بازگشت

التطبير ليس مضرا


ولا ريب أن إدماء الرأس ليس مضراً للكافة، فلماذا يكون محرماً علي الإطلاق، بل اللازم - لو استفيد التحريم من القاعدة - أن يكون محرماً حيث يكون ضرراً، لا مطلقاً.

لكن الكاتب في ما أسلفنا نقله من رسالته يقول: (الجرح نفسه ضرر)، وهذا ليس من كلام الفقهاء، بل من كلام طبيب غير حاذق، فالحاذق يأبي له حذقه من الحكم علي البت بأن الجرح ضرر، لأنه في واقع الأمر وبحكم الوجدان قد يكون ضرراً وقد لا يكون.

أن حصول الضرر بالجراح من العوارض الاتفاقية التي لا يمكن ضبطها، ولا يصلح للفقيه جعلها مناطاً للحكم وملاكاً لقاعدة مطردة في جميع الموارد الشخصية. وأخري أن علي الفقيه بيان الأحكام، وليس من شأنه تنقيح الموضوعات الصرفة الجزئية، فضلاً عن الحكم علي جزئياتها غير المحصورة [1] .

ثم إذا كان الجرح ضرراً - كما يقول - لا يتجه أصلاً إثبات حرمته إلاّ بدليل غير قاعدة الضرر، كنحو (لا تضروا أنفسكم أو لا تؤذوها) أما القاعدة فقد تقدم أن موردها لا يندرج فيه الحكم الثابت للموضوع الضرري علي رأي شيخنا صاحب (الكفاية). وأما علي المذهب فخروج ذلك أبين، لما مر من أن المدار في شمول القاعدة لشيء علي كون الحكم المجعول شرعاً يلزم منه الضرر، لا كون الشيء مضراً بذاته، والحكم لا يكاد يكون كذلك إلاّ إذا كان إلزامياً، لأن المرخص في تركه مهما كان متعلقه مضراً، لا يكون ضرراً من قبل الشرع.

في ختام هذا الفصل يجب أيضاً الالتفات إلي دقيقتين:


پاورقي

[1] ولذلک لم يوجد في شيء من الأخبار شيء من الأضرار الموجبة للإفطار، أو ترک القيام في الصلاة، أو غيرهما، بل أوکل إلي الإنسان نفسه، ففي خبر عمر بن أذينة قال: کتبت إلي أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله ما حدّ المرض الذي يفطر فيه صاحبه والمرض الذي يدع فيه صاحبه الصلاة من قيام. فقال: (بل الإنسان علي نفسه بصيرة) وقال: (ذاک إليه، هو أعلم بنفسه). وفي خبر سماعة: قال: سألته: ما حد المرض الذي يجب علي صاحبه فيه الإفطار کما يجب عليه في السفر؟ قال: (هو مؤتمن عليه، مفوّض إليه، فإن وجد ضعفاً فليفطر، وإن وجد قوّة فليصم). [وسائل الشيعة 7: 156 - 157].