بازگشت

بكاء النواحين علي الامام الحسين


و مما يناسب المقام ايراد نبذة من بكاء النواحين ممن في الثري الي الثريا علي امام الأنام في مديد من الليالي و الأيام، بل في تمام الدهور و الأعوام.

روي في كامل الزيارات، عن أحمد بن عبدالله بن علي، عن عبدالرحمن السلمي، و قال أحمد: و أخبرني عمي، عن أبيه، عن أبي نضرة، عن رجل من أهل بيت المقدس، أنه قال: و الله لقد عرفنا أهل بيت المقدس و نواحيها عشية قتل الحسين بن علي عليهماالسلام، قلت: و كيف ذلك؟ قال: ما رفعنا حجرا و لا مدرا و لا صخرا الا و رأينا تحتها دما يغلي، و احمرت الحيطان كالعلق، و مطرنا ثلاثة أيام دما عبيطا، و سمعنا مناديا ينادي في جوف الليل يقول:



أترجو امة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب



معاذ الله لا نلتم يقينا

شفاعة أحمد و أبي تراب






قتلتم خير من ركب المطايا

و خير الشيب طرا و الشباب



و انكسفت الشمس ثلاثا، ثم تجلت و اشتبكت النجوم، فلما كان من الغد ارجفنا بقتله، فلم يأت علينا كثير شي ء حتي نعي الينا الحسين عليه السلام [1] .

و فيه: محمد بن جعفر الرزاز، عن خاله محمد بن الحسين، عن علي بن بزيع، عن أبي اسماعيل السراج، عن يحيي بن معمر، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: بكت الانس و الجن و الطير و الوحوش علي الحسين بن علي عليهماالسلام حتي ذرفت [2] دموعها [3] .

و روي الفاضل، عن أمالي الطوسي، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن عيسي، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن أبي فاختة، قال: كنت أنا و أبوسلمة السراج، و يونس بن يعقوب، و الفضيل بن يسار، عند أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهماالسلام؛ فقلت له: جعلت فداك اني أحضر مجالس هؤلاء القوم، فأذكركم في نفسي، فأي شي ء أقول؟ فقال: يا حسين اذا حضرت مجالس هؤلاء، فقل: اللهم أرنا الرخاء و السرور، فانك تأتي علي ما تريد.

قال: فقلت: جعلت فداك اني أذكر الحسين بن علي عليهماالسلام فأي شي ء أقول اذا ذكرته؟ فقال: قل: صلي الله عليك يا أباعبدالله، ثلاثا.

ثم أقبل علينا، و قال: ان أباعبدالله عليه السلام لما قتل بكت عليه السماوات السبع، و الأرضون السبع، و ما فيهن و ما بينهن، و من ينقلب في الجنة و النار، و ما يري و ما لا يري، الا ثلاثة أشياء، فانها لم تبك عليه، فقلت: جعلت فداك و ما هذه الثلاثة أشياء التي لم تبك عليه؟ فقال: البصرة، و دمشق، و آل الحكم بن أبي العاص [4] .

و في المنتخب: و بنوا امية بدل الحكم بن أبي العاص [5] .


و في كامل الزيارات: أبي، عن سعد، عن ابن عيسي، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن عبدالخالق بن عبد ربه، قال: سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: (لم نجعل له من قبل سميا) [6] الحسين بن علي عليهماالسلام، لم يكن له من قبل سمي، و يحيي بن زكريا لم يكن له من قبل سمي، و لم تبك السماء الا عليهما أربعين صباحا، قال: قلت: ما بكاؤها؟ قال: كانت تطلع حمراء و تغرب حمراء [7] .

و فيه: حكيم بن داود، عن سلمة، عن ابن أبي عمير، عن الحسن [8] بن عيسي، عن أسلم بن القاسم، عن عمرو بن ثبيت، عن أبيه، عن علي بن الحسين عليه السلام، قال: ان السماء لم تبك منذ وضعت الا علي يحيي بن زكريا، و الحسين بن علي عليهماالسلام، قلت: أي شي ء بكاؤها؟ قال: كانت اذا استقبلت بالثوب وقع علي الثوب شبه أثر البراغيث من الدم [9] .

