بازگشت

تورم قدم النبي من القيام للعبادة


سيماء الصلحاء: لو كان الشاق - وإن دخل تحت القدرة والطوق - غير مشروع، ما فعلته الأنبياء، ألم يقم النبي (صلي الله عليه وآله) للصلاة حتي تورّمت قدماه؟ [1] .

رسالة التنزيه: قيام النبي (صلي الله عليه وآله) للصلاة حتي تورمت قدماه إن صح، لابد وأن يكون من باب الاتفاق، أي ترتب الورم علي القيام اتفاقاً، ولم يكن النبي (صلي الله عليه وآله) يعلم بترتبه، وإلا لم يجز القيام المعلوم أو المظنون أنه يؤدي إلي ذلك، لأنه ضرر يرفع التكليف ويوجب حرمة الفعل المؤدي إليه [2] انتهي.

النقد النزيه: حديث قيام النبي (صلي الله عليه وآله) إلي أن تورّمت قدماه رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) [3] ، ورواه الطبرسي في (الاحتجاج) عن أبي الحسن موسي (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) [4] ، ونقله في (البحار) [5] عن (الخرائج) [6] .

ويشهد له بالصحة ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي في أماليه عن أبي جعفر (عليه السلام) منقول السجاد (عليه السلام): (أن جدي رسول الله (صلي الله عليه وآله) قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه [7] وما تأخّر، فلم يدع الاجتهاد في العبادة حتي ورم الساق، وانتفخ القدم [8] . وما رواه في (البحار) عن كتاب (فتح الأبواب) في الاستخارات - لابن طاووس - عن الزهري من قول السجاد أيضاً: (كان رسول الله يقف للصلاة حتي تورم قدماه، ويظمأ [9] حتي يعصب فوه [10] ) [11] .

وأنا لا أشك أن الكاتب قد يثبت صحة الخبر رواية، فتترتب عليها آثار وقوع المخبر به واقعاً، ولكن لأمرٍ ما يقول (إن صح)(!!)

إن هذه الأخبار بظاهرها تدل علي استدامته علي طول القيام، ويلزم ذلك - عادة - العلم بحصول الورم، وكونه (صلي الله عليه وآله) عامداً علي إجهاد نفسه في عبادة ربه.

ويؤيد هذا أن انتفاخ الساق وورم القدم لا يكون دفعياً، بل تدريجياً، والمواظبة علي الأمر التدريجي الضرر، ومع ظهور مباديه، لا يكون إلا للإقدام عليه عمداً مع العلم به.

أن إيذاء رسول الله (صلي الله عليه وآله) لنفسه في العبادة لو كان اتفاقياً وهو غير عالم به، لم يكن وجه لمعاتبة الناس له بأنه قد غفر الله له، فلا حاجة له إلي إتعاب نفسه وإيذائها، ولا لجوابه (صلي الله عليه وآله) لهم بقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً) بل لا وجه للعتاب الإرفاقي المتوجه إليه من جانبه تعالي بقوله: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي) [12] ، أي: لتستمر في فعل ما يشق علي النفس، لأن العتاب الإرفاقي لا يكون علي أمر غير اختياري غير معلوم الوقوع عنده.

إن دعوي اتفاقية ترتب الورم علي قيامه (صلي الله عليه وآله) من دون علمه به مما لا مجال لاحتمالها:

أولاً: لما روي في (الاحتجاج) و(الخرائج) عن علي (عليه السلام): أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قام عشر سنين علي أطراف أصابعه حتي تورمت قدماه [13] وفي (مجمع البيان) روي أنه كان يرفع إحدي رجليه في الصلاة ليزيد تعبه، فأنزل الله (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي)، فوضعها [14] . وفي (الحدائق) - في أول باب أعداد الصلوات -: روي أنه كان يقوم [في الصلاة] علي أطراف أصابعه حتي تورمت قدماه إجهاداً لنفسه في العبادة، حتي عاتبه الله علي ذلك عتاب رحمة، فقال: (طه ما أنزلنا عليك الرآن لتشقي) [15] . الحديث [16] . وفي (مصباح الشريعة): كان رسول الله يصلي حتي يتورم، ويقول: (أفلا أكون عبداً شكوراً)؟ أراد أن تعتبر [به] أمته، فلا يغفلوا عن الاجتهاد والتعب والرياضة [17] .

