بازگشت

في نبذة مما روي في فضل البكاء و التباكي عليه و علي سائر الأئمة


قال السيد في اللهوف: قد روي عن مولانا الباقر عليه السلام أنه قال: كان مولانا زين العابدين عليه السلام يقول: أيما مؤمن ذرفت [1] عيناه لقتل الحسين عليه السلام حتي تسيل علي خده، بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا، و أيما مؤمن دمعت عيناه حتي تسيل علي خده فيما مسنا من الأذي من عدونا في الدنيا، بوأه الله بها منزل صدق، و أيما مؤمن مسه أذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذي و آمنه يوم القيامة من سخط النار [2] .

و روي عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال: من ذكرنا عنده، ففاضت عيناه و لو مثل جناح الذباب، غفر له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر [3] .

و روي أيضا عن آل الرسول صلوات الله عليه و عليهم أنهم قالوا: من بكي أو أبكي فينا مائة، ضمنا له علي الله الجنة، و من بكي أو أبكي خمسين، فله الجنة، و من بكي أو أبكي ثلاثين، فله الجنة، و من بكي أو أبكي عشرة، فله الجنة، و من بكي أو أبكي واحدا، فله الجنة، و من تباكي فله الجنة [4] .

و في رواية: و من لم يستطع أن يبكي فليقشعر قلبه من الحزن [5] . و في العيون و الأمالي للصدوق باسناده مسندا، عن الريان بن شبيب، قال: دخلت علي الرضا عليه السلام في أول يوم من المحرم، فقال لي: يابن شبيب أصائم أنت؟ فقلت: لا،


فقال عليه السلام: ان هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا عليه السلام ربه عزوجل، فقال: (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء) [6] فاستجاب الله له، و أمر الملائكة فنادت زكريا و هو قائم يصلي في المحراب: ان الله يبشرك بيحيي لم نجعل له من قبل سميا، فمن صام هذا اليوم، ثم دعا الله استجاب له كما استجاب لزكريا.

ثم قال: يابن شبيب ان المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضي يحرمون فيه الظلم و القتال لحرمته، فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها، و لا حرمة نبيها صلي الله عليه و آله و سلم، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، و سبوا نساءه، و انتهبوا ثقله، فلا غفر الله لهم ذلك أبدا.

يابن شبيب ان كنت باكيا لشي ء، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام، فانه ذبح كما يذبح الكبش، و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا، ما لهم في الأرض شبيهون [7] ، و لقد بكت السماوات السبع و الأرضون لقتله، و لقد نزل الي الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره، فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر الي أن يقوم القائم، فيكونون من أنصاره، و شعارهم يا لثارات الحسين.

يابن شبيب لقد حدثني أبي، عن أبيه، عن جده عليهم السلام: لما قتل جدي الحسين عليه السلام أمطرت السماء دما و ترابا أحمر.

يابن شبيب ان بكيت علي الحسين عليه السلام حتي تسيل [8] دموعك علي خديك، غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا، قليلا كان أو كثيرا.

يابن شبيب ان سرك ان تلقي الله تعالي و لا ذنب عليك، فزر الحسين عليه السلام.

يابن شبيب ان سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فالعن قتلة الحسين عليه السلام.

يابن شبيب ان سرك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين عليه السلام فقل متي ما ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.


يابن شبيب ان سرك أن تكون معنا في الدرجات العلي، فاحزن لحزننا، و افرح لفرحنا، و عليك بولايتنا، فلو أن رجلا تولي حجرا لحشره الله تعالي معه يوم القيامة [9] .

روي غواص الزخار في بحارالأنوار، من أمالي الصدوق، عن الطالقاني، عن أحمد الهمداني، عن علي بن حسن بن فضال، عن أبيه، قال: قال الرضا عليه السلام: من تذكر مصابنا، و بكي لما ارتكب منا، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة، و من ذكر بمصابنا، فبكي و أبكي، لم تبك عينه يوم تبكي العيون، و من جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب [10] .

و فيه: من أمالي الطوسي، المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن سليمان بن مسلم الكندي، عن ابن غزوان، عن عيسي بن أبي منصور، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: نفس المهموم لظلمنا تسبيح، و همه لنا عبادة، و كتمان سرنا جهاد في سبيل الله، ثم قال أبوعبدالله عليه السلام: يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب [11] .

و فيه: المفيد، عن الجعابي، عن ابن عقدة، عن أحمد بن عبدالحميد، عن محمد بن عمرو بن عتبة، عن الحسين الأشقر، عن محمد بن أبي عمارة الكوفي، قال: سمعت جعفر بن محمد عليهماالسلام يقول: من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا، أو حق لنا نقصناه، أو عرض انتهك لنا، أو لأحد من شيعتنا، بوأه الله تعالي بها في الجنة غرفا يسكنها حقبا [12] .

و فيه: المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسي، عن ابن محبوب، عن أبي محمد الأنصاري، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: كل الجزع و البكاء مكروه، سوي الجزع و البكاء علي الحسين عليه السلام.

و في كامل الزيارات لابن قولويه: أبي، عن سعد، عن الجاموراني، عن


الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: سمعته يقول: ان البكاء و الجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء علي الحسين بن علي عليهماالسلام فانه فيه مأجور [13] .

و في البحار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لكل سر [14] ثواب الا الدمعة فينا [15] .

