بازگشت

في سبب انزعاجه عن المدينة الي أن نزل مكة شرفهما الله جلالة


في البحار، من رجال الكشي، روي أن مروان بن الحكم كتب الي معاوية، و هو عامله علي المدينة: أما بعد، فان عمرو بن عثمان ذكر أن رجالا من أهل العراق، و وجوه أهل الحجاز، يختلفون الي الحسين بن علي عليهماالسلام، و ذكر أنه لا يأمن وثوبه، و قد بحثت من ذلك، فبلغني أنه لا يريد الخلاف يومه هذا، و لست آمن أن يكون هذا أيضا لما بعده، فاكتب الي برأيك في هذا والسلام.

فكتب اليه معاوية: و قد بلغني و فهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين فاياك أن تعرض للحسين في شي ء، واترك حسينا ما تركك، فانا لا نريد أن نعرض له في


شي ء ما و في بيعتنا، و لم ينازعنا سلطاننا، فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته [1] .

و روي الصدوق في مجالسه، مسندا الي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام، قلت له: حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قال: حدثني أبي، عن أبيه، قال: لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد، فأجلسه بين يديه، فقال له: يا بني اني ذللت لك الرقاب الصعاب، و وطدت لك البلاد، و جعلت الملك و ما فيه لك طعمة، و اني أخشي عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم، و هم: عبدالله بن عمر بن الخطاب، و عبدالله بن الزبير، و الحسين بن علي بن أبي طالب.

فأما عبدالله بن عمر، فهو معك، فالزمه و لا تدعه. و أما عبدالله بن الزبير، فقطعه ان ظفرت به اربا اربا، فانه يجثو عليك [2] ، كما يجثو الأسد لفريسته، و يواريك مواراة الثعلب للكلب.

و أما الحسين، فقد عرفت حظه من رسول الله، و هو من لحم رسول الله و دمه، و قد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه اليهم، ثم يخذلونه و يضيعونه، فان ظفرت به، فاعرف حقه و منزلته من رسول الله، و لا تؤاخذه بفعله، و مع ذلك فان لنا به خلطة و رحما، و اياك أن تناله بسوء، أو يري منك مكروها.

قال: لما هلك معاوية، و تولي الأمر بعده يزيد، و أخذ الأمر، بعث عامله علي مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو عمه عتبة بن أبي سفيان، فقدم المدينة و عليها مروان بن الحكم، و كان عامل معاوية، فأقامه عتبة من مكانه و جلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد، فهرب مروان و لم يقدر عليه، و بعث عتبة الي الحسين بن علي عليهماالسلام، و قال: ان أميرالمؤمنين أمرك أن تبايع له.

فقال الحسين عليه السلام: يا عتبة قد علمت أنا من أهل بيت الكرامة، و معدن الرسالة، و أعلام الحق، الذين أودعه الله عزوجل قلوبنا، و أنطق به ألسنتنا، فنطقنا [3] باذن الله عزوجل، و لقد سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: ان الخلافة محرمة علي ولد أبي سفيان، فكيف ابايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هذا.


فلما سمع عتبة ذلك، دعا الكاتب و كتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الي عبدالله يزيد أميرالمؤمنين من عتبة بن أبي سفيان، أما بعد، فان الحسين بن علي ليس يري لك خلافة و لا بيعة، فرأيك في أمره والسلام.

فلما ورد الكتاب علي يزيد، كتب الجواب الي عتبة: أما بعد فاذا أتاك كتابي هذا، فعجل علي بجوابه، و بين لي في كتابك كل من دخل في طاعتي، أو خرج عنها، و ليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي.

فبلغ ذلك الحسين عليه السلام، فهم بالخروج من أرض الحجاز الي أرض العراق، فلما أقبل الليل، راح الي مسجد النبي صلي الله عليه و آله و سلم ليودع القبر، فلما وصل الي القبر سطع له نور من القبر، فعاد الي موضعه.

فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع القبر، فقام يصلي فأطال، فنعس و هو ساجد فجاءه النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو في منامه، فأخذ الحسين عليه السلام و ضمه الي صدره، و جعل يقبل بين عينيه، و يقول: بأبي أنت و امي، كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة، يرجون شفاعتي، مالهم عندالله من خلاق، يا بني انك قادم علي أبيك و امك و أخيك، و هم مشتاقون اليك، و ان لك في الجنة درجات لا تنالها الا بالشهادة.

فانتبه الحسين عليه السلام من نومه باكيا، فأتي أهل بيته، و أخبرهم [4] بالرؤيا، و ودعهم، و حمل أخواته علي المحامل، و ابنته و ابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام، ثم سار في أحد و عشرين رجلا من أصحابه و أهل بيته، منهم: أبوبكر بن علي، و محمد بن علي، و عثمان بن علي، و العباس بن علي، و عبدالله بن مسلم بن عقيل، و علي بن الحسين الأكبر، و علي بن الحسين الأصغر.

و سمع عبدالله بن عمر بخروجه، فقدم راحلته، و خرج خلفه مسرعا، فأدركه في بعض المنازل، فقال: أين تريد يابن رسول الله؟ فقال: العراق، فقال: مهلا ارجع الي حرم جدك، فأبي الحسين عليه السلام عليه، فلما رأي ابن عمر اباءه، قال: يا أباعبدالله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقبله منك، فكشف


الحسين عليه السلام عن سرته، فقبلها ابن عمر ثلاثا و بكي، و قال: استودعك الله يا أباعبدالله، فانك مقتول في وجهك هذا [5] .

روي المفيد في الارشاد رواية هي أبسط مما ذكر، فقال: روي الكلبي و المدائني و غيرهما من أصحاب السيرة، قالوا: لما مات الحسن عليه السلام تحركت الشيعة بالعراق، و كتبوا الي الحسين عليه السلام في خلع معاوية و البيعة له، فامتنع عليهم، و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه، حتي تمضي المدة، فاذا مات معاوية نظر في ذلك.

فلما مات معاوية، و ذلك في النصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة، كتب يزيد الي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، و كان علي المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له، و لا يرخص له في التأخر عن ذلك، فأنفذ الوليد الي الحسين عليه السلام في الليل، فاستدعاه، فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد، فدعا جماعة من مواليه و أمرهم بحمل السلاح، و قال لهم: ان الوليد قد استدعاني في الوقت، و لست آمن من أن يكلفني فيه أمرا لا اجيبه اليه، و هو غير مأمون،، فكونوا معي اذا دخلت عليه [6] ، فاجلسوا علي الباب، فان سمعتم صوتي قد علا، فدخلوا عليه لتمنعوه عني.

فسار الحسين عليه السلام الي الوليد بن عتبة، و وجد عنده مروان بن الحكم، فنعي اليه الوليد معاوية، فاسترجع الحسين عليه السلام، ثم قرأ كتاب يزيد و ما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسين عليه السلام: اني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتي ابايعه جهرا، فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد: أجل، فقال الحسين عليه السلام: فتصبح و تري رأيك في ذلك، فقال له الوليد: انصرف علي اسم الله تعالي حتي تأتينا مع جماعة الناس.

فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة و لم يبايع، لا قدرت منه علي مثلها أبدا، حتي تكثر القتلي بينكم و بينه، أحبس الرجل، و لا يخرج من


عندك حتي يبايع أو تضرب عنقه، فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك، و قال: أنت يابن الزرقاء تقتلني أم هو؟ كذبت والله و أثمت و خرج يمشي و معه مواليه حتي أتي منزله [7] .

أقول: هكذا روي السيد أيضا، الا أنه قال: فأحضر الوليد مروان و استشاره في أمر الحسين عليه السلام، فقال: انه لا يقبل، و لو كنت مكانك ضربت عنقه، فقال الوليد: ليتني لم أك شيئا مذكورا [8] .