فإن هذه الأخبار صريحة الدلالة علي مواظبته (صلي الله عليه وآله) علي القيام المؤذي الموجب للورم، وأنه إنما يفعل ذلك قاصداً إتعاب نفسه وإيذائها في العبادة.

وثانياً: أن الورم من حيث هو ليس بضرر، وإنما الضرر هو الألم الحاصل عند حدوث الورم، ولازم كل عاقل شاعر أن يحسّ بالألم عند حدوثه، مهما كان ضعيفاً، فكيف بالألم الموجب للورم؟

والقول علي هذا باتفاقية ترتبه لا يكاد يتعقل له محصل إلاّ إذا كان واقعاً من غير مدرك.

وثالثاً: إن الأخبار الواردة عن أئمة الهدي في تفسير قوله - تبارك وتعالي -: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحداً إلاّ من ارتضي من رسول) [18] تدل علي أن محمداً (صلي الله عليه وآله) ممن ارتضاه الله، وأنه انتهي إليه، ثم إليهم علم كل ما قدّره الله وقضاه [19] . ولا شك أن من ذلك تورم قدميه، لفرض وقوعه بتقدير الله وقضائه. ولعمري لو أن أحداً قال بأنه (صلي الله عليه وآله) لم يعلم ذلك بعلم الله، لكان في علمه العادي - بالتقريبات التي أسلفناها - كفاية.

إن قيام رسول الله الذي تورمت قدماه به لو كان قياماً عادياً، لصح لقائل أن يقول فيه ما شاء، لكنه شاق بذاته، مؤذٍ في نفسه وإن قصر، لأن علي بن إبراهيم - في تفسيره - يروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه [20] كان يقوم علي أصابع رجليه حتي تورم [21] . وثقة الإسلام - في (الكافي) - يروي عنه (عليه السلام): أنه كان يقوم علي أطراف أصابع رجليه، فأنزل الله (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي) [22] . وعبد الله بن جعفر الحميري - في محكي (قرب إسناده) - يروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يقوم ويرفع إحدي رجليه، فأنزل الله عليه (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي)، فوضعها [23] ، [24] .

فبالله عليك ما هذا القيام الشاق الذي اختاره رسول الله - علي ما يقول صاحب الجواهر - إلا لأنه أشق أفراد القيام وأحمزها. وهل يصح في ما إذا اختاره (صلي الله عليه وآله) وهو مؤذٍ في نفسه أن يقال: أنه لا يعلم بترتب الأذي عليه؟ كل ذلك للفرار من القول بجواز فعل المؤذي للنفس في الجملة.

أنا والله لا أريد تأييد القول بعلمه بذلك إلا لرفع الوصمة عنه (صلي الله عليه وآله) وحفظ عصمته عن الزلّة [25] ، لأنّ ترتب الورم علي قيامه إن كان اتفاقياً وهو لا يعلم به، لزم مع جهله فعله للحرام جهلاً. وإن كان ليس باتفاقي - كما ظاهر أكثر الأخبار وصريح ما عداها - لزم علي رأي الكاتب أن فعل كل ما يؤذي النفس محرماً لزم أن يكون الرسول الأكرم قد فعل الحرام عمداً(!!!)

وإذا جوّز بعض السهو عليه (صلي الله عليه وآله) في غير الأحكام، ونسب آخرون إليه الجهل بالموضوعات، فإن أحداً منّا قبل اليوم لم يلصق بساحته المقدسة فعل الحرام لا عمداً ولا جهلاً ولا سهواً ولا خطاً، لا اختياراً ولا اضطراراً، لا قبل النبوّة ولا بعدها [26] .

بل الظاهر اتفاق أصحابنا علي عدم وقوع السهو منه في المباحات والمكروهات وتنزيهه حتي عن مثل الفظاظة والغلظة، وعن المباحات القادحة في الأدب، كالأكل ماشياً وفي الطرقات.