في أمالي الطوسي: المفيد، عن الحسين بن محمد النحوي، عن أحمد بن مازن، عن القاسم بن سليمان، عن بكر بن هشام، عن اسماعيل بن مهران، عن الأصم، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أباعبدالله عليه السلام يقول: ان الحسين بن علي عليهماالسلام عند ربه تعالي ينظر الي معسكره و من حله من الشهداء معه، و ينظر الي زواره، و هو أعرف بهم، و بأسمائهم، و أسماء آبائهم، و بدرجاتهم و منزلتهم عند الله عزوجل، من أحدكم بولده، و انه ليري من يبكيه، فيستغفر له و يسأل آباءه عليهم السلام أن يستغفروا له، و يقول: و لو لم يعلم زائري ما أعد الله له، لكان فرحه أكثر من جزعه، و ان زائره لينقلب و ما عليه من ذنب [16] .

في كامل الزيارات: أبي، عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عبدالله بن زرارة، عن عبدالله بن عبدالرحمن الأصم، عن عبدالله بن بكر، قال: حججت مع أبي عبدالله عليه السلام في حديث طويل، فقلت: يابن رسول الله لو نبش قبر الحسين بن علي عليهماالسلام هل كان يصاب في قبره شي ء؟

فقال: يابن بكر ما أعظم مسألتك [17] ، ان الحسين بن علي عليهماالسلام مع أبيه و امه و أخيه في منزل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و معه يرزقون و يحبرون، و انه لعن يمين العرش متعلق به يقول: يا رب أنجز لي ما وعدتني و انه لينظر الي زواره فهو أعرف بهم


و بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما في رحائلهم من أحدهم بولده، و انه لينظر الي من يبكيه فيستغفر له، و يسأل أباه الاستغفار له، و يقول: أيها الباكي لو علمت ما أعد الله لك لفرحت أكثر مما حزنت، و انه ليستغفر له من كل ذنب و خطيئة [18] .

و فيه: محمد الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبدالله بن حماد البصري، عن عبدالله بن عبدالرحمن الأصم، عن مسمع بن عبدالملك كردين البصري، قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟ قلت: أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، و عندنا من يتبع هوي هذا الخليفة، و أعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصاب و غيرهم، و لست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان، فيميلون [19] علي.

قال لي: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: بلي، قال: أفتجزع؟ قلت: اي والله و أستعبر لذلك، حتي يري أهلي أثر ذلك علي، فأمتنع من الطعام، حتي يستبين ذلك في وجهي.

قال عليه السلام: رحم الله دمعتك، أما انك من الذين يعدون من أهل الجزع لنا، و الذين يفرحون لفرحنا، و يحزنون لحزننا، و يخافون لخوفنا، فيأمنون اذا أمنا، أما انك ستري عند موتك حضور آبائي لك، و وصيتهم ملك الموت بك، و ما يلقونك به من البشارة، ما تقر به عينك، فملك الموت أرق عليك و أشد رحمة لك من الام الشفيقة علي ولدها.

ثم استعبر و استعبرت معه، فقال الحمد لله الذي فضلنا علي خلقه بالرحمة، و خصنا أهل البيت بالمرحمة [20] ، يا مسمع ان الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أميرالمؤمنين رحمة لنا، و ما بكي لنا من الملائكة أكثر، و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، و ما بكي أحد رحمة لنا و لما لقينا الا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه، فاذا سال دموعه علي خده، فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم


لأطفأت حرها حتي لا يوجد لها حر، و ان الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتي يرد علينا الحوض، و ان الكوثر ليفرح بمحبنا اذا ورد عليه، حتي أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، و لم يشق بعدها أبدا، و هو في برد الكافور، و ريح المسك، و طعم الزنجبيل، أحلي من العسر، و ألين من الزبد، و أصفي من الدمع، و أزكي من العنبر، يخرج من تسنيم [21] ، و يمر بأنهار الجنان، تجري علي رضراض [22] الدر و الياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه في مسيرة ألف عام، قد حانه من الذهب و الفضة و ألوان الجواهر، يفوح [23] في وجه الشارب منه كل فائحة، حتي يقول الشارب منه: ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا، و لا عنه تحويلا.

أما انك يابن كردين ممن تروي منه، و ما من عين بكت لنا الا نعمت [24] بالنظر الي الكوثر، و سقيت [25] منه، من أحبنا فان الشارب منه ليعطي من اللذة و الطعم و الشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا.

و ان علي الكوثر أميرالمؤمنين عليه السلام، و في يده عصا من عوسج [26] ، يحطم بها أعداءنا، فيقول الرجل منهم: اني أشهد الشهادتين، فيقول: انطلق الي امامك فلان، فاسأله أن يشفع لك، فيقول: تبرأ مني امامي الذي تذكره، فيقول: ارجع وراءك، فقل للذي كنت تتولاه و تقدمه علي الخلق، فاسأله اذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك، فان خير الخلق حقيق أن لا يرد اذا شفع، فيقول: اني أهلك عطشا، فيقول: زادك الله ظما، و زادك الله عطشا.

قلت: جعلت فداك كيف يقدر علي الدنو من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟ قال: ورع عن أشياء قبيحة، و كف عن شتمنا اذا ذكرنا، و ترك أشياء اجتري ء عليها


غيره، و ليس ذلك لحبنا، و لا لهوي منه لنا، و لكن ذلك لشدة اجتهاده في عبادته و تدينه، و لما قد شغل به نفسه عن ذكر الناس، فأما قلبه فمنافق، و دينه النصب باتباع أهل النصب و ولاية الماضيين و تقدمه [27] لهما علي كل أحد [28] .

و في المنتخب و غيره ما ملخصهما: انه روي عن الامام العسكري عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال لما نزلت: (و اذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم) [29] . الآية، في ذم اليهود الذين نقضوا عهد [30] . الله، و كذبوا رسل الله، و قتلوا أولياء الله، قال صلي الله عليه و آله و سلم: أفلا انبئكم بما يضاهيهم من يهود هذه الامة؟ قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: قوم من امتي [31] . ينتحلون أنهم من أهل ملتي، يقتلون أفاضل ذريتي، و أطائب ارومتي، و يبدلون شريعتي و سنتي، و يقتلون ولدي الحسن و الحسين عليهماالسلام، كما قتل أسلاف اليهود زكريا و يحيي.

