف عمر بن سعد، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي: والله لو أنهم من الترك و الديلم و سألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف و هم آل محمد، فأجابوهم الي ذلك. [17] .

قال المفيد: فرجع العباس من عندهم، و معه رسول من قبل عمر بن سعد يقول: انا قد أخرناكم الي غدوة [18] ، فان استسلمتم سرحناكم الي أميرنا، و ان أبيتم فلسنا تاركيكم [19] .

قال السيد: ثم جاء الليل، فجمع الحسين عليه السلام أصحابه، فحمد الله و أثني عليه، ثم أقبل عليهم، فقال: أما بعد، فاني لا أعلم أصحابا أصلح منكم، و لا أهل بيت أبر و لا أفضل من أهل بيتي، جزاكم الله جميعا عني خيرا، و هذا الليل قد


غشيكم، فاتخذوه جملا، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي و تفرقوا في سواد هذا الليل، و ذروني و هؤلاء القوم الظالمين، فانهم لا يريدون غيري، فقال له اخوته و أبناؤه و أبناء عبدالله بن جعفر، و لم نفعل ذلك؟ لنبقي بعدك، لا أرانا الله ذلك أبدا، بدأهم بذلك القول العباس بن علي عليه السلام، ثم تابعوه، قال: ثم نظر الي بني عقيل، فقال: حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم.

و روي من طريق آخر، قال: فعندها تكلم اخوته و جميع أهل بيته، و قالوا: يابن رسول الله فماذا يقول الناس لنا؟ و ماذا نقول لهم؟ انا تركنا شيخنا و كبيرنا و ابن بنت نبينا، لم نرم معه بسهم، و لم نطعن برمح، و لم نضرب بسيف، لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبدا، و لكنا نقيك بأنفسنا حتي نقتل بين يديك، و نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.

ثم قام مسلم بن عوسجة، و قال: نحن نخليك هكذا و ننصرف عنك، و قد أحاط بك هذا العدو، لا والله لا يراني الله أبدا و أنا أفعل ذلك، حتي أكسر في صدورهم رمحي، و أضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، و لو لم يكن لي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، و لم افارقك، أو أموت معك في قدمك.

قال: و قام سعيد بن عبدالله الحنفي، فقال: لا والله يابن رسول الله لا نخليك أبدا، حتي يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمدا صلي الله عليه و آله و سلم، و لو علمت أني اقتل فيك، ثم أحيي، ثم احرق، ثم أذري، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتي ألقي حماك [20] ، و كيف لا أفعل ذلك و انما هي قتلة واحدة، ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.

ثم قام زهير بن القين، و قال: والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت، ثم نشرت، ثم قتلت، حتي اقتل هكذا ألف مرة، فان الله تعالي قد دفع القتل عنك و عن هؤلاء الفتية من اخوتك و ولدك و أهل بيتك.

قال: و تكلم جماعة من أصحابه بنحو من ذلك، و قالوا: أنفسنا لك الفدا، نقيك بأيدينا و وجوهنا، فاذا نحن قتلنا بين يديك، نكون قد وفينا لربنا و قضينا ما


علينا.

و قيل لمحمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال، قد اسر ابنك بثغر الري، فقال: عند الله أحتسبه و نفسي [21] ما كنت احب أن يوسر، و أنا أبقي بعده، فسمع الحسين عليه السلام قوله، فقال: رحمك الله أنت في حل من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك، فقال: أكلتني السباع حيا ان فارقتك، قال: فاعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

قال: و بات الحسين عليه السلام و أصحابه في تلك الليلة، و لهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع و ساجد و قائم و قاعد، فعبر اليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان و ثلاثون رجلا [22] .

روي المفيد، قال علي بن الحسين عليهماالسلام: اني جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها، و عندي عمتي تمرضني، اذ اعتزل أبي في خباء له، و عنده جون مولي أبي ذر الغفاري، و هو يعالج سيفه و يصلحه، و أبي يقول:



يا دهر اف لك من خليل

كم لك بالاشراق والأصيل



من صاحب و طالب قتيل

والدهر لا يقنع بالبديل



و انما الأمر الجليل

و كل حي سالك سبيلي



فأعادها مرتين أو ثلاثا، حتي فهمتها، و علمت ما أراد، فخنقتني العبرة، فرددتها و لزمت السكوت، و علمت أن البلاء قد نزل. و أما عمتي، فلما سمعت ما سمعت و هي امرأة، و من شأن النساء الرقة و الجزع، فلم تملك نفسها، أن وثبت تجر ثوبها و هي حاسرة حتي انتهت اليه، و قالت: واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت امي فاطمة و أبي علي و أخي الحسن، يا خليفة الماضي، و ثمال الباقي.

