بازگشت

اعتبار خوف الضرر موضوعي


الدقيقة الثانية: إن الكاتب في ص 17 من رسالته هوّل علي قول القائل (لم يقم برهان علي عدم جواز أن يكلّف الله بما فيه ضرر) بأنه (أين قول الفقهاء: دفع الضرر المظنون واجب؟ وأين اكتفاؤهم باحتمال الضرر الموجب لصدق خوف الضرر في إسقاط التكليف؟ وأين قولهم بوجوب...، وقولهم ببطلان...)؟ وذكر مواضع يفتي الفقهاء فيها ببطلان العبادة مع خوف الضرر [1] .

وهذا من غرائب الفقه، فإن لأصحابنا في اعتبار ظن الضرر وخوفه في الموارد المعدودة وغيرها، مذاهب شتي تعرف من متفرقات كلماتهم في أبوابها. والكلام في حكم أنيط بالضرر، لا بظنه أو خوفه كما هو الشأن في موارد النقض المذكورة.

والظاهر أن اعتبار أكثرهم للظن والخوف في تلك الموارد من باب الموضوعية، ولذلك لم يختلفوا - علي الظاهر - في أن سلوك الطريق المظنون الخطر يوجب إتمام الصلاة فيه، وإن انكشفت عدم الضرر. وقد حكي عن المحقق في (المعتبر) الحكم بعدم وجوب إعادة الصلاة بوضوء علي من ظن مخوفاً يمنع من استعمال الماء، فتيمم وصلي، ثم بان فساد ظنه، وببطلان الغسل إذا ظن الضرر باستعمال الماء، فاغتسل ثم بان فساد ظنه.

وإذا كان ظن الضرر أو خوفه في تلك الموارد تمام الموضوع أو جزءه، سقط الاستدلال به، ولم يصح أن يجعل آلة تهويل علي ما هو محل الكلام من إدماء الرأس بسيف - مثلاًً -، أو ضرب الظهر بسلسلة، إلاّ إذا كانا مظنوني الضرر أو مقطوعيه، وذلك أخص ممن يدعيه.

ولو تنزلنا عن ذلك وقلنا باعتباره من باب الطريقية، نظراً إلي أن انسداد باب العلم بالضرر الواقعي يوجب إناطة الحكم بالظن به بلا مدخلية له في الموضوعية للحكم، فغاية ما يقتضي ذلك ثبوت الحرمة عند تحقق الضرر واقعاً، وإن لم يكن مظنوناًً، وهذا لا أثر له في ما يراد إثباته ونفيه في المقام، لأن الانسداد المذكور - ولو بنينا علي طريقية الظن - يوجب تبعية الحكم الفعلي للقطع بالضرر اتفاقاً، أو ظنه. ولا ريب في أن بطلان العبادة بالنهي عنها يتبع النهي الفعلي المنجز، ولا أثر للحكم الواقعي إلا الإعادة أو القضاء عند انكشاف الحال، ولكن في دعوي القطع أو الظن بالضرر في مثل إدماء الرأس من المجازفة والمكابرة ما يشهد الوجدان بخلافه.

أما قول القائل (أين قول الفقهاء: دفع الضرر المظنون واجب؟ وأين اكتفاؤهم باحتمال الضرر)؟، فهو أشد غرابة ومجازفة، فإنا لم نجد أحداً من الفقهاء أفتي بوجوب الصوم وإتمام الصلاة في السفر المحتمل فيه الضرر، ولا سقوط وجوب الحج عمن يحتمل في سفره ذلك، ولا وجوب التيمم مع احتمال الضرر بالوضوء أو الغسل، إلي غير ذلك من موارد احتمال الضرر الدنيوي.

نعم قد علّق الحكم في بعض الموارد علي خوف الضرر المساوق للظن به، وهو أن شمل الشك، كان حكماً تعبدياً في مورده، لا يصح النقض به، ولا يصلح لاستفادة قاعدة منه.

وقول العلماء بوجوب دفع الضرر المظنون، لعله يراد به الضرر الأخروي، وهو في موارد قيام الأمارات الشرعية في الموضوعات والأحكام مما لا ريب فيه. وفي غير تلك الموارد ملحق بالضرر المحتمل، وقد تطابق العقل والنقل علي الاعتناء به في الشبه البدوية مطلقاً أو في الجملة.