و قال ابن شهرآشوب: ان مروان جرد سيفه، و قال: مر سيافك أن يضرب عنقه قبل أن يخرج من الدار، و دمه في عنقي، و ارتفعت الضجه، فهجم تسعة عشر رجلا من أهل بيته، و قد انتضوا خناجرهم، فخرج الحسين عليه السلام معهم، و وصل الخبر الي يزيد، فعزل الوليد، و ولاها مروان [9] .

و في رواية السيد، ثم قال عليه السلام: أيها الأمير انا أهل البيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، و بنا فتح الله، و بنا ختم الله، و يزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله، و لكن نصبح و تصبحون، و ننظر و تنظرون، أينا أحق بالبيعة و الخلافة، ثم خرج عليه السلام [10] .

روي أنه لما قرب وفاة معاوية، قال لابنه يزيد: لا ينازعك في هذا الأمر الا أربعة: الحسين بن علي، و عبدالله بن عمر، و عبدالله بن الزبير، و عبدالرحمن بن أبي بكر، فأما ابن عمر، فانه زاهد و يبايعك اذا لم يبق أحد غيره، و أما ابن أبي بكر، فانه مولع بالنساء و اللهو. و أما ابن الزبير، فانه يراوغك روغان الثعلب، و يجثو لك، فقطعه اربا اربا. و أما الحسين، فان أهل العراق لن يدعوه حتي يخرجوه، فان قدرت عليه فاصفح عنه، فانه له رحما ماسة و حقا عظيما [11] .

و قال ابن شهرآشوب: كتب يزيد الي الوليد بأخذ البيعة من الحسين عليه السلام،


و عبدالله بن عمر، و عبدالله بن الزبير، و عبدالرحمن بن أبي بكر، أخذا عنيفا ليست فيه رخصة، فمن يأبي عليك منهم، فاضرب عنقه، و ابعث الي برأسه، فشاور في ذلك مروان، فقال: الرأي أن تحضرهم، و تأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا، فوجه في طلبهم، و كانوا عند التربة، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر، و عبدالله بن عمر: ندخل دورنا و نغلق أبوابنا، و قال ابن الزبير: و الله ما ابايع يزيد أبدا، و قال الحسين: أنا لابد لي من الدخول علي الوليد، و ذكر قريبا مما مر [12] .

قال المفيد و السيد أيضا قريبا منه، فقال مروان للوليد: عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا، فقال الوليد: ويحك انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني و دنياي، والله ما احب أن لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها و اني قتلت حسينا، سبحان الله أقتل حسينا ان قال لا ابايع، و الله اني لأظن أن امرء يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة، فقال له مروان: فاذا كان هذا رأيك، فقد أصبت فيما صنعت، يقول هذا و هو غير الحامد له في رأيه [13] .

و في المنتخب، قال له مروان: فان فاتك الثعلب فلا تري الا غباره.

ثم قال السيد: فأصبح الحسين عليه السلام، فخرج من منزله يستمع الأخبار، فلقيه مروان، فقال له: يا أباعبدالله اني لك ناصح، فأطعني ترشد، فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟ قل حتي أسمع، فقال مروان: اني آمرك ببيعة يزيد أميرالمؤمنين، فانه خير لك في دينك و دنياك، فقال الحسين عليه السلام: انا لله و انا اليه راجعون، و علي الاسلام السلام اذ قد بليت الامة براع مثل يزيد، و لقد سمعت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: الخلافة محرمة علي آل أبي سفيان، و طال الحديث بينه و بين مروان حتي انصرف مروان و هو غضبان [14] .