ألا و ان الله يلعنهم كما لعنهم، و يبعث علي بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين، يحرقهم بسيوف أوليائه الي نار جهنم، ألا و لعن الله قتلة الحسين و محبيهم و ناصريهم، و الساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم.

ألا و صلي الله علي الباكين علي الحسين عليه السلام رحمة و شفقة، و اللاعنين لأعدائهم، و الممتلئين عليهم غيظا و حنقا، ألا و ان الراضين بقتل الحسين شركاء قتله، و ان قتلته و أعوانهم و أشياعهم و المقتدين بهم برآء من دين الله.

ان الله ليأمر ملائكته المقربين أن يتلقوا دموع الباكين علي مصاب الحسين، فيجمعون دموعهم المصبوبة، و ينقلونها الي الخزان في الجنان [32] ، فيمزجونها بماء الحيوان، فيزيد في عذوبتها و طيبها ألف ضعفها، و ان الملائكة المقربين ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين و مصاب الحسين، فيلقونها في الهاوية، و يمزجونها بحميها و صديدها و غساقها و غسلينها، فيزيد في شدة حرارتها و عظيم


عذابها ألف ضعفها، يشدد بها علي المنقولين اليها من أعداء آل محمد في عذابهم [33] .

و في ثواب الأعمال لابن بابويه، باسناده الي أبي هارون المكفوف، قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: يا أباهارون أنشدني في الحسين عليه السلام، فأنشدته، قال: فقال لي أنشدني كما تنشدون يعني بالرقة، و أنشدته:



امرر علي جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكية



قال: فبكي، ثم قال: زدني، فأنشدته القصيدة الاخري.

و في البحار، قال: فأنشدته:



يا مريم قومي و اندبي مولاك

و علي الحسين فاسعدي ببكاك



قال: فبكي، و سمعت البكاء من خلف الستر.

قال: فلما فرغت، قال: يا أباهارون من أنشد في الحسين عليه السلام شعرا، فبكي و أبكي عشرة كتبت لهم الجنة، و من أنشد في الحسين شعرا، فبكي و أبكي خمسة كتبت لهم الجنة، و من ذكر الحسين عليه السلام عنده، فخرج من عينيه [من الدمع] [34] مقدار جناح ذباب، كان ثوابه علي الله تعالي، و لم يرض له بدون الجنة [35] .

و فيه: عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: قال لي: يا أباعمارة أنشدني [للعبدي] [36] في الحسين عليه السلام، قال: ثم أنشدته فبكي، قال: فوالله ما زلت أنشده و يبكي حتي سمعت البكاء من الدار، فقال لي: يا أباعمارة من أنشد في الحسين فأبكي خمسين فله الجنة، فلا يزال ينقص الي أن قال عليه السلام: من أنشد في الحسين عليه السلام شعرا فبكي فله الجنة، و من أنشد في الحسين شعرا فتباكي فله الجنة [37] .


و في المنتخب في جمع المراثي و الخطب للشيخ فخر الدين بن طريح النجفي: حكي عن دعبل الخزاعي، قال دعبل: دخلت علي سيدي الرضا عليه السلام في مثل هذه الأيام، فرأيته جالسا جلسة الحزين الكئيب، و أصحابه من حوله كذلك، فما رآني مقبلا، قال لي: مرحبا بك يا دعبل، مرحبا بنا صرنا بيده و لسانه، ثم انه وسع لي في مجلسه و أجلسني الي جانبه.

ثم قال لي: يا دعبل أحب أن تنشدني شعرا، فان هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت، يا دعبل بن بكي أو أبكي علي مصابنا و لو [كان] [38] واحدا، كان أجره علي الله يا دعبل من ذرفت عيناه علي مصابنا، و بكي لما أصابنا من أعدائنا، حشره الله تعالي معنا في زمرتنا. يا دعبل من بكي علي مصاب جدي الحسين عليه السلام، غفر الله له ذنوبه البتة.

ثم انه نهض و ضرب سترا بيننا و بين حرمه، و أجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا علي مصاب جدهم الحسين عليه السلام، ثم التفت الي فقال: يا دعبل ارث الحسين، فأنت ناصرنا و ما دحنا ما دمت حيا، فلا تقصر عن نصرنا [39] . ما استطعت، قال دعبل: فاستعبرت و سالت عبرتي، و أنشأت أقول:



أفاطم لو خلت الحسين مجدلا

و قد مات عطشانا بشط فرات



اذا للطمت الخد فاطم عنده

و أجريت دمع العين في الوجنات [40] .



أفاطم قومي يابنة الخير و اندبي

نجوم سماوات بأرض فلات



قبور بكوفان و اخري بطيبة

و اخري بفخ [41] نالها صلوات



قبور ببطن النهر من جنب كربلا

معرسهم فيها بشط فرات



توفوا عطاشا بالعراء فليتني

توفيت فيهم قبل حين وفاتي






الي الله أشكو لوعة عند ذكرهم

سقتني بكأس الثكل و القصعات [42] .



اذا فخروا يوما أتوا بمحمد

و جبريل و القرآن و السورات



و عدوا عليا ذا المناقب والعلي

و فاطمة الزهراء خير بنات



و حمزة و العباس ذا الدين و التقي

و جعفرها الطيار في الحجبات



اولئك مشؤمون هندا و حزبها

سمية من نوكي و من قذرات



هم منعوا الآباء من أخذ حقهم

وهم تركوا الأبناء رهن شتات



سأبكيهم ما حج لله راكب

و ما ناح قمري علي الشجرات



فيا عين أبكيهم وجودي بعبرة

فقد آن للتسكاب و الهملات



بنات زياد في القصور مصونة

و آل رسول الله في الفلوات [43] .



