بازگشت

في توجه خامس أصحاب الكساء و بقية أهل بيت المحن


أقول: قال المفيد، و السيد في اللهوف، و الشيخ في روضة الواعظين أيضا بتفاوت ما: انه كان خروج مسلم بن عقيل بالكوفة [يوم الثلاثاء] [1] لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، و قتله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة، و كان توجه الحسين عليه السلام من مكة الي العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة، و هو يوم التروية، بعد مقامه بمكة بقية شعبان و رمضان و شوالا و ذاالقعدة و ثمان من ذي


الحجة سنة ستين، و كان قد اجتمع الي الحسين عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز، و نفر من أهل البصرة، انضافوا الي أهل بيته و مواليه.

و لما أراد الحسين عليه السلام التوجه الي العراق، طاف بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة، و أحل من احرامه و جعلها عمرة؛ لأنه لم يتمكن من تمام الحج، مخافة أن يقبض عليه بمكة، فينفذ الي يزيد بن معاوية، فخرج مبادرا بأهله و ولده و من انضم اليه من شيعته، و لم يكن خبر مسلم بلغه، لخروجه يوم خروجه، علي وجه ما ذكرناه [2] .

و في المنتخب: و ذلك لأن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم، و ولاه أمر الموسم، و أمره علي الحاج كله، و كان قد أوصاه بقبض الحسين عليه السلام سرا، و ان لم يتمكن منه يقتله غيلة، ثم انه لعنه الله دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني امية و أمرهم بقتل الحسين عليه السلام علي كل حال، فلما علم عليه السلام بذلك حل من احرام الحج و جعلها مفردة [3] .

قال السيد في اللهوف و ابن نما: روي أنه عليه السلام لما عزم علي الخروج الي العراق، قام خطيبا، فقال: الحمد لله و ما شاء الله و لا قوة الا بالله، و صلي الله علي رسوله، خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، و ما أولهني الي أسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف، و خير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تتقطعها عسلان الفلوات، بين النواويس و كربلا، فيملأن مني أكراشا جوفاء، و أجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه، و يوفينا اجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقربهم عينه، و ينجز بهم وعده، من كان باذلا فينا مهجته و موطنا علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فاني راحل مصبحا انشاء الله [4] .

و روي السيد - علي ما في بعض نسخ اللهوف - باسناده عن الأعمش، قال: قال أبومحمد الواقدي و زرارة بن صالح: لقينا الحسين بن علي عليهماالسلام قبل أن يخرج


الي العراق بثلاث فأخبرناه ضعف الناس بالكوفة، و ان قلوبهم معه و سيوفهم عليه، فأومي ء بيده الي السماء [5] ، ففتحت أبواب السماء، و نزلت الملائكة عددا، لا يحصيهم الا الله عزوجل، فقال: لولا تقارب الأشياء، و هبوط الأجر، لقاتلتهم بهؤلاء، و لكن أعلم علما يقينا ان هناك مصرعي و مصرع أصحابي، لا ينجو منهم الا ولدي علي.

قال: و رويت من كتاب أهل لأحمد [بن الحسين بن عمر بن بريدة الثقة، و علي الأصل أنه كان لمحمد] [6] بن داود القمي بالاسناد، عن أبي عبدالله عليه السلام، و في المنتخب أيضا نظيرها، و الملخص: أنه لما سمع محمد بن الحنفية أن الحسين عليه السلام أراد الخروج في صبيحة ليلته عن مكة، سار اليه و قد كان بين يديه طست فيه ماء و هو يتوضأ، فجعل يبكي بكاء شديدا حتي سمع، و كف دموعه في الطست مثل المطر، ثم انه صلي المغرب، ثم سار الي أخيه، فقال: يا أخي ان أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك و أخيك، و قد خفت أن يكون حالك كحال من مضي، فان رأيت أن تقيم فانك أعز من بالحرم و أمنعه، فقال: يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت، فقال له ابن الحنفية: فان خفت ذلك فسر الي اليمن، أو بعض نواحي البر، فانك أمنع الناس به و لا يقدر عليك، فقال: أنظر فيما قلت.

فلما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأتاه و أخذ بزمام ناقته التي ركبها، فقال له: يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال: بلي، قال: فما حداك علي الخروج عاجلا؟ فقال: أتاني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين اخرج، فان الله شاء أن يراك قتيلا، فقال له محمد بن الحنفية: انا لله و انا اليه راجعون، فما معني حملك هؤلاء النساء معك و أنت تخرج علي مثل هذا الحال؟ قال: فقال له: قد قال لي: ان الله قد شاء أن يراهن سبايا، فسلم عليه و مضي [7] .


أقول: روي في المناقب و في مقتل ابن نما ما ملفقهما [8] : أنه جاء عبدالله بن العباس و عبدالله بن الزبير، فأشارا عليه بالامساك، فقال لهما: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد أمرني بأمر و أنا ماض فيه، فخرج ابن العباس و هو يقول: واحسيناه.

ثم جاء عبدالله بن عمر، فأشار عليه بصلح أهل الضلال، و حذره من القتل و القتال، فقال: يا أباعبدالرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا علي الله تعالي أن رأس يحيي بن زكريا اهدي الي بغي من بغايا بني اسرائيل، أما تعلم أن بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس سبعين نبيا، ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام، اتق الله يا أباعبدالرحمن، ولا تدع نصرتي [9] .