ثم قال السيد: حدثني جماعة باسنادهم الي عمر بن الثابت [15] ، فيما ذكره في


أواخر كتاب الشافي في النسب، باسناده الي جده محمد بن عمر، قال: سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام يحدث أخوالي آل عقيل، قال: فلما امتنع أخي الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة، دخلت عليه، فوجدته جالسا، فقلت له: جعلت فداك يا أباعبدالله حدثني أخوك أبومحمد الحسن، عن أبيه عليهماالسلام، ثم سبقتني الدمعة و علا شهيقي، فضمني اليه، و قال: حدثك أني مقتول؟ فقلت: حوشيت يابن رسول الله من القتل، فقال: سألتك بحق أبيك بقتلي خبرك؟ فقلت: نعم، فلولا ناولت و بايعت.

فقال: حدثني أبي أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أخبره بقتله و بقتلي، و ان تربتي بقرب تربته، أفتظن أنك قد علمت مالم أعلمه، والله لا أعطي الدنية من نفسي أبدا، و لتلقين فاطمة أباها شاكية مما لقي ذريتها من امته، و لا يدخل الجنة أحد آذاها في ذريتها [16] .

قال المفيد قدس سره: فأقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة، و هي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين، و اشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد و امتناعه عليهم [17] ، و خرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها الي مكة، فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال، فبعث راكبا من موالي بني امية في ثمانين راكبا، فطلبوه فلم يدركوه فرجعوا [18] .

و روي مثله الصدوق في أماليه [19] .

و قال في البحار: قال محمد بن أبي طالب الموسوي: خرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة، و أقبل الي قبر جده صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة، فرخك و ابن فرختك، و سبطك الذي خلفتني في امتك، فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم خذلوني و ضيعوني و لم يحفظوني، و هذه شكواي اليك حتي ألقاك، قال: ثم قام فصف قدميه، فلم يزل راكعا ساجدا.


قال: و أرسل الوليد الي منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا؟ فلم يصبه في منزله، فقال: الحمد لله الذي أخرجه و لم يبتلني بدمه، قال: و رجع الحسين عليه السلام الي منزله عند الصبح.

فلما كانت الليلة الثانية خرج الي القبر أيضا، و صلي ركعات، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: اللهم هذا قبر نبيك محمد، و أنا ابن بنت نبيك، و قد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم اني احب المعروف، و أنكر المنكر، و أنا أسألك يا ذاالجلال و الاكرام بحق القبر و من فيه، الا اخترت لي ما هو لك رضي و لرسولك رضي.

قال: ثم جعل يبكي عند القبر، حتي اذا كان قريبا من الصبح، وضع رأسه علي القبر فاغفي، فاذا هو برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه و عن شماله و بين يديه، حتي ضم الحسين الي صدره، و قبل بين عينيه، و قال: حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بأرض كرب و بلاء، من عصابة من امتي، و أنت مع ذلك عطشان لا تسقي، و ظمآن لا تروي، و هم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، حبيبي يا حسين ان أباك و امك و أخاك قدموا علي، و هم مشتاقون اليك، و ان لك في الجنان لدرجات لن تنالها الا بالشهادة.

قال: فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر الي جده و يقول: يا جداه لا حاجة لي في الرجوع الي الدنيا، فخذني اليك و أدخلني معك في قبرك، فقال له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لابد لك من الرجوع الي الدنيا حتي ترزق الشهادة، و ما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فانك و أباك و أخاك و عمك و عم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة، حتي تدخلوا الجنة.

قال: فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا، فقص رؤياه علي أهل بيته و بني عبدالمطلب، فلم يكن في ذلك اليوم في شرق و لا غرب [20] أحد أشد غما من


أهل بيت رسول الله، و لا أكثر باك و لا باكية منهم [21] .