فنظر اليها الحسين عليه السلام، و قال لها: يا اخية لا يذهبن حلمك الشيطان، و ترقرقت عيناه بالدموع، و قال: لو ترك القطا لنام، فقالت: يا ويلتاه أفتغتصب


نفسك اغتصابا؟ فذلك أقرح لقلبي، و أشد علي نفسي، ثم لطمت وجهها، و أهوت الي جيبها و شقته، و خرت مغشيا عليها.

فقام اليها الحسين عليه السلام فصب علي وجهها الماء، و قال لها: يا اختاه اتقي الله، و تعزي بعزاء الله، و اعلمي أن أهل الأرض يموتون، و أهل السماء لايبقون، و أن كل شي ء هالك الا وجه الله تعالي، الذي خلق الخلق بقدرته، و يبعث الخلق و يعودون و هو فرد وحده، جدي خير مني، و أبي خير مني، و امي خير مني، و أخي خير مني، ولي و لكل مسلم برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اسوة، فعزاها بهذا و نحوه.

و قال لها: يا اختاه اني أقسمت عليك، فابري قسمي، لا تشقي علي جيبا، و لا تخمشي علي وجها، و لا تدعي علي بالويل و الثبور اذا أنا هلكت، ثم جاء بها حتي أجلسها عندي. [23] .

أقول: و في رواية السيد فسمعت زينب بنت فاطمة عليهاالسلام ذلك، فقالت: يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل، فقال: نعم يا اختاه، فقالت زينب: واثكلاه هذا الحسين ينعي الي نفسه، قال: و بكت و بكي النسوة، و لطمن الخدود، و شققن الجيوب، و جعلت ام كلثوم تنادي، وامحمداه، واعلياه، وااماه، واأخاه، واحسيناه، واضيعتاه بعدك يا أباعبدالله.

قال: فعزاها الحسين عليه السلام و قال لها: يا اختاه تعزي بعزاء الله، فان سكان السماوات يفنون، و أهل الأرض كلهم يموتون، و جميع البرية يهلكون، ثم قال: يا اختاه يا ام كلثوم، و أنت يا زينب، و أنت يا فاطمة، و أنت يا رباب، انظرن اذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيبا، ولا تخمشن علي وجها، و لا تقلن هجرا. [24] .

قال المفيد: ثم خرج الي أصحابه، فأمرهم أن يقرب بعضهم بيوتهم من بعض، و أن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، و أن يكونوا بين البيوت، فيستقبلون القوم من وجه واحد، و البيوت من ورائهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم قد حفت بهم، الا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم، و رجع عليه السلام الي مكانه، فقال الليل كله


يصلي و يستغفر و يدعو و يتضرع، و قام أصحابه كذلك يصلون و يدعون و يستغفرون.

قال الضحاك بن عبدالله: و مرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا، و ان حسينا عليه السلام ليقرأ (و لا تحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين - ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب) [25] فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له: عبدالله بن سمير، و كان مضحاكا، و كان شجاعا بطلا فارسا فاتكا شريفا، فقال: نحن و رب الكعبة الطيبون ميزنا منكم، فقال له برير بن خضير الهمداني: أنت يا فاسق يجعلك الله من الطيبين؟ فقال له: من أنت يا ويلك؟ قال: أنا برير بن خضير، فتسابا. [26] .

و قال الفاضل: و في المناقب: فلما كان وقت السحر، خفق الحسين عليه السلام برأسه خفقة، ثم استيقظ، فقال: أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ فقالوا له: و ما الذي رأيت يابن رسول الله؟ فقال: رأيت كأن كلابا قد شدت علي لتنهشني، و فيها كلب أبقع، رأيته أشدها علي، و أظن أن الذي يتولي قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم، قم اني رأيت بعد ذلك جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و معه جماعة من أصحابه، و هو يقول لي: يا بني أنت شهيد آل محمد، و قد استبشر بك أهل السماوات، و أهل الصفح الأعلي، فليكن افطارك عندي الليلة، عجل و لا تؤخر، و هذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء، فهذا ما رأيت، و قد أنف الأمر، و اقترب الرحيل من هذه الدنيا، لا شك في ذلك [27] .