أقول: قد مضي في معجزاته عليه السلام، معاينة ابن عباس جبرئيل، و قد أخذ بكفه عليه السلام مناديا: هلموا الي بيعة الله عزوجل الخبر.

قال المفيد: و روي عن الفرزدق أنه قال: حججت بامي في سنة ستين، فبينما أنا أسوق بعيرها حتي دخلت الحرم، اذ لقيت الحسين عليه السلام خارجا من مكة معه أسيافه و أتراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟ فقيل: للحسين بن علي عليهماالسلام، فأتيته و سلمت عليه، فقلت له: أعطاك الله سؤلك و أملك فيما تحب بأبي أنت و امي يابن رسول الله، ما أعجلك عن الحج؟ قال: لو لم أعجل لاخذت؟ ثم قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك.

ثم قال لي: أخبرني عن الناس خلفك؟ فقلت: الخبير سألت، قلوب الناس معك، و أسيافهم عليك، و القضاء ينزل من السماء، و الله يفعل ما يشاء، قال: صدقت لله الأمر من قبل و من بعد، و كل يوم ربنا هو في شأن، ان نزل القضاء بما نحب، فنحمد الله علي نعمائه، و هو المستعان علي أداء الشكر، و ان حال القضاء دون الرجاء، فلم يتعد [10] من كان الحق نيته، و التقوي سيرته، فقلت له: أجل بلغك


الله ما تحب، و كفاك ما تحذر، و سألته عن أشياء من نذور و مناسك، فأخبرني بها، و حرك راحلته، و قال: السلام عليك ثم افترقنا.

و كان الحسين بن علي عليهماالسلام لما خرج من مكة اعترضه يحيي بن سعيد بن العاص، و معه جماعة أرسلهم اليه عمرو بن سعيد بن العاص، فقالوا له: انصرف أين تذهب؟ فأبي عليهم و مضي، و تدافع الفريقان، و اضطربوا بالسياط، فامتنع الحسين عليه السلام و أصحابه منهم امتناعا قويا [11] .

أقول: و في رواية ابن نما هذه الزيادة أيضا: و مضي عليه السلام علي وجهه، فبادروه و قالوا: يا حسين ألا تتقي الله، تخرج من الجماعة، و تفرق بين هذه الامة، فقال: لي عملي و لكم عملكم، أنتم بريئون مما أعمل، و أنا بري ء مما تعملون [12] انتهي.

قال السيد: ثم سار حتي مر بالتنعيم، فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريان [13] عامل اليمن الي يزيد بن معاوية، فأخذ الهدية [14] صلوات الله عليه؛ لأن حكم امور المسلمين اليه، و قال لأصحاب الجمال: من أحب أن ينطلق معنا الي العراق، و فيناه كراه، و أحسنا صحبته، و من أحب أن يفارقنا، أعطيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق، فمضي معه قوم و امتنع آخرون [15] .

ثم روي المفيد: ثم ألحقه عبدالله بن جعفر بابنيه عون و محمد، و كتب علي أيديهما كتابا يقول: أما بعد، فاني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا، فاني مشفق عليك من هذا التوجه الذي توجهت له، أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك، فانك ان هلكت اليوم طفي ء نور أهل الأرض، فانك علم المهتدين، و رجاء المؤمنين، فلا تعجل في السير، فاني في أثر كتابي والسلام.

و سار عبدالله الي عمرو بن سعيد، فسأله أن يكتب الي الحسين عليه السلام أمانا


و يمنيه، ليرجع عن وجهه، فكتب اليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة، و يؤمنه علي نفسه، و أنفذه مع أخيه يحيي بن سعيد فلحقه يحيي و عبدالله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه، و دفعا اليه الكتاب، و جهدا به في الرجوع، فقال: اني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المنام، و أمرني بما أنا ماض له، فقالوا له: ما تلك الرؤيا؟ فقال: ما حدثت أحدا بها و لا محدث بها أحدا حتي ألقي ربي عزوجل، فلما يئس منه عبدالله بن جعفر أمر ابنيه عونا و محمدا بلزومه، و المسير معه، و الجهاد دونه، و رجع مع يحيي بن سعيد الي مكة.

و توجه الحسين عليه السلام الي العراق مغذا، لا يلوي الي شي ء [16] ، حتي نزل ذات عرق.

و لما بلغ عبيدالله بن زياد اقبال الحسين عليه السلام من مكة الي الكوفة، بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه، حتي نزل القادسية، و نظم الخيل ما بين القادسية الي خفان، و ما بين القادسية الي القطقطانة، و قال للناس: هذا الحسين يريد العراق [17] .

قال السيد: فلقي بشر بن غالب واردا من العراق، فسأله عن أهلها، فقال: خلفت القوم القلوب معك، و السيوف مع بني امية، فقال: صدق [18] أخو بني أسد، ان الله يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد [19] .