ديار رسول الله أصبحن بلقعا

و آل زياد تسكن الحجرات



و آل رسول الله نحف جسومهم

و آل زياد غلظ الفقرات



و آل رسول الله تدمي نحورهم

و آل زياد ربة الحجلات



و آل رسول الله تسبي حريمهم

و آل زياد آمنوا السربات



اذا وتروا مدوا الي واتريهم

أكفا عن الأوتار منقبضات



سأبكيهم ماذر في الارض شارق

و نادي منادي الخير للصلوات



و ما طلعت شمس و حان غروبها

و بالليل أبكيهم و بالغدوات [44] .



و في مجالس ابن بابويه، و كامل الزيارات باسنادهما، قال: قال أبوعبدالله الحسين بن علي عليهماالسلام: أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن الا استعبر [45] .

و في كامل الزيارات باسناده، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: نظر أميرالمؤمنين عليه السلام الي الحسين عليه السلام، فقال: يا عبرة كل مؤمن، فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم يا بني [46] .


و في المنتخب عن الصادق عليه السلام: رحم الله شيعتنا، لقد شاركونا في المصيبة بطول الحزن و الحسرة علي مصاب الحسين عليه السلام [47] .

و فيه: روي أنه لما أخبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم ابنته فاطمة عليه السلام بقتل ولدها الحسين عليه السلام، و ما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة عليهاالسلام بكاء شديدا، و قالت: يا أبة متي يكون ذلك؟ قال: ذلك في زمان خال مني و منك و من علي و من حسن، فاشتد بكاؤها، و قالت: يا أبة فمن يبكي عليه؟ و من يلتزم باقامة العزاء له؟

فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة ان نساء امتي يبكين علي نساء أهل بيتي، و رجالهم يبكون علي رجال أهل بيتي، و يجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة، فاذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء، و أنا أشفع للرجال، و كل من بكي منهم علي مصاب الحسين، أخذنا بيده و أدخلناه الجنة، يا فاطمة كل عين باكية يوم القيامة الا عين بكت علي مصاب الحسين عليه السلام فانها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة [48] .

و فيه أيضا: حكي عن السيد علي الحسيني، قال: كنت مجاورا في مشهد مولانا علي بن موسي الرضا عليه السلام مع جماعة من المؤمنين، فلما كان يوم العاشر من شهر عاشورا، ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين عليه السلام، فوردت رواية عن الباقر عليه السلام أنه قال: من ذرفت عيناه علي مصاب الحسين و لو مثل جناح البعوضة، غفر الله ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر.

و كان في المجلس معنا جاهل مركب يدعي العلم و لا يعرفه، فقال: ليس هذا بصحيح، و العقل لا يعتقده، و كثر البحث بيننا و افترقنا من ذلك المجلس، و هو مصر علي العناد في تكذيب الحديث، فنام ذلك الرجل تلك الليلة، فرأي في منامه كأن القيامة قد قامت، و حشر الناس في صعيد صفصف لا يري فيها عوجا و لا أمتا، و قد نصبت الموازين، و امتد الصراط، و وضع الحساب، و نشرت الكتب، و اسعرت النيران، و زخرفت الجنان، و اشتد الحر عليه، و اذا هو قد عطش عطشا شديدا،


و بقي يطلب الماء فلا يجده، فالتفت يمينا و شمالا، و اذا هو بحوض عظيم الطول و العرض.

قال: فقلت في نفسي: هذا هو الكوثر، فاذا فيه ماء أبرد من الثلج، و أحلي من العذب، و اذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق علي الخلائق، و هم مع ذلك لبسهم السواد، و هم باكون محزونون، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: هذا محمد المصطفي، و هذا الامام علي المرتضي، و هذه الطاهرة فاطمة الزهراء، فقلت: مالي أراهم لابسين السواد باكين محزونين؟ فقيل لي: أليس هذا يوم عاشوراء، يوم مقتل الحسين عليه السلام، فهم محزنون لأجل ذلك.

قال: فدنوت الي سيدة النساء فاطمة، و قلت لها: يا ابنة رسول الله اني عطشان، فنظرت الي شزرا، و قالت لي: أنت الذي تنكر فضل البكاء علي مصاب ولدي الحسين، و مهجة قلبي و قرة عيني، الشهيد المقتول ظلما و عدوانا، لعن الله قاتليه و ظالميه و مانعيه من شرب الماء، قال الرجل: فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا، و استغفرت الله كثيرا، و ندمت علي ما كان مني، و أتيت الي أصحابي الذين كنت معهم و خبرتهم برؤياي، و تبت الي الله تعالي [49] .

عن الباقر عليه السلام، قال: اذا كان يوم العاشر من المحرم تنزل الملائكة من السماء، و مع كل ملك قارورة من البلور الأبيض، و يدورون في كل بيت و مجلس يبكون فيه علي الحسين عليه السلام، فيحملون دموعهم في تلك القوارير، فاذا كان يوم القيامة فتلتهب نار جهنم، فيضربون من تلك الدموع قطرة علي النار، فتهرب النار عن الباكي علي الحسين عليه السلام مسيرة ستين ألف فرسخ [50] .

فانظروا يا اخواني علي عظيم فضيلة البكاء علي الحسين عليه السلام، و اغسلوا درن قلوبكم بماء دموعكم، نعوذ بالله من عين لا تدمع، و قلب لا يخشع.

نقل [51] صاحب بحارالأنوار محمد باقر المجلسي طاب ثراه فيه: أنه ورد الخبر عن أهل العصمة أنه اذا قامت القيامة، و جمع الله الخلائق في المحشر، أعطي


لكل كتابه بيده، ان كان فيه الحسنات فرح و استبشر، و ان كان فيه السيئات خجل منه فندم علي ما صنع، فيأتيه النداء من بين يديه و من خلفه: يا ملائكة العذاب خذوه الي نار جهنم، فيبقي متحيرا بينهم لا يستطيع كلاما و لا يرد جوابا.