قال الفاضل: أبونعيم في دلائل النبوة، و النسوي في المعرفة، و قالت نصرة الأزدية: لما قتل الحسين عليه السلام أمطرت السماء دما، و حبابنا و جرارنا صارت مملوة دما.

و قال قرظة بن عبيدالله: مطرت السماء يوما نصف النهار علي شملة بيضاء، فنظرت فاذا هو دم، و ذهبت الابل الي الوادي للشرب، فاذا هو دم، و اذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام.

و قال الصادق عليه السلام: بكت السماء علي الحسين عليه السلام أربعين يوما بالدم.

اسامة بن شبيب باسناده، عن ام سليم، قالت: لما قتل الحسين عليه السلام مطرت السماء مطرا كالدم، احمرت منه البيوت و الحيطان.

تاريخ النسوي، روي حماد بن زياد [10] ، عن هشام، عن محمد، قال: تعلم هذه الحمرة في الافق مم هي؟ ثم قال: من يوم قتل الحسين عليه السلام.


و بهذا الاسناد، عن يعقوب، عن اسماعيل، عن علي بن مسهر، عن جدته، قالت: كنت أيام الحسين عليه السلام جارية شابة، فكانت السماء أياما علقة.

و بهذا الاسناد، عن يعقوب، عن أيوب بن محمد الرقي، عن سلام بن سليمان الثقفي، عن زيد بن عمرو الكندي، عن ام حيان، قالت: يوم قتل الحسين عليه السلام اظلمت علينا ثلاثا، و لم يمس أحدهم من زعفرانهم شيئا، فجعله علي وجهه الا احترق، و لم يقلب حجر في بيت المقدس الا أصبح تحته دما عبيطا [11] .

في الكامل باسناده، عن اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: اني كنت بالحيرة ليلة عرفة، و كنت اصلي و ثم نحو من خمسين ألفا من الناس، جميلة وجوههم، طيبة أرواحهم، و أقبلوا يصلون بالليل أجمع، فلما طلع الفجر سجدت، ثم رفعت رأسي فلم أر منهم أحدا، فقال لي أبوعبدالله عليه السلام: انه مر بالحسين بن علي عليهماالسلام خمسون ألف ملك و هو يقتل، فعرجوا الي السماء، فأوحي الله اليهم: مررتم بابن حبيبي و هو يقتل تنصروه، فاهبطوا الي الأرض فاسكنوا عند قبره شعثا غبرا الي أن تقوم الساعة [12] .

أقول: الأحاديث علي امطار السماء دما، و بكاء السماء و الأرض و من فيهما، بلغ حد التواتر، تركناها خوفا للاطالة، لكن نذكر نبذا منها و من غيرها مما فيه غرابة ما.

في كامل الزيارات: حكيم بن داود بن حكيم، عن سلمة، عن الحسين بن علي بن صاعد البربري قيما لقبر الرضا عليه السلام، قال: حدثني أبي، قال: دخلت علي الرضا عليه السلام، فقال لي: ما يقول الناس؟ قال: قلت: جعلت فداك جئنا نسألك.

قال: فقال: تري هذه البومة كانت علي عهد جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تأوي المنازل و القصور و الدور، و كانت اذا أكل الناس الطعام تطير فتقع أمامهم، فيرمي اليها بالطعام و تسقي ثم ترجع الي مكانها، و لما قتل الحسين بن علي عليه السلام، خرجت من العمران الي الخراب و الجبال و البراري، و قالت: بئس الامة أنتم، قتلتم ابن


نبيكم و لا آمنكم علي نفسي [13] .

و فيه: محمد الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبدالله بن حماد البصري، عن عبدالله بن عبدالرحمن الأصم، عن أبي يعقوب،عن أبان بن عثمان، عن زرارة، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: يا زرارة ان السماء بكت علي الحسين عليه السلام أربعين صباحا بالدم، و ان الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد: و ان الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة، و ان الجبال تقطعت و انتثرت، و ان البحار تفجرت، و ان الملائكة بكت أربعين صباحا علي الحسين عليه السلام و ما اختضبت منا امرأة، و لا ادهنت، و لا اكتحلت، و لا رجلت، حتي أتانا رأس عبيدالله بن زياد لعنه الله، و ما زلنا في عبرة بعده.