بل صريح من جعل العصمة لطفاً - في نقل شارح التجريد - أنه مؤاخذاً علي ترك الأولي، فلا يخل به عمداً، ولا سهواً، ولا خطأً.

ولذلك فإني لا أري صاحبنا اليوم يتترّس - في مزعمته - بشيخنا الصدوق إذ جوّز عليه السهو عن الصلاة وفيها، بل ينبغي أن يضيف إليه القائل بجهله بالموضوعات، [27] لأن قوله مزيج من القولين اللذين ما أظنهما اجتمعا لواحد.

مع أنّا مهما وسعنا القول بعلمه (صلي الله عليه وآله) وعلم الأئمة (عليهم السلام) في باب الموضوعات، فلا يسعنا إنكار علمهم في الباب المذكور بمثل عاقبة القيام في الصلاة المؤدي إلي فعل الحرام عصمة لهم عن الإثم، وحفظاً عن الخطيئة، وإلا فما معني كونهم مؤيّدين بروح القدس الذي لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ولا يلعب؟ [28] .

هذا مع أن الصدوق نفسه يتنصل عن نسبة السهو إليه (صلي الله عليه وآله)، ويسمي ما يدّعي وقوعه منه إسهاءً من الله لنوع من المصلحة ذكره [29] ، وأنه ليس كسهونا الذي هو من الشيطان. وأين هذا من مزعمة الكاتب الخالية عن المصلحة؟ وهي مع ذلك تجهيل للنبي (صلي الله عليه وآله)، لا إسهاءً من الله تعالي (!!).

وإذا كان الكاتب غير معتمد في مقالته علي خبر يدل عليها، بل تأوّل خبراً لا ينافي بظاهره العصمة إلي ما ينافيها، فإن شيخنا رئيس المحدثين يركن إلي أخبار كثيرة مستفيضة، كان معذوراً في الاعتماد عليها [30] لو كان ممن يصلح - علي رأي شيخنا المفيد - لسوي حمل الأخبار وروايتها [31] ومع ذلك فقد لقي من نوافذ الكلمات الشنيعة من المفيد والسيد والشيخ والعلامة والشهيد وأضرابهم ما لا يجمل بالأدب ذكر كله، حتي قال المفيد في خاتمة رسالة نفي السهو في الرد عليه - بعد أن نقل مقالته -: (وإن كان شيعياً يعتمد علي هذا الحديث - يعني حديث ذي الشمالين المتضمن لسهوه - في الحكم علي النبي (صلي الله عليه وآله) بالغلط والنقص وارتفاع العصمة، لناقص العقل، ضعيف الرأي، قريب إلي ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف) [32] .

ولأكتفِ بهذا عن غيره مما هو شنيع للغاية، فإن رسالتي هذه لم توضع لنقل مطاعن العظماء، سامحنا الله وإيّاهم بفضل كرمه.


پاورقي

[1] سيماء الصلحاء: 80.

[2] رسالة التنزيه: 20.

[3] قال: کان - يعني رسول الله - يقوم علي أصابع رجليه حتي تورم. [تفسير علي بن إبراهيم 2: 58].

[4] قال: لقد قام رسول الله (صلي الله عليه وآله) عشر سنين علي أطراف أصابعه حتي تورمت قدماه، واصفر وجهه، يقوم الليل أجمع، حتي عوتب علي ذلک. ورواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضاً.

[5] بحار الأنوار 17: 257. م.

[6] الخرائج 2: 917. م.

[7] المقصود من الذنب هنا ليس هو المعصية. بل له معني آخر لا يسع المقام تفصيله. م.

[8] الحديث طويل، وفيه - بعد الفقرة المذکورة -: فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لک ما تقدّم من ذنبک وما تأخّر؟ فقال له: (أفلا أکون عبداً شکوراً)؟ [الأمالي 2: 18].

[9] في المصدر (ويظمأ في الصيام..). م.

[10] عصب الفم: جفاف ريقه من العطش. وهذا لا يکون - غالباً - إلا في طول الصلاة.