روي الفاضل المتبحر، عن محمد بن أبي طالب: و اتصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة، بأن الحسين عليه السلام توجه الي العراق، فكتب الي ابن زياد: أما بعد، فان الحسين قد توجه الي العراق، و هو ابن فاطمة [و فاطمة] [20] بنت رسول الله، فاحذر يابن زياد أن تأتي اليه بسوء، فتهيج علي نفسك و قومك أمرا في هذه الدنيا، لا يسده شي ء، و لا تنساه الخاصة و العامة أبدا ما دامت الدنيا، فلم يلتفت


ابن زياد الي كتاب الوليد [21] .

أقول: روي ابن نما: و رويت أن الطرماح [22] بن الحكيم، قال: لقيت حسينا، و قد امترت لأهلي ميرة، فقلت: أذكرك الله في نفسك لا يغرنك أهل الكوفة، فوالله لئن دخلتها لتقتلن، و اني أخاف أن لا تصل اليها، فان كنت مجمعا علي الحرب، فانزل أجاء [23] ، فانه جبل منيع، والله مالنا فيه ذل قط، و عشيرتي يرون جميعا نصرك، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم، فقال: ان بيني و بين القوم موعدا أكره أن اخلفهم، فان يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا و كفي، و ان يكن ما لا بد منه ففوز و شهادة، ثم حملت الميرة الي أهلي و أوصيتهم بامور، و خرجت اريد الحسين عليه السلام، فلقيني سماعة بن يزيد النبهاني، فأخبرني بقتله فرجعت [24] .

قال السيد: ثم سار حتي نزل الثعلبيه وقت الظهيرة، فوضع رأسه، فرقد ثم استيقظ، فقال: قد رأيت هاتفا يقول: أنتم تسرعون، و المنايا تسرع بكم الي الجنة، فقال له ابنه علي: يا أبة أفلسنا علي الحق؟ قال: بلي يا بني والذي اليه مرجع العباد، فقال: يا أبة اذن لا نبالي بالموت، فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله يا بني خير ما جزي ولدا عن والد، ثم بات عليه السلام في ذلك الموضع.

فلما أصبح اذا برجل من الكوفة يكني أباهرة الازدي قد أتاه، فسلم عليه، ثم قال: يابن رسول الله ما الذي أخرجك عن حرم الله و حرم جدك محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال له الحسين عليه السلام: ويحك يا أباهرة ان بني امية أخذوا مالي فصبرت، و شتموا عرضي فصبرت، و طلبوا دمي فهربت، و أيم الله لتقتلني الفئة الباغية، و ليلبسنهم الله ذلا شاملا، و سيفا قاطعا، و ليسلطن عليهم من يذلهم حتي يكونوا أذل من قوم سبأ، اذ ملكتهم امرأة، فحكمت في أموالهم و دمائهم.

ثم سار عليه السلام فحدث جماعة من بني فزارة و بجيلة، قالوا: كنا نساير


الحسين عليه السلام مع زهير بن القين لما أقبلنا من مكة حتي لحقناه، فكان اذا أراد النزول اعتزلناه فنزلنا ناحية، فلما كان في بعض الأيام نزل في مكان لم نجد بدا من أن ننازله فيه، فبينا نحن نتغدي من طعام لنا اذ أقبل رسول الحسين عليه السلام حتي سلم علينا، ثم قال: يا زهير بن القين ان أباعبدالله الحسين عليه السلام بعثني اليك لتأتيه، فطرح كل انسان منا ما في يده، حتي كأنما علي رؤوسنا الطير.

فقالت له زوجته و هي ديلم بنت عمرو: سبحان الله أيبعث اليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه، فلو أتيته فسمعت من كلامه، فمضي اليه زهير، فما لبث أن جاء مستبشرا، و قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه و ثقله و متاعه، فحول الي الحسين عليه السلام، و قال لامرأته: أنت طالق، فاني لا احب أن يصيبك بسببي الا خيرا، و قد عزمت علي صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بروحي و أقيه بنفسي، ثم أعطاها مالها و سلمها الي بعض بني عمها ليوصلها الي أهلها، فقامت اليه و بكت و ودعته، و قالت: خار الله لك، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين عليه السلام، فقال لأصحابه: من أحب أين يصحبني، و الا فهو آخر العهد به مني [25] .

أقول: و في روضة الواعظين، و مقتل ابن نما، ثم قال - يعني زهيرا -: اني ساحدثكم حديثا، غزونا البحر، ففتح الله علينا، و أصبنا غنائم، فقال لنا سلمان: أفرحتم بما فتح الله عليكم و أصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم، فقال: اذا أدركتم سيد شباب آل محمد، فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم، فأما أنا فأستودعكم الله. [26] .

قال السيد، و كتب الحسين عليه السلام كتابا الي سليمان بن صرد، و المسيب بن نجيه، و رفاعة بن شداد، و جماعة من الشيعة بالكوفة، و بعث به مع قيس بن مصهر الصيداوي. [27] .