و كان جدي اذا ذكره بكي حتي تملأ عيناه لحيته، و حتي يبكي لبكائه رحمة له من رآه، و ان الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء و السماء من الملائكة، و لقد خرجت نفسه عليه السلام فزفرت جهنم زفرة كادت الأرض تنشق لزفرتها، و قد خرجت نفس عبيدالله بن زياد و يزيد بن معاوية، فشهقت جهنم شهقة لو لا أن الله حبسها بخزانها، لأحرقت من علي ظهر الأرض من فورها، و لو يؤذن لها ما بقي شي ء الا ابتلعته، و لكنها مأمورة مصفودة، و لقد عتت علي الخزان غير مرة، حتي أتاها جبرئيل فضربها بجناحه فسكنت، و انها لتبكيه و تندبه، و انها لتتلظي علي قاتله، و لو لا من علي الأرض من حجج الله لنقضت الأرض، و أكفأت [14] بما عليها، و ما تكثر الزلازل الا عند اقتراب الساعة.

و ما عين أحب الي الله و لا عبرة من عين بكت و دمعت عليه، و ما من باك يبكيه الا و قد وصل فاطمة عليهاالسلام و أسعدها عليه، و وصل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أدي حقنا، و ما من عبد يحشر الا و عيناه باكية الا الباكين علي جدي، فانه يحشر و عينه


قريرة، و البشارة تلقاه و السرور علي وجهه [والخلق في الفزع و هم آمنون] [15] ، و الخلق يعرضون و هم حداث الحسين عليه السلام تحت العرش و في ظل العرش، لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم: ادخلوا الجنة، فيأتون و يختارون مجلسه و حديثه، و ان الحور لترسل اليهم أنا قد اشتقناكم مع الولدان المخلدين، فما يرفعون رؤوسهم اليهم لما يرون في مجلسهم من السرور و الكرامة، و ان أعداءهم من بين مسحوب بناصيته الي النار، و من قائل مالنا من شافعين و لا صديق حميم.

و انهم ليرون منزلتهم [16] ، و ما يقدرون أن يدنوا اليهم، و لا يصلون اليهم، و ان الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم و من خزانهم، علي ما اعطوا من الكرامة، فيقولون: نأتيكم انشاء الله، فيرجعون الي أزواجهم بمقالاتهم، فيزدادون اليهم شوقا اذا هم خبروهم بما هم فيه من الكرامة، و قربهم من الحسين عليه السلام، فيقولون: الحمد لله الذي كفانا الفزع الأكبر، و أهوال القيامة، و نجانا مما كنا نخاف، و يؤتون بالمراكب و الرحال علي النجائب، فيستوون عليها و هم في الثناء علي الله، و الحمد لله و الصلاة علي محمد و آله، حتي ينتهوا الي منازلهم [17] .

و فيه: مسندا، عن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام احدثه، فدخل عليه ابنه، فقال له: مرحبا و ضمه و قبله، و قال: حقر الله من حقركم، و انتقم ممن و تركم، و خذلكم [18] ، و لعن الله من قتلكم، و كان الله لكم وليا و حافظا و ناصرا، فقد طال بكاء النساء و بكاء الأنبياء و الصديقين و الشهداء و ملائكة السماء.

ثم بكي و قال: يا أبابصير اذا نظرت الي ولد الحسين عليه السلام أتاني مالا أملكه بما اتي الي أبيهم و اليهم، يا أبابصير ان فاطمة لتبكيه و تشهق، فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها و قد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو شرر دخانها، فيحرق أهل الأرض فيكبحونها [19] مادامت باكية، و يزجرونها


و يوثقون من أبوابها مخافة علي أهل الأرض، فلا تسكن حتي يسكن صوت فاطمة، و ان البحار تكاد أن تنفتق، فيدخل بعضها في بعض، و ما منها قطرة الا بها ملك موكل.

فاذا سمع الملك صوتها أطفأ ثورانها [20] بأجنحته، و حبس بعضها علي بعض، مخافة علي الدنيا و من فيها و من علي الأرض، فلا تزال الملائكة مشفقين يبكون لبكائها، و يدعون الله و يتضرعون اليه، و يتضرع أهل العرش و من حوله، و ترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة علي أهل الأرض، و لو أن صوتا من أصواتهم يصل الي الأرض لصعق أهل الأرض، و تقلعت [21] الجبال، و زلزلت الأرض بأهلها.