أما الضرر الدنيوي مظنوناً أو محتملاً، فقد أسلفنا القول بأن دفعه أمر فطري جبلي، وليس بحكم عقلي ولا شرعي إلا ما كان منه نحو إلقاء النفس في مهلكة، أو موجباً لفقد طرف، أو حدوث مرض أو شبه ذلك، وذلك لخصوص ما علق فيه الحكم علي خوف الضرر أو ظنه، علي تفصيل سلف في صحة العبادة معه وعدمها [2] .

إذاً فما هو موقع القول (وأين اكتفاؤهم باحتمال الضرر الموجب لصدق خوف الضرر في إسقاط التكليف)، فإنا لا نعرف فقيهاً ولا أصولياً اكتفي في الضرر الدنيوي بالاحتمال في سقوط تكليف ولا ثبوته، كيف والأضرار المحتملة في الأفعال نفساً ومالاً وبدناً مما لا تكاد تنتهي، ولا يمكن التحرز عنها، إذ ما من فعل إلاّ ويحتمل الضرر فيه من جهة أو جهات.

نعم ذكر متكلمونا ذلك في مقام الاستدلال علي وجوب شكر المنعم، إذ قالوا: بأن في تركه احتمال المضرة، وجعلوا ثمرة وجوب دفعه استحقاق تارك الفحص عن صحة دعوي مدعي النبوة، العقاب. والاكتفاء به من خصوصيات ذلك المقام المعلوم مصادفة الاحتمال فيه للواقع، وذلك في الحقيقة دفع لأعظم الأضرار المقطوعة، لا المحتملة.


پاورقي

[1] وهي حکمهم بوجوب الإفطار لخائف الضرر من الصوم، وبطلان غسل من يخاف الضرر باستعمال الماء، وبوجوب الصيام وإتمام الصلاة علي المسافر الذي يخاف علي نفسه الضرر بسفره، وبسقوط الجمع عمن يخاف الضرر بالسفر. ومن راجع کلمات الفقهاء في هذه الموارد يعلم تصريح بعضهم بصحتها مع حصول الضرر في الواقع إذا اعتقد المکلّف السلامة. ومع الغض عن ذلک فقد فات الکاتب أن يعلم أن الضرر الدنيوي الذي علّقت عليه الأحکام المذکورة ليس هو کل ما يعرض للإنسان من العوارض المؤذية، بل هو ما يخاف معه علي النفس أو علي الأطراف من التلف، أو يخاف معه حدوث مرض أو بطؤه، وأين ذلک من الإيذاء الحاصل بإدماء الرأس وضرب الظهر بسلسلة؟ ولما ذکرنا قيّد في (مجمع البرهان) [1: 214] المرض المسوغ للتيمم بما يضر معه استعمال الماء ضرراً بيّناً، بحيث يقال عرفاً: أنه ضرر، وقيّد الأکثر الخوف بکونه علي النفس في باب إتمام الصلاة علي المسافر الذي يخاف الضرر. وصرّح في (الجواهر) [16: 345] بأن ملاک الإفطار بالمرض، شديده.

[2] قال في (بيان الأصول) 5: 123: (إن قلنا بأصالة حلية الأضرار إلا ما خرج، فالمخرج أمور:

أ- قتل النفس مباشرة، أو بالواسطة القريبة والبعيدة التي يصدق عليها قتل النفس والإلقاء في التهلکة للآية (ولا تلقوا...)، والرواية (من قتل نفسه دخل النار)، والإجماع، والعقل، بل ضرورة الدين.

ب - قطع عضو من أعضائه، أو شل قوة من قواه، وقد ادعي عليه الإجماع.

ج - الأضرار العظيمة الموجبة لحدوث أمراض طويلة صعبة العلاج، أو مستمرة مدي العمر، وإن لم تؤد إلي الموت ونحوه. ولعله إما لصدق (التهلکة) عليه، فتأمّل، وإما لارتکاز ذهن المتشرعة. ولو أشکل فيهما موضوعاً أو حکماً، فالأصل البراءة). م.