بازگشت

الضررية لا توجب حرمة التطبير والضرب بالسلاسل


الدقيقة الأولي: إن كثيراً من أصحابنا [1] صرحوا بصحة العبادات الضررية إذا كان الضرر غير مؤد إلي الموت أو سرعته أو إلي مرض يزمن مثلاً، وشبه ذلك من الأضرار التي يعلم من الخارج عدم جواز تحملها.

ولا يخفي أن البطلان في هذه الصورة يبتني علي امتناع اجتماع الأمر والنهي وترجيح جانب النهي، لا علي قاعدة الضرر، ولذا يختص البطلان بصورة العلم بالضرر - كما هو المقرر في تلك المسألة من اختصاص الحرمة والفساد بصورة العلم.

وأما صحتها في ما إذا لم يكن الضرر مؤدياً إلي مثل ذلك، وبعبارة أخري: إذا كان الضرر مما علم من الخارج جواز تحمله، فلأن نفي الضرر لا يقتضي إلاّ رفع وجوب الشيء المضر، لأن الضرر يتأتي من قبله، لا من قبل شرعيته. ورفع الإلزام لا ينافي ثبوت المصلحة المقتضية للتكليف غير الإلزامي في مورده، وذلك كاف في عبادية الشيء وصحة التقرب به لله تعالي.

وسيأتي في خاتمة هذا الباب أن شيخنا المحقق الأنصاري يحكم بصحة جميع العبادات الضررية التي يعتقد المكلف عدم التضرر بها مع كونها مضرة في نفس الأمر وتبعه علي ذلك المحقق الآشتياني في (رسالة الحرج) [2] ، لكن في غير الضرر الذي كان تجويزه منافياً لحكم العقل.

وإذا صحّت العبادات المضرة واقعاً مطلقاً، أو علي بعض الوجوه عند هؤلاء المحقّقين، وكانت راجحة عندهم ومقربة لله، فلماذا يكون مثل إدماء الرأس، وضرب الظهر بسلسلة، محرّماً أو غير مندوب لمجرد دعوي كونه ضررياً، وهو أمر يشاركه فيه سائر العبادات؟ فهلاً وسعه - عند الكاتب - ما وسع غيره من الضرريات عند المحققين إذ أفتوا بشرعيتها في الجملة مع الضرر.

مع أن دعوي كون شديد جرح الرأس المتعارف في العزاء الحسيني - فضلاً عن خفيفه - ضرراً، ممنوعة جداً. نعم هو إيذاء، والإيذاء غير الضرر، ولا دليل من عقل أو نقل علي حرمته وفساد التعبّد به لأجل الضرر.


پاورقي

[1] منهم: الشيخ العلامة الفقيه الشيخ آقا رضا الهمداني في کتابه (مصباح الفقيه) باب التيمم، وفي تعليقته علي رسائل المحقق الأنصاري في آخر رسالة أصالة البراءة. ومنهم المحقق الأنصاري والفاضل الآشتياني، ولکن لهذين تفصيلاً آخر تعرفه مما أشرنا إليه في المتن.

[2] رسالة الحرج مخطوط.