[11] بحار الأنوار 46: 57، فتح الأبواب: 18. م.

[12] سورة طه آية 1-2. م.

[13] هذا کالصريح في کونه (صلي الله عليه وآله) قاصداً بذلک زيادة القرب لله. ومتنه هکذا: سأل بعض اليهود أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال له: إن داود بکي علي نفسه حتي سارت معه الجبال لخوفه. فقال (عليه السلام): (لقد کان کذلک، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا) إلي أن قال: (ولقد قام عشر سنين علي أطراف أصابعه حتي تورمت قدماه، واصفّر وجهه يقوم الليل أجمع حتي عوتب علي ذلک بقول: (طه، ما أنزلنا عليک القرآن لتشقي، بل لتسعد به). والشقاء هو التعب، والسعادة: الراحة. [الاحتجاج 1: 315، الخرائج 2: 916].

[14] مجمع البيان 7: 4. م.

[15] الحدائق الناضرة 6: 28. م.

[16] تمام الحديث. وکان يقسّم الليل أنصافاً، فيقوم في صلاة الليل بطوال السور، وکان إذا رکع يقال: لا يدري متي يرفع. وإذا سجد، يقال: لا يدري متي يرفع.

[17] مصباح الشريعة: 170. م.

[18] سورة الجن آية 26. م.

[19] هذه الأخبار مروية في الکافي [1: 256] والبصائر [صفحة 295]، وهي کثيرة.

[20] أي: رسول الله (صلي الله عليه وآله) م.

[21] ير علي بن إبراهيم 2: 58.

[22] الکافي 2: 95. م.

[23] قرب الإسناد: 171. م.

[24] ليس کلامي في جواز رفع إحدي الرجلين أو الاعتماد علي الأصابع في القيام للصلاة، فإن ذلک مختلف فيه. وقد ادعي بعض أصحابنا ارتفاع مشروعيته بعد نزول الآية، وإنما الغرض ذکر الأخبار فقط.

[25] إذا کان إيذاء النفس وإضرارها ليس بمحرّم، فلا وصمة عليه ولا زلّة منه.

[26] ذکر ذلک مؤلف الرسالة أيضاً في (الدّر الثمين) ص 10.

[27] المراد بها الموضوعات الجزئية مطلقاً، أو التي لا حکم لکلّيّها، ککون الجارية في البيت أما التي يکون لکلّيّها حکم، کأبوّة زيد لعمرو المحکوم علي کلّيّها بالتوارث، فيلزم تعميم علمه لها، ومن هذا القسم جهله (صلي الله عليه وآله) بکون قيامه مضراً.

[28] وصف روح القدس بهذه الأوصاف قد تضمنته أخبار کثيرة مذکورة في بصائر الدرجات [صفحة 454]، ونقل بعضها في البحار عن کتاب الاختصاص.

[29] في کتاب من لا يحضره الفقيه [1: 134]. وهو أن لا يتخذه الناس رباً معبوداً، وأن يعرف الناس بذلک أحکام السهو، وأن لا يعيّر به بعضهم بعضاً. ولا يخفي أن هذه العلة لو تمت، لأدت إلي ما لا يقول به أحد من المسلمين، ولأوجبت جواز العرج والعور وشبههما من العيوب والعاهات، عليه.

[30] القول بوقوع السهو من النبي - کيف ما کان - باطل بضرورة المذهب، ولما لم يکن هذا الموضوع قد صار ضرورياً في عصر الصدوق، فإن قوله بالسهو آنذاک، لم يعدّ قولاً علي خلاف الضرورة المذهبية، ولم يوجب فسق القائل. أما اليوم الذي أصبح فيه عدم سهو النبي مطلقاً من ضروريات المذهب، فالقول به مخالف للضرورة وموجب للفسق قطعاً. م.

[31] وذلک لقوله في حقه في هذا الکتاب: (أنه قد تکلّف ما ليس من شأنه، ولا هو من صناعته، ولا يهتدي إلي معرفته، ولو کان ممن وفق لرشده، لما تعرض لما لا يحسنه). [عدم سهو النبي: 20].

[32] عدم سهو النبي: 32.