و في كامل الزيارات: أبي، و جماعة مشايخي، عن سعد، عن محمد بن يحيي المعاذي، عن الحسن بن موسي الأصم، عن عمرو بن جابر، عن محمد بن علي عليه السلام، قال: لما هم الحسين عليه السلام بالشخوص من المدينة، أقبلت نساء بني عبدالمطلب، فاجتمعن للنياحة، حتي مشي فيهن الحسين عليه السلام، فقال: أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله و لرسوله، قالت له نساء بني عبدالمطلب، فلمن نستبقي النياحة و البكاء، فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله و علي و فاطمة و رقية و زينب و ام كلثوم، فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت، فيا حبيب الأبرار من أهل القبور، و أقبلت بعض عماته تبكي، و تقول: اشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك، و هم يقولون:



و ان قتيل الطف من آل هاشم

أذل رقابا من قريش فذلت



حبيب رسول الله لم يك فاحشا

أبانت مصيبتك الانوف و جلت



و قلن أيضا:



ابكوا حسينا سيدا

و لقتله شاب الشعر



و لقتله زلزلتم

و لقتله انكسف القمر



و احمرت آفاق السماء

من العشية و السحر



و تغيرت شمس البلاد

بهم و أظلمت الكور



ذاك ابن فاطمة المصاب

به الخلائق و البشر



أورثتنا ذلا به

جدع الأنوف مع الغرر [22] .



روي الفاضل في البحار عقلا عن محمد بن أبي طالب الموسوي، و قريب منه رواية المفيد في الارشاد، قال: و تهيأ الحسين عليه السلام للخروج من المدينة، و مضي في جوف الليل الي قبر امه فودعها، ثم مضي الي قبر أخيه الحسن عليه السلام ففعل كذلك، ثم رجع الي منزله وقت الصبح، فأقبل اليه أخوه محمد بن الحنفية، و قال:


يا أخي أنت أحب الخلق الي و أعزهم علي، و لست والله أدخر النصيحة لاحد من الخلق الا لك، و ليس أحد أحق بها منك؛ لانك مزاج مائي و نفسي و روحي و بصري، و كبير أهل بيتي، و من وجبت طاعته في عنقي؛ لان الله قد شرفك علي، و جعلك من سادات أهل الجنة.

الي أن قال: تخرج الي مكة، فان اطمأنت بك الدار بها فذاك، و ان تكن الاخري خرجت الي بلاد اليمن، فانهم أنصار جدك و أبيك، و هم أرأف الناس و أرقهم قلوبا، و أوسع الناس بلادا، فان اطمأنت بك الدار، و الا لحقت بالرمال و شعوب الجبال، و جزت من بلد الي بلد، حتي تنظر ما يؤول اليه أمر الناس، و يحكم الله بيننا و بين القوم الفاسقين [23] .

قال: فقال الحسين عليه السلام: يا أخي و الله لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوي، لما بايعت يزيد بن معاوية، فقطع محمد بن الحنفية الكلام و بكي، فبكي الحسين عليه السلام معه ساعة، ثم قال: يا أخي جزاك الله خيرا، فقد نصحت و أشرت بالصواب، و أنا عازم علي الخروج الي مكة، و قد تهيأت لذلك أنا و اخوتي و بنو أخي و شيعتي، و أمرهم أمري، و رأيهم رأيي، و أما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عينا عليهم، لا تخفي عني شيئا من امورهم.

ثم دعا الحسين عليه السلام بدواة و بياض، و كتب هذه الوصية لاخيه محمد بن الحنفية: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الي أخيه محمد بن الحنفية، أن الحسين يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، جاء بالحق [من عند الحق] [24] و ان الجنة و النار حق، و أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور، و أني لم أخرج أشرا و لا بطرا، و لا مفسدا و لا ظالما، و انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي صلي الله عليه و آله و سلم، اريد أن آمر بالمعروف، و أنهي عن المنكر، و آمر بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب عليه السلام، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولي بالحق، و من رد علي


هذا أصبر حتي يقضي الله بيني و بين القوم بالحق، و هو خير الحاكمين، و هذه وصيتي يا أخي اليك، و ما توفيقي الا بالله عليه و توكلت و اليه انيب.

قال: ثم طوي الحسين عليه السلام الكتاب و ختمه بخاتمه، و دفعه الي أخيه، ثم ودعه و خرج في جوف الليل [25] .

في رواية المفيد خرج عليه السلام ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة، و كان دخوله اياها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان [26] .