قال ابن نما: انه جاء رجل، فقال: أين الحسين؟ فقال: ها أنا ذا، قال: فابشر بالنار تردها الساعة، قال: بل أبشر برب رحيم، و شفيع مطاع، من أنت؟ قال: أنا محمد بن الأشعث، قال: اللهم ان كان عبدك كاذبا فخذه الي النار، و اجعله اليوم آية لأصحابه، فما هو الا أن ثني عنان فرسه، فرمي به و ثبتت رجله في الركاب، فضربه حتي قطعه، و وقعت مذاكيره في الأرض، فو الله لقد عجبنا من


سرعة دعائه عليه السلام.

ثم جاء آخر، فقال: أين الحسين؟ فقال: ها أناذا قال: أبشر بالنار، قال: أبشر برب رحيم، و شفيع مطاع، قال: من أنت؟ قال: شمر بن ذي الجوشن، قال الحسين عليه السلام الله أكبر، قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: رأيت كأن كلبا أبقع يلغ في دماء أهل بيتي، و قال الحسين عليه السلام: رأيت كأن كلابا تنهشني، و كان فيها كلب أبقع، كان أشدهم علي، و هو أنت و كان أبرص.

و نقل عن الترمذي أنه قيل للصادق عليه السلام: كم تتأخر الرؤيا، فذكر منام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و كان التأويل بعد ستين سنة. [28] .

قال السيد: فلما كان الغداة أمر الحسين عليه السلام بفسطاط، فضرب، و أمر بجفنة فيها مسك كثير، و جعل عندها نورة، ثم دخل ليطلي.

فروي أن برير بن خضير الهمداني، و عبدالرحمن بن عبد ربه الأنصاري، وقفا علي باب الفسطاط ليطليا بعده، فجعل برير يضاحك عبدالرحمن، فقال له عبدالرحمن: يا برير أتضحك ما هذه ساعة باطل [29] ؟ فقال برير: لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا و لا شابا، و انما أفعل ذلك استبشارا بما نصير اليه، فو الله ما هو الا أن نلقي هؤلاء القوم بأسيافنا و نعالجهم بها، ثم نعانق الحور العين.

قال: و ركب أصحاب عمر بن سعد، فبعث الحسين عليه السلام برير بن خضير فوعظهم [30] .

قال الفاضل المتبحر: فتقدم برير، فقال: يا قوم اتقوا الله، فان ثقل محمد صلي الله عليه و آله و سلم قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته و عترته و بناته و حرمه، فهاتوا ما عندكم، و ما الذي تريدون أن تصنعوه بهم؟ فقالوا: نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد، فيري رأيه فيهم.

فقال لهم برير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا الي المكان الذي جاؤوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم و عهودكم التي أعطيتموها و أشهدتم الله عليها؟


يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم، و زعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتي اذا أتوكم أسلمتوهم الي ابن زياد، و حلأتموهم عن ماء الفرات، بئسما خلفتم نبيكم في ذريته، مالكم لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم.

فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول؟ فقال برير: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة، اللهم اني أبرأ اليك من فعال هؤلاء القوم، اللهم ألق بأسهم بينهم، حتي يلقوك و أنت عليهم غضبان، فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير الي ورائه [31] .

قال المفيد: أمر عليه السلام أن يجعلوا البيوت في ظهورهم، و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت، أن يترك في خندق، كان قد حفر هناك، و أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.

فروي عن علي بن الحسين عليهماالسلام أنه لما أصبحت الخيل بقتل الحسين عليه السلام، رفع يديه الي السماء، و قال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب الدعاء.

قال: و أقبل القوم يجولون حول البيوت، فيرون الخندق في ظهورهم، و النار تضطرم، فنادي شمر بأعلي صوته: يا حسين أتعجلت بالنار في الدنيا قبل يوم القيامة؟ فقال عليه السلام: من هذا كأنه شمر؟ فقالوا له: نعم، فقال: يابن راعية المعزي أنت أولي بها صليا، و رام مسلم بن عوسجة أن يرميه فمنعه عليه السلام فقال: دعني حتي أرميه فانه الفاسق و من عظماء الجبارين، و قد أمكنني الله منه، فقال عليه السلام: أكره أن أبدأهم.

ثم دعا الحسين عليه السلام براحلته، فركبها و نادي بأعلي صوته: يا أهل العراق - و جلهم يسمعون - فقال: أيها الناس اسمعوا قولي، و لا تعجلوا علي حتي أعظكم بما يحق لكم علي، و حتي اعذر اليكم، فان أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، و ان لم تعطوني النصف من أنفسكم، فأجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي و لا تنظرون، ان ولي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولي الصالحين.