أقول: و في رواية المفيد و يقال: بل بعث أخاه من الرضاعة عبدالله بن يقطر، و كتب معه اليهم، بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي الي سليمان بن


صرد، و المسيب بن نجية، و رفاعة بن شداد، و عبدالله بن وال، و جماعة المؤمنين، أما بعد فقد علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد قال في حياته: من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان، ثم لم يغير بقول و لا فعل، كان حقيقا علي الله أن يدخله مدخله، و قد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، و تولوا عن طاعة الرحمن، و أظهروا الفساد، و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفي ء، و أحلوا حرام الله، و حرموا حلاله، فاني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و قد أتتني كتبكم، و قدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني و لا تخذلوني، فان وفيتم لي بيعتكم، فقد أصبتم حظكم و رشدكم، و نفسي مع أنفسكم، و أهلي و ولدي مع أهاليكم و أولادكم، فلكم بي أسوة، و ان لم تفعلوا و نقضتم عهودكم و خلعتم بيعتكم، فلعمري ما هي منكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي و أخي و ابن عمي، و المغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، و نصيبكم ضيعتم، و من نكث فانما ينكث علي نفسه، و سيغني الله عنكم، والسلام.

قال السيد: فلما قرب دخول الكوفة، اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيدالله بن زياد ليفتشه، فأخرج الكتاب و مزقه، فحمله الحصين الي ابن زياد، فلما مثل بين يديه، قال: من أنت؟ قال: أنا رجل من شيعة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب و ابنه، قال: فلماذا مزقت الكتاب؟ قال: لئلا تعلم ما فيه، قال: و ممن الكتاب و الي من؟ قال: من الحسين الي جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم، فغضب ابن زياد و قال: و الله لا تفارقني حتي تخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين بن علي و أباه و أخاه، و الا قطعتك اربا اربا.

فقال قيس: أما القوم فلا اخبرك بأسمائهم، و أما لعن الحسين و أبيه و أخيه فأفعل، فصعد المنبر، فحمد الله و أثني عليه، و صلي علي النبي و آله، و أكثر من الترحم علي علي و ولديه صلوات الله عليهما و عليه، ثم لعن عبيدالله بن زياد و أباه، و لعن عتاة بني امية عن آخرهم.

ثم قال: أيها الناس أنا رسول الحسين عليه السلام اليكم، و قد خلفته بموضع كذا فأجيبوه، فأخبر ابن زياد بذلك، فأمر بالقائه من أعالي القصر، فالقي من هناك،


فمات، فبلغ الحسين عليه السلام موته فاستعبر بالبكاء ثم قال: اللهم اجعل لنا و لشيعتنا عندك منزلا كريما، و اجمع بيننا و بينهم في مستقر رحمتك، انك علي كل شي ء قدير. [28] .

قال المفيد: و روي أنه وقع علي الأرض مكتوفا، فكسرت عظامه، و بقي به رمق، فأتاه رجل يقال له: عبدالملك بن عمير اللخمي، فذبحه، فقيل له في ذلك و عيب عليه، فقال: أردت أن اريحه.

ثم روي المفيد في الارشاد ما مجمله: أن عبدالله بن مطيع لقيه في بعض الطريق، فالتمس منه الرجوع، و بالغ فيه، فأبي عليه السلام الا أن يمضي، قال: و كان عبيدالله بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة [29] ، الي طريق الشام، و الي طريق البصرة، فلا يدعون أحدا يلج و لا أحدا يخرج، و أقبل الحسين عليه السلام و هو لا يشعر بشي ء حتي لقي الأعراب، فسألهم، فقالوا: لا والله ما ندري غير أنا لا نستطيع أن نلج و لا نخرج، فسار من تلقاء وجهه.

ثم قال أيضا: روي عبدالله بن سليمان و المنذر بن المشمعل الأسديان، قالا: لما قضينا حجنا، لم يكن لنا همة الا اللحاق بالحسين عليه السلام لننظر ما يكون من أمره، فلحقناه بزرود، فاذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رآه، فوقف كأنه يريده ثم تركه و مضي، فمضينا الي الرجل حتي انتهينا اليه، و قلنا: ممن الرجل؟ قال: أسدي، قلنا: و نحن أسديان، فاذا هو بكر بن فلان، فاستخبرناه ما وراءك؟ قال: لم أخرج من الكوفة حتي قتل مسلم و هاني، و رأيتهما يجران بأرجلهما في السوق.

فأقبلنا الي الحسين عليه السلام، فقلنا له: ان عندنا خبر، ان شئت حدثناك علانية، و ان شئت سرا، فنظر الينا و الي أصحابه، ثم قال: ما دون هؤلاء ستر، قلنا: الراكب الذي استقبلك عشية أمس امرؤ ذو رأي و صدق و عقل، و حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتي قتل مسلم و هاني، و رآهما يجران بأرجلهما في السوق، فاسترجع عليه السلام


و ترحم عليه، يردد ذلك مرارا فقلنا له: ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك الا انصرفت، فنظر الي بني عقيل، فقال: ما ترون فقد قتل مسلم؟ فقالوا: والله لا نرجع حتي نصيب ثأرنا، أو نذوق ما ذاق، فأقبل عليه السلام علينا و قال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنه قد عزم علي المسير، فقلنا: خار الله لك، فقال: رحمكم الله، فقال بعض أصحابه: والله ما أنت مثل مسلم، و لو قدمت الكوفة لكان الناس اليك أسرع.

فلما انتهينا الي زبالة، أتاه خبر عبدالله بن يقطر، فأخرج الي الناس كتابا فقرأه عليهم، ثم قال: قد أتانا خبر فضيع، خبر قتل مسلم و هاني و عبدالله بن يقطر، و قد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج، ليس عليه ذمام.