و قال السيد: روي محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل، عن محمد ابن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن أيوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان بن اسماعيل، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: ذكرنا خروج الحسين عليه السلام، و تخلف ابن الحنفية، فقال أبو عبدالله عليه السلام: يا حمزة اني ساخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا، ان الحسين عليه السلام لما فصل [27] متوجها، دعا بقرطاس و كتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي بن أبي طالب الي بني هاشم، أما بعد فانه من لحق بي منكم استشهد، و من تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح، و السلام.

قال: و قال شيخنا المفيد باسناده الي أبي عبدالله عليه السلام قال: لما سار أبو عبدالله عليه السلام من المدينة، لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب علي نجب من نجب الجنة، فسلموا عليه، و قالوا: يا حجة الله علي خلقه بعد جده و أبيه و أخيه، ان الله سبحانه أمد جدك بنا في مواطن كثيرة، و ان الله أمدك بنا، فقال لهم: الموعد حفرتي و بقعتي التي أستشهد فيها و هي كربلا، فاذا وردتها فأتوني، فقالوا: يا حجة الله مرنا نسمع و نطع، فهل تخشي من عدو يلقاك فنكون معك؟ فقال: لا سبيل لهم علي و لا يلقوني بكريهة، أو أصل الي بقعتي.

و أتته أفواج مسلمي الجن، فقالوا: يا سيدنا نحن شيعتك و أنصارك، فمرنا بأمرك و ما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك و أنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزاهم


الحسين خيرا، و قال لهم: أو ما قرأتم كتاب الله المنزل علي جدي رسول الله (أينما تكونوا يدرككم الموت و لو كنتم في بروج مشيدة) [28] و قال سبحانه: (لبرز الذين كتب عليهم القتل الي مضاجعهم) [29] و اذا أقمت بمكاني، فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس؟ و بماذا يختبرون؟ و من ذا يكون ساكن حفرتي بكربلا؟ و قد اختارها الله تعالي يوم دحا الارض، و جعلها معقلا لشيعتنا، و يكون لهم أمانا في الدنيا و الاخرة، و لكن تحضرون يوم السبت، و هو يوم عاشوراء الذي في آخره اقتل، و لا يبقي بعدي مطلوب من أهلي و نسبي و اخوتي و أهل بيتي، و يسار برأسي الي يزيد.

فقالت الجن: نحن والله يا حبيب الله و ابن حبيبه، لولا أن أمرك طاعة، و أنه لا يجوز لنا مخالفتك، قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا اليك، فقال عليه السلام لهم: نحن والله أقدر عليهم منكم، و لكن ليهلك من هلك عن بينة، و يحيي من حي عن بينة [30] .

أقول: روي السيد في اللهوف هذه الرواية حين عزم عليه السلام المسير من مكة الي العراق [31] ، و لعلهما واقعتان في كلتا الهجرتين، و كذا مجي ء الجن يجوز وقوعه مرتين، فلا منافاة، نظير ما وقع من منع ابن الحنفية له عليه السلام في كلتيهما، و فيه بعد؛ لان مجي ء الجن في كلتا الروايتين من المفيد عن أبي عبدالله عليه السلام.

و قال المتبحر الفاضل في البحار: وجدت في بعض الكتب [32] أنه عليه السلام لما عزم علي الخروج من المدينة، أتت ام سلمة فقالت: يا بني لا تحزني بخروجك الي العراق، فاني سمعت جدك يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها: كربلا، فقال لها: يا اماه و أنا والله أعلم ذلك، و اني مقتول لا محالة، و ليس لي من هذا بد، و اني والله لاعرف اليوم الذي اقتل فيه، و أعرف من يقتلني، و أعرف البقعة التي ادفن فيها، و اني أعرف من يقتل أهل بيتي و قرابتي و شيعتي، و ان أردت


يا اماه اريك حفرتي و مضجعي.

