بازگشت

خلاصة القول في الإيذاء والضرر


لنرجع إلي مسألة إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها، ونبحث عنهما من طريق آخر لا يعسر علي العامة فهمه، يكون نصفاً بين الجميع، فنقول:

لا ريب في أن لإيذاء النفس وإدخال الضرر عليها مراتب، أعلاها ما ليس فوقه إلا إزهاق النفس وأدناها ما ليس تحته إلا العدم المحض، والمراتب المتوسطة بينهما كثيرة لا تقف علي حد. وليس في الأدلة الشرعية ما يقضي بحرمة غير ما يكون إلقاء للنفس بالتهلكة، أو الجناية عليها بقطع عضو، أو حدوث مرض لا يتحمل في العادة، وشبه ذلك.

ولا نجد في أحكام العقول ما يوجب قبح غير ما يكون ظلماً للنفس، وليس جميع المراتب المتوسطة من الظلم القبيح إذا خلت عن الأعراض الأخروية باعتبار انطباق العناوين الراجحة عليها شرعاً، فكيف إذا انطبق عليها نحو عنوان الإبكاء، والحزن، والجزع لمصاب سيد الشهداء.

والحاصل أن الفعل الذي ينزله الفاعل بنفسه - ويسميه هذا الكاتب إيذاءً وإضراراً - إذا وقع لغرض عقلائي، ولو كان هو النفع الأخروي، لا يصدق عليه اسم الظلم قطعاً، وإلاّ كان عليه أن يلتزم بحرمة ارتكاب المهن المجهدة للنفس والبدن من حرفة أو صنعة [1] . ومع عدم صدقه فأي دليل من العقل والنقل - كما يقول - علي حرمته؟ بل أي دليل علي الحرمة إذا تجرد عن كل غرض عقلائي؟ إذ غاية الأمر صيرورته حينئذ فعلاً عبثياً، ولا برهان من العقل والنقل يدل علي أن كل فعل ليس للعقلاء فيه فائدة مقصودة معتد بها، قبيح عقلاً ومحرّم شرعاً، فإن العناوين القبيحة العقلية معلومة، وليس العبث منها، وموضوعات الأحكام التحريمية معروفة - حسب ما يستفاد من الأدلة الشرعية -، وليس هو أحدها.

لكني لا أستبعد من بعض أهل الأذواق اللطيفة أن يقول حينئذ (هو فعل همجي وحشي جنوني) إلي غير ذلك من هذه الألفاظ ومن أمثالها.

ونحن نلقي إليه بكل صراحة هذا الجواب: أن هذه السفاسف الرائجة لا يعتني بها الفقهاء، إلا أن يقوم البرهان عندهم علي حرمة عنوان (الوحشية) و(الهمجية)، وإن لم يكن فيه خروج عن الحدود الشرعية.

ومن هذا كله يحصل اليقين بالفرق بين الإيذاء والإضرار، وأن الإيذاء بجميع أنواعه لا دليل علي حرمته، ومنه جرح الإنسان رأسه بسيف أو مدية، وضرب ظهره بسلسلة، ولدم صدره حتي يسود، وحتي يسيل منه الدم.

وأما الإضرار فما يكون منه ظلماً للنفس بإلقائها في مهلكة وتعريضها للأمراض، والآفات والعاهات، فلا ريب في قبحه عقلاً وحرمته شرعاً [2] . وما لم يكن كذلك فلا دليل علي حرمة المعلوم كونه ضرراً، فضلاً عما يشك في كونه مضراً [3] .

الهوامش:


پاورقي

[1] کالعمل في المعامل الحديدية، وأتونات البواخر والحمامات، وقس علي ذلک حرث الأرض بالآلات العادية القديمة، وطرق الحديد بالمطارق الثقيلة، ومزاولة عمل البناء في حمّارة القيض وصبّارة القر، وغير ذلک مما يوجب إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها.

[2] لعموم حرمة الظلم کتاباً وسنّة.

[3] الموارد المشکوک کونها ضرراً من جهة الشبهة المفهومية، يرجع فيها إلي العمومات المثبتة للتکاليف، ولا يرجع - البتة - إلي ما يدل علي حرمة الإضرار بالنفس لو کان له عموم أو إطلاق، إلا علي القول بجواز التمسک بالعموم عند الاشتباه في المصداق.