فتفرق الناس حتي بقي في أصحابه الذين جاؤا معه من المدينة، و يسير ممن انضموا اليه، و انما فعل ذلك لأنه علم عليه السلام أن الأعراب انما اتبعوه لظنهم أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه الا و هم يعلمون علي ما يقدمون. [30] .

و في رواية السيد أنه بعد ما جاء خبر مسلم لقيه الفرزدق، فقال: يابن رسول الله كيف تركن الي الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل؟ فاستعبر عليه السلام باكيا، فقال: رحم الله مسلما، فلقد صار الي روح الله و ريحانه و تحيته و رضوانه، أما أنه قد قضي ما عليه و بقي ما علينا، ثم أنشأ يقول:



فان تكن الدنيا تعد نفيسة

فدار ثواب الله أعلي و أنبل



و ان تكن الأبدان للموت انشأت

فقتل امري ء بالسيف في الله أفضل



و ان تكن الأرزاق قسما مقدرا

فقلة حرص المرء في الرزق أجمل



و ان تكن الأموال للترك جمعها

فما بال متروك به المرء يبخل [31] .



أقول: قد مضي قبيل هذا في رواية المفيد ملاقاته عليه السلام الفرزدق عند الحرم،


فلعله بعد ما قضي مناسكه تعقبه، فلحق به في بعض المنازل.

قال المفيد: ثم سار حتي مر ببطن العقبة، فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له، عمرو بن لوذان، قال له: أين تريد؟ قال له الحسين عليه السلام: الكوفة، فقال له الشيخ: أنشدك الله لما انصرفت، فو الله ما تقدم الا علي الأسنة و حد السيوف، و ان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال، و وطؤا لك الأشياء فقدمت عليهم، كان ذلك رأيا، فأما علي هذه الحال التي تذكر، فاني لا أري لك أن تفعل، فقال له: يا عبدالله ليس يخفي علي الرأي، و لكن الله تعالي لا يغلب علي أمره.

ثم قال عليه السلام: والله لا يدعونني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فاذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم، حتي يكونوا أذل فرق الامم.

ثم سار عليه السلام من بطن العقبة حتي نزل شراف، فلما كان السحر أمر فتيانه، فاستقوا من الماء فأكثروا، ثم سار حتي انتصف النهار.

فبينما هو يسير اذ كبر رجل من أصحابه، فقال له الحسين عليه السلام: الله اكبر، لم كبرت؟ قال: رأيت النخيل، قال جماعة ممن صحبه: والله ان هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط، فقال الحسين عليه السلام: فما ترونه؟ قالوا: والله نراه أسنة الرماح و آذان الخيل، فقال عليه السلام: و أنا والله أري ذلك.

ثم قال عليه السلام: ما لنا ملجأ نلجأ اليه، و نجعله في ظهورنا، و نستقبل القوم بوجه واحد، فقلنا له: بلي هذا ذو جشم [32] الي جنبك، فمل اليه عن يسارك، فان سبقت اليه فهو كما تريد، فأخذ اليه ذات اليسار و ملنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل، فتبيناهم و عدلنا، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا الينا، كأن أسنتهم اليعاسيب [33] ، و كأن راياتهم أجنحة الطير، فاستبقنا الي ذي جشم، فسبقناهم اليه، و أمر الحسين عليه السلام بأبنيته فضربت.

و جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي، حتي وقف هو


و خيله مقابل الحسين عليه السلام في حر الظهيرة، و الحسين و أصحابه معتمون متقلدون بأسيافهم، فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، و رشفوا الخيل ترشيفا، ففعلوا، و أقبلوا يملؤون القصاع و الطساس من الماء، ثم يدنونها من الفرس، فاذا عب فيها ثلاثا أو أربعا او خمسا عزلت عنه و سقوا آخر، حتي سقوها عن آخرها.

فقال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر يومئذ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلما رأي الحسين عليه السلام ما بي و بفرسي من العطش، قال: أنخ الراوية، و الراوية عندي السقاء، قال: يابن الأخ أنخ الجمل فأنخته، فقال: اشرب، فجعلت كلما أشرب سال الماء من السقاء، فقال الحسين عليه السلام: أخنث السقاء، أي: أعطفه، فلم أدري كيف أفعل، فقام فخنثه [34] ، فشربت و سقيت فرسي.

و كان مجي ء الحر بن يزيد من القادسية، و كان عبيدالله بن زياد بعث الحصين ابن نمير، و أمره أن ينزل القادسية، و تقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم حسينا عليه السلام، فلم يزل الحر موافقا للحسين عليه السلام حتي حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق أن يؤذن.

فلما حضرت الاقامة، خرج الحسين عليه السلام في ازار و رداء و نعلين، فحمد الله و أثني عليه، ثم قال: أيها الناس اني لم آتكم حتي أتتني كتبكم، و قدمت علي رسلكم، أن أقدم علينا، فليس لنا امام، لعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي و الحق، فان كنتم علي ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن اليه من عهودكم و مواثيقكم، و ان لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين، انصرفت عنكم الي المكان الذي جئت منه اليكم.