فاذا النداء من قبل الله تعالي: قفوا يا ملائكتي بهذا العبد، فان له عندي أمانة، فيأمر الله العزيز الغفار أن اعطوا الأمانة لهذا العبد الحيران المذنب، فأنا أشتري منه هذه الدرة بأغلي ثمن دون قيمة، قال: فيقول الله تعالي للملائكة: أجمعوا كل الأنبياء و الأوصياء حتي يقوموا هذه الدرة بأحسن قيمة و أغلي ثمن.

قال: فعند ذلك تجمع الملائكة الأنبياء و الأوصياء، فيأتي النداء من قبل الله تعالي يا ملائكتي اعطوا هذه الدرة لآدم الصفي يقومها لعبدي المذنب، فيقدم آدم عليه السلام و يأخذ الدرة و يقول: الهي و سيدي أنت الكريم الغفار ذوالجلال و الاكرام، قيمة هذه الدرة أن تكفيه و تنجيه من نار جهنم، و عرصات الموقف و أهواله، فيقول الله جل جلاله: يا آدم قليل ما قومتها، يا ملائكتي اعطوها لنوح النبي يقومها، فيحضر لها نوح عليه السلام، فيقول: الهي يا كريم يا غفار قيمتها أن تكفي صاحبها شر الحساب و العقاب، و عطش القيامة و تبعاتها، و تنجيه من جميع أحوالها.

فيأتيه الجواب من قبل الله تعالي يا نوح قليل ما قومتها به، فيأمر الله تعالي باحضار خليله ابراهيم عليه السلام أن يقوم الدرة، قال: فيقول ابراهيم عليه السلام: الهي و سيدي أنت القادر الكريم الرحيم قيمتها أن تسهل علي صاحبها أهوال القيامة، و تجعله في ظل عرشك، و تسكنه في جنانك و تعطيه من كرمك.

قال: و لم يبق نبي، و لا وصي، و لا ملك مقرب، الا وقومها، فيقول الله تعالي: قليل ما قومتموها به، و ما هذه قيمتها، الي أن ينتهي النبيون الي خاتم الأنبياء، و سيد أهل السماوات و الأرض، محمد صلي الله عليه و آله و سلم سيد الأنبياء و المرسلين، فيأتيه النداء من قبل الله تعالي: يا محمد أنت قوم هذه الدرة لهذا العبد العاصي بثمن غال و أغلي ما يكون، فأنا أشتريها منه، فعندها يقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا رب أسألك و أنت العالم بنطقي، ثم هذه الدرة التي أمرتني أن اقومها لهذا العبد العاصي من أين أتته؟ و من أين حصلت له؟ و في أي كسب رزقته اياها؟

فيقول الله تعالي: يا حبيبي يا محمد اعلم أن هذا العبد العاصي قد مر علي


جماعة و هم جالسون يذكرون مصاب الحسين عليه السلام، و يبكون و يندبون عليه، و ينوحون علي ما أصابه من القتل، و الضرب، والنهب، و السلب، و الأسر، و صلب الرؤوس في أسنة الرماح، و شهرة نسائه في كل بلدة و مكان، و بكي علي تقييد ولده و قرة عينه علي بن الحسين السجاد زين العباد، فبكي حتي خرج من عينه الدموع، و أمرت ملائكتي أن ينتفوا دموعه من خديه كلما جرت قطرة، فصورتها بقوتي و قدرتي هذه الدرة، و أمرت الملائكة أن يحفظوها، و جعلتها ذخرا له، و سببا لنجاته في هذا اليوم، فقومها يا حبيبي يا رسول الله.

فلما تم الكلام من العزيز العلام، خر النبي صلي الله عليه و آله و سلم ساجدا، و قال: يا رب العالمين، و يا مالك يوم الدين، و يا غافر المذنبين، أنت أكرم الأكرمين، و رحمتك سبقت غضبك علي المذنبين،، اذا كان هذا العبد العاصي حصل هذه الدرة التي لا نظير لها في دار الدنيا، و قد وجدت عند هذا العاصي بسبب بكائه علي ولدي الحسين بن علي بن أبي طالب و ابن بنتي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، و أنت قد تشفقت عليه بها، و أنت تريد أن تشتريها منه بأغلي ثمن، فيتباهي بالحسين بن علي، فأرسل له بأن يحضر في هذا المكان ودعه هو يقومها لهذا العبد العاصي، كما هو حصلها بسببه، كذلك هو يقومها له، و هو يعرف ثمنها غاية المعرفة.

فعند ذلك يأتي النداء من قبل الله تعالي يا ملائكتي أحضروا لي عبدي و حبيبي و قرة عين نبيي أباعبدالله الحسين، ليقوم هذه الدرة لهذا العبد العاصي، حتي أغفر له و أدخله جنتي عوض ما حزن و بكي علي مصابه، و جرت دموعه لأجله، فصورت دموعه هذه الدرة من فضلي، و جعلتها سببا لنجاته من النار، فقومها يا أباعبدالله، فانه من أهل النار، و كان قد عمل عمل أهل النار مدة حياته.

فلما سمع الحسين عليه السلام هذا الكلام، نظر الي العبد و هو واقف بين يدي الملائكة الغلاظ الشداد، و ينظر الي الدرة و صنعها، فيقول لذلك العبد: لا تخف و لا تحزن و لا تجزع و أبشر و هو خجلان، فأتوني بها ملائكة الله و اذا هي صرة من الحرير أخضر من سندس الجنة معقودة، فيحل عقدها، فيراها درة في غاية الصفاء و نهاية الضياء، لم يوجد مثلها في خزائن الملوك و السلاطين، و لا ملكها أحد من المخلوقين، فيتعجب كل من يراها.