ثم حمد الله و أثني عليه، و ذكر الله بما هو أهله، و صلي علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم


و آله، و علي ملائكته، و علي أنبيائه، فلم يسمع متكلم قبله و لا بعده أبلغ منه في منطق.

ثم قال: أما بعد فانسبوني و انظروني من أنا؟ ثم راجعوا أنفسكم و عاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه؟ و أول مؤمن مصدق لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمي و عم أبي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنه بجناحين عمي؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لي و لأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فان صدقتموني بما أقول و هو الحق، والله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، و ان كذبتموني فان فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم.

اسألوا جابر بن عبدالله الأنصاري، و أباسعيد الخدري، و سهل بن سعد الساعدي، و زيد بن أرقم، و أنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لي و لأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟

فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله علي حرف، ان كان يدري ما يقول، فقال له حبيب بن مظاهر، والله اني لأراك تعبد الله علي سبعين حرفا، و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله علي قلبك.

ثم قال لهم الحسين عليه السلام: فان كنتم في شك من هذا، أفتشكون أني ابن بنت نبيكم، فو الله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته،أو بقصاص من جراحة، فأخذوا لا يكلمونه.

فنادي: يا شبث بن ربعي، يا حجار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا يزيد ابن الحارث، ألم تكتبوا الي أن قد أينعت الثمار، و اخضرت الجناب، و انما تقدم علي جند لك مجندة؟ فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول؟ و لكن انزل علي حكم الأمير و بني عمك، فانهم لن يروك الا ما تحب.

فقال له الحسين عليه السلام: لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل، و لا أقر لكم اقرار العبيد، ثم نادي: يا عباد الله اني عذت بربي و ربكم أن ترجمون، أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، ثم انه أناخ راحلته، و أمر عقبة بن


سمعان فعقلها، و أقبلوا يزحفون نحوه. [32] .

في الارشاد: فأقبل عليه السلام، فقالوا له: لم نفعل، فقال: سبحان الله بلي و الله لقد فعلتم، ثم قال: أيها الناس فاذا كرهتموني، فدعوني أنصرف عنكم الي مأمني من الأرض.

قال السيد: انه عليه السلام بعد ما أبلغ في المقال، قال: تبا لكم أيتها الجماعة، و ترحا حين استصرختمونا و الهين، فأصرخناكم مرجفين، سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم، و حششتم علينا نارا اقتدحناها علي عدوكم و عدونا، فأصبحتم البا لأعدائكم علي أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم، و لا أمل أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات تركتمونا، و السيف مشيم، و الجأش طامن، و الرأي لما يستصحف، و لكن أسرعتم اليها كطيرة الدبا، و تداعيتم اليها كتهافت الفراش، فسحقا لكم يا عبيد الامة و شذاذ الأحزاب، و نبذة الكتاب، و محر في الكلم، و عصبة الآثام، و نفثة الشيطان، و مطفي ء السنن، أهؤلاء تعضدون، و عنا تخاذلون أجل و الله غدر فيكم قديم، و شجت عليه اصولكم، و تأزرت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شجي للناظر، و اكلة للغاصب.

ألا و ان الدعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السلة و الذلة، و هيهات منا الذلة، يأبي الله ذلك لنا و رسوله و المؤمنون، و حجور طابت، و حجور طهرت، و انوف حمية، و نفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام، ألا و اني زاحف بهذه الاسرة مع قله العدد و خذلة الناصر، ثم واصل عليه السلام كلامه بأبيات فروة ابن مسيك المرادي:



فان نهزم فهزامون قدما

و ان نغلب فغير مغلبينا



و ما ان طبنا جبن و لكن

منايانا و دولة آخرينا



اذا ما الموت رفع عن اناس

كلا كله أناخ بآخرينا



فأفني ذلكم سروات قومي

كما أفني القرون الأولينا



فلو خلد الملوك اذا خلدنا

و لو بقي الكرام اذا بقينا






فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقي الشامتون كما لقينا



ثم أيم الله لا تلبسون بعدها الا كريث ما يركب الفرس، حتي تدور بكم دور الرحي، و تقلق بكم قلق المحور، عهد عهده الي أبي عن جدي، فأجمعوا أمركم و شركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا الي و لا تنظرون، اني توكلت علي الله ربي و ربكم، ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها، ان ربي علي صراط مستقيم، اللهم احبس عنهم قطر السماء، و ابعث عليهم سنين كسني يوسف، و سلط عليهم غلام ثقيف، يسومهم كأس مصبرة، فانهم كذبونا و خذلونا، و أنت ربنا عليك توكلنا، وليك أنبنا، و اليك المصير [33] .

