بازگشت

ايذاء النبي نفسه بالجوع


سيماء الصلحاء: ألم يضع - يعني النبي (صلي الله عليه وآله) - حجر المجاعة علي بطنه، مع اقتداره علي الشبع؟ [1]

رسالة التنزيه: أما وضعه حجر المجاعة علي بطنه مع اقتداره علي الشبع، فلو صح، لحمل علي صورة عدم خوف الضرر [2] لحرمة ذلك. ولكن من أين تثبت أنه كان يتحمل الجوع المفرط الموجب لخوف الضرر اختياراً مع القدرة علي الشبع؟ [3] انتهي.

النقد النزيه: قد صح أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) خرج من الدنيا خميصاً، ما أكل خبز برّ قط، ولا شبع من خبز شعير قط. أما إفراط الجوع به حتي شدّ الحجر علي بطنه، فقد رواه الصدوق في مجالسه، وابن شهر آشوب في مناقبه مسنداً عن ابن عباس. ورواه ابن الجوزي مسنداً بعدة طرق عن علي (عليه السلام)، ونقله الزمخشري في (ربيع الأبرار) عنه (عليه السلام)، وكذا ابن أبي الحديد في (شرح النهج)، فقد نقله وذكر أنه جاء في الأخبار الصحيحة [4] . وامتنّ به رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي كافة المهاجرين والأنصار، وهو علي المنبر في آخر يوم من أيام حياته إذ قال: (ألم أضع حجر المجاعة علي بطني)؟ فقالوا: بلي.

وقد تقدم في حديث السجاد (عليه السلام) أن النبي (صلي الله عليه وآله) ليس فقط يجوع حتي يربط علي بطنه الحجر، بل ويظمأ حتي يعصب فوه، أي يجفّ ريقه من شدة العطش.

إن من الغريب قوله: (من أين ثبت أنه كان يتحمل الجوع المفرط)! وهو وكل أحد يعلم أن ربط الحجر لا يكون إلاّ للحاجة إليه، وإلا يكون فاعله مرائياً، ومع الحاجة إلي ربط الحجر لا معني للقول بأن ذلك الجوع الذي كان لأجله ربط الحجر، لم يكن مفرطاً.

سلّمنا، لكن في تحمل ذلك الجوع مشقة شديدة، وإيذاء للنفس، والمشقّة وإن لم توجب حرمة الفعل، لكنها ترفع حكمه - علي مذهبه - وعليه لا يكون تحمّله للجوع مستحباً ولا مطلوباً ولا مثاباً عليه، بل هو والشبع سواء في الإباحة، فما هو الداعي لفعل النبي (صلي الله عليه وآله) إياه وإيثاره علي الشبع. وحمل جوعه علي ما لا مشقة فيه أيضاً كما لا ضرر فيه، يوجب حصر شدّ الحجر بالرياء المحض.

وأغرب من هذا دعوي أن جوعه المفرط الموجب للضرر كان عن اضطرار، وذلك النبي (صلي الله عليه وآله) إذا انقطعت به المذاهب عن تدبير ما يسد به رمقه، ولو بقرض ونحوه، فلقد كان بإمكانه أن يبرز إلي ظواهر المدينة وضواحيها، فيأكل من حشائشها ما يحفظ به حشاشة نفسه الشريفة تأسّياً بأخيه موسي بن عمران (عليه السلام)، فلقد كانت خضرة الحشيش تري من صفاق [5] بطنه لهزاله [6] .

ولعمري إن امتنانه علي المسلمين بربط الحجر، وتصديقهم إياه ينبئ عن علمهم بأنه كان باختياره يكابد الجوع المفرط غالب أيامه، وأنه أمر محبوب، وأنه لو شاء لم يكن مع أن جوعه لولم يكن مفرطاً، أو كان ولكن عن اضطرار، لم يكن لامتنانه علي الأمة وجه.

نعم يظهر من بعض كتب السير أن المسلمين أصابهم جهد وقلّة زاد أيام حفر الخندق، وأن رسول الله ربط الحجر من الجوع علي بطنه ثلاثة أيام يومئذ، وهذا ما لا يمتنّ به رسول الله (صلي الله عليه وآله)، لعموم ابتلاء المسلمين به.


پاورقي

[1] سيماء الصلحاء: 80.

[2] إذا کان مبني الکاتب - المصرّح به في ص 21 - علي حرمة ارتکاب ما يکون ضرراً، سواء اعتقد فاعله أنه ضرر أم لا، فإن تحمل الجوع ضرر محرّم، وقد وقع منه (صلي الله عليه وآله) ولا دخل لخوف الضرر وعدمه في ذلک، مع أنه إذا کانت الحرمة في جوع النبي (صلي الله عليه وآله) منوطةً بخوف الضرر، فلم لا تکون حرمة إدماء الرأس منوطة بذلک أيضاً؟ ولم يکن محرّماً علي الإطلاق؟.

[3] رسالة التنزيه: 20.

[4] وروي في البحار [20: 198] عن أبي عبد الله الحافظ وغيره بأسانيدهم عن جابر الأنصاري حديث الکدية التي ظهرت في الخندق، وفيه: (ثم قام النبي (صلي الله عليه وآله) فأتي الکدية، وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فأخذ المعول بيده وضربها، فعادت کثيباً).

[5] صفاق: الجلد الذي فوق اللحم وتحت الجلد الأعلي الذي عليه الشعر. أو جلد البطن کله. م.

[6] نهج البلاغة [الخطبة 16]، وإرشاد القلوب للديلمي [1: 156].