ثم أشار عليه السلام الي جهة كربلا، فانخفضت الأرض حتي أراها مضجعه، و مدفنه، و موضع عسكره، و موقفه، و مشهده، فعند ذلك بكت ام سلمة بكاء شديدا، فسلمت أمره الي الله، فقال لها: يا اماه قد شاء الله عزوجل أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدوانا، و قد شاء أن يري حرمي و رهطي و نسائي مشردين، و أطفالي مذبوحين مظلومين، مأسورين مقيدين، و هم يستغيثون، فلا يجدون ناصرا و لا معينا.

و في رواية اخري، قالت ام سلمة: و عندي تربة دفعها الي جدك في قارورة، فقال: والله اني مقتول كذلك، و ان لم أخرج الي العراق يقتلونني أيضا، ثم أخذ تربة، فجعلها في قارورة، و أعطاها اياها، فقال: اجعلها مع قارورة جدي، فاذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت [33] .

قال المفيد [34] : فسار الحسين عليه السلام الي مكة، و هو يقرأ (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) [35] و لزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم، كما فعل ابن الزبير، كيلا يلحقك الطلب، فقال: لا والله لا افارقه حتي يقضي الله ما هو قاض، و لما دخل الحسين عليه السلام مكة كان دخوله اياها يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان، دخلها و هو يقرأ (و لما توجه تلقاء مدين قال عسي ربي أن يهديني سواء السبيل) [36] .

ثم نزلها و أقبل أهلها يختلفون اليه، و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق، و ابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة، و هو قائم يصلي عندها و يطوف، و يأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتي، فيأتيه اليومين المتواليين و يأتيه بين كل يومين مرة، و هو أثقل خلق الله علي ابن الزبير، قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام


الحسين عليه السلام في البلد، و ان الحسين عليه السلام أطوع في الناس منه و أجل [37] .


پاورقي

[1] بحارالانوار 212: 44 ح 9 عن رجال الکشي.

[2] في البحار: لک.

[3] في البحار: فنطقت.

[4] في البحار: فأخبرهم.

[5] بحارالانوار 312 - 310: 44 عن الأمالي ص 135 - 133.

[6] في الارشاد: اليه.

[7] بحارالأنوار 324: 44 عن الارشاد ص 33 - 32.

[8] بحارالأنوار 325 - 324: 44 عنه.

[9] مناقب آل أبي‏طالب 88:4.

[10] اللهوف ص 10.

[11] مناقب آل أبي‏طالب 88 - 87: 4.

[12] بحارالانوار 325: 44.

[13] بحارالانوار 326 - 325: 44 عن الارشاد 34 - 33: 2 و اللهوف ص 10.

[14] بحارالانوار 326: 44 عن اللهوف ص 10.

[15] في اللهوف: عمر النسابة.

[16] اللهوف ص 12 - 11.

[17] کذا في البحار و في الارشاد: عليه.

[18] الارشاد 34: 2، و البحار 326: 44 عنه.

[19] الامالي ص 135.

[20] في البحار: في مشرق و لا مغرب.

[21] بحارالأنوار 328 - 327: 44.

[22] کامل الزيارات ص 98 - 97، و البحار 89 - 88: 45 عنه.

[23] الارشاد 35: 2.

[24] ما بين المعقوفتين من البحار.

[25] بحارالانوار 330 - 329: 44.

[26] الارشاد 34: 2.

[27] في المطبوع: قصد.

[28] النساء: 78.

[29] آل عمران: 154.

[30] بحارالانوار 331 - 330: 44 من کتاب محمد بن أبي طالب الموسوي.

[31] اللهوف ص 29 - 28.

[32] رواه بالزيادة و النقصان القطب الراوندي في الخرائج في معجزات الحسين عليه‏السلام «منه».

[33] بحارالأنوار 332 - 331: 44.

[34] والسيد أيضا في اللهوف روي مثل ذلک «منه».

[35] القصص: 21.

[36] القصص: 22.

[37] الارشاد 36 - 35: 2، و البحار 332: 44 عنه.