ثم نزل عليه السلام و نادي: يا عمر بن سعد تقتلني، و تزعم أن الدعي ابن الدعي يوليك الري و الجرجان، فو الله لا تتهنأ بذلك بعدي عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع، فانك لا تفرح بعدي بدنيا و لا آخرة، و كأني برأسك علي قصبة و قد نصب بالكوفة تتراماه الصبيان بالحجارة، فصرف ابن سعد وجهه عنه، و كأن الشيطان قد تمكن منه [34] .

و في المناقب: بعد مطفي ء السنن: و قتلة أولاد الأنبياء، و مبيري عترة الأوصياء و ملحقي العهار بالنسب، و مؤذي المؤمنين، و صراخ أئمة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين، و أنتم ابن حرب و أشياعه تعتضدون، الي آخر الخطبة بتغيير.

و في المناقب باسناده، قال: لما عبأ عمر بن سعد أصحابه لمحاربته عليه السلام، و رتبهم مراتبهم، و أقام الرايات في مواضعها، و عبأ أصحاب الميمنة و الميسرة، فقال لأصحاب القلب: أثبتوا، و أحاطوا بالحسين عليه السلام من كل جانب، حتي جعلوه في مثل الحلقة.

فخرج عليه السلام حتي أتي الناس فاستنصتهم، فأبوا أن ينصتوا، حتي قال لهم: ويلكم ما عليكم أن تنصتوا الي فتسمعوا قولي، و انما أدعوكم الي سبيل الرشاد


فمن أطاعني كان من المرشدين، و من عصاني كان من المهلكين و كلكم عاص لأمري، غير مستمع قولي، فقد ملئت بطونكم من الحرام، و طبع علي قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تستمعون؟ فتلاوم أصحاب ابن سعد بينهم، فقالوا: أنصتوا له، فقام عليه السلام ثم قال: تبا لكم الي آخر الخطبة التي مرت [35] .


پاورقي

[1] البقرة: 14.

[2] بحارالأنوار 388 - 385: 44 ملخصا.

[3] في اللهوف: فضيقوا.

[4] اللهوف ص 38 - 37.

[5] فتک به انتهز منه فرصة فقتله أو جرحه مجاهرة أو أعم. القاموس.

[6] الارشاد 87 - 84: 2 مع تلخيص و تغيير ما في بعض الألفاظ، و البحار 389 - 384: 44 عنه.

[7] البحار 389 - 388: 44.

[8] الارشاد 88 - 87: 2، و البحار 390 - 389: 44 عنه.

[9] مناقب آل أبي‏طالب 97: 4.

[10] الارشاد 89: 2.

[11] مناقب آل أبي‏طالب 98:4.

[12] الارشاد 89: 2، و البحار 391: 44 عنه.

[13] اللهوف ص 38.

[14] الارشاد 90 - 89: 2.

[15] اللهوف ص 39 - 38.

[16] اللهوف ص 41 و النوع بالضم العطش، و المراد هنا الرغبة الي النساء.

[17] اللهوف ص 39.

[18] في الارشاد: غد.

[19] الارشاد 91: 2.

[20] في اللهوف: حمامي دونک.

[21] الواو بمعني مع، أو للعطف علي الضمير المنصوب في أحتسبه «منه».

[22] اللهوف ص 41 - 39، و البحار 394 - 392: 44 عنه.

[23] الارشاد 94 - 93: 2، و البحار 3-1: 45 عنه.

[24] اللهوف ص 36 - 35.

[25] آل عمران: 179 - 178.

[26] الارشاد 95 - 94: 2، و البحار 4-3: 45.

[27] بحارالأنوار 3: 45 عن المناقب.

[28] مثيرالأحزان ص 64. و البحار 31: 45 عنه.

[29] في اللهوف: ساعة ضحک و لا باطل.

[30] اللهوف ص 42-41.

[31] بحارالأنوار 5: 45.

[32] الارشاد 98-95: 2، و البحار 7-4: 45.

[33] اللهوف ص 43 - 42.

[34] البحار 10: 45.

[35] بحارالانوار 8: 45 عن المناقب.