قلت: جعلت فداك ان هذا الأمر عظيم، قال: غيره أعظم منه مالم تسمعه.

ثم قال: يا أبابصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة؟ فبكيت حين قالها، فما قدرت علي المنطق، و ما قدرت علي كلامي من البكاء، ثم قام الي المصلي يدعو، و خرجت من عنده علي تلك الحال، فما انتفعت بطعام و ما جاءني النوم، و أصبحت صائما وجلا حتي أتيته، فلما رأيته قد سكن سكنت، و حمدت الله حيث لم ينزل بي عقوبة [22] .

و فيه: محمد الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن عبدالله ابن حماد البصري عن عبدالله الأصم، قال: و حدثنا الهيثم بن واقد، عن عبدالله بن حماد البصري، عن عبدالملك بن مقرن، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: اذا زرتم أباعبدالله عليه السلام فالزموا الصمت الا من خير، و ان ملائكة الليل و النهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر، فتصافحهم فلا يجيبونها من شدة البكاء، فينتظرونهم حتي تزول الشمس، و حتي ينور الفجر، ثم يكلمونهم و يسألونهم عن أشياء من أمر السماء، فأما ما بين هذين الوقتين فانهم لا ينطقون و لا يفترون عن البكاء و الدعاء،


و لا تشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم، فانما [23] شغلهم بكم اذا نطقتم.

قلت: جعلت فداك و ما الذي يسألونهم عنه؟ و أيهم يسأل صاحبه الحفظة أو أهل الحائر؟ قال: أهل الحائر يسألون الحفظة: لأن أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون، والحفظة تنزل و تصعد، قلت: فما تري يسألونهم عنه؟

قال: انهم يمرون اذا عرجوا باسماعيل صاحب الهواء، فربما وافقوا النبي صلي الله عليه و آله و سلم عنده و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة عليهم السلام من مضي منهم، فيسألونهم عن أشياء و من حضر منكم الحائر، و يقولون: بشروهم بدعائكم، فتقول الحفظة: كيف نبشرهم و هم لا يسمعون كلامنا؟ فيقولون لهم: باركوا عليهم، و ادعوا لهم عنا، فهي البشارة منا، و اذا انصرفوا فحفوهم بأجنحتكم حتي يحسوا مكانكم، و انا نستودعهم الذي لا تضيع ودائعه، و لو يعلموا ما في زيارته من الخير و يعلم ذلك الناس لاقتتلوا علي زيارته بالسيوف، و لباعوا أموالهم في اتيانه.

و ان فاطمة عليهاالسلام اذا نظرت اليهم و معها ألف نبي، و ألف صديق، و ألف شهيد، و من الكروبيين ألف ألف، يسعدونها علي البكاء، و انها لتشهق شهقة فلا يبقي في السماوات ملك الا يبكي رحمة لصوتها، و ما تسكن حتي يأتيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيقول: يا بنية قد أبكيت أهل السماوات، و شغلتيهم عن التقديس و التسبيح، فكفي حتي يقدسوا، فان الله بالغ أمره، و انها لتنظر الي من حضر منكم، فتسأل الله لهم من كل خير، و لا تزهدوا في اتيانه، فان الخير في اتيانه أكثر من أن يحصي [24] .

قصة:

قال الفاضل المتبحر: وجدت في بعض كتب المناقب المعتبرة: أنه روي عن سيد الحفاظ أبي منصور الديلمي، عن الرئيس أبي الفتح الهمداني، عن أحمد بن الحسين الحنفي، عن عبدالله بن جعفر الطبري، عن عبدالله بن محمد التميمي، عن محمد بن الحسن العطار، عن عبدالله بن محمد الأنصاري، عن عمارة بن زيد، عن بكر بن حارثة، عن محمد بن اسحاق، عن عيسي بن عمر، عن عبدالله بن عمر


الخزاعي، عن هند بنت الجون، قالت: نزل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بخيمة خالتها ام معبد و معه أصحاب له، فكان من أمره في الشاة ماقد عرفه الناس، فقام في الخيمة هو و أصحابه حتي أبرد، و كان يوم قائظ شديد حره.