فيأتيه النداء من قبل الله تعالي بعها علي عبدي بأغلي ثمن، فأنا أشتريها منك، فانك حصلتها في دار الدنيا من دموع عينك و بكائك علي الحسين الشهيد العطشان نور عين رسول الله و ابن وليه و وصيه و ناصره، و سرور فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، و تأملت في ذلك المجلس، و بكيت و حزنت، و خرجت من عيونك الدموع، فاني أمرت الملائكة أن يحفظوها بقوارير الجنة، و لا يضيعوا منها شيئا حتي اجازيك بها يوم القيامة، فأنا الرب الكريم الغفار، كرامة لابن الرسول الأواب، و ابن ساقي يوم الحساب علي بن أبي طالب.

فعند ذلك يأمر الله الحسين عليه السلام فيقول له: قوم هذه الدرة لهذا العبد الزائر و الباكي عليك بثمن غال، فيقول الحسين: يا رب قيمة هذه الدرة أن تنجي صاحبها من جميع الأهوال، و العبور علي الصراط، و تدفع عنه كل عذاب و حساب و عطش، و قيمتها أن تسقيه من حوض الكوثر شربة لا ظمأ بعدها، و تدخله الجنة، و تجعل قصره مجاورا لقصري، و لمن أنفق ماله، و اتعب نفسه و زار قبري، و أحبني، و أقام عزائي و ذكري و ذكر قتلي و مصيبتي.

فيأتي الجواب من الله تعالي: يا حسين اني قبلت ما ذكرت و أعطيتك ما تريد، فافعل ما شئت، فأنت الشافع و ابن الشافع له و لمن تريد، و الحمد لله رب العالمين [52] .

حكي صاحب ذخائر الأفهام عن عبدالله بن داود، عن الثقات، عن ابن عباس، قال: صلينا مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ذات يوم صلاة الصبح في مسجده الآن، فلما فرغنا من التعقيب، التفت الينا بوجهه الكريم، كأنه البدر في ليلة تمامه، و استند علي محرابه، و جعل يعظنا بالحديث الغريب، و يشوقنا الي الجنة، و يحذرنا من النيران، و نحن به مسرورون مغبوطون، و اذا به قد رفع رأسه و تهلل وجهه، فنظرنا و اذا بالحسنين مقبلين عليه، و كف يمين الحسن عليه السلام بيسار الحسين عليه السلام، و هما يقولان: من مثلنا؟ و قد جعل الله جدنا أشرف أهل السماوات و الأرض، و أبونا بعده خير أهل المشرق و المغرب، و امنا سيدة علي جميع نساء العالمين،


و جدتنا ام المؤمنين، و نحن سيدا شباب أهل الجنة.

و زاد سرورنا، و استبشرنا بعد ذلك، و كل منا يهني ء صاحبه علي الولاية لهم، و البراءة من أعدائهم، فنظرنا نحو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و اذا بدموعه تجري علي خديه، فقلنا: سبحان الله هذا وقت فرح و سرور، فكيف هذا البكاء من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟

فأردنا أن نسأله و اذا به قد ابتدأنا يقول: يعزيني الله علي ما تلقيان من بعدي يا ولدي من الاهانة و الأذي، و زاد بكاءه، و اذا به قد دعاهما و حطهما في حجره، و أجلس الحسن عليه السلام علي فخذه الأيمن، و الحسين عليه السلام علي فخذه الأيسر، فقال: بأبي أبوكما و بامي امكما، و قبل الحسن عليه السلام في فمه الشريف، و أطال الشم بعدها، و قبل الحسين عليه السلام في نحره، بعد أن شمه طويلا، فتساقطت دموعه، و بكي و بكينا لبكائه، و لا علم لنا بذلك.

فما كان الا ساعة و اذا بالحسين عليه السلام قد نام و مضي الي امه باكيا مغموما، فلما دخل عليها و رأته باكيا، قامت اليه تمسح دمعه بكمها، و أسكته و هي تبكي لبكائه، و تقول: قرة عيني و ثمرة فؤادي ما الذي يبكيك؟ لا أبكي الله لك عينا، ما بالك يا حشاشة قلبي؟ قال: خيرا يا اماه، قالت: بحقي عليك و بحق جدك و أبيك الا ما أخبرتني.

فقال لها: يا اماه كأن جدي ملني من كثرة ترددي اليه، قالت: فداك نفسي لماذا؟ قال: يا اماه جئت أنا و أخي الي جدنا لنزوره، فأتيناه و هو في المسجد، و أبي و أصحابه من حوله مجتمعون، فدعا الحسن و أجلسه علي فخذه الأيمن، و أجلسني علي فخذه الأيسر، ثم لم يرض بذلك حتي قبل الحسن في فمه بعد أن شمه طويلا، و أما أنا فأعرض عن فمي و قبلني في نحري، فلو أحبني و لم يبغضني لقبلني مثل أخي، هل في فمي شي ء يكرهه يا اماه شميه أنت، قالت الزهراء: هيهات يا ولدي والله العظيم ما في قلبه مقدار حبة خردل من بغضك، فقال: يا اماه كيف لا يكون ذلك و قد عمل هذا.

قالت: والله يا ولدي اني سمعته كثيرا يقول: حسين مني و أنا منه، ألا و من آذي حسينا فقد آذاني، أما تذكر يا ولدي لما تصارعتما بين يديه جعل يقول: ايها يا حسن، فقلت له: كيف يا أبتاه تنهض الكبير علي الصغير؟


فقال: يا بنتاه هذا جبرئيل ينهض الحسين و أنا أنهض الحسن، و انه يا ولدي مر يوما جدك علي منزلي و أنت تبكي في المهد، فدخل أبي و قال لي: سكتيه يا فاطمة، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني، و كذلك الملائكة بكاؤه يؤذيهم، و قال مرارا: اللهم اني احبه و احب من يحبه، فكيف يا ولدي تلك، لكن سر بنا الي جدك.