فسكتوا عنه و لم يتكلموا كلمة، فقال للمؤذن: أقم، فأقام الصلاة، فقال للحر: أتريد أن تصلي بأصحابك؟ فقال الحر: لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك، فصلي بهم الحسين عليه السلام، ثم دخل فاجتمع اليه أصحابه، و انصرف الحر الي مكانه الذي كان فيه، فدخل خيمة قد ضربت له، فاجتمع اليه جماعة من أصحابه، و عاد


الباقون الي صفهم الذي كانوا فيه، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه و جلس في ظلها.

فلما كان وقت العصر، أمر الحسين عليه السلام أن يتهيأ واللرحيل، ففعلوا، ثم أمر مناديه فنادي بالعصر و أقام، فاستقدم الحسين عليه السلام فصلي بالقوم، ثم سلم و انصرف اليهم بوجهه، فحمد الله و أثني عليه، و قال: أما بعد أيها الناس فانكم ان تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله، يكن أرضي لله عنكم، و نحن أهل بيت محمد أولي بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، و السائرين فيكم بالجور و العدوان، فان أبيتم الا الكراهية لنا و الجهل بحقنا، و كان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم و قدمت علي به رسلكم، انصرفت عنكم.

فقال الحر: أنا والله ما أدري ما تقول، و ما هذه الكتب و الرسل التي تذكرها؟ فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه: يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم الي، فأخرج خرجين مملوءين صحفا، فنشرت بين يديه، فقال له الحر: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك، و قد امرنا أنا اذا لقيناك لا نفارقك حتي نقدمك الكوفة علي عبيدالله بن زياد.

فقال الحسين عليه السلام: الموت أدني اليك من ذلك، ثم قال لأصحابه، قوموا فاركبوا، فركبوا و انتظر حتي ركبت نساؤه، فقال لأصحابه: انصرفوا، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف، فقال الحسين عليه السلام للحر: ثكلتك امك ما تريد؟ فقال الحر: أما لو كان غيرك من العرب يقولها لي، و هو علي مثل الحال التي أنت عليها، لما تركت ذكر امه بالثكل كائنا من كان، و لكن والله مالي من ذكر امك من سبيل الا بأحسن ما نقدر عليه.

فقال له الحسين عليه السلام: فما تريد؟ قال: اريد أن أنطلق بك الي الأمير عبيدالله ابن زياد، فقال: اذن والله لا أتبعك، فقال: اذا والله لا أدعك فتراددا القول بينهما ثلاث مرات.

فلما كثر الكلام بينهما، قال له الحر: اني لم اؤمر بقتالك، انما امرت أن لا افارقك حتي أقدمك الكوفة، فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة، و لا يردك الي المدينة، يكون بيني و بينك نصفا، حتي أكتب الي الأمير عبيدالله بن زياد، فلعل


الله أن يرزقني العافية من أن ابتلي بشي ء من أمرك، فخذ هاهنا.

فتياسر عن طريق العذيب و القادسية، و سار الحسين عليه السلام و سار الحر في أصحابه يسايره، و هو يقول له: يا حسين اني اذكرك الله في نفسك، فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، فقال له الحسين عليه السلام: أفبالموت تخوفني؟ و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ و سأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه، و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فخوفه ابن عمه و قال: أين تذهب؟ فانك مقتول، فقال:



سأمضي و ما بالموت عار علي الفتي

اذا ما نوي حقا و جاهد مسلما



و آسي الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا و ودع مجرما



فان عشت لم أندم و ان مت لم الم

كفي بك ذلا أن تعيش مذمما [35] .



قال الفاضل المتبحر: ثم أقبل الحسين عليه السلام علي أصحابه، و قال: هل فيكم أحد يعرف الطريق علي غير الجادة؟ فقال الطرماح: نعم يابن رسول الله أنا أخبر الطريق، فقال الحسين عليه السلام: سر بين أيدينا، فسار الطرماح و اتبعه الحسين عليه السلام و أصحابه، و الطرماح يرتجز و يقول:



يا ناقتي لا تذعري من زجري

و امضي بنا قبل طلوع الفجر



بخير فتيان و خير سفر

آل رسول الله آل الفخر



السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر



الضاربين بالسيوف البتر

حتي تحلي بكريم الفخر



الماجد الجد رحيب الصدر

أثابه الله لخير أمر



عمره الله بقاء الدهر

يا مالك النفع معا و الضر



أيد حسينا سيدي بالنصر

علي الطغاة من بغايا الكفر



علي اللعينين سليلي صخر

يزيد لا زال حليف الخمر



و ابن زياد عهر ابن العهر [36] .

و في مقتل ابن نما: ان الحر يسير بهم و ينشد بعض هذه الأبيات [37] .




و في المناقب نسبه اليه عليه السلام [38] .