فلما قام من رقدته دعا بماء، فغسل يديه فأنقاهما، ثم مضمض فاه و مجه علي عوسجة كانت الي جنب خيمة خالتها ثلاث مرات، و استنشق ثلاثا، و غسل وجهه و ذراعيه، ثم مسح برأسه و رجليه، و قال: لهذه العوسجة شأن، ثم فعل من كان معه من أصحابه مثل ذلك، ثم قام فصلي ركعتين، فعجبت فتيات الحي من ذلك، و ما كان عهدنا و لا رأينا مصليا قبله.

فلما كان من الغد أصبحنا، و قد علت العوسجة حتي صارت كأعظم دوحة عادية و أبهي، و خضد [25] الله شوكها، و ساخت عروقها، و كثرت أفنانها، و اخضر ساقها و ورقها، ثم أثمرت بعد ذلك، و أينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس [26] المسحوق، ورائحة العنبر، و طعم الشهد، و الله ما أكل منها جائع الا شبع، و لا ظمآن الا روي، و لا سقيم الا بري ء، و لا ذو حاجة الا استغني، و لا أكل من ورقها بعير و لا ناقة و لا شاة الا سمنت و در لبنها.

و رأينا النماء و البركة في أموالنا منذ يوم نزلت، و أخصبت بلادنا و امرعت [27] ، فكنا نسمي تلك الشجرة «المباركة» و كان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستظلون بها، و يتزودون من ورقها في الأسفار، و يحملون معهم في الأرض القفار، فيقوم لهم مقام الطعام و الشراب.

فلم تزل كذلك، و علي ذلك أصبحنا ذات يوم و قد تساقط ثمارها، و اصفر ورقها، فأحزننا ذلك و فرقنا له، فما كان الا قليلا حتي جاء نعي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فاذا هو قد قبض ذلك اليوم، فكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك في العظم و الطعم و الرائحة، فأقامت علي ذلك ثلاثين سنة.


فلما كانت ذات يوم أصبحنا، و اذا بها قد تشوكت من أولها الي آخرها، فذهبت نضارة عيدانها، و تساقط جميع ثمرها، فما كان الا يسيرا حتي وافي مقتل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فما أثمرت بعد ذلك لا قليلا و لا كثيرا، و انقطع ثمرها، و لم نزل نحن و من حولنا نأخذ من ورقها و نداوي مرضانا بها، و نستشفي به من أسقامنا.

فأقامت علي ذلك برهة طويلة، ثم أصبحنا ذات يوم فاذا بها قد انبعثت من ساقها دما عبيطا جاريا، و ورقها ذابلة تقطر دما كماء اللحم، فقلنا: قد حدث أمر عظيم، فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية، فلما أظلم الليل علينا سمعنا بكاء و عويلا من تحتها، و جلبة [28] شديدة ورجة، و سمعنا صوت باكية تقول:



أيا ابن النبي و ابن الوصي

و يا من بقية ساداتنا الأكرمينا



ثم كثرت الرنات و الأصوات، فلم نفهم كثيرا مما كانوا يقولون، فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السلام، و يبست الشجرة و جفت، فكسرتها الرياح و الأمطار بعد ذلك، فذهبت و اندرس أثرها.

قال عبدالله بن محمد الأنصاري: فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، فحدثته بهذا الحديث فلم ينكره، و قال: حدثني أبي، عن جدي، عن امه سعيدة بنت مالك الخزاعية: أنها أدركت تلك الشجرة، فأكلت من ثمرتها علي عهد علي بن أبي طالب عليه السلام، و أنها سمعت تلك الليلة نوح الجن، فحفظت من جنية منهن:



يابن الشهيد و يا شهيدا عمه

خير العمومة جعفر الطيار



عجبا لمصقول أصابك جده

في الوجه منك و قد علاه غبار



قال دعبل: فقلت في قصيدتي:



زر خير قبر بالعراق يزار

واعص الحمار فما نهاك حمار



لم لا أزورك يا حسين لك الفدا

قومي و من عطفت عليه نزار



و لك المودة في قلوب ذوي النهي

و علي عدوك مقته و دمار






يابن الشهيد و يا شهيدا عمه

خير العمومة جعفر الطيار [29] .