فأخذت بيد الحسين عليه السلام و هي تجر أذيالها حتي أتت الي باب المسجد، فما رأت غير الامام و النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فلما رآها النبي تنفس الصعداء و بكي كمدا، فجرت دموعه علي خديه حتي بلت كميه، فقالت: السلام عليك يا أبتاه، فقال: و عليك السلام يا فاطمة و رحمة الله و بركاته، قالت له: يا سيدي كيف تكسر خاطر الحسين؟ أما قلت انه ريحانتي التي أرتاح اليها؟ أما قلت هو زين السماوات و الأرض؟ قال: نعم يا بنتاه هكذا قلت، قالت: أجل كيف ما قبلته كأخيه الحسن؟، و قد أتاني باكيا، فلم أزل أسكته فلم يتسكت، و أسليه فلم يتسل، و اعزيه فلم يتعز، قال: يا بنتاه هذا سر أخاف عليك اذا سمعتيه ينكدر عيشك، و ينكسر قلبك، قالت: بحقك يا أبتاه ألا تخفيه علي.

فبكي و قال: انا لله و انا اليه راجعون، يا بنتاه يا فاطمة هذا أخي جبرئيل أخبرني عن الملك الجليل: أن لابد للحسن أن يموت مسموما تسمه زوجته بنت الأشعث لعنه الله، فشممته بموضع سمه، و لابد للحسين أن يموت منحورا بسيف الشمر لعنه الله، فشممته بموضع نحره.

فلما سمعت ذلك بكت بكاء عاليا، و لطمت علي وجهها، و حثت التراب علي رأسها، و دارت حولها نساء المدينة من المهاجرين و الأنصار، فعلي النحيب، و ارتج المسجد بمن فيه، حتي خلنا أن الجن تبكي معنا، فقالت: يا أبتاه بأي أرض يصدر عليه في المدينة أم في غيرها؟ قال: في أرض تسمي كربلا، فقالت: يا أبتاه صف لي سبب قتله.

فبكي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قال: يا فاطمة مصيبته أعظم من كل مصيبة، اعلمي أنه يدعوه أهل الكوفة في كتبهم أن أقبل الينا، فأنت الخليفة علينا من الله و رسوله، فاذا أتاهم كذبوه و قتلوه عطشانا غريبا وحيدا، يناديهم أما من نصير ينصرنا، أما من مجير يجيرنا، فلم يجبه أحد، فيذبح كما يذبح الكبش، و يقتل أنصاره و بنوه و بنوا


أخيه، و تعلي رؤوسهم علي العوالي، و تؤخذ بناته و نساؤه سبايا حواسر، يطاف بهن في الامصار، كأنهن من سبايا الكفار.

فعندها نادت فاطمة: واحسيناه، وامهجة قلباه، وا غريباه، فبكي كل من كان حاضرا من الأنصار، قالت فاطمة: و متي يكون ذلك؟ قال: من بعدنا كلنا، حتي من بعد أخيه الحسن بشهر يسمي المحرم في اليوم العاشر منه، و فيه تحرم الكفرة السلاح، و من امتي تقتل ولدي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.

قالت: يا أبتاه أجل من يغسله؟ و من يكفنه؟ و من يصلي عليه و يدفنه؟ قال: يا فاطمة يبقي جسده علي التراب تصهره الشمس و هو في العراء، و رأسه علي القناة، فأعولت بعدها حزنا، فصاح الحسين عليه السلام يا جداه رزئي عظيم، و خطبي جسيم، فبكي و بكي جده و أبوه و امه و أخوه و من حضر.

فبيناهم يتصارخون و اذا بجبرئيل الأمين هبط من الرب الجليل، و قال: يا محمد العلي الأعلي يقرؤك السلام، و يخصك بالتحية و الاكرام، و يقول لك: سكت فاطمة الزهراء، فقد أبكت الملائكة في السماء، فوعزتي و جلالي اني لأخلق لها شيعة طاهرين مطهرين، ينفقون أموالهم علي عزاء الحسين، و أرواحهم علي زيارته، و يقيمون عزاءه في مجالسهم، و يسكبون الدموع، و يقللون الهجوع، ليس لهم من ذلك رجوع، يتناكحون و يتناسلون، أطائب طاهرين مطهرين، و يأتون الي مشهده الشريف من كل مؤمن لطيف علي أن يقوم القائم الحجه بن الحسن، فيأخذ بثاره و ثار كل مظلوم الي أن تقوم الساعة.

ألا و من زاره بعد مماته، كتب الله له بكل خطوة يخطوها حجة مقبولة، ألا و من أنفق درهما علي عزائه و زيارته تاجرت له الملائكة الي يوم القيامة فيما ينفقه، و يعطي بكل درهم سبعين حسنة، و بني الله له قصرا في الجنة، ألا و من ذكر مصابه و بكي عليه، حفظت دموعه في قوارير من زجاج، فاذا كان يوم القيامة فتلتهب نار جهنم، فيقال له: يا ولي الله خذ هذه دموعك التي سفكتها في دار الدنيا علي مولاك الحسين و عتقت من النار، فيضربون من تلك الدموع قطرة علي النار فتهرب النار عنه مسيرة خمسمائة عام.