روي المفيد عن عقبة بن سمعان، أنه قال: فسرنا معه ساعة، فخفق عليه السلام، و هو علي ظهر فرسه خفقة، ثم انتبه و هو يقول: انا لله و انا اليه راجعون، الحمد لله رب العالمين، ففعل ذلك مرتين أو ثلاث، فأقبل اليه ابنه علي بن الحسين عليه السلام، فقال: مم حمدت الله و استرجعت؟

قال: يا بني خفقت خفقة، فعن لي فارس علي فرس و هو يقول: القوم يسيرون و المنايا تسير اليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت الينا، فقال له: يا أبة لا أراك الله سوء ألسنا علي الحق؟ قال: بلي والله الذي مرجع العباد اليه، فقال: فاننا اذا ما نبالي أن نموت محقين، فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله من ولد خير ما جزي ولدا عن [39] والده [40] .

قال السيد: فتياسر الحسين عليه السلام حتي وصل الي عذيب الهجانات، قال: فورد كتاب عبيدالله بن زياد الي الحر يلومه في أمر الحسين عليه السلام، و يأمره بالتضييق عليه، فعرض له الحر و أصحابه، و منعوه من المسير، فقال له الحسين عليه السلام: ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق؟ فقال له الحر: بلي و لكن كتاب الأمير عبيدالله قد وصل الي يأمرني فيه بالتضييق، و قد جعل علي عينا يطالبني بذلك.

قال: فقام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه، فحمد الله و أثني عليه، و ذكر جده فصلي عليه، ثم قال: انه قد نزل من الأمر ما قد ترون، و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت، و أدبر معروفها، و استمرت حذاء، و لم يبق منها الا الصبابة كصبابة الاناء، و خسيس عيش كالمرعي الوبيل، ألا ترون الي الحق لا يعمل به، و الي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا، فاني لا أري الموت الا سعادة، و الحياة مع الظالمين الا برما.

فقام اليه زهير بن القين، فقال: سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك، و لو كانت الدنيا لنا باقية و كنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك علي الاقامة فيها.


قال: و وثب هلال بن نافع البجلي، فقال: والله ما كرهنا لقاء ربنا و انا علي نياتنا و بصائرنا، نوالي من والاك، و نعادي من عاداك، قال: و قام برير بن خضير، فقال: والله يابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، و تقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة، قال: فجزاهم خيرا. [41] .

قال الفاضل: و في المناقب [42] ، فقال زهير: فسر بنا حتي ننزل بكربلا، فانها علي شاطي ء الفرات، فنكون هنالك، فان قاتلونا قاتلناهم، و استعنا الله عليهم، قال: فدمعت عينا الحسين عليه السلام، ثم قال: اللهم اني أعوذ بك من الكرب و البلاء.

و نزل الحسين عليه السلام في موضعه ذلك، و نزل الحر بن يزيد حذاءه في ألف فارس، و دعا الحسين عليه السلام بداوة و بياض، و كتب الي أشراف الكوفة كتابا علي نهج ما مر.

ثم قال: فجمع الحسين عليه السلام ولده و اخوته و أهل بيته، ثم نظر اليهم فبكي ساعة، ثم قال: اللهم انا عترة نبيك محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و قد اخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدنا، و تعدت بنوامية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا، و انصرنا علي القوم الظالمين.

قال: فرحل من موضعه حتي نزل في يوم الأربعاء أو يوم الخميس بكربلا، و ذلك في الثاني من المحرم سنة احدي و ستين، ثم أقبل علي أصحابه، فقال: الناس عبيد الدنيا، و الدين لعق علي ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون.

ثم قال: أهذه كربلاء؟ فقالوا: نعم يابن رسول الله، فقال: هذا موضع كرب و بلاء، هاهنا مناخ ركابنا، و محط رحالنا، و مقتل رجالنا، و مسفك دمائنا. [43] .

في منتخب المراثي، و مقتل أبي مخنف ما ملفقهما، انهم لما وصلوا كربلا و هو يوم الأربعاء، اذ وقف الجواد الذي تحت الحسين عليه السلام، و لم ينبعث من تحته، و كلما حثه علي المسير لم ينبعث خطوة واحدة يمينا و لا شمالا، فركب غيره، فلم


ينبعث من تحته، فلم يزل الحسين عليه السلام يركب فرسا فرسا، حتي ركب ستة أفراس، و هي لا تخطو تحته خطوة واحدة.

فلما نظر الي ذلك، قال لهم: يا قوم أي موضع هذا؟ فقالوا: هذه الغاضرية، فقال لهم: يا قوم هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: نعم شاطء الفرات، فقال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: نعم تسمي كربلا، فعند ذلك تنفس الصعداء، و بكي بكاء شديدا، فقال: هذه والله أرض كرب و بلاء، هاهنا والله تقتل الرجال، و هاهنا والله ترمل النسوان، و تذبح الأطفال، و هاهنا والله تهتك الحريم، فانزلوا بنا ياكرام، فهاهنا محل قبورنا، و هاهنا والله سفك دمائنا، و هاهنا والله قتل رجالنا، و هاهنا والله محشرنا و منشرنا، و هاهنا و الله وعدني جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و لا خلف لوعده، ثم انه نزل عن فرسه. [44] .

ثم روي الفاضل المتبحر عن المناقب، قال: فنزل القوم، و أقبل الحر حتي نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس، ثم كتب الي ابن زياد يخبره بنزول الحسين عليه السلام بكربلا.

و كتب ابن زياد الي الحسين عليه السلام: أما بعد يا حسين، فقد بلغني نزولك بكربلاء، و قد كتب الي أميرالمؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير [45] و لا أشبع من الخمير، أو الحقك باللطيف الخبير، أو ترجع الي حكمي و حكم يزيد بن معاوية، والسلام.