أقول: الروايات متظافرة علي نوح الجن في المدينة و البصرة و غيرهما، بالمراثي المقرحة للأكباد، و لعلنا نذكرها في غير هذا الموضع مما اقتضاه سوق الكلام، و من جملتها ما روي أن هاتفا سمع بالبصرة ينشد ليلا:



ان الرماح الواردات صدورها

نحو الحسين تقاتل التنزيلا



و يهللون بأن قتلت و انما

قتلوا بك التكبير و التهليلا



فكأنما قتلوا أباك محمدا

صلي عليه الله أو جبريلا [30] .



و ما رواه الفاضل، عن ابن الجوزي في كتاب النور في فضائل الأيام و الشهور نوح الجن عليه، فقالت:



لقد جئن نساء الجن يبكين شجيات

و يلطمن خدودا كالدنانير نقيات



و يلسن الثياب السود بعد القصبيات [31] .

و في الكامل باسناده، عن الميثمي، قال: خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن علي عليهماالسلام، فعرسوا بقرية يقال لها: شاهي، اذ أقبل عليهم رجلان شيخ و شاب، فسلما عليهم، قال: فقال الشيخ: أنا رجل من الجن، و هذا ابن أخي أراد نصر هذا الرجل المظلوم، قال: فقال لهم الشيخ الجني: قد رأيت رأيا، قال: فقال الفتية الانسيون: و ما هذا الرأي الذي رأيت؟ قال: رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم، فتذهبون علي بصيرة، فقالوا له: نعم ما رأيت، قال: فغاب يومه و ليلته، فلما كان من الغد اذا هم بصوت يسمعونه و لا يرون الشخص، و هو يقول:



و الله ما جئتكم حتي بصرت به

بالطف منعفر الخدين منحورا



و حوله فتية تدمي نحورهم

مثل المصابيح يطفون الدجي نورا [32] .





پاورقي

[1] بحارالانوار، 205 - 204: 45 ح 6 عن کامل الزيارات ص 77.

[2] ذرفت أي: سالت.

[3] بحارالانوار 205: 45 ح 8 عن کامل الزيارات ص 79.

[4] بحارالأنوار 202 - 201: 45 ح 3 عن الأمالي.

[5] المنتخب ص 39.

[6] مريم: 7.

[7] بحارالأنوار 211: 45 ح 22 عن کامل الزيارات.

[8] في البحار: الحسين.

[9] بحارالأنوار 211: 45 ح 26 عنه.

[10] في البحار: زيد.

[11] بحارالأنوار 216 - 215: 45 ح 38 و 39 عن مناقب آل ابي‏طالب 54: 4.

[12] بحارالأنوار 226: 45 ح 20 عن کامل الزيارات ص 115.

[13] بحارالأنوار 214: 45 ح 35 عنه.

[14] في الأصل: أکفت. و قال المؤلف في الهامش: أکفت أصله أکفأت، قلبت همزته ألفا فاسقطت و جاء لازما بمعني مال، و متعديا بمعني قلب. قال في القاموس: کفأه کمنعه کبه و قلبه کأکفاه، و قال أيضا: أکفأ مال و امال و قلب انتهي. «منه».

[15] ما بين المعقوفتين من المصدر.

[16] في البحار: منزلهم.

[17] بحارالانوار، 208 - 206: 45 ح 13 عنه.

[18] في البحار: و خذل الله من خذلکم.

[19] کبحت الدابة: اذا جذبتها اليک باللجام لکي تقف و لا تجري. البحار.

[20] في البحار: نأرها.

[21] في هامش النسخة: تقلقلت.

[22] بحارالأنوار 209 - 208: 45 ح 14 عنه.

[23] في البحار: فانهم.

[24] بحارالانوار 225 - 224: 45 ح 17 عن کامل الزيارات ص 87 - 86.

[25] خضدت الشجر: قطعت شوکها.

[26] ورس گياهي است مانند کنجد که در يمن مي‏باشد و يک سال که گشته شد تا بيست سال باقي مي‏ماند و از أقسام خوشبوست، و اين معنا را مولانا خليل الله تفسير کرده و در کتب لغت به نظر نرسيده «منه».

[27] أمرعت الأرض: شبع غنمها و أکلأت في الشجر و البقر.

[28] الجلب: اختلاط الصوت کالجلبة. القاموس.

[29] بحارالأنوار 235 - 233: 45.

[30] بحارالأنوار 235: 45.

[31] بحارالأنوار 236 - 235: 45.

[32] بحارالأنوار 240: 45 ح 10 عن کامل الزيارات ص 93.