فعند ذلك توجه النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقالت الزهراء: فما تهللت يا أبتاه فرحا هذا أم


حزنا، فأخبرها النبي بقول جبرئيل، فسجدت لله شكرا، فقال الحسين عليه السلام: فما يكون جزاؤهم عندك يا جداه؟ فقال له: يا قره عيني أشفع لهم عند الله لذنوبهم، و قد أعطاني الله الشفاعة في القيامة، فنظر الحسين الي أبيه و قال له: أنت يا أباه فما تجازيهم؟ فقال: أما أنا فأسقيهم من الحوض الكوثر، ثم نظر الحسين عليه السلام الي أخيه الحسن عليه السلام، فقال: و أنت يا أخاه فماذا تجازيهم، فقال الحسن: يا أخي احرم علي نفسي دخول الجنة، لن أدخلها حتي يكونوا معي، لا أدخل قبلهم، فعندها قالت الزهراء: فوعزة ربي و حق أبي و بعلي لأقفن علي باب الجنة برأس مكشوف و دمع مذروف حتي يشفعني الهي فيهم.

فقال الحسين عليه السلام: و حق جدي و أبي أن لا أطلب من ربي الا أن يجعل قصورهم حذاء قصري في الجنة.

فهذا جزاء محبيهم، فيا اخواني أجزل الله لكم الثواب علي عظيم هذا المصاب، فحقيق علي مثلهم أن يبكي الباكون، انا لله و انا اليه راجعون، و الحمد لله رب العالمين [53] .



پاورقي

[1] ذرفت العيون: اذا جري دمعها. النهاية.

[2] اللهوف ص 5 - 4.

[3] اللهوف ص 5.

[4] اللهوف ص 5.

[5] المنتخب ص 29.

[6] آل عمران: 38.

[7] في البحار: شبيه - خ.

[8] في البحار: تصير.

[9] بحارالأنوار 286 - 285: 44 ح 23 عن العيون و الأمالي.

[10] بحارالأنوار 278: 44 ح 1 عن الأمالي. و روي نظيره في الکافي من کتاب الايمان و الکفر «منه».

[11] بحارالأنوار 278: 44 ح 4 عن الأمالي.

[12] بحارالأنوار 279: 44 ح 7 عن الأمالي. و الحقب کناية عن الدوام.

[13] بحارالأنوار 291: 44 ح 32 عن کامل الزيارات.

[14] الظاهر أن المراد أن لکل سر من حيث أنه سر ثوابا أزيد من العلانية، بخلاف الدمعة فينا، فان سره أنقص ثوابا من العلانية أو مساو «منه».

[15] بحارالأنوار 287: 44 ذيل ح 25، و قال لعل المعني أن اسرار کل مصيبة و الصبر عليها موجب للثواب، الا البکاء عليهم. و يحتمل أن يکون تصحيف «شي‏ء» أي: لکل شي‏ء من الطاعات ثواب مقدر الا الدمعة فيهم فانه لا تقدير لثوابها.

[16] بحارالأنوار 281: 44 ح 13 عن الأمالي.

[17] في البحار: مسائلک.

[18] بحارالأنوار 292: 44 ح 35 عن کامل الزيارات.

[19] في البحار: فيمثلون.

[20] في البحار: بالرحمة.

[21] تسنيم: ماء في الجنة يجري فوق الغرف، أو عين عليهم تتسنم من فوق. القاموس.

[22] الرضراض: الحصا أو صغارها. البحار.

[23] فاح المسک فوحا و فيحا: انتشرت رائحته، و لا يقال في الکريهة أو هو عام. القاموس.

[24] و نعم الله بک و نعمک: أقربک عين من تحبه، أو أقر عينک بمن تحبه. القاموس.

[25] اسناد السقي اليها مجازي تشبيها «منه».

[26] العوسجة: شوک، جمع عوسج. القاموس.

[27] تقديمهما - خ.

[28] بحارالأنوار 291 - 289: 44 عن کامل الزيارات ص 101 - 100.

[29] البقرة: 84.

[30] في المنتخب: عهود.

[31] بني‏امية - خ.

[32] في المنتخب: خزنة الجنان.

[33] المنتخب. ص 171، و بحارالأنوار 305 - 304: 44 عن تفسير الامام العسکري عليه‏السلام ص 370 - 368.

[34] الزيادة من البحار:

[35] بحارالانوار 288: 44 ح 28 عن ثواب الأعمال. و 287: 44 ح 25.

[36] ما بين المعقوفتين غير موجودة في البحار. و لعله اسم شاعر أنشأ المراثي له عليه‏السلام.

[37] بحارالأنوار 282: 44 ح 15 عن الأمالي و الثواب و کامل الزيارات.

[38] الزيادة من المنتخب.

[39] في المنتخب: نصرتنا.

[40] الوجنة مثلثة و بضمتين: ما ارتفع من الخدين.

[41] الفخ موضع بمکة دفن فيها أبوعمر، کذا في القاموس. و قال في مجمع البحرين: يوم فخ کان أبوعبدالله الحسين بن علي بن الحسن ابن عم موسي الکاظم عليه‏السلام دعا الي نفسه، و قد قال له موسي بن جعفر عليهماالسلام حين ودعه: يا ابن عم انک مقتول فاجد الضراب، فان القوم فساق، فقتل بفخ کما أخبر به عليه‏السلام انتهي.

[42] الثکل بالضم: فقدان الحبيب أو الولد. القاموس. و في المنتخب: و الصعقات.

[43] في المنتخب: و آل رسول الله منهتکات.

[44] المنتخب ص 28 - 27.

[45] بحارالانوار 284: 44 ح 19 عن الأمالي و کامل الزيارات.

[46] بحارالأنوار 280: 44 ح 10 عن کامل الزيارات.

[47] المنتخب ص 29.

[48] المنتخب ص 29.

[49] بحارالانوار 296 - 293: 44، و المنتخب للطريحي ص 359 - 358.

[50] المنتخب ص 449.

[51] من هنا الي أول المقدمة الثالثة غير موجود في النسختين، و لم أعثر عليه في البحار.

[52] لم أعثر علي الحديث في البحار.

[53] لم أعثر علي کتاب ذخائر الأفهام.