فلما ورد كتابه علي الحسين عليه السلام و قرأه رماه من يده، ثم قال: لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فقال له الرسول، جواب الكتاب؟ أباعبدالله، فقال: ما له عندي جواب، لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب، فرجع الرسول اليه فخبره بذلك، فغضب عدو الله من ذلك أشد الغضب، و التفت الي عمر بن سعد، و أمره بقتال الحسين عليه السلام، و قد كان ولاه الري قبل ذلك، فاستعفي عمر من ذلك، فقال ابن زياد: فاردد الينا عهدنا، فاستمهله، ثم قبل بعد يوم خوفا عن أن يعزل


عن ولاية الري. [46] .

أقول: قد مضي قبيل المسلك الأول ما يناسب المقام من نصيحة الكامل له، و قصة الراهب، و عدم اتعاظه، و قطع ابن زياد لسان الكامل و هلاكه رحمة الله عليه، بعد يوم أو بعض يوم بالقطع، فتذكر.


پاورقي

[1] الزيادة من البحار.

[2] بحارالأنوار 363: 44 عن الارشاد 67 - 66: 2 و غيره.

[3] المنتخب ص 424.

[4] اللهوف ص 26: و مثير الاحزان ص 41، و البحار 367 - 366: 44.

[5] في اللهوف: نحو السماء.

[6] ما بين المعقوفتين ساقطة من الأصل، و أثبتناها من اللهوف.

[7] اللهوف ص 28 - 27، المنتخب للطريحي ص 424، و البحار 364: 44.

[8] أوله منقول من المناقب، و آخره من مقتل الشيخ ابن‏نما بتغيير ما «منه».

[9] مثير الأحزان ص 41، و اللهوف ص 14 - 13، و البحار 365 - 364: 44.

[10] قد صحح الفاضل في البحار «لم يبعد» من البعد، أي: من الخير و النجاح و الفلاح، و لو کان «لم يتعد» من التعدي، کما في نسخة من الارشاد عتيقة، کان خاليا من التکلف «منه».

[11] الارشاد 68 - 67: 2، و البحار 365: 44.

[12] مثير الاحزان لابن نما ص 39.

[13] في المصدرين: ريسان.

[14] هذه الرواية قد رواها المفيد و ليس فيها أخذ الهدية، بل انه عليه‏السلام استأجر جمالا لأهله و اصحابه «منه».

[15] اللهوف ص 30، و البحار 367: 44.

[16] الاغذاذ في السير: الاسراع فيه. و قوله «لا يلوي» أي: لا يلتفت و لا يعطف «منه».

[17] الارشاد 69 - 68: 2، و البحار 369 - 365: 44.

[18] في المطبوع: صدقت.

[19] اللهوف ص 30، و البحار 367: 44 عنه.

[20] الزيادة من البحار.

[21] بحارالأنوار 368: 44 عنه.

[22] و هذا غير الطرماح بن عدي علي ما سيجي‏ء في المجلس الرابع من المسلک الثاني من انه کان حاضرا في الواقعة فلا تغفل «منه».

[23] أجأ أحد جبلي طي‏ء.

[24] مثير الاحزان ص 40 - 39، و البحار 369: 44 عنه.

[25] اللهوف ص 31 - 30، و البحار 371 - 367: 44 عنه.

[26] مثير الاحزان ص 47، و روضة الواعظين ص 178، و البحار 372:44.

[27] اللهوف ص 32

[28] اللهوف ص 33 - 32، و البحار 370: 44

[29] واقصة: موضع في طريق مکة الي العراق.

[30] الارشاد 76 - 71: 2

[31] اللهوف ص 32

[32] في الارشاد: ذو حسمي.

[33] اليعسوب: ملک النحل، کذا في القاموس. و التشبيه اما باعتبار الکثرة و الازدحام، أو لحدة الرماح کابرتها «منه».

[34] خنثت السقاء اذا ثنيته الي خارج فشربت منه، فان کسرته الي داخل فقد قبعته. القاموس.

[35] الارشاد 81 - 76: 2، و البحار 378 - 375: 44 عنه، و فيهما في آخر الشعر، أن تعيش و ترغما.

[36] بحارالأنوار 379 - 378: 44

[37] مثير الأحزان ص 48.

[38] مناقب آل أبي‏طالب 96: 4، و يظهر منه نسبة الأبيات الي الطرماح نفسه.

[39] قد مضي قبل ذلک نظير هذا الجواب و السؤال منه عليه‏السلام مع ابنه، و الظاهر أنهما واقعتان فلا تکرار «منه».

[40] الارشاد 82: 2، و البحار 379: 44 عنه.

[41] اللهوف ص 35 - 34.

[42] الظاهر أنه غير مناقب ابن‏شهرآشوب لأني لم أظفر به فيه «منه»

[43] بحارالأنوار 383 - 381: 44 عن المناقب.

[44] المنتخب ص 428.

[45] الوثير و الوثر بالکسر و المثيرة: الثوب الذي يجلل به الثياب فيعلوها. القاموس.

[46] بحارالانوار 384 - 383: 44 عنه.